حتى اليوم، لا تستطيع السيدة "فتاة"، أن تحضّر نفسها لرؤية قبر زوجها وابنتها وعدد من أقاربها الذين فقدتهم في زلزال سوريا الكارثي، قبل عام من اليوم. "لقد اختفى البناء الذي كنت أسكنه معهم"؛ تقول السيدة البالغة من العمر ستين عاماً من مكان سكنها الجديد المستأجر في منطقة "سقوبين" في شمال اللاذقية.
تعيش "فتاة" اليوم، على الإعانات التي تقدمها لها الجمعيات المحلية. إحدى هذه الجمعيات استأجرت لها بيتاً متواضعاً لمدة عامين، دون أن يكون فيه أي فرش أو أدوات للحياة الطبيعية بما في ذلك وسائل الإنارة التي تأمنت لها لاحقاً عبر متبرعين محليين.
بعد عام على الكارثة، لم يتغير شيء عند "فتاة"، فهي حتى اليوم لم تنَل أي تعويض من الحكومة السورية؛ فالبيت الذي كانت تعيش فيه، كان مستأجراً وذهب التعويض إلى صاحب البيت، وهذه القصة تكررت كثيراً في سوريا ولم يتم إيجاد حلول لها حتى الآن.
تسببت كارثة السادس من شباط/ فبراير 2023، في مقتل ما يقرب من خمسين ألف سوري في تركيا، ونحو عشرة آلاف في سوريا، هذا غير الجرحى ومحو مساحات من مدن وقرى وأحياء بأكملها، على طول خط الزلزال الذي شعر به سكان المنطقة حتى جنوب بلاد الشام ومصر.
أكثر المدن والمناطق السورية تأثراً، كانت تلك القريبة من مركز الزلزال الأول في منطقة بازارجيك في ولاية كهرمان مرعش، والذي أعقبه بعد تسع ساعات زلزال ثانٍ مركزه منطقة إلبيستان في الولاية نفسها، بشدة بلغت 7.6 درجات على مقياس ريختر. أما أول المدن تضرراً فكانت "قهرمان مرعش" التركية. ويتبين من تحليل الأثر الجغرافي للزلزال ضمن الجغرافيا السورية على مستوى الوحدات الإدارية، أن شدة أضرار الزلزال تركزت في منطقة حارم، ثم في منطقتَي عفرين وجنديرس بالدرجة نفسها تقريباً (الأكثر تضرراً، حيث سجلت أكثر من ألفَي حالة وفاة وتأثر 80 في المئة من المباني)، وصوران وجبل سمعان (مدينة حلب والأتارب) بالدرجة نفسها، ثم جبلة واللاذقية، وأخيراً حماة وسهل الغاب بوفيات بلغت نحو ألفي حالة تقريباً.
ماذا فعلت السلطات خلال عام مضى؟
نتيجةً لأوضاع البلاد الصعبة وسوء تقدير احتمال وجود كوارث طبيعية وأخرى طارئة بعد عشر سنوات على حرب كان يُفترض بها تفعيل أنظمة الطوارئ، تأخرت عمليات الإنقاذ في مناطق سورية عدة. ولكن جهود المجتمعات المحلية استطاعت نسبياً تجاوز النقص الحاصل في الآليات والتكنولوجيا والمعدات والأفراد المدرّبين. ويصح هذا الكلام على مناطق سيطرة الحكومة المركزية، كما على مناطق خارج سيطرتها. وبعد نحو شهر وأكثر على حدث الزلزال، أعلنت دمشق انتهاء عمليات انتشال الضحايا وإنقاذ المصابين، في حين تأخرت عمليات الإنقاذ في مناطق شمال غرب البلاد بسبب تعقيدات سياسية ولوجستية، واعترفت الأمم المتحدة بتأخّرها عن الإغاثة لأكثر من أسبوعين في تلك المناطق، مما فاقم أوضاع الناس سوءاً.
