شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

اشترك/ ي وشارك/ ي!
مرضى السرطان في لبنان

ماذا تكشف الأرقام عن تفشّي مرض السرطان في لبنان؟

مرضى السرطان في لبنان

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!


خمسة أنواع من مرض السرطان هي الأكثر انتشاراً في لبنان، حسب معطيات منظمة الصحّة العالمية في العام 2020، هي: سرطان الثدي، يليه سرطان الرئة، فالبروستات، ثم القولون، وأخيراً سرطان المثانة. وبالمقارنة مع تقارير سابقة للمنظمة، نجد أن أنواع السرطان الأكثر انتشاراً في لبنان، ما زالت هي نفسها منذ 2016.

جدول توزّع أنواع السرطان في لبنان في العام 2020

الأسباب المؤدية إلى الإصابة بالسرطان

تُجمع الدراسات المتعلقة بأمراض السرطان، على أن العامل الوراثي يساهم بنسبة تتراوح بين 10% و30% من الحالات، في حين تساهم العوامل البيئية والعوامل الاجتماعية بنسبة تتراوح بين 70% و90%.

العوامل البيئية كالتلوّث الغذائي والهوائي، شديدة الارتباط بالحالات السرطانية؛ فكلما ارتفعت نسب التلوث، ارتفعت معها أعداد الإصابات بالسرطان، وتفاقمت في ظل غياب التشريعات المتعلّقة بمراقبة سلامة الغذاء وعدم اتخاذ الجهات المسؤولة أي تدابير للحدّ من هذا الأمر.

أما العوامل الاجتماعية، فهي نمط الحياة الذي يعتمده الفرد؛ كالتدخين، وقلّة النشاط البدني، والنظام الغذائي غير الصحي، وشرب الكحول، والسمنة، بالإضافة إلى التوتر العصبي.

نتائج بعض الدراسات التي أجريت في لبنان حول الوضع البيئي:

  • ارتفاع نسب معدلات المعادن الثقيلة، كالزرنيخ وغيره، في المياه حسب العديد من الدراسات.

  • مادة النيترات موجودة بكميات أكبر تبلغ أضعاف تلك المسموح بها بسبب تسرّب الزرنيخ من الهواء إلى المياه الجوفية حسب دراسة ميدانية أجراها طلاب كلية الصحة في الجامعة اللبنانية في العام 2017.

  • مادة الديوكسين المسرطنة في الهواء تضاعفت 416 مرةً حسب دراسة أعدّها باحثون من الجامعة الأمريكية في بيروت في العام 2017، مقارنةً بنتائج دراسة أُجريت عام 2014. وبيّنت الدراسة أن هذه الزيادة ستؤدي إلى ارتفاع احتمال الإصابة بالسرطان من معدل شخص بالغ و4 أطفال من أصل مليون نسمة، إلى 34 بالغاً و176 طفلاً من كل مليون نسمة في المناطق السكنية المكتظة التي تشهد حرقاً عشوائياً للنفايات.

التوزّع الجغرافي لانتشار الإصابات في لبنان

تكتفي الإحصائيات المسجّلة عالمياً بالتوزع الجغرافي حسب البلدان والمناطق الإقليمية، ويغيب عنها التوزع الجغرافي داخل البلد نفسه، علماً بأن التعرّف على أماكن انتشار الأمراض تساهم في تحديد أكثر دقةً للأسباب، وتالياً العمل على التخفيف منها في إطار السياسات المتّبعة لمكافحة مرض السرطان.

يشير تتبّع أوضاع المناطق اللبنانية، إلى ارتفاع حالات الإصابة بالسرطان في المناطق القريبة من شركات الإسمنت، ومطامر النفايات ومكبّاتها، والمصانع، ومحطات توليد الطاقة، والأنهر الملوثة، إلى جانب المدن التي ترتفع فيها نسبة التلوث. 

يشير تتبّع أوضاع المناطق اللبنانية، إلى ارتفاع حالات الإصابة بالسرطان في المناطق القريبة من شركات الإسمنت، ومطامر النفايات ومكبّاتها، والمصانع، ومحطات توليد الطاقة، والأنهر الملوثة، إلى جانب المدن التي ترتفع فيها نسبة التلوث... فكيف تتوزع؟

ففي محيط معامل الترابة في ساحل الشوف والكورة، حيث تنتشر معامل الإسمنت وإنتاج الطاقة الكهربائية، ترتفع نسبة التلوث ومعها الإصابة بالسرطان.

