يسود اعتقاد واضح منذ سنوات طويلة، لدى شركات الإعلانات التجارية، أن الإعلان الناجح يعتمد على المرأة والصورة النمطية التي ارتبطت بها منذ زمن بعيد. فالمرأة يجب أن تكون جميلة ومثيرة، مكانها الطبيعي في المنزل حيث تقوم بواجباتها من تنظيف البيت وطبخ، وقد تتعرّض ربما للعنف الزوجي من دون أن يكون في إمكانها أن تفعل شيئاً.
إعلانات كثيرة انتشرت تحاكي هذه الصورة، واعتراضات وافرة على مواقع التواصل الاجتماعي ترافقها دائماً، لكن ليس لهذه الشركات آذان تصغي لمن يقول إننا أصبحنا في زمن لم تعد فيه أدوار المرأة وحقوقها تقتصر على ما يروّجون له.
التجميل سبيلاً إلى الرجال
التجميل سبيلاً إلى الرجال
ظهرت في شوارع لبنانية مجموعة من الإعلانات الطرقية المخاطبة للنساء، والتي تدعوهن إلى الذهاب إلى عيادة Dr Ashy التجميلية في منطقة جل الديب. تطالب هذه الإعلانات النساء اللبنانيات بالتوجه إلى عيادة الدكتور عشي، لـ"يتصل بهنّ الرجال هذه المرة”، إذ كُتب على إحدى اللافتات "He will Call this time" على افتراض أن السبب الوحيد الذي يجعل الرجال منجذبين إلى النساء هو جمالهن، لا ذكاؤهن، أو نجاحهن أو خفة ظلهن. عيادة التجميل المذكورة اختارت الترويج لنفسها بأكثر الطرق استفزازاً، فكان أقل ما وصفها به رواد مواقع التواصل الاجتماعي هو أنها مريضة ومستفزة، ومنهم من ذهب أبعد من ذلك من خلال المطالبة بالتبليغ عنها وإزالة إعلاناتها.
لا يتوقف الأمر عند علاقة المرأة بالرجال، بل يطال الإعلان ثقة المرأة بنفسها، فتقول إحدى اللافتات "You will take more selfies" أي ستلتقطين المزيد من صور السيلفي، وأيضاً: "Your Mirror will say yes"، أي "ستقول لك مرآتك نعم"، عندما تسألينها هل أبدو جميلة؟
"شو بعدك ناطرة؟ صار فيكي تستقلي"
انتشر أواخر السنة الماضية إعلان شكّل صدمة للكثير من رواد مواقع التواصل الاجتماعي. يستغل هذا الإعلان قضية العنف الأسري، الذي تتعرض له المرأة من أجل الترويج لمشاريع سكنية تقوم بها شركة IGroup من خلال إلغاء الدفعة الأولى لشراء شقة. الإعلان عبارة عن صورة لسيدة تظهر على وجهها آثار كدمة، في إشارة إلى أنها معنّفة، ومكتوب على لافتة الإعلان: "شو بعدك ناطرة؟ صار فيكي تستقلي".
هكذا صرّحت الشركة أن "المرأة اللبنانية المعنّفة تجد نفسها مضطرة في مجتمعنا للعيش مع معنفها أكان زوجها أو والدها أو شقيقها، لأنها لا تملك خيار الاستقلالية، ليس بسبب عجزها عن القيام بالأمر، بل بسبب عدم قدرتها على تملك شقة أو حتى استئجار واحدة لتبتعد عن قاتلها اليومي". وهكذا حصرت الشركة مشكلة العنف الأسري في لبنان، على أنها تملّك شقة، وهكذا قدمت نفسها المنقذة والمخلّصة للمرأة اللبنانية المعنفة والتي لم ينصفها القانون اللبناني حتى اليوم.
"لينضف لبنان، سلموه للنسوان"
الرجل وحده يملك الذكاء!
عام 2014، في مناسبة عيد العشّاق، أصدرت شركة الرفاعي، وهي مجموعة متاجر متخصصة في بيع البن والمكسّرات، إعلاناً ترويجياً لمنتجاتها. في الإعلان صورتان واحدة لحبة كاجو كتب تحتها باللغة الإنجليزية: "Because she’s got the curves happy valentine"، أي لأنها، أي المرأة، تملك القوام، عيد عشاق سعيد. والثانية لحبة جوز كتب تحتها: "Because he's got the brains Happy valentine"، أي لأنه في إشارة إلى الرجل، يملك الذكاء، عيد عشاق سعيد. هكذا قررت الشركة أن المرأة لا تملك سوى القوام الجميل، والرجل هو فقط من يملك الذكاء، لذلك يمكن لأحدهما أن يكمل الآخر.
