شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

اشترك/ ي وشارك/ ي!
هل توقف

هل توقف "مياه الله الباردة" الحرب في السودان؟

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

سياسة

الخميس 16 نوفمبر 202301:05 م

لحسن حظ قائد الجيش السوداني الذي ينخرط منذ 15 نيسان/ أبريل المنصرم، في حرب ضروس مع قوات الدعم السريع، أن رئيس كينيا التي زارها يوم الإثنين الماضي، لم يكن من شعب الماساي، الذي يعيش في جنوب البلاد وشمال تنزانيا، ويشتهر رجاله بالقامات الفارعة وشرب دم الماشية واصطياد الأسود.

شعب "كالينجين"

وليام روتو، الرئيس الكيني، ينتمي إلى شعب "كالينجين"، الذي يشتهر بإنجاب مئات العدّائين/ العدّاءات العالميين، مثله مثل شعب "أورومو" في جنوب إثيوبيا.

هبط عبد الفتّاح البرهان، في مطار نيروبي بعد خصام بيّن مع رئيسها، حيث اتهمه قادة الجيش السوداني مراراً، منذ بدء حرب الخرطوم، بالوقوف بجانب قوات الدعم السريع، دون أن يقدّموا دليلاً واحداً على ذلك. وعندما اقترح الرئيس الكيني بصفته رئيس اللجنة الرباعية للهيئة الحكومية للتنمية "إيغاد"، إرسال قوة إفريقية إلى العاصمة السودانية، للفصل بين الطرفين المتحاربين، تعرّض لإهانات غير مسبوقة، ليس فقط من أنصار جماعة الإخوان التي تخوض الحرب بجانب البرهان، وإنما من قادة الجيش السوداني أنفسهم، فقد "قصف" مساعد قائد الجيش الفريق أول ياسر العطا، الذي تحاصره قوات الدعم السريع في مقر رئاسة سلاح المهندسين، في أم درمان منذ اندلاع الحرب، الرئيس الكيني بكلمات جارحة، كادت أن تُردي العلاقة بين البلدين قتيلةً، لولا أن قائده استدرك الأمر أخيراً، وحلّ ضيفاً على قصر روتو الرئاسي، في العاصمة نيروبي.

لم يشرب روتو، من دم البرهان، ولا هجم عليه هجوم رجال "الماساي" على الضواري، بل ربما مجّ جرعات كبيرةً من "مياه الله الباردة"، وغسل بها جوفه المحروق

هجوم على الضواري

لم يشرب روتو، من دم البرهان، ولا هجم عليه هجوم رجال "الماساي" على الضواري، بل ربما مجّ جرعات كبيرةً من "مياه الله الباردة"، وغسل بها جوفه المحروق، فنيروبي نفسها مشتقّة من "إنكاري نيروب"، التي تعني في لغة الماساي "مياه الله الباردة".

مياه كثيرة جرت تحت جسر العلاقات السودانية الكينية، منذ أن أعلن الفريق العطا، تحدّيه لوليام روتو، ودعاه إلى جلب جيشه إلى الخرطوم، لكي يرى ما لم يرَه من قبل من اللظى والجحيم. لكن بُعيد التئام القمة العربية الإفريقية التي عُقدت في العاصمة السعودية، الرياض، في 10 تشرين الثاني/ نوفمبر الجاري، ولقاء قائد الجيش السوداني مع ولي العهد السعودي الذي توفّر بلاده منبراً

للتفاوض في مدينة جدة (غرب)، للفرقاء السودانيين بشراكة مع الولايات المتحدة الأمريكية، والهيئة الحكومية للتنمية "إيغاد" التي تمثّل الاتحاد الإفريقي أيضاً، توجّه عبد الفتاح البرهان مباشرةً إلى نيروبي، الأمر الذي يُعدّ تنازلاً كبيراً لقائد الجيش السوداني الذي ظلّ يتخذ دائماً -ومنذ اندلاع الحرب في بلده- مواقف شديدة التطرف تجاه كينيا ورئيسها الذي يرأس اللجنة الرباعية لـ"إيغاد"، المكلّفة بالوساطة بين طرفي الحرب في الخرطوم، وفي ذلك إشارة لا تخطئها العين إلى رغبة الجنرال البرهان في تدخل روتو، لاحتواء الموقف شديد الحرج الذي يتعرض له الجيش السوداني في حربه مع الدعم السريع، خصوصاً بعد الخسارات المتتالية التي مُني بها مؤخراً، وسيطرة قوات الجنرال "حميدتي"، على معظم القواعد العسكرية التابعة للجيش في إقليم دافور (غرب)، ومعظم العاصمة الخرطوم.

ما حقيقة الضغط المكثف لبروباغندا الحرب التي تديرها جماعة الإخوان المسلمين على قيادة الجيش السوداني؟

قمة الإيغاد

بقراءة متأنية للبيان الصادر عن الرئاسة الكينية، وإشارته إلى أن روتو والبرهان، اعترفا بالتقدم البطيء لمفاوضات جدة، وإلى الحاجة إلى تسريع عملية وقف الأعمال العدائية وتقديم المساعدات الإنسانية، وموافقتهما على عقد قمة عاجلة للإيغاد، من أجل تسريع مفاوضات منبر جدة، وطرح إطار عمل لحوار سياسي سوداني شامل، فإنّ قائد الجيش السوداني بدا وكأنه استفاق من غيبوبة طويلة الأجل، استمرت لسبعة أشهر، ليستيقظ على "نقطة البداية"، ويقبل بمقترح قدّمته المنظومة الإفريقية (الاتحاد الإفريقي و"إيغاد")، منذ بداية الحرب، بأن المفاوضات هي الطريقة الوحيدة والحتمية لإنهاء أي حرب، لكن الرجل استجاب وقتها للضغط المكثف لبروباغندا الحرب التي تديرها جماعة الإخوان المسلمين التي تسيطر على قيادة الجيش السوداني، لصالح عودتها إلى السلطة مجدداً، قبل أن يدركه الصباح بخيبات وهزائم متلاحقة وأوضاع إنسانية واقتصادية كارثية، ووطن مهدد بالانقسام أفقياً وعمودياً، فيهرع إلى حيث "مفتاح الحل"، أي إلى وليام روتو، لعل المياه النيروبية الباردة والشاي الكيني اللطيف (المنعنع)، ينعشان عقله وقلبه، بما يكفي لإبرام اتفاق سلام شجعان، أو على الأقل صفقة طويلة الأمد لوقف إطلاق النار، تُمهِّد لحل سياسي شامل، وتتيح المكان للعمل الإغاثي والإنساني لشعب من لم يمت منه بالسيف، مات بالجوع والمرض، في أمرٍ لا يعنيه في شيء، وهو محض صراع عدمي بين جنرالين، على كرسي متهالك وبلد مثقوب.

إنضمّ/ي إنضمّ/ي

رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

Website by WhiteBeard