شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

اشترك/ ي وشارك/ ي!

"أوديسة الحيض الكبرى"... هديّة سانتا كلوز للشابات في غزّة لتخطّي دورتهنّ الشهرية

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

مدونة نحن والنساء

الأربعاء 3 يناير 202412:36 م

بالنسبة لـسانتا كلوز، كل شيء يصبح أفضل عندما يضيء في الظلام، ولا أفضل من الظلام الذي تسبح به غزة منذ ثمانين يوماً، لتضيء لديه فكرة عن الهديّة التي سيقدّمها للفتيات هناك.

متجوّلاً في مراكز الإيواء، وخيم النزوح، وساحات المستشفيات، والمدارس، ومن مدخنة إلى أخرى، توصّل إلى نتيجة صادمة: كلّ شابّة في غزّة ستكون قد حضرت دورتها الشهرية مرّتين على الأقل حتّى الآن، وعليه، يجب أن ترتبط الهديّة بهذا الحدث البيولوجيّ غير المفهوم.

فكّر في البداية بقناع غاز معطّر برائحة الشوكولاتة، بإمكانه أن يخفّف بطريقة ما من التوتر المرتبط بالحيض والحرب، وسيحمي الفتيات من التعرّض للفسفور حتى! خطرت له أيضاً فكرة سلّة مهملات ذاتيّة التفريغ، تفرّغ نفسها بطريقة سحريّة، وتوفّر مئات الأطنان من أكياس البلاستيك التي تستخدمها الفتيات للتخلّص من الفوط الصحيّة؛ الأمر الذي قد يحدّ من الملوثات المهددّة لمناخنا الحبيب، وهي فكرة سيُسرّ بها "الرئيس الإسرائيلي"، ويستخدمها في مؤتمر المناخ القادم الذي غالباً سيُعقد في السعودية.

مبدأ عمل السلّة سهل جداً؛ عليهنّ التظاهر بعدم وجود نفايات فيها، لأن البعيد عن الأنظار، بعيد عن العقل.

المرأة التي اقتطعت قماشة من الخيمة التي قدمتها لها إحدى مؤسسات الأمم المتحدة، كي تستخدمها بدلاً من الفوطة الصحيّة غير المتوفّرة، أعادت رتق الخيمة؛ لأنها بمثابة عهدة يجب إعادتها دون أعطاب بعد انتهاء الحرب

لكن، رغبةً منه بأن يكون الحل جذرياً، كي تستطيع النساء قضاء فترة عيد الميلاد براحة أكثر، وبتعمّق بسيط في هول الملحمة التي تعيشها الشابات، وبنضالهنّ الصامت أثناء الحرب الذي يفوق تصوّر عقل سانتا كلوز، كونه لم يختبره بالطبع، وإيماناً منه بقدرة الزمن على الشفاء؛ قرّر سانتا أن يقدم لهنّ روزنامة تحمل عنوان "أوديسة الحيض الكبرى: رحلة ملحمية عبر الزمن والتشنجات"؛ كهديّة تعد النساء بالقدرة على السفر عبر الزمن وتخطي الدورة الشهرية خلال أيام الحرب، لأنّ من منهنّ لديها الوقت والطاقة للتعامل مع الدورة الشهرية، في ظل بقيّة الأهوال التي يعشنها، في حين يمكنهنّ استكشاف التاريخ بدلاً من ذلك؟

حملت الروزنامة تصميماً مميزاً مستوحى من ملحمة الحيض العظيم عام 1543، بحيث يحمل كل شهر داخلها حدثاً تاريخياً مرتبطاً بأسرار الوقت والهروب الزمني في تخطي الدورة الشهرية، عبر التنقل بين العصور والقرون، من خلال حكايات من الرحم، رحم المعاناة البشرية.

فمثلاً، حمل أحد الشهور قصّة فتاة أثناء حرب على حقول الأفوكادو، تتحوّل إحدى شجرات الأفوكادو من أجل الفتاة، مع قرب دورتها الشهرية، إلى شجرة حبوب منع الحمل، بعد نفاذها من الصيدليات، وعدم إدخالها ضمن المساعدات، لأن الدول الشقيقة لبلد الفتاة، خشيت أن ترسل لهنّ الحبوب والمسكّنات فيتحوّلن لمدمنات "لا سمح الله".

أقسم سانتا كلوز في هذه الأيام المباركة، أثناء تقديمه الهدايا للشابات، على أن القصص الملحمية الواردة في الروزنامة، تضمن لهنّ السفر عبر الزمن بخيالهنّ؛ ما يساعدهن على الهرب من تقلصات الدورة الشهرية، على أقل تقدير، وأنها أيضاً قد تؤثر على إعداد أرحامهنّ لموعد التبويض وفقاً لمبدأ المد والجزر، والاعوجاج الزمني، وبالتالي اختلال موعدها وتخطّيه، والنتيجة عدم اضطرارهن للحيض أصلاً؛ الأمر الذي تتمناه كل الشابات في غزة.