هدية المرأة المفضلة، أدوات التنظيف
وفي العام 2011، تحديداً في شهر مارس الذي يحتفل فيه اللبنانيون كغيرهم بعيد الأم، أطلقت شركة عبد طحان، وهي شركة رائدة في بيع المنتجات الكهربائية والمنزلية، إعلاناً أثار غضب الرأي العام والمدوّنين ورواد مواقع التواصل الاجتماعي. الإعلان هو صورة لغسّالة ومكنسة كهربائية لفّت بشريط أحمر، ومكتوب عليها باللغة الإنجليزية: " Cross Your Mom’s Mind Twice a day"، وهي تعني بطريقة أو بأخرى اجعل والدتك تفكّر فيك مرتين في اليوم، أي مرة حين تستخدم الغسّالة ومرة أخرى وهي تكنس أرض المنزل. هكذا تشجّع الشركة الأبناء على شراء هدية مميزة لوالدتهم في مناسبة عيد الأم، من خلال تكريس فكرة أن مهمة الأم/المرأة هي البقاء في المنزل والقيام بالأعمال المنزلية، والهدية المفضلة التي تتمناها هي معدات التنظيف!
حقوق المرأة، قطعة من الألماس
إعلان مجوهرات مكرزل اللبنانية الذي صدر عام 2010، اعتبر أن على المرأة الجميلة طبعاً، كما في جميع الإعلانات، أخذ حقّها في الحياة، وهو قطعة من المجوهرات أو طقم من الماس! في الإعلان، تظهر امرأة تضع عقداً وقرطاً من الماس، وكتب على اللافتة باللغة الفرنسية: "Mon Bijou Mon Droit"، أي مجوهراتي حق لي. هكذا قدّمت الشركة المرأة على أنها سطحية ومادية، تنحصر حقوقها بالحصول على قطعة مجوهرات. وجملة مجوهراتي حقي تحاكي جملة "جنسيتي حق لي ولأسرتي"، التي تطالب بحق المرأة اللبنانية المتزوجة من أجنبي في إعطاء أولادها الجنسية اللبنانية.
"كوني جميلة وصوّتي"
مكرزل حصر حق المرأة بالحصول على المجوهرات، إلا أن تياراً سياسياً لبنانياً قرّر عام 2009، أن على المرأة أن تكون جميلة لتصوّت في الانتخابات. فعام 2009 برز إعلان ترويجي للتصويت لمصلحة التيار الوطني الحر في الانتخابات النيابية التي حصلت حينذاك. كان الإعلان عبارة عن امرأة جميلة، وكتب على اللافتة باللغة الفرنسية: "Sois belle et Vote"، أي كوني جميلة وصوّتي لمصلحة هذا الفريق السياسي. الجملة التي استخدمها التيار في حملته، هي محاكاة لجملة فرنسية قديمة تعتبر مهينة للمرأة لأنها تقول: "Sois Belle et Tais toi"، أي كوني جميلة واصمتي! هكذا قرر التيار أن على المرأة أن تكون فقط جميلة وتذهب إلى مراكز الاقتراع وتصوّت لخطه السياسي ومرشحيه.
لقد تخطّينا العام 2000 منذ زمن، وأصبحت المرأة شريكة للرجل في كل شيء، لكنها في إعلاناتنا التجارية لم تزل حتى اليوم امرأة تقليدية قوامها جميل، تلتزم منزلها وتخدم الرجل. فلماذا ما زالت شركات الإعلان تستخدم هذه الوسيلة للترويج لمنتجاتها، على الرغم من الانتقادات والاعتراضات، التي تواجهها في بعض وسائل الإعلام، وعلى مواقع التواصل الاجتماعي كل مرة؟ وهل باتت تعتبرها وسيلة سهلة لإحداث ضجة تخدم أهدافها التسويقية، في غياب أي محاسبة؟
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
Ahmad Tanany -
منذ يومتلخيص هايل ودسم لجانب مهم جداً من مسيرة الفكر البشري
مستخدم مجهول -
منذ 3 أياملا يوجد اله او شئ بعد الموت
Mohammed Liswi -
منذ 6 أيامأبدعت
نايف السيف الصقيل -
منذ أسبوعلا اقر ولا انكر الواقع والواقعة فكل الخيوط رمادية ومعقولة فيما يخص هذه القضية... بعيدا عن الحادثة...
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ أسبوعمقال بديع ومثير للاهتمام، جعلني أفكر في أبعاد تغير صوتنا كعرب في خضم هذه المحن. أين صوت النفس من...
Nahidh Al-Rawi -
منذ أسبوعتقول الزهراء كان الامام علي متنمرا في ذات الله ابحث عن المعلومه