شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

لنبدأ من هنا!
قوة التحالف الأمريكية في البحر الأحمر... تحدّيات إستراتيجية واقتصادية واحتمالات صعبة

قوة التحالف الأمريكية في البحر الأحمر... تحدّيات إستراتيجية واقتصادية واحتمالات صعبة

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

سياسة

الجمعة 22 ديسمبر 202310:18 ص

أطلقت الولايات المتحدة الأمريكية قوة تحالف مكونة من 10 دول للقيام بدوريات في البحر الأحمر ومنع سفن الشحن من التعرض لهجوم من قبل الحوثيين، الذين يسيطرون على جزء من الأراضي شمال غربي اليمن. وأطلق على العملية اسم "حارس الازدهار".

يضم التحالف البحرين، كندا، فرنسا، إيطاليا، هولندا، النرويج، إسبانيا، سيشيل، والمملكة المتحدة، وغابت مصر والمملكة العربية السعودية، وكذلك الصين التي لديها سفن حربية في المنطقة.

عدة تساؤلات طُرحت حول "قوة التحالف الأمريكية" ومدى فاعليتها؟ وهل سيكون لها تأثير في وقف هجمات الحوثيين؟ وما التداعيات الإستراتيجية والاقتصادية لتلك التطورات الحرجة في البحر الأحمر..

قوة التحالف الأمريكية في البحر الأحمر

في اجتماع افتراضي مع وزراء الدول المشاركة في التحالف يوم الثلاثاء 19 كانون الأول/ ديسمبر 2023 قال وزير الدفاع الأمريكي لويد أوستن إن "هذه الهجمات الحوثية المتهورة تمثل مشكلة دولية خطيرة وتتطلب ردا دوليا حازما"، ورد المسؤول الحوثي الكبير، محمد البخيتي، في تدوينة على موقع إكس: "إعلان أمريكا عن إنشاء تحالف العار لن يمنعنا من مواصلة عملياتنا العسكرية. وهذا موقف أخلاقي وإنساني لن نتخلى عنه، مهما كلفنا ذلك من تضحيات".

ومن جانبه، علق مسؤول السياسة الخارجية في الاتحاد الأوروبي، جوزيب بوريل، الأربعاء 20 كانون الأول/ ديسمبر بالقول إن دول الاتحاد الأوروبي ستشارك في المهمة الأمريكية لحماية الملاحة في البحر الأحمر، وكتب بوريل، عبر منصة إكس: "في الاجتماع الاستثنائي للممثلين الدائمين لدول الاتحاد الأوروبي، وافقت الدول الأعضاء على المشاركة في عملية (حارس الازدهار) الأمريكية من خلال عملية أتلانتا".

فيما أعلنت القيادة المركزية للجيش الأمريكي عن هجومين آخرين على سفن تجارية يوم الاثنين 18 كانون الأول/ ديسمبر 2023، قال الجيش إن ضربة بطائرة بدون طيار هجومية وصاروخ باليستي أصابت ناقلة قبالة سواحل اليمن، وفي نفس الوقت تقريباً أبلغت سفينة شحن عن انفجار عبوة ناسفة في المياه القريبة منها. 

أطلقت الولايات المتحدة تحالفاً بحرياً من 10 دول للقيام بدوريات في البحر الأحمر لحماية السفن من هجوم  الحوثيين، وقد ضم البحرين، كندا، فرنسا، إيطاليا، هولندا، النرويج، إسبانيا، سيشيل، والمملكة المتحدة، بينما غابت مصر والمملكة العربية السعودية، وكذلك الصين التي لديها سفن حربية في المنطقة

تقول الولايات المتحدة وبريطانيا إن قواتهما البحرية أسقطت 15 طائرة بدون طيار هجومية فوق البحر الأحمر. تلك الأضرار التي دفعت العديد من شركات الشحن إلى إصدار أوامر لسفنها بالبقاء في مكانها وعدم الدخول إلى مضيق باب المندب حتى تتم معالجة الوضع الأمني، بحسب صحيفة التايم الأمريكية.

منذ اندلاع الحرب في غزة، أعلن الحوثيون دعمهم للقضية الفلسطينية، وبدأوا بمهاجمة جميع السفن التي يعتقدون أنها تتوقف في الموانئ الإسرائيلية، مما أدى إلى ارتفاع أسعار التأمين على السفن المارة عبر البحر الأحمر بشكل كبير، وتعطيل شديد للحركة الدولية.