علماً أن الروزنامة هذه لا تقدم عادةً لأي امرأة عادية، تتعامل مع دورتها الشهرية تحت بطانيّة دافئة، مع كوب من الشوكولاتة الساخنة، ممارسة على الكوكب دلع البنات، ومدّعية آلاماً لا يحتملها كائن بشري غيرها، فهذه الروزنامة الملحميّة تحمل قيمة تاريخية عظيمة، بحيث تم إيجاد نسختها الأولى والأصلية في مبنى قديم لجمعية نسويّة سريّة مخصّصة للتنوير حول الدورة الشهرية.

دعا سانتا المجتمع الدوليّ والإنساني إلى محاولة الخروج بحلول عبقرية أخرى لتخطّي الأزمة الإنسانية التي تمر بها النساء في القطاع، متمنّياً للغزّيات أن يتوقف نزفهنّ، سواء من الصواريخ أو من الدورة الشهرية، أو أن ينزفن بسلام وصمت

أثبتت روزنامة "أوديسة الحيض الكبرى" نجاعةً أكبر ممّا كان متوقع منها، بحيث استطاعت الفتيات أن يعدّلن الخلل الذي تسبّبت به دورتهن الشهرية، وأعدن توازن الحياة في الحرب؛ فالمرأة التي اقتطعت قماشة من الخيمة التي قدمتها لها إحدى مؤسسات الأمم المتحدة، كي تستخدمها بدلاً من الفوطة الصحيّة غير المتوفّرة، أعادت رتق الخيمة؛ لأنها بمثابة عهدة يجب إعادتها دون أعطاب بعد انتهاء الحرب، وإلا أثبتت بسلوكها هذه إشاعة سوء سلوك الغزّيين. والنساء اللواتي تسبّبن بنشر الطاقة السلبية نتيجة متلازمة ما قبل الدورة الشهرية، التي غطّت بدورها على الطاقة الكهرومغناطيسية؛ ما أدّى إلى انقطاع في الاتصالات عن القطاع عدّة ساعات متواصلة، تراجعت طاقتهنّ الشريرة وعادت الاتصالات إلى انقطاعها الطبيعي بسبب تشويش متعمّد من الاحتلال.

في ذات الوقت، حذّر سانتا من عواقب استخدام الروزنامة السحرية، لما لها من آثار جانبية؛ فمن غير المعقول أن تحصل الفتيات على الراحة في حياتهنّ دون تحديات وتضحيات، على حد قوله. إذ تبيّن أن الغوص في قصص التاريخ، والسفر عبر الزمن، قد يؤدي إلى عودة الفتاة إلى دورتها الشهرية الأولى، وبالتالي عودتها إلى معاناة المراهقة، وحرجها من إخبار والدتها بأنها "زهّرت"؛ وهو ما يوازي الشعور بالحرج من استخدام الحمامات العامة المشتركة في مراكز الإيواء التي تعيش فيها النساء الحائضة. لكن بكل الأحوال، الأمر يستحق المغامرة لتجنّب مضايقات الدورة الشهرية، لأن العين بصيرة واليد قصيرة، ولا قدرة للعالم على توفير فوط صحيّة، أو مسكّن لآلام الدورة.

ودعا سانتا المجتمع الدوليّ والإنساني إلى محاولة الخروج بحلول عبقرية أخرى لتخطّي الأزمة الإنسانية التي تمر بها النساء في القطاع، على غرار تقديمه الأكفان حلاً لمشكلة الموت الغزير؛ متمنّياً للغزّيات أن يتوقف نزفهنّ، سواء من الصواريخ أو الدورة الشهرية، أو أن ينزفن بسلام وصمت.

إنضمّ/ي إنضمّ/ي

رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.



* يعبّر المقال عن وجهة نظر الكاتب/ة وليس بالضرورة عن رأي رصيف22

رصيف22 من أكبر المؤسسات الإعلامية في المنطقة. كتبنا في العقد الماضي، وعلى نطاق واسع، عن قضايا المرأة من مختلف الزوايا، وعن حقوق لم تنلها، وعن قيود فُرضت عليها، وعن مشاعر يُمنَع البوح بها في مجتمعاتنا، وعن عنف نفسي وجسدي تتعرض له، لمجرد قولها "لا" أحياناً. عنفٌ يطالها في الشارع كما داخل المنزل، حيث الأمان المُفترض... ونؤمن بأن بلادنا لا يمكن أن تكون حرّةً إذا كانت النساء فيها مقموعات سياسياً واجتماعياً. ولهذا، فنحن مستمرون في نقل المسكوت عنه، والتذكير يومياً بما هو مكشوف ومتجاهَل، على أملٍ بواقع أكثر عدالةً ورضا! لا تكونوا مجرد زوّار عاديين، وانزلوا عن الرصيف معنا، بل قودوا رحلتنا في إحداث الفرق. اكتبوا قصصكم، وأخبرونا بالذي يفوتنا. غيّروا، ولا تتأقلموا!.

Website by WhiteBeard