شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

اترك/ ي بصمَتك!
حاملة طائرات أمريكية على حدود غزة... من أجل ماذا؟

حاملة طائرات أمريكية على حدود غزة... من أجل ماذا؟

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

رأي نحن والحقيقة

الأربعاء 11 أكتوبر 202301:18 م

لا أعتقد أن مدينة من مدن العالم قاطبة كان لها نصيب أو حصة في نشرات الأخبار، خلال العشرين سنة الأخيرة، كما كانت حصة غزة. فهذه المدينة التي تمثل القطاع كاملاً، والتي أكسبته اسمها فصار "قطاع غزة"، لا تنفكّ تتصدّر نشرات الأخبار في القنوات والفضائيات العربية والعالمية، مرّة كمصدر لإزعاج المحتلّ الإسرائيلي، ومرّات كهدف لقذائفه وأسلحته المتطوّرة والمدمّرة ولانتقامه الوحشي.

ولو أمكننا القياس على التعريف الاقتصادي لمصطلح "مواطن" في الغرب، بأنه دافع الضرائب، فإن المواطن الفلسطيني، وتحديداً الساكن في قطاع غزة، يمكن تسميته "دافع ضرائب" من الدم، ليس فقط عن قضيته العينية، بل عن كل قضايا المنطقة وتشابكاتها السياسية.

لا تكاد غزة تخرج من حرب إلا وتُفرض عليها حرب أخرى أكثر عنفاً وأشد قسوة. وفي كل مرّة يتم تهديدها وتهديد سكانها بالمحو عن الخارطة السياسية، أو إرجاعها إلى العصر الحجري، كما هدّد مسؤول إسرائيلي فيما مضى، أو جعلها هدفاً حربياً للخمسين سنة القادمة، كما يهدّد وزير دفاع الاحتلال الحالي. لكن هل تتحقق هذه التهديدات في الحرب الحالية، والتي يبدو أنها مختلفة عن كل ما سبق من حروب؟

قبل محاولة الإجابة، سأجتهد بتقديم بعض المعطيات السياسية في المنطقة ككل، وتلك التي تخالف المنطق وتجعل من الصعوبة بمكان وضع اليد على إجابة بعينها باطمئنان كبير أو بثقة عالية.

إذا عُرّف مصطلح "مواطن" في الغرب، بأنه دافع الضرائب، فإن المواطن الفلسطيني، وتحديداً الساكن في قطاع غزة، يمكن تسميته "دافع ضرائب" من الدم، ليس فقط عن قضيته العينية، بل عن كل قضايا المنطقة وتشابكاتها السياسية

فلو قمنا، قبل أسبوع من اليوم، بتوجيه سؤال لأي خبير استراتيجي أو محلل سياسي أو عسكري، أو حتى رجل استخبارات مطلع: هل ستقوم حماس والمقاومة الفلسطينية باقتحام إسرائيل بهذه الكفاءة والقوة النارية، وتتسبب بخسائر فادحة للعدو؟ ستكون إجابته بالنفي على الأغلب. لكن حماس والفصائل فعلت ذلك بمخالفة لكل التوقعات أو للمنطق السياسي والعسكري البسيط. ولو سألنا نفس المحللين: هل سيقوم نتنياهو بالدخول في حرب برية على غزة، ما دام يملك ما يكفيه من القوة الجوية الكفيلة بمسح غزة وغير غزة؟ ستكون الإجابة بالنفي أيضاً، لكنه سيفعل ذلك وإن خالف المنطق البسيط للحروب.

من جانب آخر فإن المنطقة كلها وصلت إلى تأزيم سياسي وملفات عالقة لا يمكن إلا لحدث كبير، على شكل معجزة إلهية أو حرب شاملة، تفكيكها. فالملف السوري وقف عند نقطة من الانسداد السياسي، بحيث لا تنتصر فيه المعارضة ولا ينتصر النظام. ولبنان لا يتحرّك فيه شيء، لا فرنسا استطاعت فرض رؤيتها ولا إيران هيمنت عليه بالكامل.

الملف النووي الإيراني كذلك يقف عند نقطة من اللاتقدم واللاتراجع. السلطة الفلسطينية بدورها، مع مشروعها لحل الدولتين، وصلت إلى طريق مسدود، ولم يحصل ذلك بسبب وجود حكومة نتنياهو في إسرائيل وحسب، بل يستمر هذا الانغلاق في عملية السلام مع كل الحكومات الإسرائيلية المتعاقبة. وأخيراً فإن التأزيم في الوضع الداخلي الإسرائيلي لا يقل سوءاً عن مثيلاته في المحيط، فحكومة نتنياهو تواجه معارضة لا تكل ولا تمل ولا تفارق الشارع، وهي استطاعت أن تكسب إلى جانبها شرائح مهمة من المجتمع الإسرائيلي، وحتى من الجيش.

