شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

لنبدأ من هنا!

"الإعلانات المدفوعة"... هكذا تتلاعب شركات الغذاء بعاداتنا عبر مؤثري السوشال ميديا

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

حياة نحن والحريات الشخصية

الجمعة 16 فبراير 202401:02 م

"سوف تخسر الكثير من وزنك بعد تناول هذا المنتج خلال فترة قصيرة"، و"تغلّبي على علامات التقدّم في السن بعد استخدامك هذا المنتج السحري" و"سيمنحك منتجنا القوة الجسدية والجنسية التي تحلم بها"؛ تتردد هذه العبارات وغيرها على مسامعنا كثيراً عبر شاشات الفضائيات وعلى وسائل التواصل الاجتماعي، والتي تروّجها أحياناً شخصيات مؤثرة من الوسط الفني أو عبر منصات التواصل الشهيرة مثل إنستغرام وتيك توك.

ولكننا أصبحنا نرى متخصصين/ ات غذائيين يروّجون/ ن منتجات، يزعمون أنها صحية وآمنة وتحقق الكثير من الفوائد، ويكون هذا عادةً في إطار شراكة مدفوعة -لا يُفصَح عنها تماماً- مع إحدى الشركات الغذائية.

فما هي طبيعة العلاقة بين تلك الشركات والأخصائيين/ ات في التغذية، ومدى مصداقية الإعلانات الترويجية التي يظهر بها بعض الخبراء المعتمدين؟ وكيف هو الحال في عالمنا العربي؟

لوبي شركات صناعة الغذاء

كشف تحقيق صحافي أجرته صحيفة "واشنطن بوست" ومنظمة "ذا إكزامينيشن" المعنية بإعداد تقارير عن الصحة العامة العالمية، عن دفع بعض شركات صناعات الأغذية والمشروبات والمكملات الغذائية الأموال لعشرات من متخصصي التغذية، الذين يملكون ملايين المتابعين/ ات على وسائل التواصل الاجتماعي؛ للمساعدة في الترويج لسلامة وصحة منتجاتهم وزيادة مبيعاتها، بالرغم من كونها تستخدم مواد تُحذر منها منظمة الصحة العالمية.

على سبيل المثال، تحت وسم سلامة الأسبارتام (#safety of Aspartame)، وهو مكوّن صناعي يُستخدم في التحلية ويدخل في تركيبة عدد من المنتجات الغذائية منها صودا الدايت وغيرها من المشروبات الغازية، نشر عدد من المتخصصين الغذائيين على حساباتهم على وسائل التواصل الاجتماعي منشورات تروج الأسبارتام "السليم" الذي سبق أن حذرت منه منظمة الصحة العالمية بوصفه مسبباً للسرطان.

 أصبحنا نرى متخصصين/ ات غذائيين يروّجون/ ن منتجات، يزعمون أنها صحية وآمنة وتحقق الكثير من الفوائد، ويكون هذا عادةً في إطار شراكة مدفوعة -لا يُفصَح عنها تماماً- مع إحدى الشركات الغذائية

من بين أولئك المتخصصين/ ات، ستيف جراسو، اختصاصية التغذية المسجلة في ولاية فيرجينيا، والتي أخبرت متابعيها البالغ عددهم 2.2 مليون على تيك توك، بأن تحذيرات منظمة الصحة العالمية بشأن المُحلّيات الصناعية مجرد خدعة لا تستند إلى أدلة علمية قوية.

في حين طالبت اختصاصية تغذية أخرى، تُدعى كارا هاربستريت، من مدينة كانساس سيتي، متابعيها على إنستغرام، بعدم القلق بشأن الأخبار التي تروّج الخوف من الأسبارتام لأن الأدلة لا تشير إلى وجود سبب للقلق.

وكشف التحقيق عن قيام شركة المشروبات الأميركية American Beverage، وهي المجموعة التجارية التي تُمثل شركة كوكاكولا، بيبسي كو، ليبتون، وغيرها، بحملة منسقة مع عشرات المتخصصين الغذائيين للتأثير على المستهلكين/ ات، وتوجيه رسائل صحية صديقة لمنتجاتهم إليهم.