نتيجةً لأوضاع البلاد الصعبة وسوء تقدير احتمال وجود كوارث طبيعية وأخرى طارئة بعد عشر سنوات على حرب كان يُفترض بها تفعيل أنظمة الطوارئ، تأخرت عمليات الإنقاذ في مناطق سورية عدة. كيف يعيش السوريون المتضررون من الزلزال في الذكرى الأولى له؟
وفق الأرقام المتوافرة، فقد كان إجمالي عدد المنازل التي تهدمت مباشرةً بسبب الزلزال في مناطقة حكومة دمشق، نحو 890 بناءً مع تضرر 2.174 بناءً لم تعد صالحة للسكن. وفي مناطق شمال غرب البلاد، وصل العدد - وفق إحصاءات فرق الاستجابة - إلى نحو 1.800 بناء وتضرر ثمانية آلاف لم تعد صالحة للسكن.
لم تكن هذه الأرقام كبيرةً قياساً بالبيوت التي تهدمت في تركيا كلياً أو جزئياً، والتي بلغ عددها 717 ألفاً و614 مبنى، وفق مصادر حكومية تركية، بالإضافة إلى خسارات كبيرة في الاقتصاد الوطني.
مع انتهاء عمليات إزالة الأنقاض في سوريا، لم تبدأ مرحلة إعادة البناء في غالبية المواقع المدمرة كما هو متوقع. في مناطق سيطرة دمشق، اختارت السلطات مواقع قريبةً من المناطق المدمرة، كما هو الحال في منطقة الغراف والفيض في جبلة واللاذقية وفي الشيخ مقصود في حلب، بينما اكتفت في مواقع أخرى بالتجريف وإزالة الأنقاض، أما في الأرياف فبقيت الأنقاض في غالبية المواقع المتضررة، وفي أحوال أخرى عاد سكان إلى بيوتهم وفكّوا ختمها بالشمع الأحمر نظراً إلى عدم توفر بدائل.
في اللاذقية، ووفق إعلام الحكومة، بنت مؤسسة الإسكان الحكومية في منطقة الغراف التي تضررت بنسبة كبيرة من الزلزال، 350 وحدةً سكنيةً (قرب الرمل الجنوبي)، والأعمال مستمرة حتى اليوم. وفي جبلة بنت المؤسسة في منطقة "الفيض" 55 وحدةً سكنيةً، وحتى اليوم فإنّ "الأعمال قائمة ومستمرة". أما في منطقة النقعة (موقعان للبناء)، فقد تم التنفيذ الكامل واستلام 46 وحدةً سكنيةً.
يشار هنا إلى أنّ الإمارات والصين قدّمتا عدداً من البيوت مسبّقة الصنع وُضعت في بعض أماكن التضرر من الزلزال، وبلغ عددها وفق التصريحات الرسمية قرابة الألف. وفي بعض مناطق الشمال السوري، قدّمت بعض الجهات العربية والدولية بيوتاً مسبقة الصنع بنسب قليلة، وأغلب الذين تضرروا بسبب الزلزال هناك انضموا إلى قائمة سكان المخيمات، في وقت خفّضت فيه المنظمات الإغاثية الدولية من مساعداتها لهؤلاء إلى النصف، كما أعيقت جهود تجديد قرار نقل المساعدات الإنسانية الضرورية عبر الحدود إلى شمال غرب سوريا.
في مناطق دمشق، استمرت عمليات بناء الوحدات السكنية بوتيرة مقبولة لتلبية احتياجات المأوى لمن فقدوا منازلهم، برغم عدم وضوح آليات اختيار هؤلاء واحتمال حدوث فساد في قوائمها الاسمية، بالنظر إلى جملة خصائص جاذبة لهذه المساكن خاصةً مسبقة الصنع منها بسبب توفرها على الماء والكهرباء بشكل دائم، وهي من الأمور التي يفتقدها السوريون منذ سنوات.
وبينما انتهت عمليات بناء بعض المواقع السكنية، ووصلت إلى مرحلة التسليم لمتضرري الزلزال في بعض المواقع في جبلة واللاذقية وحلب وريف حماة، تستمر عمليات البناء بسرعة مقبولة في مناطق أخرى، حسب البيانات الرسمية لمؤسسة الإسكان السورية وغيرها من الجهات.
