شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

اشترك/ ي وشارك/ ي!
الأدعية اللا مستجابة

الأدعية اللا مستجابة

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

مدونة نحن وحرية التعبير

الخميس 25 يناير 202407:32 ص

في أواخر العام 2004 دعيت للمشاركة في تجربة إصدار صحيفة ساخرة بعنوان (اضحك للدنيا) يرأس تحريرها الكاتب خيري رمضان، وقمت فيها بتحرير صفحة بعنوان (المشخرخانة)، كان بها ركن ثابت يحمل عنوان (الدعاء اللا مستجاب)، أكتب فيه كل أسبوع دعاءً ساخراً على طريقة دعاء مدرس الرياضيات ودعاء مدرس الكيمياء وغيرها من الأدعية التي كنت أقرأها أيام المراهقة في كتب النكت والنوادر التي انقرضت الآن، ودعاء عادل إمام الشهير للحكام في مسرحية (الزعيم)، فضلاً عن أدعية ساخرة لأصحاب المهن والحرف كنت قد قرأتها في العديد من كتب التراث التي ألّفها كبار الأئمة والحُفّاظ.

كانت تلك الأدعية أنجح ما في الصفحة التي لم تستمر طويلاً، وأغضبت بعض من تصوروا أن في تلك الصياغة اعتداء على قدسية الدعاء، فكنت أرد عليهم بالإحالة إلى كتب التراث الإسلامي التي ربما احتفظوا بها في مكتبات بيوتهم دون أن يقرؤوها. سرعان ما وجدت تلك الأدعية طريقها إلى الإنترنت الذي كان قد تضاعف انتشاره وتأثيره، وقرر من نشروها أن يحجبوا اسمي منها باعتباره أقل أهمية، فأصبحت أتلقاها في رسائل وإيميلات إما منسوبة لشخص آخر لا أعرفه أو بوصفها من الإبداع الجمعي للمصريين، وكنت أغضب وأنبري للتصحيح لأنني كنت وقتها يا ولداه أتوهم أن مقارعة الإنترنت وتصحيح أخطائه أمر في مقدور البشر، وسرعان ما تبين لي خطئي فالتزمت الصمت وأصبحت أشارك الآخرين في التساؤل عن هوية "ابن الذين" الذي كتب تلك الأدعية. 

كانت تلك الأدعية أنجح ما في الصفحة التي لم تستمر طويلاً، وأغضبت بعض من تصوروا أن في تلك الصياغة اعتداء على قدسية الدعاء، فكنت أرد عليهم بالإحالة إلى كتب التراث الإسلامي التي ربما احتفظوا بها في مكتبات بيوتهم دون أن يقرؤوها

في أكتوبر/تشرين الأول عام 2007 دعيت للمشاركة في أمسية أقيمت في نقابة الصحفيين للتضامن مع الأستاذين إبراهيم عيسى ووائل الإبراشي، بعد إحالتهما للمحاكمة وتهديدهما بالسجن بسبب مواد صحفية أغضبت نظام مبارك، ألقيت تلك الأدعية في الأمسية الحافلة، وأضفت إليها دعاءً تخيلت أن الصحفيين المشهورين بالتعريص والموالسة للنظام يدعونه في صلواتهم، وبعدها كتبت (دعاء مكافحة الشائعات) الذي يسخر من محاكمة الأستاذ إبراهيم عيسى بتهمة نشر الشائعات حين تساءل عن صحة الرئيس مبارك وقابليته للاستمرار في الحكم، ودعاءً آخر بمناسبة زفاف النجل جمال مبارك بعد طول انتظار، وحين أعدت نشر الأدعية القديمة بناءً على طلب حضور الأمسية، تلقيت أكثر من رسالة تلومني لأنني قمت بانتحال أدعية منشورة على الإنترنت ونسبتها لنفسي.