وتمثل الشركة لوبي ضغط قوياً، يتحكم في سوق صناعة الأغذية والمشروبات.

دعايات مضللة وشراكات مبهمة

في المجمل، شاركت ما لا يقل عن 35 شخصيةً مؤثرةً من عشرات المتخصصين في مجال الصحة في حملة منسقة، قامت بها شركة المشروبات الأميركية American Beverage، التي دفعت مبلغاً لم يُكشف عنه لعشرة من اختصاصيي التغذية المسجلين، بالإضافة إلى طبيب، وشخصية مؤثرة في مجال اللياقة البدنية، لاستخدام حساباتهم على وسائل التواصل الاجتماعي، للمساعدة في هدم تصريحات منظمة الصحة العالمية بكون الأسبارتام غير فعّال في خسارة الوزن وقد يسبب السرطان.

وكشف التحقيق أيضاً بعد تحليل آلاف المنشورات أن الشركات الغذائية والمجموعات الصناعية دفعت لمتخصصي التغذية مقابل نشر محتوى يشجع المشاهدين على تناول الحلوى والآيس كريم، ويقلل من المخاطر الصحية للأطعمة عالية المعالجة، ويروج المكملات الغذائية غير المثبتة، وهي رسائل تتعارض مع الكثير من الأدلة العلمية المثبتة حول مخاطر تلك الأطعمة.

على سبيل المثال، نشرت اختصاصية التغذية المسجلة ليندسي بليسكوت من كولومبيا البريطانية، مقاطع فيديو لنفسها وهي تتناول الآيس كريم وزبدة الفول السوداني وتخبر متابعيها بأن حرمانهم أنفسهم من الأطعمة السكرية لن يؤدي إلا إلى تفاقم الرغبة الشديدة في تناول الطعام.

واتضح أن هذه الفيديوهات وغيرها برعاية مدفوعة الأجر من معهد السكر الكندي، وهي مجموعة تجارية يمولها منتجو السكر.

ومن خلال الدفع لمتخصصي التغذية المسجلين، تطمح شركات الغذاء العالمية إلى تسخير مكانة الخبراء المعتمدين في إيصال رسائلها التجارية، وتوسيع نطاقها وترسيخ النصائح الغذائية التي غالباً ما تكون مشكوكاً في صحتها، عند الأجيال الجديدة من المراهقين/ ات، والآباء/ الأمهات من جيل الألفية الذين/ اللواتي اعتادوا/ اعتدن تلقّي الأخبار والنصائح الصحية من وسائل التواصل الاجتماعي.

فوضى الإعلانات في العالم العربي... كارثة صحية قد تؤدي إلى الوفاة

في العالم العربي، لا يختلف الأمر كثيراً، بل ربما يكون أسوأ حيث تنتشر فيديوهات ترويجية لمنتجات مختلفة مثل المكملات الغذائية، أعشاب التخسيس ومنتجات التجميل التي تعد بالقضاء على علامات التقدّم في السن، وغيرها الكثير ممن لا يحمل ترخيصاً من وزارات الصحة الرسمية، ولم تُثبت فاعليتها علمياً.

"اشتريت منتجاً عشبياً بعد أن شاهدت إعلاناً له على إحدى الصفحات على فيسبوك"؛ هذا ما يقوله عامر (اسم مستعار) الذي يعاني من الوزن الزائد، متحدثاً عن تجربته في شراء أحد منتجات التخسيس التي تُروَّج، على أنه يساعد في حرق الدهون، وتنحيف الجسم.

ويوضح هذا الشاب البالغ من العمر 26 عاماً، لرصيف22، أنه لم يلحظ فرقاً كبيراً في وزنه بعد أن استعمله.

في حين تكشف أميرة (اسم مستعار)، أنها فقدت بعض الكيلوغرامات بعد شرائها بعض منتجات التخسيس، التي شاهدت إعلاناً لها على إحدى صفحات موقع إنستغرام، والتي قيل في الإعلان عنها إنها ستجعل المرء يفقد نحو 8 إلى 10 كيلوغرامات في غضون 21 يوماً فقط، من دون اتّباع نظام غذائي معيّن أو أي وسائل أخرى، ولكن ما أن توقفت عن استهلاك هذا المنتج حتى عاد وزنها إلى الازدياد.

