لم تمرّ 24 ساعةً على إعلان البرلماني المصري السابق أحمد الطنطاوي، البيان التأسيسي لحزبه "تيار الأمل"، الذي شرع في تأسيسه عقب انتهاء حملة ترشحه للانتخابات الرئاسية الماضية، حتى كان ثلاثة مواطنين ممن حرروا التوكيلات المطلوبة لإشهار الحزب رسمياً، خلف القضبان.
ويذكر المحامي محمد أبو الديار، أحد قيادات الحزب والمنسق السابق لحملة الطنطاوي، لرصيف22، أن النيابة العامة قررت حبس الثلاثة الذين قُبض عليهم 15 يوماً، بعد أن وجهت إليهم اتهامات بالانضمام إلى جماعة محظورة، ونشر أخبار كاذبة، وإثارة الرأي العام، وهي اتهامات دأبت السلطات القضائية في مصر على توجيهها إلى المعارضين.
وكان الطنطاوي قد أعلن هذا الأسبوع، البيان التأسيسي لحزبه الذي استمد اسمه من اسم حملته الانتخابية "يحيا الأمل"، ومن قبلها اسم التحالف الانتخابي الذي كان يعتزم تشكيله قبل سنوات لخوض الانتخابات البرلمانية التي جرت في العام 2020، إلا أن السلطات المصرية اعتقلت عدداً من المشاركين البارزين في تأسيسه، وأطلقت عليه اسم "خلية الأمل"، ووجهت إليهم اتهامات مختلفةً تتعلق بالإرهاب.
الطنطاوي قال إن الهدف من تأسيس حزبه "تمكين البديل المدني الديمقراطي القادر على بناء دولة القانون والمؤسسات، عبر برنامج سياسي يسعى إلى تحقيقه من خلال كل محاولة سياسية، وكل استحقاق انتخابي، وذلك بعد أن تسبب بطش السلطة في حرمان الشعب المصري من حقه في اكتمال حملة الأمل للترشح لرئاسة الجمهورية، بينما النتيجة التي اختارها حراس الأمل هي إكمال مشروع البديل المدني الديمقراطي بيقين وإصرار".
وسبق أن أحيل أحمد الطنطاوي، برفقة عدد من أعضاء حملته الرئاسية، إلى المحاكمة الجنائية، بتهمة تداول أوراق تخص الانتخابات دون إذن السلطات، بدعوته إلى تحرير توكيلات إلكترونية بدلاً من المعمول بها في مكاتب الشهر العقاري، وذلك عقب إعلانه عدم استيفائه شروط خوض الانتخابات الرئاسية المقبلة في مصر.
تحديات تواجه "الأمل"
منذ صعود نجمه كنائب برلماني معارض عام 2015، بات الطنطاوي رقماً مهماً في معسكر المعارضة، بسبب جرأته في توجيه الانتقادات إلى الحكومة والرئيس، وفي ظل خفوت نجم الأسماء الكبيرة التي خسرت رصيدها في الشارع مع تحجيم العمل السياسي، شهدت رحلته تحديات كبيرةً من السلطة، وجدالات حادة مع أحزاب المعارضة الأخرى والقوى الاجتماعية الساعية إلى التغيير.
وفي ظل التحديات الأمنية، يحاول الحزب أن يقدّم خطاباً توافقياً يحاول استقطاب قطاعات واسعة من المصريين على اختلاف توجهاتهم السياسية وانحيازاتهم من اليمين إلى اليسار، وهو ما شكك أكاديمي في معقوليته
وعلى ما يبدو، فإنَّ "تيار الأمل" سيواجه التحديات الأمنية السابقة نفسها، سواء في صعوبة العمل بحرية لنشر أفكاره، أو الوصول إلى مبتغاه بتأسيس الحزب الذي يحتاج إشهاره رسمياً إلى توكيلات 5 آلاف مواطن من 10 محافظات مختلفة، جمع الحزب منها حتى الآن ألفاً، بحسب أبو الديار.
ويوضح القيادي الحزبي أنهم ومنذ اليوم الأول يواجهون تعنتاً وتضييقاً "يصل إلى حد المنع"، بما في ذلك التعقيدات الإجرائية مثل رفض مكاتب الشهر العقاري تحرير توكيلات للمواطنين في محافظات بخلاف المقيد بها محل إقامتهم، فضلاً عن تحديد مكتبين فقط في كل محافظة لتحرير التوكيلات الخاصة بتأسيس الأحزاب، وهو ما يعيق عملهم.
ويضيف: "على الرغم من ذلك، استطعنا تحرير نحو ألف توكيل منذ الإعلان عن شروعنا في تأسيس الحزب. نثق بأنصارنا وخطابنا لحشد الناس اليائسين من الوضع السياسي والاقتصادي تحت مظلة تيار الأمل عبر الطرق القانونية لإحداث التغيير السلمي المنشود".
وفي ظل التحديات الأمنية، يحاول الحزب أن يقدّم خطاباً توافقياً لاستقطاب قطاعات واسعة من المصريين على اختلاف توجهاتهم السياسية وانحيازاتهم من اليمين إلى اليسار، وهو ما يعبَّر عنه أبو الديار بقوله: "حان الوقت للتحلل من الأيديولوجيا وتنظيم الصفوف للوصول إلى البديل المدني".
ولم تعرف مصر في تاريخها أحزاباً معارضةً عابرةً للأيديولوجيا، حيث تتنوع توجهات وأفكار الأحزاب المختلفة من اليسار بتياراته المختلفة، والتيارات الليبرالية، والإسلاميين، وهو ما يوضحه أكثر الدكتور مصطفى كامل السيد، أستاذ العلوم السياسية في كلية الاقتصاد والعلوم السياسية في جامعة القاهرة.