استعوضت ربنا في تلك الأدعية التي تمردت على كاتبها وقررت أن أتركها لمصيرها، خصوصاً أن موضوع الانتحال لم يتوقف عندها بل امتد إلى عدد من المواد الساخرة التي كنت أنشرها في صفحة (قلمين) التي كنت أكتبها ويرسمها الفنان عمرو سليم في صحيفة (الدستور)، أكثر الصحف انتشاراً وتأثيراً في منتصف العقد الأول من الألفية، بل ووصلت المسخرة إلى حد أن رئيس تحريرها إبراهيم عيسى كتب ذات مرة أنه قرأ على الإنترنت تعريفات ساخرة مجهولة الكاتب وأعاد نشرها إعجاباً بها مع أنني كنت قد نشرتها قبل عامين في باب (الجاموس المحيط) في صفحة (قلمين)، وهو ما فعله أيضاً الكاتب جمال فهمي مدير تحرير (الدستور) سابقاً في مقال أعاد فيه نشر بعض الأدعية اللا مستجابة وقال إنه قرأها على الإنترنت لكاتب لا يعرفه وأراد مشاركة القراء فيها، وهو ما زاد تأكدي من عبثية مناطحة الإنترنت وتأكدي أيضاً أن من يديرون الصحف ويشرفون عليها لا يقرأون في الغالب الأعم سوى عناوين ما ينشر فيها.

في عام 2012 وما بعده عدت لتجربة تقديم الصفحات الساخرة حين اشتركت مع عمرو سليم في تقديم تجربة (المعصرة) في صحيفة (الشروق)، وأعدت تقديم بعض الأبواب القديمة بمادة جديدة تتناسب مع المرحلة العصيبة التي كانت تمر بها البلاد، فكتبت في عام 2013 دعاءً بعنوان (من دعاء ضحايا النهضة)، وحين لم يتحقق ما دعوت به في دعائي الذي أثبت أنه فعلاً "لا مستجاب"، اكتفيت بعد صعود نجم أبناء السيسي ونشوء ظاهرة "مصبّ حودة" بإعادة نشر (دعاء أبناء الرؤساء) والذي سيذهلك مدى صلاحيته للنشر في أكثر من بلد عربي، لكنني لم أكرر تجربة كتابة الأدعية في عهد السيسي، ربما لأن تذكر الأدعية القديمة وتأمل أحوال من ارتبطت كتابتها بهم كان يقلب عليّ المواجع والأحزان بشكل أصبحت أقل قدرة على احتماله، أو لأن الكتابة الساخرة تحتاج في العموم إلى مساحة ما من الروقان وهدوء الأعصاب لم تعد متوفرة لأسباب لا تخفى عليك، ولذلك أصبحت أفضل الكتابة الجادة والمشتبكة مع الواقع بشكل مباشر، والتي إن استخدمت السخرية جاءت سخريتها مريرة وضحكها مجروحاً. 

سرعان ما وجدت تلك الأدعية طريقها إلى الإنترنت الذي كان قد تضاعف انتشاره وتأثيره، وقرر من نشروها أن يحجبوا اسمي منها باعتباره أقل أهمية، فأصبحت أتلقاها في رسائل وإيميلات إما منسوبة لشخص آخر لا أعرفه أو بوصفها من الإبداع الجمعي للمصريين 

قبل أيام فوجئت بأن الحقوقي المناضل والصديق العزيز جمال عيد أعاد نشر جزء من أدعيتي متسائلاً عن هوية من كتبها، فقررت إعادة نشرها بهبلها وبكل ما فيها من عبثية وغضب ومخاوف وحسن نية أو قل سذاجة إن شئت، ليس لأنني أتوهم أن ذلك سيحفظ حقي الأدبي فيها وينصرني على الإنترنت،بل لأنني وجدت أن تأمل تلك الأدعية وظروف كتابتها قد يكون أمراً مهماً ومقلباً للمواجع والأفكار في هذه الأيام التي تواكب ذكرى ثورة الثامن والعشرين من يناير ـ

لا أعترف بيوم 25 يناير بوصفه عيداً للثورة ـ ومن يدري ربما صادفت بعض هذه الأدعية قارئاً أشعث أغبر ابن حلال يتصور نفسه مستجاب الدعوة، فيرفع يديه إلى السماء ويقسم على الله أن يرحمنا مما وصلنا إليه من مذلة وهوان، ثم يدرك أن الله تعالى لن يبرّ بقسمه، حين يتذكر أننا تجاوزنا المرحلة التي يجدي فيها الدعاء، لأن الدعاء لا يغير الأقدار إلا إذا عمل الداعون أصلاً من أجل تغييرها.

