في عام عاشت المنطقة العربية وساكنيها جملة من الأزمات، برزت عدة شخصيات ضربت المثل بالانحياز إلى القيم الإنسانية وحق الشعوب في الحرية والعدالة، على الرغم من الثمن الباهظ التي توقعت أن تدفعه أحياناً من سلامتها النفسية و/أو الجسدية أو مصدر رزقها وربما حياتها.
وبين من قابلت الكراهية بالدعوة إلى المحبة، ومن خاطروا بحياتهم لأجل مساعدة ضحايا الحرب الإسرائيلية على غزة قدر استطاعتهم، ومن غامر بحريته لأجل مستقبل سياسي أفضل لأبناء وطنه، ومن لم تغفل حق الأطفال في الرفاه أثناء الأزمات، تنوعت اختيارات رصيف22 للشخصيات الملهمة لعام 2023.
1- دكتور غسان أبو ستة
كدأبه في كل عدوان على غزة منذ عام 1987، هرع جراح التجميل وإعادة الترميم الفلسطيني البريطاني غسّان أبو ستّة إلى القطاع قبيل ساعات من إحكام الحصار الإسرائيلي حوله عقب عملية طوفان الأقصى، ليكون حاضراً لتطبيب أبناء وطنه.
لأكثر من شهرٍ، واصل الطبيب الستيني عمله ببراعة في ظل النقص الحاد في المستلزمات الطبية، والأعداد الهائلة وغير المتناسبة من المرضى مع إصابات خطيرة ومتعددة، وتحت حصارٍ إسرائيلي قاسٍ منع كافة مستلزمات الحياة الأساسية بما فيها الطعام والمياه.
وعندما انهار القطاع الصحي في غزّة تماماً، ووجد د. غسّان نفسه غير قادر على أداء عمله، قرر مغادرة القطاع ليبدأ نوعاً جديداً من النضال لأجل أبناء وطنه عبر فضح الانتهاكات الإسرائيلية بحق القطاع الصحي والمرضى والكوادر الطبية عبر وسائل الإعلام العالمية والعربية بلغة يفهمها الغرب.
بين من قابلت الكراهية بالدعوة إلى المحبة، ومن خاطروا بحياتهم لأجل مساعدة ضحايا الحرب الإسرائيلية على غزة قدر استطاعتهم، ومن غامر بحريته لأجل مستقبل سياسي أفضل لأبناء وطنه، ومن لم تغفل حق الأطفال في الرفاه أثناء الأزمات، تنوعت اختيارات رصيف22 للشخصيات الملهمة لعام 2023... تعرفوا/ن عليها عن قرب
2- المصور والناشط معتز عزايزة
منذ السابع من تشرين الأول/ أكتوبر 2023، ارتبط المتابعون في المنطقة العربية والعالم بعدد من الصحافيين/ات والناشطين/ات الذين/ اللاتي نقلوا/ نقلن حقيقة ما يحصل على الأرض في غزّة لحظةً بلحظة رغم المخاطر الجمة.
معتز عزايزة هو أحد أهم هذه الأصوات التي تعلّق بها المتابعون للتطورات في القطاع. في بداية التغطية، حاول معتز أن يحافظ على تغطيته للأوضاع من منظور متفائل، كما كان قبل الحرب، يصور الأطفال وهم يبتسمون وإن على أنقاض منازلهم، والأسر وهي ملتفة حول إبريق شاي/قهوة ومن حولها الركام، وهكذا.
وعلى نحو متسارع، تحوّلت التغطية إلى المآسي والأوضاع الكارثية التي يعيشها أبناء غزّة من أقصى الشمال إلى أقصى الجنوب حيث تحرك معتز ليواصل التغطية مخاطرً بسلامته، ومعرباً عن شعوره بقلة الحيلة لأن نقل الصوت هو الوسيلة الوحيدة التي يمتلكها. يواصل معتز نقل الحقيقة عقب مرور 70 يوماً ازدادت فيها المخاطر وشحت الإمكانات…
3- الصحافي وائل الدحدوح
بعد دقائق من دفنه 14 من أفراد أسرته الذين قتلتهم إسرائيل في قصف على منزله، بمن فيهم نجله ونجلته وزوجته وحفيده، وقف الصحافي الفلسطيني وائل الدحدوح، مراسل قناة الجزيرة، بكل شموخ يغالب دموعه ووجعه وهو يقدم تغطية حية على الهواء مباشرةً.