كما أعلن قائد البحرية في الحرس الثوري الإسلامي الإيراني، الأدميرال علي رضا تنكسيري، أنه يتم توسيع القوة بإضافة "وحدة تعبئة للإبحار في المحيط" تضم أكثر من 55 ألف رجل، حسبما ذكرت وسائل إعلام محلية، وقال تنكسيري إن وحدة "الباسيج" البحرية الجديدة مدعومة بمجموعة واسعة من 33 ألف سفينة مجهزة بالصواريخ قادرة على القيام بمهام في المحيط، والسفر حتى شرق إفريقيا، وفقاً لموقع مونيتور الأمريكي.

مهمات مُعقدة وتكلفة كبيرة

قال مسؤول عسكري كبير طلب عدم الكشف عن هويته للصحافيين الذين سافروا مع وزير الخارجية الأمريكية إلى الشرق الأوسط، إن هناك حوالي 400 سفينة تجارية تعبر جنوب البحر الأحمر، وهي منطقة تعادل مساحة واشنطن العاصمة تقريباً إلى بوسطن، وقال إنه بموجب مهمة قوة التحالف، فإن السفن العسكرية لن ترافق السفن، ولكنها ستكون في وضع يمكنها من توفير مظلة حماية لأكبر عدد ممكن في وقت معين. وفقا لوكالة الأسوشيتد برس

وأضاف إن عدة دول أخرى وافقت على المشاركة في العملية، لكنها فضلت عدم الكشف عن اسمها، وأوضح إنه سيتم تنسيق مهمة الأمن البحري الجديدة من خلال فرقة العمل المشتركة 153 الموجودة بالفعل والتي تضم حوالى 39 دولة، وتم تشكيلها في أبريل/ نيسان 2022 لتحسين الأمن البحري في البحر الأحمر وباب المندب وخليج عدن، ولكن لا يزال المسؤلين يحددون أي منها سيشارك في مهمات قوة التحالف.

فيما تتحرك حاليا سفينتان حربيتان أمريكيتان (يو إس إس كارني) ومدمرات البحرية الأمريكية (يو إس إس ماسون) عبر مضيق باب المندب للمساعدة في ردع هجمات الحوثيين والرد عليها. 

بموجب مهمة قوة التحالف، فإن السفن العسكرية لن ترافق السفن التجارية، ولكنها ستكون في وضع يمكنها من توفير مظلة حماية لأكبر عدد ممكن في وقت معين. 

أما حول كيفية تعامل السفن الحربية مع التهديدات، وما هي المشكلات التي قد تواجهها في المستقبل، فقد علق خبراء في البحرية الأمريكية لـCNN أن المدمرتين الأمريكتين تمتلكان مجموعة من أنظمة الأسلحة تحت تصرفها، وأضاف الخبراء أن الأسلحة تشمل صواريخ أرض جو، وقذائف متفجرة من المدفع الرئيسي للمدمرة مقاس 5 بوصات، وأنظمة أسلحة قريبة. وقالوا أيضاً إن السفن الأمريكية لديها قدرات حرب إلكترونية يمكنها قطع الروابط بين الطائرات بدون طيار، ووحدات التحكم الخاصة بها على الشاطئ، ويعتقد الخبراء أن الولايات المتحدة تستخدم صواريخ SM-2 و/أو ESSM ضد تهديدات الحوثيين حتى الآن.

لكن في الوقت نفسه، فإن تلك المهام تواجه بعض التعقيدات، خاصة بشأن التكلفة والمخزون والفعالية في حال استمرت المهمة، فالطائرات بدون طيار أبطأ ويمكن ضربها بالصواريخ الأرخص، أو حتى بمدفع السفينة. وقال جون برادفورد، زميل الشؤون الدولية في مجلس العلاقات الخارجية: "يجب اعتراض الصواريخ الأسرع بصواريخ اعتراضية أكثر تطوراً"، وأضاف بأن الذخائر باهظة الثمن بمقارنة نسبة التكلفة إلى الفائدة، ولكن بما أنهم يواجهون طائرات بدون طيار يمكن إنتاجها ونشرها بأعداد كبيرة بأسعار أقل من 100 ألف دولار، فإن الحملة المطولة قد تؤدي في النهاية إلى فرض ضرائب على الموارد الأمريكية، في الوقت الذي لدى الحوثيين موارد لحملة طويلة؟وفقاً للمصدر السابق.