أترككم مع أدعيتي اللا مستجابة التي أنشرها مجتمعة هنا لأول وآخر مرة:

من دعاء الحكام

اللهم زد في جلوسنا وبارك لنا فيه، اللهم أقعدنا على كراسينا ولا تُقمنا، اللهم ارزقنا معونة لا نسرق بعدها أبداً، اللهم لاتفتح أبواب خزائننا لغيرنا، اللهم امنحنا بأس وورد حسابات الحكام السابقين لنا في بنوك سويسرا، اللهم وفق أمريكا لما فيه خيرنا، اللهم اغفر للرئيس الأمريكي فإنه لا يعلم أننا لا نعلم من أمرنا شيئاً، اللهم وفقه لما فيه 99 في المئة من أصوات الناخبين، اللهم اقذف حبه في قلوب اللوبي الصهيوني كالجلطة، اللهم لاتحاسبه من أول غلطة، اللهم عليك بشعبي أما أعدائي فأنا سأتفاوض معهم، اللهم طيّب جمرتي وخبّث جمرة شعبي، اللهم ارزقنا حب أمريكا وحب من يحب أمريكا وحب ما يقربنا إلى حب أمريكا، اللهم مش كنت خلقتني أمريكاني وريّحتني، اللهم أمركنّي ولا تؤفغنّي. اللهم برطنّي ولا تصوملني، اللهم فرنسني ولا تسودنّي. اللهم ألمنِّي ولا تؤلبنّي، اللهم إني أبرأ من الاستعانة على حكم شعبي بأحد ولا حتى بصديق ولا برأي الجمهور، اللهم إني أعوذ بك من كرسي يُخلَع ومن شعب لا يُقمَع ومن صحيفة لا تُمنَع ومن خطاب لا يُسمع ومن مواطن لا يُخدع ومن الوقت المستقطع، وأعوذ بك من كل عمل يقربني إليك. اللهم لا تكنسل دعائنا ولا تُهنّجنا ولا تُعد تشغيلنا ولا ترفعنا من الخدمة أبداً يا أرحم الراحمين. 

اللهمّ أمركنّي ولا تؤفغنّي. اللهم برطنّي ولا تصوملني، اللهم فرنسني ولا تسودنّي. اللهم ألمنِّي ولا تؤلبنّي. 

من دعاء الشعوب

اللهم إنك تعلم أن الموت راحة لنا من عيشتنا فأرحنا وهذا دعاؤنا لك من الآخر، اللهم خذنا اليك أخذ عزيز مقتدر بدلاً من أن يأخذنا إلى قسم البوليس مخبر زِفِر، اللهم سلّط علينا سيف انتقامك فهو أرحم من رحمة حكامنا بنا، اللهم إننا نعلم أنك تبتلينا بحياتهم فنرجوك أن تبليهم بموتنا عشان يتذلّوا ولا يجدوا من يحكموه فيعرفوا قيمتنا، اللهم أرنا فيهم يوماً أسوداً أو أزرقاً أو يوماً وخلاص،اللهم نرجو منك وسيلة مساعدة ولو حتى حذف حاكمين، اللهم سلِّط عليهم من يدلق عليهم أطباق شوربتهم لكي ينفخوا في زبادينا، اللهم حمِّض أكلهم ومشِّش بيضهم واحرق صورهم لما يروحوا يستلموها، اللهم عطِّل مواكبهم واكسر مناكبهم وأغرق مراكبهم، اللهم اكسر عينهم ومسِّكنا عليهم ذلّة يا كريم، اللهم سلط عليهم من يقلب عليهم الطرابيزة، ويضربهم تحت الحزام، واقفل أبواب رحمتك على أصابعهم،إنك أنت الفتاح العليم.

من دعاء الصحفيين الذين لا تحبسهم الحكومة ولا يجلدهم شيخ الأزهر

اللهم نفّعنا كإبراهيم نافع واسعدنا كإبراهيم سعدة وسمّرنا في كراسينا أكثر مما تسمّر سمير رجب، اللهم لا تهلهلنا كما هلهلوا رضا هلال، ولا تقندلنا كما تقندل عبد الحليم قنديل. اللهم إنا نعوذ بك من اختفاء لا ظهور بعده، ومن اختطاف لا إنذار قبله. اللهم إذا طلبنا كيلو كباب ونص فلا تحرمنا من أكله يا كريم واجعل اختفاءنا بعده. اللهم إنا نعوذ بك من نقابة لا تنفع ومن مصدر لا يدفع ومن نفاق لا يشفع ومن ضعف مهني لا يرفع، أما الجرنان فإنشاالله عمره ما وزّع.