ضرب وائل أروع مثال في التضحية والمهنية بمواصلة عمله الذي يعتقد أن إسرائيل قصفت أسرته انتقاماً منه ولإسكاته، فأبى أن يجعلها تنال مرادها. لم يكن ذلك الموقف الوحيد القاسي الذي اختبره وائل هذه السنة. فعقب أيام قليلة من هذه الفاجعة، أُجبر على النزوح إلى جنوب قطاع غزة بعدما أصبح الشمال غير آمن تماماً بفعل التوغل البري الإسرائيلي.
وائل ليس الصحافي الوحيد في غزة الذي فُجع في أفراد عائلته. هناك العشرات تعرضوا للمأساة عينها، كالصحافي مؤمن الشرافي الذي فقد 21 من أفراد عائلته بينهم والداه وشقيقه.
حين سُئل وائل الدحدوح أخيراً: ما أسوأ لحظة مرّت عليك خلال الحرب؟ قال: "أن يصبح الصحافي هو الخبر بدلاً من أن يبحث عن الخبر، وأن يصبح الصحافي الصورة بدلاً من أن يبحث عن الصورة وينشرها…".
4- الجد خالد نبهان
قصص الألم والفقد في سياق الحرب الإسرائيلية على غزة تكاد لا تُحصى. لكن قصة الجد الفلسطيني خالد نبهان وحفيدته ريم (4 سنوات) التي قُتلت وشقيقها طارق في قصف إسرائيلي، ربما تكون من أبرزها وأكثرها ألماً.
حظي الجد نبهان بتعاطف واسع إثر التقاط مقطع مصور له وهو يمسح أثر القصف عن وجه حفيدته الأثيرة التي ظل يحدثها ويحتضنها ويقبلها وكأنها ما تزال على قيد الحياة. حين سُئل عنها قال: "هذي روح الروح"، العبارة التي رسخت في الأذهان منذ ذلك الحين.
لم تتوقف قصة الجد عند هذا الحد. فبعد أن لفت الجميع برضاه وتقبله لمصير حفيديه، ظهر لاحقاً وهو يعاون مصابين وأهالي شهداء في مستشفى قريبة من منزله وكأنما يجد بعض السلوى في دعم الآخرين والتخفيف عنهم في وقت يحتاج هو الآخر من يهون عليه مصابه.
5- المعارض المصري هشام قاسم
قبيل أشهر من انعقاد الانتخابات الرئاسية المصرية، أوقف الناشط السياسي المصري المعارض هشام قاسم، الأمين العام للتيار الليبرالي الذي يضم عدد من الأحزاب السياسية بينها حزب المحافظين، وحزب الإصلاح والتنمية، وحزب الدستور، وشخصيات عامة ورجال أعمال بارزين.
التهمة المعلنة كانت "سب وقذف وإزعاج" وزير القوى العاملة الأسبق كمال أبو عيطة، عبر مواقع التواصل الاجتماعي. عقب التحقيق معه في هذه التهم، رفض هشام دفع قيمة الكفالة معتبراً أن ما يتعرض له هو تنكيل سياسي وأنه لم يجرم حتى يدفع كفالةً فاحتُجِز في قسم شرطة السيدة زينب.
في اليوم التالي، تقدم اثنان من ضباط القسم ضده بشكوى جديدة بـ"إهانة موظف حكومي أثناء أداء واجبه الوظيفي". دخل هشام في إضراب عن الطعام لفترة طويلة، واعتبر محاميه، ناصر أمين، أن ما يتعرض له "اضطهاداً سياسياً وعقاباً له على انتقاده للحكومة وللرئيس عبد الفتاح السيسي".