هل تحتاج إسرائيل فعلاً لدعم عسكري في حربها مع حماس، في بقعة جغرافية صغيرة كقطاع غزة؟

مع كل ما سبق، من لا يرغب بالحرب؟

ولأن الرغبة وحدها لا تكفي، بل عليك أن تمتلك الأدوات التي تؤهلك لتكون نتائج هذه الحرب لصالحك، فإن التصريحات غالباً ما تتناقض مع المؤهلات. ولتوضيح ذلك أضرب مثلين بسيطين: الأول أن حزب الله مثلاً يريد تحرير فلسطين، هذا هو هدفه المعلن والذي يكتسب شرعية وجوده من خلاله، بينما هو لا يستطيع أن يؤمن الكهرباء لمواطنيه، ولا يستطيع أن يحسم سباق الرئاسة في لبنان. نتنياهو أيضاً، ومع مسؤولين إسرائيليين كبار، يصرّح بأن هذه الحرب ستغير وجه الشرق الأوسط كاملاً، يقول ذلك وهو لم يكن يستطيع، حتى أيام قليلة سابقة، التعامل مع ما يعانيه منذ سنة من تآكل شعبيته السياسية في إسرائيل، والمظاهرات التي لا تتوقف ضده وضد حكومته.

لكن الحرب بدأت، وفور بدئها، وعلى غير المتوقع ولا المألوف، أرسلت الولايات المتحدة بارجة فورد باتجاه شواطئ إسرائيل، وهبطت طائرة تابعة لسلاح الجو الأمريكي في مطار بن غوريون، وعلى متنها كما يقال ألف قذيفة مخصصة لاختراق الأنفاق والحصون، وخلال كتابة هذه السطور تم الإعلان عن توجه بارجة ثانية باتجاه المنطقة.

هل تحتاج إسرائيل فعلاً لدعم عسكري في حربها مع حماس، في بقعة جغرافية صغيرة كقطاع غزة؟

وعلى غير المتوقع ولا المألوف أيضاً، قصف سلاح الجو الإسرائيلي معبر رفح، وكرّر ذلك مرتين حتى اللحظة. وما يلفت الانتباه أن المصريين يصرحون في المرتين أن هدف هذه الحرب هو "تصفية الأراضي الفلسطينية من سكانها"، كما ورد على لسان مسؤول أمني رفيع لموقع "القاهرة الإخبارية"، ومن المعروف أن هذا الموقع مقرب من المخابرات العامة المصرية.

ألا تستطيع الولايات المتحدة تأمين الدعم (إن افترضنا لزوم هذا الدعم) من خلال قواعدها في المنطقة؟ لا شك في ذلك. لكن الدفع بحاملة طائرات، وما سيتبع هذه الحاملة من قطع أسطول أخرى في الأيام القادمة، هو التفكير بحرب طويلة وشاملة في المنطقة، وهذا التفكير مستند أساساً على مخططات سابقة وطويلة، وهذه هي اللحظة المناسبة لتحقيقها. أي أن السيناريو هو عكس ما تصرّح به القيادة الوسطى الأمريكية بأن هذه البوارج مهمتها ردع أي طرف يفكر بتوسيع رقعة الحرب، على العكس تماماً، فالمهمة هي تأمين هذا التوسع.

السيناريو هو عكس ما تصرّح به القيادة الوسطى الأمريكية بأن هذه البوارج مهمتها ردع أي طرف يفكر بتوسيع رقعة الحرب، على العكس تماماً، فالمهمة هي تأمين هذا التوسع

مع هذه المعطيات فإن السيناريو الذي أراه هو التالي: ستدخل إسرائيل حرباً برية في غزة، وهذا الدخول ليس لتطهير غزة من حماس ومن الفصائل كما تقول، بل لتطهيرها، إضافة إلى ذلك، من جزء كبير من السكان والزجّ بهم نحو سيناء.

لقد وجدت إسرائيل الفرصة الملائمة، لتنفيذ صفقة القرن المتمثلة بشرق أوسط جديد. هذا الشرق الأوسط، كما تأمله إسرائيل وتحلم به الولايات المتحدة، تتحقق فيه الدولة اليهودية في "أرض الميعاد" وليذهب الفلسطينيون إلى الجحيم، أو ليقيموا دولتهم في غزة وسيناء. السكان في الضفة سيتم التعامل معهم فيما بعد، فالتخطيط الصهيوني يتحلى بطول النفس والمثابرة.

الشرق الأوسط الجديد الذي تسعى إسرائيل لتحقيقه هدفه الأساسي هو قبولها كدولة دينية بين البحر والنهر، وبرؤيتها ورؤية حليفها الأمريكي لن يتحقق ذلك إلا بوجود كيانات دينية وطائفية مستقرة ومعترف بها في المنطقة، وبذلك يمكن للبوارج الأمريكية المساعدة في الضغط على مصر وسوريا وإيران والسعودية لتحقيق هذا الهدف، وإن لم تنفع الدبلوماسية على طريقة أوباما، فلنجرب القوة على طريقة بايدن.

هل سيستطيع الفلسطينيون بقواهم الذاتية وبدمهم إفشال ذلك؟ مجريات الأيام القليلة القادمة ستبين ملامح الإجابة.


رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

WhatsApp Channel WhatsApp Channel


* يعبّر المقال عن وجهة نظر الكاتب/ة وليس بالضرورة عن رأي رصيف22

ألم يحن الوقت لتأديب الخدائع الكبرى؟

لا مكان للكلل أو الملل في رصيف22، إذ لا نتوانى البتّة في إسقاط القناع عن الأقاويل التّي يروّج لها أهل السّلطة وأنصارهم. معاً، يمكننا دحض الأكاذيب من دون خشية وخلق مجتمعٍ يتطلّع إلى الشفافيّة والوضوح كركيزةٍ لمبادئه وأفكاره. 

Website by WhiteBeard