اللهم إنا نسألك شرف مهنة يولع أكتر من مرة، ونسألك ذمة واسعة وجبهة خاضعة وقلماً غير مُخزٍ ولا فاضح للفساد، ونسألك إعلانات نستعين بها على طلبات زوجاتنا ونفقات طليقاتنا ومصاريف مدارس وجامعات أولادنا، اللهم إنا نسألك القرب من السلطة والفوز بالأونطة وتستيف البواكي جوّه الشنطة والنجاة من كل ورطة، اللهم إنا نسألك خبراً جاهزاً وتحقيقاً ناجزاً وأسلوباً عاجزاً وكشف إنتاج من غير ولا جزا، واجعل بيننا وبين القارئ حجاباً حاجزاً. 

اللهم نفّعنا كإبراهيم نافع وأسعدنا كإبراهيم سعدة وسمّرنا في كراسينا أكثر مما تسمّر سمير رجب، اللهم لا تهلهلنا كما هلهلوا رضا هلال، ولا تقندلنا كما تقندل عبد الحليم قنديل.

دعاء مكافحة الشائعات

اللهم ارزق الرئيس مزيداً من الصحة ومزيداً من العافية التي نقر ونعترف بين يديك أنه يتمتع بها، لكننا نطمع دائماً في زيادة كرمك علينا وعليه، اللهم أنعم علينا بالصحة التي أنعمت بها على الرئيس، اللهم إنا نبرأ إليك من كل من يشكك في صحة الرئيس، اللهم أضعف أبدانهم وأوهن أرواحهم وشككهم في أصابع أيديهم كما رغبوا في تشكيكنا في صحة الرئيس التي هي كالفل، اللهم وإن كتبت على الرئيس وعكة صحية في يوم من الأيام فنسألك أن تنزلها علينا نحن أبناء هذا الشعب، وتعافيه منها رحمة بالأطفال الرضّع والشيوخ الركع والشباب العُطّل والفتيات القُصّع والآباء الطُلّع على المعاش المبكر، فجميعهم يا الله أحوج ما يكونون إلى كل دولار من دولارات الاستثمارات الأجنبية التي تتدفق على مصر دون سائر بلاد الأرض عندما تعلم أن الرئيس صحيح معافى وتهرب منها إذا شكت أنه ليس كذلك، اللهم وحتى تلهمنا حلاً ناجعاً نتمكن به من إقناع الاستثمار الأجنبي أن الرئيس سيعيش معنا إلى الأبد، فاكتب لسيادته دائماً المزيد من الصحة والمزيد من العافية، اللهم إنا نقر ونعترف بين يديك بأن الرئيس سليم معافى صحيح البدن وافر النشاط متقد العزيمة، وأقفل المحضر في ساعته وتاريخه.

دعاء الزفاف السعيد

اللهم بارك لأخينا جمال مبارك وبارك له واجمع بينه وبين زوجته على خير وفرق بينه وبين الشعب المصري على خير. اللهم ارزقه سعادة مديدة مريئة لا يظمأ بعدها لكرسي الرئاسة أبداً. اللهم أسعده وأبعده عن لجنة السياسات وسائر اللجان وسائر السياسات. اللهم اغمره بهناء ينسيه أحلام الحكم وخيالات التوريث. اللهم أعده ثانية إلى العمل المصرفي لكي ينتهي دوامه كل يوم في الخامسة مساءً فيعيش حياة أسرية مستقرة ونعيش تداول السلطة ولو لمرة في تاريخ مصر الذي لا يعلم أحد غيرك هل هو سبعة آلاف سنة أم خمسة آلاف سنة.

اللهم أنزل على جمال مبارك سكينة من عندك تملأ قلبه فلا ينشغل بنا أبداً بعد اليوم، اللهم ألهم فؤاده إلى الحقيقة المرة بأننا لا نستحقه، فنحن يا إله الكون خائفون أن تضيع مواهبه سدى معنا، فقد رزقتنا بأبيه حفظه الله ربع قرن من الزمان فلم نصن نعمته وأخذنا نعارضه ونقاطع انتخاباته ونسخر من إعلامه ونخرب ما بناه من بنى تحتية، اللهم فصُن ابنه من هذا المصير وارزق به شعوباً أخرى تصون نعمته وتعرف قيمته وتقدر موهبته في حفظ أرقام معدلات النمو وفرص العمل وفقرات برنامج هلال المستقبل. 