وأصر هشام على خيار المواجهة والرد على ما يعتبره قمعاً سياسياً بالإجراءات القانونية. في وقت سابق من الشهر الجاري، طعن هشام على الحكم الصادر ضده بالحبس 6 أشهر وغرامة 20 ألف جنيهاً، وهو قيد الحبس حتى نشر هذه السطور.
6- الطبيب الفلسطيني محمد أبو سلمية
منذ بداية الحرب الإسرائيلية على غزة، وخاصةً خلال أيام حصار الجيش الإسرائيلي لمجمع الشفاء الطبي، كان الدكتور محمد أبو سلمية، مدير المجمع من أبرز المصادر التي تتحدث للإعلام الغربي عن حقيقة الوضع في القطاع وتزويده بالأرقام عن الضحايا.
عقب اقتحام القوات الإسرائيلية للمجمع، اعتقلت د. محمد وأخفته قسراً مع 37 من أفراد الكادر الصحي الآخرين حيث يُعتقد أنهم يتعرضون - وفق اتهامات أقارب لهم - للتعذيب والتجويع والضغط النفسي الشديد.
على الرغم من علمه بخطورة مصيره، أصر د. محمد ومن معه من كوادر طبية على الصمود للنهاية لأجل مرضاهم، مقدمين أنفسهم فداءً لمرضاهم ولقيمهم الإنسانية والمهنية.
أعاد الجيش الإسرائيلي الكرّة في مستشفى كمال العدوان. فبعد حصاره لأيام، واقتحامه بوحشية، اعتقل مدير المشفى د. أحمد الكحلوت ونحو 70 من أفراد الكادر الصحي الذين كانوا داخله، ومصيرهم غير واضح حتى كتابة هذه السطور.
7- نجوى إبراهيم (ماما نجوى)
ارتبط جيل الثمانينات كثيراً بشخصيتي "ماما نجوى" والدمية "بقلظ". على الرغم من تعدد مواهب الفنانة والمذيعة نجوى إبراهيم، ظلّت في أذهانهم "ماما نجوى". علماً أنها كانت تقدم البرنامج وهي صغيرة سناً.
تعرّضت "ماما نجوى" أخيراً لتعليقات كراهية عبر الإنترنت، قابلتها بمحبة كبيرة وبالدعوة إلى التسامح وعدم إيذاء الغير، كاشفةً عن عن إصابتها الخطيرة بعدة سرطانات، وباحتمال اضطرارها إلى اعتزال الظهور على الشاشات قريباً. وختمت: "حبّوا بعض".
حافظت "ماما نجوى" على طلّتها على الشاشة حتى الآن واحتفظت وهي في عمر الـ77 عاماً بنفس الهيئة وقصة الشعر. لكن الزمن تغيّر، والأشخاص تغيّروا. تعرّضت "ماما نجوى" أخيراً لتعليقات كراهية عبر الإنترنت، قابلتها بمحبة كبيرة وبالدعوة إلى التسامح وعدم إيذاء الغير، كاشفةً عن عن إصابتها الخطيرة بعدة سرطانات، وباحتمال اضطرارها إلى اعتزال الظهور على الشاشات قريباً. وختمت: "حبّوا بعض".
جمهور "ماما نجوى" صُدم بإعلانها عن وضعها الصحي، وخرج عبر مواقع التواصل الاجتماعي معبراً عن حب جم لها وعن تقدير لكل إرثها من برامج للأطفال وبرامج حوارية وأعمال فنية وغيرها.
8- عبد الرحمن بطاح (عبود)
بحسه الفكاهي المميز وابتسامته التي لا تفارقه، شارك الفتى الفلسطيني عبود بطاح (17 عاماً) آخر تطورات الحرب الإسرائيلية على غزة، من شمال غزة حيث القصف الكثيف الذي يكاد لا يتوقف.