البعد الاقتصادي... تعطيل سلاسل التوريد وأرتفاع أسعار النفط

تهدد أزمة البحر الأحمر بتعطيل سلاسل التوريد ودفع أسعار النفط إلى الارتفاع وزيادة التضخم في وقت يتباطأ فيه النمو الاقتصادي، حيث يمر نحو 10% إلى 15% من التجارة العالمية ــ و30% من تجارة الحاويات ــ عبر الممر المائي الذي يربط البحر الأحمر بالبحر الأبيض المتوسط.

ويجري تغيير مسار بعض السفن حول الطرف الجنوبي لأفريقيا، وسيؤدي الإغلاق الفعال لقناة السويس لفترة طويلة إلى زيادة تكاليف الشحن وأوقات التسليم، كما أعلنت عدد من الشركات وعلى رأسها شركة النفط العملاقة "BP" وأربع من أكبر شركات شحن الحاويات في العالم بإيقاف العبور عبر البحر الأحمر، مما يعني أنه يتعين عليهم أيضاً تجنب قناة السويس الحيوية.

وقال كريستيان رويلوفس، الرئيس التنفيذي لشركة "Container x Change وهي منصة تسهل تأجير الحاويات: "إن البحر الأحمر، خاصة مع قناة السويس، يشبه الطريق السريع لحاويات الشحن، ويربط أجزاء مختلفة من العالم، وخاصة أوروبا وآسيا وأفريقيا ونتيجة لهذه الهجمات، ارتفعت أسعار الشحن والتأمين بالفل، كما ارتفعت أسعار النفط."وأضاف أن الممرات الملاحية في البحر الأحمر، تعتبر حاسمة لاستقرار الاقتصاد العالمي، وفقا لشبكة CNN.

وكتب ماثيو رايت، المحلل في شركة كبلر: "أوروبا هي المنطقة الأكثر عرضة لاضطراب التدفقات عبر قناة السويس، حيث تصل ربع واردات المنتجات (النفطية) المكررة عبر القناة".

على الصعيد العالمي، وفقاً لمحللي بنك غولدمان ساكس، من غير المرجح أن يكون للاضطراب آثار كبيرة على أسعار النفط الخام والغاز الطبيعي المسال، نظراً لخيارات إعادة توجيه السفن، فإعادة توجيه التجارة على من خلال ممرات أخرى من شأنه أن يؤدي إلى خطر انسداد سلاسل التوريد على المدى القصير وزيادة تكاليف الشحن، وهو ما يمكن أن يؤثر على أسعار المستهلكين، ويستغرق كذلك وقتاً أطول للتسليم.

وقال فوتيوس كاتسولاس، كبير محللي ناقلات النفط في شركة "S&P Global Market Intelligence" بأن "الوضع مثير للقلق في جميع الجوانب خاصة فيما يتعلق بالطاقة والنفط والغاز". وفقا لموقع مجلة بوليتيكو.

وقال: "من المتوقع أن يرتفع الطلب على الوقود البحري بنسبة تصل إلى 5%، كما أن ارتفاع أسعار الوقود، وارتفاع تكاليف الشحن، وارتفاع أقساط التأمين يعني في النهاية ارتفاع التكاليف على المستهلكين. حتى أن هناك سفناً موجودة بالفعل في البحر الأحمر تفكر في العودة عبر قناة السويس إلى البحر الأبيض المتوسط، حتى لو كان عليها دفع نصف مليون دولار للقيام بذلك". 

تهدد أزمة البحر الأحمر بتعطيل سلاسل التوريد، ورفع أسعار النفط، وزيادة التضخم، ويجري تغيير مسار بعض السفن حول الطرف الجنوبي لأفريقيا، حيث سيؤدي الإغلاق الفعال لقناة السويس لفترة طويلة إلى زيادة تكاليف الشحن وأوقات التسليم 

وقالت سال ميركوجليانو، المؤرخة البحرية في جامعة كامبل، لـBBC إنه ليس من الواضح متى ستستأنف الرحلات على طول الطريق، وستقيم الأمور على أساس كل حالة على حدة، وإنها رغم سرورها بسماع أنباء عن جهود لتحسين الأمن في المنطقة، لكن في الوقت الحالي لا يزال من الصعب تحديد متى ستعود إلى طريق البحر الأحمر، ويضيف المسار البديل، حول رأس الرجاء الصالح، حوالي 3500 ميل بحري إلى الرحلة.