اللهم بارك لأخينا جمال مبارك، واجمع بينه وبين زوجته على خير، وفرق بينه وبين الشعب المصري على خير. اللهم أرزقه سعادة مديدة مريئة لا يظمأ بعدها لكرسي الرئاسة أبداً

اللهم ثبت عمرو دياب اليوم عند الغناء فلا تجعله يغني أغنية "معاك بجد كان قلبي طيب.. ما قلتش أنا غير حاضر وطيب.. وإنت غاوي وعود في الهوا.. كل سنة بقى وإنت طيب"، واجعل ذهنه حاضراً فلا يتلخبط ويغني أغنية " كان طيب كان حنين.. أتاريه كداب كبير.. مش زي ماكان مبين.. ده خدعنا سنين كتير.. خدعنا واحدة واحدة واتعلم فوق يطير"، وعنده الألبومات كثيرة فليغن منها ما شئت له أن يغنيه.

اللهم وقد شاءت إرادتك أن يكون الفرح على الضيق فلا تقام الموائد والأسمطة والأوبن بوفيهات بطول البلاد ليأكل منها الفقراء ومحدودو الدخل وأبناء الطبقة المتوسطة فيعرفوا أنفسهم وأبناءهم وأهاليهم على الجمبري والإستاكوزا والكابوريا واللحمة الباردة واللحمة الساخنة، اللهم فعوضهم عن خسارتهم هذه بكرم من عندك يرحمهم ولو إلى حين من شوربة رجلين الفراخ والكبدة البنية اللون والسجق المشكوك في أمره وفواكه اللحمة واللانشون والبسطرمة وسائر ما انتسب إلى طائفة اللحوم ادعاءً لا حقيقة.

اللهم ارزق عريسنا الذرية الصالحة التي لا تفكر في السياسة ولا تهوى وجع القلب، واصرف عنه أصدقاء السوء من الموالسين وفقهاء السلطان الذين يزينون له التوريث وحكم البلاد وتسيير أمور العباد، اللهم فاشرمهم كما شرمت شرم الشيخ، اللهم اجعل قلبه غلقاً عن كل وساوسهم واجعل سداً منيعاً وحجاباً فظيعاً بين عقله وبين موالستهم، وفاجئهم وفاجئنا بيوم أبلج مشهود يعلن فيه عبدك جمال مبارك اعتزال العمل السياسي ويعود ثانية إلى صفوف الجماهير يستمتع بما أفاء الدهر عليه من ثروة بكل أمانة وشرف.

اللهم إنك تعلم أننا لا نسألك كل ذلك حسداً ولا حقداً ولا تمنيا لزوال النعمة ولاب طرا منا بها بل نسألك إياه خوفاً وتضرعاً ومسكنة، فأنت تعلم حالنا بعد كل هذه السنين مع الرئيس مبارك الذي كان بطلاً من أبطال حرب أكتوبر المجيدة وعرف عبد الناصر والسادات وقرأ لصلاح عبد الصبور ومحمود سامي البارودي وحضر حفلات أم كلثوم وعبد الحليم، ومع ذلك فحال البلاد يا رب العزة كما لا يخفى عليك، فكيف يكون حالها إذن لو حكمها ابنه الذي كان بطلاً في التنس في نادي هليوبوليس وعرف كمال الشاذلي وفتحي سرور وقرأ لممتاز الهر ومحمد علي بعرور وحضر حفلات ميلودي هيتس.

اللهم هذا الدعاء ومنك الإجابة وهذا الجهد وعليك التكلان وهذا التوريث وبيدك التخليص.

من دعاء ضحايا النهضة

اللهم ارفع غضبك المنتخب عنا ولا تؤاخذنا بما فعله الإخوان منا، اللهم إنا نعوذ بك من كآبة مشروع النهضة ومن وعثاء المتطرفين ومن سوء المنقلب العسكري ومن وحشة الفوضى ومن شماتة الفلول ونطاعة الخرفان، اللهم إنا نعوذ بك من طائر النهضة وما زرقه علينا من إعلانات دستورية كريهة الرائحة، ونسألك الانتخابات الرئاسية المبكرة وما قَرّب إليها من قول أو عمل، ونعوذ بك من الانقلابات العسكرية وما قَرّب إليها من قول أو عمل.