في حوار خاص مع رصيف22، تكشف الدكتورة شيماء قاياتي، أخصائية ومدرسة مساعدة لطب الأسرة والتغذية الإكلينيكية في كلية الطب البشري، ومستشفى بني سويف الجامعي، وعضوة الجمعية المصرية العربية للتغذية الصحية والعلاجية، أنها تلاحظ بالفعل انتشار هذا المحتوى على منصات التواصل وشاشات الفضائيات، على لسان أشخاص غير مختصين ولا ينتمون إلى القطاع الصحي في الكثير من الأحيان، وبالأخص لمنتجات تزعم أنها تساعد في حرق الدهون وخسارة الوزن، وذلك باستخدام المنتج المعلن عنه فقط، والذي يروَّج له أيضاً على أنه مناسب لجميع الأشخاص والأعمار، بغض النظر عن حالتهم الصحية.

وتضيف قاياتي أيضاً، أن تلك الإعلانات تروّج المنتج المعلن عنه بأنه "الحل السحري"، الذي سيمنحهم الوزن المثالي في فترة قياسية، ما يجعل المريض يهمل الأساليب الحياتية الأخرى الضرورية لخسارة الوزن والحفاظ عليه، والتي يحتاج إلى الالتزام بها طوال حياته، مثل اتّباع نظام غذائي صحي، وممارسة النشاط البدني.

ووصل الأمر أيضاً إلى استهداف الأطفال في تلك الإعلانات، حيث أطلقت إحدى الشركات المصرية في العام 2019، حملةً ترويجيةً لمنتجها الذي وصفته بالحل السحري لحرق الدهون، ووجهت في إعلانها الذي انتشر على عدد من الفضائيات دعوةً صريحةً إلى الآباء والأمهات، لاستخدام المنتج في مساعدة أبنائهم على خفض وزنهم.

وكانت محكمة القاهرة الاقتصادية قد قضت بتغريم الممثل القانوني للشركة، على ذمة قضايا تتهمها بالنصب على المواطنين/ ات بالإعلان عن منتج غير مطابق للمواصفات، ومنع عرض إعلاناته في القنوات.

وتقدمت حينها النائبة شيرين فراج، بطلب إحاطة لوزيرة الصحة المصرية السابقة لتفعيل الإجراءات القانونية، للقضاء على الأدوية التي تنتجها "مصانع بئر السلم" على حد وصفها، خاصةً التي تعرض إعلاناتها على الفضائيات، وهي غير مسجلة في وزارة الصحة.

وأشارت النائبة إلى أن نحو واحد من كل عشرة منتجات طبية في البلدان منخفضة الدخل والبلدان متوسطة الدخل، غير مطابق للمواصفات أو مزيّف، مما قد يتسبب في أمراض تؤدي إلى الوفاة.

كيف نتعامل مع إعلانات المنتجات الغذائية؟

من جانبها، حذّرت وزارة الصحة ووقاية المجتمع الإماراتية من شراء منتجات عشبية أو مكملات غذائية، غير معتمدة رسمياً، خاصةً تلك التي تباع عبر الإنترنت ووسائل التواصل الاجتماعي، وذلك بعد تزايد الإعلانات عن منتجات صحية يروجها أصحابها على أنها تحمل حلولاً سحريةً لمشكلاتهم، في حين لا تكون هناك مقار رسمية لبائعي تلك المنتجات، ويجري توصيلها عبر خدمات الشحن، أو إرسال مندوبين إلى المنازل في الغالب.

وشدد المسؤولون في الوزارة على ضرورة عدم تصديق ما تروجه تلك الشركات من أكاذيب حول قدرات منتجاتها السحرية والامتناع عن شرائها؛ لما تسببه من أضرار كبيرة لصحة الإنسان، قد تؤدي إلى الوفاة.

وفي الأردن، ألغت المؤسسة العامة للغذاء والدواء إجازة تداول ثلاثة منتجات من المكملات الغذائية؛ وذلك نتيجة ترويجها من قبل منتجيها عبر بعض وسائل التواصل الاجتماعي بادعاءات غير صحيحة، ودون الحصول على إجازة إعلان أغذية مطابقة لمعايير المؤسسة.