أما بالنسبة إلى نهر الليطاني الذي يمر بأكثر من 150 بلدةً بقاعيةً وجنوبيةً، أي ما يقارب 10% من بلدات لبنان، فقد أعلن المجلس الوطني للبحوث العلمية عام 2016، موته بيئياً. ومع ارتفاع نسبة التلوث في النهر وحوضه الجوفي وبحيرة القرعون بنسب تجاوزت الخطوط الحمراء، فقد خلّفت وراءها أعداداً كبيرةً من الإصابات بالسرطان في منطقة البقاعَين الأوسط والغربي.

ويشير التدقيق في أعداد الإصابات بالسرطان في عدد من القرى المحاذية لنهر الليطاني إلى أنها تجاوزت معدل الإصابة المسجل في لبنان لكل 100 ألف نسمة. ومقارنة عدد الإصابات في هذه القرى بعدد السكان يشير إلى أنها تسجل 7 أضعاف في بلدة تمنين التحتا، مقارنةً بالمعدل على المستوى الوطني، و17 ضعفاً في القرعون، و23 ضعفاً في حوش الرافقة، و31 ضعفاً في بلدة بر الياس.

جدول توزع الإصابات في القرى المحاذية لنهر الليطاني

تم جمع معطيات من تقارير صحية وعلمية مختلفة عدة.

معدلات السرطان في لبنان

تراجعت معدلات الإصابة والوفاة بالسرطان في لبنان، بحسب التقارير الصادرة عن منظمة الصحة العالمية بين العامين 2018 و2020، إذ تراجع معدل الإصابة من 242.8 لكل 100 ألف نسمة في العام 2018، إلى 152.7 في العام 2020. وكذلك تراجعت معدلات الوفيات من 119.8 لكل مئة ألف إلى 84 نسمةً.

معدلات السرطان في لبنان

هذا التراجع قد يبدو إيجابياً ونتيجةً لتحسن الأوضاع البيئية والصحية المسببة للإصابة بالسرطان، وكذلك لتحسن مستوى العلاج الذي يؤدي إلى تراجع نسبة الوفيات. غير أن الواقع تراجع إلى الأسوأ بدءاً من العام 2021، وازداد سوءاً في 2022 حيث اشتدّت معاناة مرضى السرطان في لبنان مع تفاقم أزمة الدواء والقطاع الصحي والاستشفائي، وصولاً إلى رفع الدعم عن الأدوية وانقطاع الأدوية الخاصة بالسرطان. ومن المتوقّع أن يكون التقرير المقبل لمنظمة الصحة العالمية صادماً لناحية ارتفاع معدّلات الإصابة والوفيات في لبنان.

توزع نسبة الإصابات والوفيات بين الذكور والإناث في العام 2020

المصدر: تقرير "المرصد العالمي للسرطان" المنبثق عن منظمة الصحة العالمية، في آذار/ مارس 2021.

لبنان مقارنةً بالدول العربية المحيطة به

بناءً على تقريرَي منظمة الصحة العالمية والمرصد العالمي للسرطان، احتل لبنان في العام 2018 المرتبة الأولى بين دول غرب آسيا في عدد الإصابات بمرض السرطان قياساً إلى عدد السكان بنسبة 242.8 لكل 100 ألف نسمة، وكذلك في عدد الوفيات بنسبة 119.8 لكل 100 ألف نسمة. في المرتبة الثانية حلّت سوريا، يليها قطاع غزة والضفة الغربية. أما في العام 2020، فقد حافظ لبنان على المرتبة الأولى بالنسبة إلى عدد المصابين، وتراجع إلى المرتبة الخامسة بنسبة الوفيات، حيث تقدّمت كل من الضفة الغربية وغزة بجانب الأردن والعراق.

جدول مقارنة لبنان بالدول العربية المحيطة به

يجمع الخبراء على أن ارتفاع نسبة الإصابة والوفيات في كل من العراق وسوريا وقطاع غزة يأتي نتيجة تدهور الأوضاع البيئة والظروف الصحية، ويُعدّ استخدام اليورانيوم المُنضّب من قبل الولايات المتحدة وإسرائيل عنصراً أساسياً في ارتفاع عدد المرضى. أما في لبنان، فإن المعطيات حول وجود آثار لليورانيوم المنضّب بعد العدوان الإسرائيلي عام 2006، متضاربة بين تأكيد ونفي، حيث أشار المجلس الوطني للبحوث العلمية إلى عدم وجود آثار لهذه المادة، في حين أن مختبرات بريطانيةً قد أكدت وجودها في تربة أُخذت من منطقة الخيام في جنوب لبنان.