اللهم إنا نعوذ بك من كل رئيس شيمته إخلاف الوعود وتُخن الجلود والقلب الجلمود والوعي المحدود والهذر بلا حدود وإدمان القروض، اللهم إنا هَرِمنا في انتظار اللحظة التاريخية وها نحن نهرم بعد أن جاءتنا، فلا تجعلنا نهرم في انتظار لحظة تاريخية جديدة، وارزقنا رئيساً لا يتلجلج في الحق الأبلج، ولا يتدألج طلباً لرضا الشرطة في معسكرات الأمن الأهوج، ولا يتمكيج بالتدين ذي الفهم الأعوج، اللهم إنا نسأـلك رئيساً لا يتمنتج في الخطابات، ولا يتلهوج على رضا الخواجات، ولا يتحجج بما في الحارة المزنوقة من مؤامرات، ولا يتدحرج بالبلاد إلى أعماق الهاويات. 

اللهم يا من ذلت له رقاب الجبابرة وخضعت له أعناق الفراعنة، كما أعنتنا أن نخلع فرعونا طال تَجَبُّرُه، فنسألك أن ترحمنا من حاكم قَصُرُ بقاؤه وطال شقاؤنا به، وقَلّ شاكروه وكثر شاكوه، وتقزّمت إنجازاته وتعملقت كذباته، وطالت أيادي إخوانه وألسنة أبنائه، ورفع لنا إصبعه وخفض للأمريكان جناحه، وأرغى في معارضيه وأزبد، وطمأن الصهاينة وتعهّد، ودلّل عشيرته وأذل شعبه، وأرسل زوجته إلى طابا لتستجم بينما بيوت الفقراء في المجاري تستحم، وجلب لابنه وظيفة في الطيران بينما ملايين الشباب تفكر في الخَلَعان. 

اللهم إنا نعوذ بك من كل رئيس شيمته إخلاف الوعود وتُخن الجلود والقلب الجلمود والوعي المحدود والهذر بلا حدود وإدمان القروض. 

اللهم إنا عصرنا له الليمون وأحسنّا به الظنون ونصرناه على مرشح البونبون وسألناك له العون، لكنه أخلف وأجحف، وتجبر واستكبر، وقتل وسحل، وطغى وبغى، فحاسبه اللهم أشد الحساب على كل قطرة ليمون معصورة وكل دمعة أم مكسورة وكل آهة محسورة وكل ضحكة محصورة وكل قنبلة غاز فَجّرها في شعبه من بور سعيد إلى المنصورة.

اللهم حِلّ وِسط من أغضب المحلاوية، واجعل البور والتعاسة مصيراً لكل من أحزن البورسعيدية، واحظر الفرحة على من حظر تجوال الإسماعيلاوية، واجعل السوس ينخر في عظام من أتعس السوايسة، واجعل "السكاندال" مصيراً لكل من عكر صفو الإسكندرانية، ولا تجعل طنين البعوض يهدأ حول رؤوس من كدّر الطنطاوية، وادلق كوبايات الشاي المولعة على جلود من أبكى الدقهلاوية، وارزق من أغضب أهل كفر الشيخ بشيخ سليط اللسان يكفر سيئاته ويكرهه في عيشته، واقهر من كل توهّم قدرته على قهر القاهرة، واجعل مصيره مثل مصير عابر لميدان الجيزة في الثانية من ظهر أي يوم من أيام رمضان في عز أغسطس، واكفنا جميعاً شر غضبة الصعيد والصعايدة إنك على ما تشاء قدير.

اللهم إنا نسألك كرامة من عندك تهدي بها قلوب المصريين، وتجمع بها أمرهم، وتلمُّ بها شعثهم، وتعصمهم بها من كل سوء، وتكفيهم شر كل خيرت يشطر شملهم، وكل بديع يبدع في التنكيد عليهم، وكل عريان يستر عورته السياسية على حسابهم، وكل تاجر ضمير يتاجر بادعاء الضمير على أقفيتهم، وكل "إع.. لامي" يغسل تاريخه الأسود بالندب على دماء شهدائهم.