احتمالات مواجهة واسعة

حذر زعيم الحوثيين اليمنييين الأربعاء 20 كانون الأول/ ديسمبر 2023 من أنهم سيهاجمون السفن الحربية الأمريكية إذا استهدفت قوة التحالف أي قوات تابعة للحوثي، وقال عبد الملك الحوثي: "لن نقف مكتوفي الأيدي إذا انجذب الأمريكيون لمزيد من التصعيد وارتكاب الحماقات باستهداف بلادنا أو شن حرب عليها"، وقال في كلمة متلفزة: "أي استهداف أميركي لبلادنا سنكون نحن المستهدفين، وسنجعل من البوارج والمصالح والملاحة الأميركية هدفاً لصواريخنا وطائراتنا المسيرة وعملياتنا العسكرية".

وقال الحوثي: "طالما أن الأميركيين يريدون الدخول في حرب مباشرة معنا، عليهم أن يعلموا أننا لسنا من يخافهم، وأنهم يواجهون شعباً بأكمله".وحذر الأميركيين من إرسال جنود إلى اليمن، قائلا إنهم "سيواجهون شيئا أقسى مما واجهوه في أفغانستان وما عانوه في فيتنام" وفقاً لوكالة رويتزر.

بينما تحاول الولايات المتحدة والغرب إرسال رسالة أن قوة التحالف هي من أجل تأمين الممر المائي، هناك من يرى أن التعزيزات العسكرية الغربية تستهدف ما هو أكثر من مجرد تأمين ممر مائي، وربما قد تشير إلى بدء مواجهة أوسع في المنطقة، في الوقت الذي كما يبدو أن إسرائيل هي المستفيد من هذا، فخلال الأسابيع الأخيرة حاول رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو "جر" الولايات المتحدة إلى مواجهة أكبر مع إيران أو أحد حلفائها في المنطقة.

وما يعزز هذا التقدير هو غياب الدول العربية (مصر والسعودية والإمارات) عن المشاركة في قوة التحالف، بيد أن مشاركة الدول العربية في التعزيزات العسكرية الغربية في المنطقة سيسبب إحراجاً حتى للدول المتضررة من هجمات الحوثي، وعلى رأسها مصر بالنسبة لمصر التي تعاني من ضائقة مالية، حيث وصل التضخم إلى مستويات قياسية ووصل الدين الخارجي إلى 87.2 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي في عام 2022، تظل قناة السويس واحدة من أهم مصادر العملة الأجنبية. 

عبد الملك الحوثي: "أي استهداف أميركي لبلادنا سنكون نحن المستهدفين، وسنجعل من البوارج والمصالح والملاحة الأميركية هدفاً لصواريخنا وطائراتنا المسيرة وعملياتنا العسكرية". 

كما أن التوتر في البحر الأحمر يهدد خطط السعودية، حول مشاريع رؤية 2030، علماً أن الرياض بدأت أوائل عام 2023 محادثات ثنائية مع الحوثيين للتوصل إلى وقف إطلاق النار في اليمن، ومشاركتها في التعزيزات العسكرية سيضعها في مواجهة مجدداً معهم مجدداً، وفقاً لدراسة لمركز كارنيجي للأبحاث.

وبحسب تحليل لموقع "IRANINT" الإيراني فإن إدارة بايدن ستواجه صعوبة في تسويق تحركات قوة التحالف على أنه انتصار، حيث أن البحرين فقط من بين الدول العربية (والبحر الأحمر) العديدة هي التي وافقت على الانضمام إلى التحالف. ويبدو أن الدول العربية، بما في ذلك المملكة العربية السعودية، تخشى عواقب النظر إليها على أنها تقف إلى جانب الإسرائيليين والأمريكيين.

ومن ناحية أخرى، فإذا فشلت قوة التحالف عن ردع الحوثيين عن مهاجمة السفن التجارية، فإن الخيار الثاني هو زيادة الوجود البحري للقيام بدوريات في البحر الأحمر، وقد يتطور الأمر إلى مواجهة عسكرية أوسع، ومخاطر سياسية أكبر، قد تشعل المنطقة بأكملها. وفقاً لتحليل لموقع "the conversation".


رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

Website by WhiteBeard
Popup Image