وفق الأرقام المتوفرة من الجهات الحكومية السورية، وعبر مدير الصندوق الوطني لدعم المتضررين من الزلزال، فارس كلّاس، فإنّ العمل في العام الماضي تركّز على منح تعويضات لأصحاب المنازل المرخّصة، وهذه شكّلت 61 في المئة من المنازل المتضررة، مُنح كل منها مبلغاً وقدره 160 مليون ليرة على دفعتين، الأولى عند تقديم رخصة البناء، والثانية عند تصديق عقد المقاولة، مع ملاحظة أنّه تم حساب سعر متر البناء الجاهز بقيمة 2.4 ملايين ليرة تقريباً (نحو 182 دولاراً وفق السعر الرسمي)، وهي قيمة تعادل القيمة السوقية لمتر من البناء من النوع الجيد وفق أسعار السوق الراهنة حتى بقياس السعر على سعر السوق السوداء.
وحتى كانون الأول/ ديسمبر الماضي، قدّم الصندوق 18 مليار ليرة لـ374 متضرراً في ثلاث محافظات (حلب اللاذقية وحماة)، للشريحتين A وB، وهما شريحتان مكونتان ممن فقدوا بيوتهم في الزلزال في 6 أو 20 شباط/ فبراير، في مناطق منظمة أو منازل مخالفة في مناطق منظمة، أي بنسبة إنجاز بلغت 42 في المئة، مع إشارة إلى العمل على جمع بيانات شريحة جديدة من المتضررين (شريحة C)، تستهدف مالك سكن تم أو سيتم هدم مسكنه في منطقة منظمة أو غير منظمة من المنازل المتضررة غير القابلة للسكن. ومن المتوقع أن يستكمل الصندوق تقريره المالي نهاية كانون الثاني/ يناير 2024.
المشكلة في البيانات الحكومية السورية أنها دائماً غير واضحة، ولا تتوفر على موقع الصندوق المذكور أية بيانات إحصائية يمكن الاستفادة منها في فهم آليات العمل السابقة أو اللاحقة بشأن متضرري الزلزال، كما لا تتوفر أية بيانات حول خطط التعافي على موقع رئاسة مجلس الوزراء الإلكتروني بشكل منفرد.
إعادة الإعمار غير حاضرة في خطط العام الجديد؟
على أثر الزلزال، تباطأت الفعاليات التجارية والاقتصادية في المدن والمواقع التي تعرضت للزلزال. كما أنّ الأنشطة الزراعية في الأرياف تعطلت نتيجة التركيز على العمليات الإغاثية في المراحل الأولى، وهو ما تسبب في نقص متزايد في الوقود توّجته الحكومة برفع أسعار الوقود حتى مستوى يقترب من الأسعار العالمية. اليوم، لري قطعة أرض بمساحة دونمين ثلاث أو أربع مرات هي بحاجة إلى خمسين ليتراً من المازوت بكلفة تبلغ نحو 600 ألف ليرة أي ما يعادل 45 دولاراً، في وقت لا تزيد فيه أفضل رواتب القطاع العام الشهرية عن عشرين دولاراً والخاص عن المئة دولار.
خلال الفترات التالية للزلزال، ازدادت الضغوط التضخمية، مما أدى إلى ارتفاع حاد في الأسعار. ففي مناطق دمشق، تراوح معدّل التضخم بعد الزلزال بين 5.6% و 10 % مقارنة بكانون الثاني/ يناير .2023 في حين ارتفعت الأسعار في إدلب ارتفعـت الأسـعار في محافظة إدلب بنسبة 2.4 % وفي ريف حلب بنسبة 2.2 %، كما اتسعت فجوة الفقر العام بين متوسط إنفاق الأسر الفقيرة وخط الفقر العام؛ إذ ازدادت من 52 % إلى 59 % في إدلب ومن 45 % إلى 47 % في حلب، وهذا كله أدّى إلى ارتفاع في تكاليف الإنتاج وسبب بانكماش اقتصادي إضافي (حسب المركز السوري لبحوث السياسات تقرير كانون الثاني/ يناير وشباط/ فبراير 2023).