اللهم إنا نسألك استقراراً لا ذُلّ فيه، وتنمية لا تُحققها شِحاتة، ورخاءً لا تلزمه رخاوة، وأمنا لا يجتمع مع قمع، وسيادة وطنية تتجاوز حناجرنا إلى أرض الواقع. اللهم إنا نسألك دستوراً لا عِوَج فيه، وقضاءً لا شك فيه، وقصراً رئاسياً لا غباوة فيه، وجيشاً لا سياسة فيه، وتعليماً لا تلقين فيه، وإعلاماً لا كذب فيه، ونسألك هيكلة الداخلية، وسداد الديون الخارجية، ونسف السياسة التعليمية، واللحاق بركب الإنسانية، وقطع كل من تتمدّ يده على ولية، وقطع لسان من يصف الثوار بالبلطجية، ونسألك أن تكفينا شر شيوخ القنوات الفضائية، والمتاجرين بالشعارات الإسلامية، والداعين إلى الانقلابات العسكرية، والخائفين من الحرية، والتواقين إلى قمع البشرية، والحالمين بعودة المباركية، وأنصار الفشلة الإخوانجية، وحتى تحقق لنا هذا كله بفضلك وكرمك يا أكرم الأكرمين، نسألك قبل ذلك كله ومعه وبعده، تخفيف انقطاع الكهرباء في وهج الصيف إلى أقصى حد تسمح به رحمتك بعبيدك الفرحين بما رزقتهم من تكييفات ومراوح وثلاجات، إنك ولي ذلك والقادر عليه. 

ونسألك هيكلة الداخلية، وسداد الديون الخارجية، ونسف السياسة التعليمية، واللحاق بركب الإنسانية، وقطع كل من تتمدّ يده على ولية، وقطع لسان من يصف الثوار بالبلطجية

هذا وآخر دعائنا ما دعاك به أجدادنا عندما نزلت بهم النوازل وحلت بهم المحن: ياخفي الألطاف نَجِّنا مما نخاف، يا خفي الألطاف نَجِّنا مما نخاف، يا خفي الألطاف نَجِّنا مما نخاف.

من دعاء أبناء الرؤساء

اللهم إنك قلت وقولك الحق أنك ترث الأرض ومن عليها فليس بكثير على عظمتك أن تورثنا بلداً واحداً منها. اللهم أحيي آباءنا ماكانت حياتهم خيراً لنا، وأمتهم ما كانت حياتهم شراً لنا. اللهم أرنا الحكم حقاً وارزقنا اتباعه. وأرنا ترك الحكم باطلاً وارزقنا اجتنابه. اللهم منزل الكتاب وممطر السحاب اهزم الأحزاب وقوى المجتمع المدني واقفل على أصابعهم أبواب رحمتك. اللهم اجعل بأسنا على من عارضنا ولا تجعل مصيبتنا في حكمنا واجعل السلطة أكبر همنا ومبلغ علمنا وغاية رغبتنا. واجعل قصر الرئاسة هو دارنا، ولا تسلط علينا بذنوب آبائنا من لا يخافنا ولا يرحمنا. اللهم إذا صرنا إلى ماصار إليه آباؤنا فاجعل لنا حظاً مما صار إليه آباؤنا.

اللهم إنا نسألك السلطة وما قرب إليها من قول أو عمل، ونعوذ بك من المعارضة وما قرب إليها من قول أو عمل. اللهم عليك بشعوبنا أما الأمريكان فنحن سنسلك معهم. اللهم يامن ذلّت له أعناق الفراعنة وخضعت له رقاب الجبابرة اجعل لنا قانوناً استثنائياً يستثنينا من كل ذلك. اللهم لا تقبض أرواحنا إليك إلا بعد أن تذيقنا لذة الجلوس على عرش الحكم. اللهم إنا نعلم أنه من الصعب علينا أن ندعوك أن تستجيب دعاء آبائنا، لكننا نسألك باسمك الأعظم أن تستجيب لهم فقط إذا دعوك قائلين: "اللهم اجعله الوارث منا". اللهم اجعله الوارث منهم إنك على كل شيء قدير.  

إنضمّ/ي إنضمّ/ي

رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.



* يعبّر المقال عن وجهة نظر الكاتب/ة وليس بالضرورة عن رأي رصيف22

نرفض تحويلنا إلى كائنات خائفة يسهل حكمها. لذلك كنّا وسنبقى موقعاً يرفع الصوت ضد كل قمع لحرية التعبير ويحتضن كل الأفكار "الممنوعة" و"المحرّمة". لا تكونوا مجرد زوّار عاديين، وانزلوا عن الرصيف معنا، بل قودوا مسيرتنا!/ رحلتنا في إحداث الفرق. اكتبوا قصصكم. أخبرونا بالذي يفوتنا. غيّروا، ولا تتأقلموا.

Website by WhiteBeard
Popup Image