ودعا المدير العام للمؤسسة المواطنين إلى التواصل مع المؤسسة قبل شراء المنتجات والخلطات العشبية؛ للتأكد من كونها مطابقةً للمواصفات.

وشدد على ضرورة شرائها من الأماكن الموثوقة المخصصة لبيعها، محذراً المروجين لهذه المنتجات بصورة غير مثبتة علمياً ومضللة للمستهلك، سواء في الأسواق أو عبر وسائل التواصل الاجتماعي، من ملاحقتهم قانونياً.

في العالم العربي تنتشر فيديوهات ترويجية لمنتجات مختلفة مثل المكملات الغذائية، أعشاب التخسيس ومنتجات التجميل التي تعد بالقضاء على علامات التقدّم في السن، وغيرها الكثير ممن لا يحمل ترخيصاً من وزارات الصحة الرسمية، ولم تُثبت فاعليتها علمياً

في هذا السياق، توضح شيماء قاياتي أن خسارة الوزن لا تتم عن طريق استخدام منتج معيّن بمفرده، بل يجب التعامل مع السمنة على أنها مرض مزمن، ينبغي تشخيص أسبابه أولاً، والكشف عن أي مضاعفات نتجت عنه، ثم تُرسم خطة العلاج التي تبدأ بتوعية المريض/ ة بالأساليب الحياتية والغذائية الخطأ التي قد تكون أدت به/ ا إلى الإصابة بالسمنة، وتعليمه/ ا الأساليب الصحية البديلة، ووصف الأنظمة الغذائية المناسبة له/ ا ولحالته/ ا، بالإضافة إلى بعض الأدوية التي تناسب حالته/ ا الصحية أيضاً، فهناك على سبيل المثال بعض الأدوية التي لا تناسب مرضى الضغط والسكر.

وتحذر قاياتي من وجود منتجات تخسيس تباع في علب معدنية، تدخل في تكوينها مواد تؤثر على المخ مباشرةً مثل مادة السيبوترامين (sibutramine)، التي تعمل على مراكز الشبع في المخ؛ ولكنها تتسبب في أعراض جانبية خطيرة مثل الأزمات القلبية، الجلطات الدماغية، ارتفاع ضغط الدم، الصداع، الذهان والاكتئاب.

وتضيف قاياتي أنه لا تزال هناك بعض منتجات التنحيف التي تدخل في تركيبتها مادة السيبوترامين، وتُروَّج على أنها آمنة تماماً دون ذكر مكوناتها، ولا يُكتشف ذلك إلا بعد ظهور أعراضها الجانبية على المريض/ ة بعد الاستخدام.

وعليه، تشدد شيماء قاياتي على ضرورة عدم شراء أي منتج مجهول الهوية بتوصية من أي أحد من غير الأطباء المتخصصين والأماكن الموثوقة؛ لضمان أن تكون هذه المنتجات آمنةً ومرخصةً من الجهات الصحية.


رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

WhatsApp Channel WhatsApp Channel

منبر الشجعان والشجاعات

تكثُر التابوهات التي حُيِّدت جانباً في عالمنا العربي، ومُنعنا طويلاً من تناولها. هذا الواقع هو الذي جعل أصوات كثرٍ منّا، تتهاوى على حافّة اليأس.

هنا تأتي مهمّة رصيف22، التّي نحملها في قلوبنا ونأخذها على عاتقنا، وهي التشكيك في المفاهيم المتهالكة، وإبراز التناقضات التي تكمن في صلبها، ومشاركة تجارب الشجعان والشجاعات، وتخبّطاتهم/ نّ، ورحلة سعيهم/ نّ إلى تغيير النمط السائد والفاسد أحياناً.

علّنا نجعل الملايين يرون عوالمهم/ نّ ونضالاتهم/ نّ وحيواتهم/ نّ، تنبض في صميم أعمالنا، ويشعرون بأنّنا منبرٌ لصوتهم/ نّ المسموع، برغم أنف الذين يحاولون قمعه.

Website by WhiteBeard