هذه الحقيقة الواضحة لم تكن حاضرةً في الخطط التنموية للحكومة السورية التي أعلنت ميزانية العام الحالي 2024، بمبلغ 2.52 مليار دولار حسب سعر دولار السوق السوداء القريب اليوم من الأسعار الرسمية، ويقلّ هذا الرقم بمقدار النصف عن تقديرات الخسائر البالغة خمسة مليارات دولار حسب البنك الدولي، بزيادة تضخمية وصلت إلى 41 في المئة عن ميزانية العام 2023، وهذا يشير بوضوح إلى أنّ مسألة إعادة الإعمار -خارج موضوع البناء الذي تولت تمويله جهات عربية إلى حد ما- ليست في خطط الحكومة السورية.
بعد الزلزال بأيام، ناشدت الأمم المتحدة من أجل جمع 397 مليون دولار لمساعدة ضحايا الزلزال في سوريا، على أن يوصل قسم منها مواد إغاثيةً وطبيةً وتموينيةً، فيما وصلت تبرعات من الدول العربية بلغت ما بين 150 و200 مليون دولار، وهذه القيمة ضئيلة مقارنةً بالحاجات السورية التي ازدادت بعد الزلزال اقتصادياً وإغاثياً، وبالطبع لا يمكن مقارنة هذه الأرقام مع أرقام التبرعات لتركيا التي قاربت مليارات عدة من الدولارات بعضها غير مرتجع. ومن المهم معرفة أنّ نسبة التبرعات المالية التي تلقّتها دمشق من الدول الأخرى غير متوفرة للوصول إليها بشكل رسمي أو شفّاف، وهو ما يطرح الأسئلة حول سياسات الحكومة السورية وشفافيتها أمام الرأي العام السوري والدولي.
لم تفرض الكارثة ضغوطاً سياسيةً ذات قيمة على دمشق، بل بالعكس حاولت الاستفادة من الكارثة في تطبيع علاقاتها مع العالم العربي بالدرجة الأولى، وهو ما لم يتحقق منه شيء يُذكر في العام التالي للزلزال، إذ بقيت دمشق معزولةً عن العالم إلى حد كبير. وفي تبرير تأخّرها في الاستجابة للحدث، علّقت دمشق إخفاقها على العقوبات الدولية وعدّتها العامل الرئيسي في تأخر استجابتها، في حين تجاهلت الفساد الذي يضرب مؤسساتها، وترهلها وضعفها القانوني واللوجستي وتجاهل احتمالات الطوارئ الواقعة منذ بدء الحرب السورية
على مدار العام الماضي، أظهرت بيانات الأمم المتحدة لتنسيق المساعدات الإنسانية (OCHA)، أنه تم الالتزام بأكثر من 95 في المئة من مناشدات الأمم المتحدة، وقسم منها تم توزيعه حتى منتصف العام الماضي.
لم تفرض الكارثة ضغوطاً سياسيةً ذات قيمة على دمشق، بل بالعكس حاولت الاستفادة من الكارثة في تطبيع علاقاتها مع العالم العربي بالدرجة الأولى، وهو ما لم يتحقق منه شيء يُذكر في العام التالي للزلزال، إذ بقيت دمشق معزولةً عن العالم إلى حد كبير. وفي تبرير تأخّرها في الاستجابة للحدث، علّقت دمشق إخفاقها على العقوبات الدولية وعدّتها العامل الرئيسي في تأخر استجابتها، في حين تجاهلت الفساد الذي يضرب مؤسساتها، وترهلها وضعفها القانوني واللوجستي وتجاهل احتمالات الطوارئ الواقعة منذ بدء الحرب السورية.