الخدمات الصحيّة لمرضى السرطان في لبنان

يُعدّ مرض السرطان من الأمراض الأكثر كلفةً في العلاج، فهو يتطلب علاجاً خاصاً وطويلاً ضمن بروتوكولات معتمدة، وكلما كان اكتشاف المرض مبكراً، كانت كلفة العلاج أقل وتراجعت نسبة الوفيات.

يُفترض بالسياسات الصحيّة التي تتعامل مع مرض مثل السرطان، أن تكون فعّالةً من خلال خدمات الرعاية الصحية الأولية التي تقع على عاتقها أولاً مهمة تحسين مستوى السلوك الصحي والغذائي بما يساهم في تقليل الإصابة بالأمراض، وثانياً اكتشاف الأمراض في مراحلها الأولى ومعالجتها والعمل على عدم وصولها إلى مراحل حرجة تتطلب تدخّلات علاجيةً مكلفةً.

بالنسبة إلى مراكز الرعاية الصحية الأولية، فجزء كبير منها كان يعمل على طريقة المستوصفات دون أن يكون لها أي دور فاعل في تعزيز الرعاية الصحية الأولية، ومع الأزمة الاقتصادية وتآكل الميزانية المخصّصة لهذه المراكز، أصبحت عاجزةً عن القيام بدورها.

أما بالنسبة إلى علاج مرضى السرطان، فيوجد في لبنان 450 دواءً مخصّصاً لهم ومسجلاً في وزارة الصحة، ويتم توفيرها عن طريق شركات الاستيراد الخاصة، وكانت وزارة الصحة تقوم بتحمّل كلفة علاج المرضى. مع تفاقم الأزمة، تم اتخاذ قرار بالإبقاء على دعم أدوية السرطان بمبلغ 25 مليون دولار أميركي سنوياً من أموال حقوق السحب الخاصة، على أن يتم تقليص عدد الأدوية التي تغطيها الوزارة إلى 14 دواءً فقط، واشتراط الدعم بموافقة لجنة من الوزارة على البروتوكول المعتمد من قبل الطبيب المعالج.

ماذا تعني عملية الموافقة على البروتوكول المعتمد؟

تعدّ الوزارة أن عدداً من الأطباء يقومون باعتماد برتوكولات للعلاج قيد التجربة أو تتطلب أدويةً مرتفعة الثمن. وقد لا يختلف مسار وصف أدوية السرطان وبروتوكولات العلاج عند بعض الأطباء، عن وصف أدوية محدّدة للأمراض العادية، والتي غالباً ما تكون بناءً على علاقة مع الشركة المستوردة، لذا رأت الوزارة أنه في ظل الأزمة، من الواجب ترشيد توزيع الأدوية من خلال التدقيق في البروتوكولات. غير أن هذا المسار أربك الأطباء والمرضى وأدّى إلى تأخير في العلاج للكثير من الحالات، الأمر الذي ترك آثاراً سلبيةً صحياً ونفسياً على المرضى.

ما الحلول المتوافرة حالياً أمام مرضى السرطان؟

الحل الأول يتمثل في أن تقوم الوزارة بتحمل كلفة العلاج. في العام 2017، أي قبل الأزمة الاقتصادية وانهيار العملة اللبنانية، أنفقت وزارة الصحة ما يقارب 53 مليون دولار أمريكي على أدوية السرطان لعلاج 6،000 مريض، أي بمتوسط يصل إلى 8،883 دولاراً لكل مريض.

ولكن مع ارتفاع عدد المرضى في العام 2020، وتوقع أن يتراوح عدد المحتاجين إلى العلاج على حساب وزارة الصحة بين 12 و18 ألف مريض، استناداً إلى معطيات الوزارة وأرقامها، فإن الكلفة المتوقعة بحدّها الأدنى تبلغ نحو 105 ملايين دولار، في حين أن جل ما تم إقراره لا يتجاوز 25 مليوناً، مع المطالبة برفعه إلى 35 مليون دولار.

مع ارتفاع عدد المرضى في العام 2020، وتوقع أن يتراوح عدد المحتاجين إلى العلاج على حساب وزارة الصحة بين 12 و18 ألف مريض، استناداً إلى معطيات الوزارة وأرقامها، فإن الكلفة المتوقعة بحدّها الأدنى تبلغ نحو 105 ملايين دولار، في حين أن جل ما تم إقراره لا يتجاوز 25 مليوناً!