حتى أصعب تفاصيل الحياة اليومية للمواطن الغزي، شاركها عبود مع متابعيه بطريقته الساخرة والمرحة بينما لم يُظهِر أي خوف وأصوات الطائرات الحربية الإسرائيلية تعلوه وتقاطعه بانتظام.
"أهلاً بكم من ستوديو العالمية… ستوديو عبود" و"الوضع آيس كوفي ع الآخر" عبارتان ارتبط بهما عبود ومتابعوه، الأولى في بداية مقاطعه المصورة والثانية في نهايتها. بات غياب عبود - على الرغم من أنه أمر متوقع ومتكرر في ظل قطع الكهرباء والإنترنت وتواصل القصف- يدفع مئات الأشخاص للسؤال عنه والقلق على مصيره.
9- الصحافية اللبنانية ندى عبد الصمد
على خلفية منشورات حول الحرب على غزة عبر مواقع التواصل الاجتماعي، أوقف شبكة بي بي سي البريطانية مراسلتها ومديرة برامجها في لبنان، الصحافية المخضرمة ندى عبد الصمد، بعد 27 عاماً من العمل في الشبكة البريطانية.
وائل الدحدوح ود. غسّان أبو ستّة ومعتز عزايزة وعبود ونور النجار ود. محمد أبو سلمية... شخصيات من غزّة خاطرت بأرواحها لأجل ضحايا الحرب الإسرائيلية ولأجل إيصال الحقيقة و/ أو العون لمستحقيه
فضحت الحرب الإسرائيلية على غزة الازدواجية الفجّة التي تتعامل بها العديد من وسائل الإعلام الغربية في تغطيتها لجرائم ضد الإنسانية التي ترتكبها إسرائيل، مقارنة بأنظمة إجرامية أخرى في العالم. مراراً وتكراراً، كانت بي بي سي في مقدمة هذه الوسائل التي لم تُعل قيم المهنية الصحافية أو القيم الإنسانية.
لم تستسلم ندى لقرارات بي بي سي الجائرة بحقها، وأعلنت بشكل مبدئي مقاضاة الشبكة لـ"الإساءة المهنية بحقها والضرر الذي لحق بسمعتها وعدم اهتمامها بحمايتها من خلال السماح للتلغراف بنشر صورتها واسمها".
10- الناشطة الغزّية نور النجار
منذ سنوات، اشتُهرت ابنة غزّة نور النجار بضلوعها في العديد من المبادرات الاجتماعية والإنسانية للترفيه عن الأطفال وتخفيف أعباء الحياة عن الأسر عبر التعاون مع الكثير من المؤسسات الخيرية أو بمجهود فردي.
خلال الحرب على غزّة، لم تتوقف نور وإنما زادت جهودها التي تنوعت أكثر بين توزيع الوجبات الجاهزة أو اللحوم على النازحين، وبناء الخيام لهم، وتوزيع مبالغ مالية حتى قدر المستطاع، وتوزيع الألعاب والقيام بنشاطات فنية وترفيهية للأطفال النازحين والمصابين.
ربما يظن البعض أن نور تفعل هذا وهي لم تتأثر بالحرب. على العكس، فقد شاركت متابعيها عبر انستغرام، شكل "بيتها الجديد" وهو عبارة عن خيمة إيواء خالية تماماً إلا من بعض الفرشات في وقت توزع هي على الأسر النازحة البطانيات والتجهيزات.
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
نُور السيبانِيّ -
منذ يومالله!
عبد الغني المتوكل -
منذ يوموالله لم أعد أفهم شيء في هذه الحياة
مستخدم مجهول -
منذ يومينرائع
مستخدم مجهول -
منذ 6 أيامكل التوفيق ومقال رائع
Ahmad Tanany -
منذ أسبوعتلخيص هايل ودسم لجانب مهم جداً من مسيرة الفكر البشري
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعلا يوجد اله او شئ بعد الموت