ويشير كامل السيد، لرصيف22، إلى أنَّ مواقف الأحزاب لن تكون متمايزةً في القضايا المتعلقة بالأمن القومي، مثل الاتفاقيات الكبرى أو قضية سد النهضة والأمن المائي المصري أو ملفات حماية الحدود، ولكن عدا ذلك فإن البرامج السياسية لكل حزب تختلف وفق أيديولوجياته أو انحيازاته.
ويستبعد الأكاديمي المصري، أن يتمكن تيار الأمل من ضمِّ مناصرين له ممن يتبنون أفكاراً أكثر ليبراليةً ويعدّها "فكرةً غير قابلة للتحقيق على المدى القريب، لأنه يحتاج إلى سنوات عدة وإلى ضم مئات الآلاف حتى يصبح الحزب مظلةً سياسيةً وقبلةً للآلاف من الناشطين في العمل السياسي".
وفي خضم حملته الانتخابية للترشح للرئاسة، أثارت مواقف الطنطاوي في قضايا متعلقة بالحريات الفردية، مثل معارضته تشديد العقوبات على جريمة الختان، وتشبيهه إياها بعملية استئصال اللِّوز، غضب ومخاوف الكثير من تيارات المعارضة المصرية، إذ عدّوه وجهاً آخر من وجوه قمع الحريات العامة.
عثرات المعارضة المصرية
بالرغم من تفاؤل أنصار الطنطاوي، إلا أن التجربة الجديدة لا تكتسب زخماً سياسياً كبيراً في ظل أفول المعارضة المصرية، وتفكك كياناتها، بعدما عجزت عن الدفع بمرشح رئاسي واحد لمقارعة النظام، وانقسمت حول دعم الطنطاوي ورئيس الحزب المصري الديمقراطي الاجتماعي فريد زهران، الذي استطاع أن يجتاز عتبة الترشح، وتمكّن من منافسة السيسي في الانتخابات الرئاسية، وحلَّ ثالثاً بحصوله على مليون و776 ألف صوت، أي 4% من أصوات الناخبين.
لا يُتوقع أن يحظى "تيار الأمل" بالأجواء المثالية للانطلاق، في ظل ملاحقة السلطة للطنطاوي وأنصاره، لتبقى أزمات المعارضة وانقساماتها سبباً إضافياً للإخفاق في تقديم أي أمل حقيقي للمصريين في الخلاص
قبلها، انقسمت المعارضة حول المشاركة في جلسات الحوار الوطني الذي دعا إليه السيسي في نيسان/ أبريل 2022، وانطلقت فعاليته بعدها بعام كامل. وبينما انخرطت غالبية أحزاب المعارضة في الحوار، عارضه الطنطاوي واستقال من رئاسة حزب الكرامة على خلفية قرار الحزب بالمشاركة في الحوار.
وأضافت الانتخابات الرئاسية انقساماً إضافياً في صفوف المعارضة، بعد أن جمَّد حزبا المصري الديمقراطي الاجتماعي والعدل، مشاركتهما في أنشطة الحركة المدنية الديمقراطية، بسبب قرار الحركة مقاطعة الانتخابات الرئاسية التي دفع فيها كلا الحزبين بمرشحه.
في هذا السياق، يستبعد السياسي المعارض مدحت الزاهد، رئيس حزب التحالف الشعبي الاشتراكي، أحد الأحزاب المنضوية في الحركة المدنية، أن يعمّق تيار الأمل انقسام المعارضة، إذ يقول لرصيف22: "الطنطاوي شخصية معارضة وسيشكل إضافةً في حال تمكنّه على تأسيس حزب جاد، كما سيساهم في انتشار خطابنا"، كمعارضين للسلطة الحالية.
إلا أن مصدراً قيادياً في الحركة المدنية الديمقراطية، يشير إلى أن الاجتماعات التي دعا إليها الطنطاوي مع الحركة، عقب انتخابات الرئاسة "شهدت سجالاً حاداً". ويلفت المصدر الذي تحدث إلى رصيف22، متحفظاً على نشر اسمه، إلى استقالة الطنطاوي من رئاسة حزب الكرامة، وهجومه المستمر على المشاركين من الحركة المدنية في جلسات الحوار الوطني، بالرغم من استمرار القبض على المعارضين.
كما يلفت المصدر إللى أنَّ "تماهي ممثلي أحزاب اليسار المنضوين في الحركة مع البرلماني السابق، أجهضت أي مناقشات تخص دور الطنطاوي"، دون أن يستبعد أن تشهد الحركة المدنية انقساماً كبيراً بين تيارين؛ واحد يعبّر عن اليسار يقوده السياسي الناصري والمرشح الرئاسي السابق حمدين صباحي مع الطنطاوي، والآخر يضم مجموعةً من الأحزاب الليبرالية، مثل المصري الديمقراطي والعدل والدستور.
وبينما لا يُتوقّع أن يحظى "تيار الأمل" بالأجواء المثالية للانطلاق، في ظل ملاحقة السلطة للطنطاوي وأنصاره، تبقى أزمات المعارضة وانقساماتها سبباً إضافياً للإخفاق في تقديم أي أمل حقيقي للمصريين في الخلاص من الأزمات الاقتصادية الخانقة، وانسداد الأفق السياسي.
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
نُور السيبانِيّ -
منذ 5 ساعاتالله!
عبد الغني المتوكل -
منذ يوموالله لم أعد أفهم شيء في هذه الحياة
مستخدم مجهول -
منذ يومرائع
مستخدم مجهول -
منذ 5 أيامكل التوفيق ومقال رائع
Ahmad Tanany -
منذ أسبوعتلخيص هايل ودسم لجانب مهم جداً من مسيرة الفكر البشري
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعلا يوجد اله او شئ بعد الموت