وفيما كانت تتعرض للّوم لأنها حصرت استجابتها في مناطق سيطرتها (في الحقيقة لم تسمح قوى الأمر الواقع لدمشق بأي تحرك في مناطقها وتحديداً مناطق إدلب)، كان على دمشق أن تناور للحصول على اعتراف دولي بحقها القانوني في فتح المعابر على الحدود السورية، بعد خروقات استمرت سنوات. وبالتوازي، فإن بقية حكومات الأمر الواقع السورية، لم تكن مهتمةً أصلاً بما بعد الزلزال إلا بما يفيدها في تعويم نفسها كلاعب في مسألة المساعدات الدولية لمناطقها، سواء عند حكومة الإنقاذ أو الحكومة المؤقتة، وهاتان الحكومتان بالتحديد استخدمتا الكارثة في تعميق الانقسام السوري، إذ رفضت الحكومة المؤقتة المساعدات التي قدّمتها الإدارة الذاتية بذريعة أن هذه المساعدات وسيلة للاستغلال السياسي وأظهر الزلزال حجم تبعيتها للاحتلال التركي، هذا عدا عن تركها مهام الإغاثة وما بعدها على عاتق المجتمعات المنكوبة بالأصل بعد سنوات من الحصار والتضييق عليها، سورياً ودولياً. وكان من الغريب الفاضح إغلاق معبر باب الهوى لمدة ثلاثة أيام عقب الكارثة مباشرةً. وحقيقةً، وفي كل المناطق، البطل الذي قام بالجزء الأكبر في سد فراغ المؤسسات العامة هو المجتمع المدني والأهلي.
بحثاً عن العدالة؟
مع انهيار مئات الأبنية في مناطق دمشق، والمناطق الأخرى، ظهر سؤال لم يُعثر له على إجابة حتى الوقت الراهن، والسؤال هو: من المسؤول عن انهيارات المباني الحديثة بشكل أساسي، في حين حافظت الأبنية القديمة على هياكلها؟ وكان التوقع أن تبدأ حملة محاسبة أو استكشاف على الأقل للأسباب المحتمل وجودها في هذه الحالة.
في واحدة من الحالات المؤكدة في اللاذقية (المشروع العاشر)، قام المتعهدون بقطع الأعمدة الداعمة في قبو البناء لتوسيع مستودعات الأثاث، وهذا البناء سقط فوق سكانه بكاملهم مؤدياً إلى مقتل عشرات الأشخاص. تذكر سيدة في لقاء سابق معنا، أنّ المقاولين هددوها وعائلتها إذا فكرت في تقديم شكوى ضدهم، وعند وقوع الزلزال ذهب زوجها ضحيةً فيما هرب المتعهد إلى خارج البلاد.
في الأيام الأولى لحدث الزلزال، سرت شائعات عن اعتقالات لمتعهدي بناء وهروب آخرين إلى خارج البلاد، فيما لم تلقِ السلطات الهندسية اللوم المباشر على أحد، ولكن ظهرت على وسائل التواصل الاجتماعي اتهامات للسلطات الحكومية والهندسية باستخدام الخرسانة الرخيصة وتجاهل معايير البناء الهندسية الأساسية، وفي الوقت الذي أصدرت فيه تركيا نحو 150 مذكرة توقيف بحق متعهدي بناء، فإن العدد غير معروف مع تأكيد حدوث مثل هذه الاعتقالات. وفي سؤال لعدد من المحامين في اللاذقية وحلب، أكدوا وجود دعاوى قضائية من متضررين على متعهدين موجودة في محاكم المدينتين.
مع مرور عام على الحدث، فإن الضحايا الذين يُحتمل أنهم سقطوا بسبب الغش في مواد البناء أو عدم اتّباع معايير السلامة الواردة في الكود الهندسي السوري المتشدد بهذا الخصوص، لن يكون بإمكانهم لوم المتعهدين أو مقاضاتهم لأن الكثير من أدلة التجريم اختفت عندما قامت الجرافات بإزالة الأنقاض، وفي الوقت نفسه فإن عدداً من المسؤولين الحكوميين الذين وقّعوا على تصاريح البناء قد تركوا وظائفهم أو كانوا جزءاً من شبكة المتعهدين نفسها. وبشكل قانوني فإن المتعهد الذي يثبت تورطه في عمليات غش في البناء يواجه عقوبة السجن المؤبد، إذا أدين بالتسبب في الوفاة أو الإصابة بسبب الإهمال الجسيم، ويشار هنا إلى أنّ المسؤولة عن التقارير الفنية عقب الزلزال هي نقابة المهندسين بالتعاون مع مجلس المحافظة.
في المناطق الأخرى التي خارج سيطرة دمشق، فإنّ مثل هذه الدعاوى على حد علمنا لا قيمة لها في حال حدوثها، بسبب التنازع الهائل بين قوى السيطرة وبسبب الخضوع الكامل للاحتلال التركي، وهذا يعني أن الضحايا الذين سقطوا نتيجةً للتهاون في تنفيذ الأبنية بمواد سيئة أو مخالفة التعليمات الهندسية، قد ذهبوا بثمن بخس.