الحل الثاني يتمثل في أن يقوم المريض بتوفير الأدوية الخاصة به وعلى نفقته الخاصة. وحسب المعطيات الطبية، تترواح كلفة الأدوية بين 3،000 و6،000 دولار أمريكي لكل جلسة، كما يحتاج المريض إلى جلسة على الأقل كل شهر، على أن يكون متوسط عدد الجلسات بحدود 6 جلسات. مما يعني أن كلفة العلاج قد تتراوح بين 18،000 و36،000 دولار أمريكي، من دون احتساب فاتورة المستشفى وأتعاب الطبيب. وعليه، من لم تتوافر لديهم القدرة المالية على تأمين كلفة العلاج، مضطرون إلى استبدال هذه الأدوية بأخرى مستوردة بطرائق غير شرعية من خارج دول المنشأ، وبأسعار قد تتراوح بين 200 و500 دولار، مع تساؤل يفرض نفسه حول مدى فاعليتها في العلاج، لا سيما وأن منظمة الصحة العالمية أشارت في العام 2022، إلى وجود دفعة ملوّثة من أحد أدوية السرطان تم توزيعها في لبنان واليمن، وكانت لها آثار ضارّة على الأطفال المرضى الذين تلقّوها.

ولن تكون وزارة الصحة قادرةً على توفير الأدوية لجميع المرضى، وسيتحمل الفقراء ومتوسطو الحال تبعات ذلك، خصوصاً أولئك الذين ليس في مقدورهم التواصل مع نافذين للحصول على الدواء.

المرضى الفلسطينيون والسوريون

ربع المقيمين الفلسطينيين والسوريين تقريباً في لبنان، لا يحظون بأي تغطية صحية بعد أن تخلّت عنهم الأونروا ومفوضية شؤون اللاجئين في الأمم المتحدة.

بالنسبة للاجئين الفلسطينين، كانت الأونروا تغطّي 50% من كلفة الدواء على ألّا يتعدى سقف التغطية 8،000 دولار أمريكي لكل مريض، ويتحمل المريض 50% بالإضافة إلى كلفة العلاج في المستشفى. إلا أنه مع الأزمة الاقتصادية ودولرة أسعار الدواء وكلفة المستشفى، أصبحت كلفة العلاج تشكل عبئاً كبيراً ما دفع بالكثير من الفلسطينيين إلى عدم الانتظام في علاجهم، برغم تداعيات ذلك على صحتهم وتهديد حياتهم.

أما بالنسبة إلى النازحين السوريين، فتقدّم المفوضية السامية لشؤون اللاجئين UNHCR، العديد من الخدمات الصحية للمسجلين لديها والذين يتراوح عددهم بين 800،000 و1،200،000 نازح، باستثناء العلاج من الأمراض السرطانية. لذا، يضطر من في استطاعته التوجه إلى سوريا إلى أن يذهب إلى مستشفياتها من أجل تلقّي العلاج على نفقة الدولة السورية.

التوقعات عن ارتفاع أعداد الإصابات بالسرطان مخيفة، ويقابلها انهيار الخدمات الصحية والعلاجية. ويبدو أن احتلال لبنان المرتبة الأولى في عدد الحالات السرطانية مستمر طالما هناك "سرطان" من نوع آخر، يحكمه ويسير به نحو المرض والمعاناة والعجز. 

يبقى السؤال: في ظل انهيار الخدمات الصحية والتلوّث البيئي المتزايد، أي مصير ينتظر مرضى السرطان؟https://www.ararac.com/https://www.ararac.com/


رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

ما زلنا في عين العاصفة، والمعركة في أوجها

كيف تقاس العدالة في المجتمعات؟ أبقدرة الأفراد على التعبير عن أنفسهم/ نّ، وعيش حياتهم/ نّ بحريّةٍ مطلقة، والتماس السلامة والأمن من طيف الأذى والعقاب المجحف؟

للأسف، أوضاع حقوق الإنسان اليوم لا تزال متردّيةً في منطقتنا، إذ تُكرّس على مزاج من يعتلي سدّة الحكم. إلّا أنّ الأمر متروك لنا لإحداث فارق، ومراكمة وعينا لحقوقنا.

Website by WhiteBeard
Popup Image