يحدث الزلزال كظاهرة طبيعية متوقعة دائماً، ولكنه يتحول بعد انتهاء الحدث إلى مسألة سياسية وتنموية واقتصادية، يعتمد التعافي منها والبناء عليها على طرائق استجابة الدول لمفاعيل الكارثة، وكيفية إدارة خسائرها وصولاً إلى تجاوزها بطريقة تجعل حدوث ما حدث أقل احتمالاً مرةً جديدةً، وفي الحالة السورية فإن بلداً مزّقته الحروب لأكثر من عقد متسببةً في الانقسام الاجتماعي والسياسي وحتى الاقتصادي، يصعب عليه التخلص من مفاعيل هذه الكارثة خلال وقت قصير أو حتى خلال بضع سنوات
وماذا بعد؟
يحدث الزلزال كظاهرة طبيعية متوقعة دائماً، ولكنه يتحول بعد انتهاء الحدث إلى مسألة سياسية وتنموية واقتصادية، يعتمد التعافي منها والبناء عليها على طرائق استجابة الدول لمفاعيل الكارثة، وكيفية إدارة خسائرها وصولاً إلى تجاوزها بطريقة تجعل حدوث ما حدث أقل احتمالاً مرةً جديدةً، وفي الحالة السورية فإن بلداً مزّقته الحروب لأكثر من عقد متسببةً في الانقسام الاجتماعي والسياسي وحتى الاقتصادي، يصعب عليه التخلص من مفاعيل هذه الكارثة خلال وقت قصير أو حتى خلال بضع سنوات مهما كانت كمية المساعدات الدولية التي تلقّاها.
لقد أثبتت وقائع العام التالي للزلزال، ضعف التشاركية والشفافية لمختلف الأطراف السورية، وتحوّل الحدث الكارثي إلى مناسبة للاستغلال السياسي والاقتصادي ودفع التجاذبات إلى حدها الأقصى بين القوى المتنافسة، وهو ما يعني ببساطة مفاقمة الآثار السلبية للزلزال، بما فيها ترسيخ الاستبداد ودعم اقتصادات الحرب وتسييس الحوادث الطبيعية وتعزيز التبعية للآخرين. وهذا يجعل من الحل السياسي العادل الذي يرسخ التحول نحو دولة مؤسسات تشاركية ملتزمة خدمة المواطنين والمحافظة على حقوقهم في الملكية والحياة الكريمة، أمراً حاسماً في الخلاص ليس فقط من تبعات الزلزال أو المخاطر المستقبلية لحدث مشابه، بل من نتائج عشر سنوات من الحرب العبثية.
أخيراً، إنّ التدهور المستمر في أحوال البلاد والعباد سيكون دون شك مقدمةً لانتشار جديد للعنف غير المحسوب، قد يأتي على كل القوى المتصارعة، خاصةً في ظل تضاؤل الاهتمام الدولي بسوريا بعد اشتعال النيران في غير مكان في العالم العربي من غزة إلى السودان فأماكن أخرى في العالم، وهذا ما يعني ضرورة العمل على ابتكار حلول جديدة وإدراك أن بناء هوية سورية جديدة تعتمد عقداً تشاركياً بين الجميع، مقدمة الخلاص من كل أنواع الزلازل المحتملة مستقبلاً.
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
مستخدم مجهول -
منذ يومكل التوفيق ومقال رائع
Ahmad Tanany -
منذ 5 أيامتلخيص هايل ودسم لجانب مهم جداً من مسيرة الفكر البشري
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعلا يوجد اله او شئ بعد الموت
Mohammed Liswi -
منذ أسبوعأبدعت
نايف السيف الصقيل -
منذ أسبوعلا اقر ولا انكر الواقع والواقعة فكل الخيوط رمادية ومعقولة فيما يخص هذه القضية... بعيدا عن الحادثة...
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ اسبوعينمقال بديع ومثير للاهتمام، جعلني أفكر في أبعاد تغير صوتنا كعرب في خضم هذه المحن. أين صوت النفس من...