شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

اترك/ ي بصمَتك!
الطلاب النازحون من القرى الحدودية اللبنانية... لا خطةً تربويةً ولا مال ولا إنترنت

الطلاب النازحون من القرى الحدودية اللبنانية... لا خطةً تربويةً ولا مال ولا إنترنت

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

سياسة نحن والحقوق الأساسية

الأربعاء 13 ديسمبر 202304:46 م

"ولادي عم يروحوا بالشورت والشحاطة، لأن ما معي مصاري اشتريلن تياب وأحذية"؛ يقول مصطفى السيد بنبرة فيها ما فيها من القهر والغضب. ويشير إلى أن مدير المدرسة "الجديدة" التي التحق بها أبناؤه، وهي مدرسة المساكن الرسمية، التي تقع في محيط منطقة صور، يهددهم بالطرد كونهم يرتدون ثياباً لا تناسب نظام المدرسة. ويضيف السيد: "اضطررنا إلى ترك منازلنا على عجل، نتيجة اقتراب القصف من البيوت والمباني السكنية، بالإضافة إلى استهداف المدنيين، ولم يتسنَّ لنا الوقت الكافي لأخذ أغراضنا الأساسية، ومنها ثياب أطفالي الثلاثة".

"بهيدي المدرسة عملت رفاق كتير بس مش متل هيديك المدرسة"؛ يقول حسن مصطفى السيد، ابن العشر سنوات، الذي ترك مدرسته الرسمية، مدرسة الشهيد موسى بدّاح، ونزح مع أهله من قريته بيت ليف الجنوبية في قضاء بنت جبيل، التي تبعد نحو 106 كم عن العاصمة بيروت، إلى مهنية صور بحثاً عن الأمان الذي افتقدته معظم القرى الحدودية، وسط استمرار الاشتباكات عبر الحدود اللبنانية في أعقاب عملية "طوفان الأقصى" التي أطلقتها حماس، في 7 تشرين الأول/ أكتوبر الماضي، وردت عليها إسرائيل بشن حرب على قطاع غزة.

رحلة النزوح

يروي مصطفى السيد، والد الطفل حسن، عن اضطرارهم إلى ترك منزلهم الجنوبي بسبب خوف الأولاد من أصوات القذائف وتسارع تدحرج الأوضاع نحو الأسوأ، وقد ترك خلفه مصدر رزقه الوحيد، العمل في الأرض، ويقول: "أنا شغّيل بالفاعل، إذا بشتغل باكل، إذا ما بشتغل ببقى بلا أكل".

ويضيف أن ما من مكان يمكنهم التوجه إليه، فالإيجارات غالية جداً وهناك من استغل الحرب كذريعة لرفع الأسعار، لذا قصدوا المهنية (مهنية صور)، التي حوّلها اتحاد بلديات صور بقرار منه، إلى مراكز لإيواء النازحين أو المهجرين، وتضم عشرات العوائل اللبنانية وغير اللبنانية.

يروي مصطفى السيد، عن اضطرارهم إلى ترك منزلهم الجنوبي بسبب خوف الأولاد من أصوات القذائف وتسارع تدحرج الأوضاع نحو الأسوأ، وقد ترك خلفه مصدر رزقه الوحيد، العمل في الأرض، "أنا شغّيل بالفاعل، إذا بشتغل باكل، إذا ما بشتغل ببقى بلا أكل"

أمّا عن الظروف التي يعيشونها في المدرسة، فيقول: "نحن 12 شخصاً في غرفة واحدة من نفس العيلة"، مشيراً إلى صغر المكان واكتظاظه وفقدان الخصوصية. أما اتحاد البلديات نفسه، فيؤمّن لهم ثلاث وجبات من الطعام يومياً، بالإضافة إلى أدوات التنظيف، مثل مسحوق الغسيل وغيره.

لكن حسن، الذي يترافق صوته مع صداه في هذا المكان الخالي الذي بات بمثابة بيته الجديد، رأياً آخر، إذ يقول: "أحببت المدرسة الجديدة أكثر، فالمعلمات لطيفات، ولا أريد أن أعود إلى مدرستي القديمة. هنا لديّ أصدقاء جدد هم أيضاً مهجّرون".

التعلّم من بعد وكلفة الإنترنت

نزحت حنان الحسن، وهي أمّ لثلاثة أطفال، من بيتها في بلدة عيترون الحدودية الجنوبية، في اتجاه بيروت ومن ثم إلى صور، حيث قدّم لها ولعائلتها فاعل خير، منزلاً مجاناً إلى حين تسوية الأوضاع، وتروي أن كثيرين من المغتربين من مختلف المناطق، قدّموا منازلهم بالمجان للكثير من العوائل التي نزحت من الحدود، من أجل تخفيف أعباء الحرب عن الأهالي الذين خرجوا أو أُخرجوا من بيوتهم.

وتقول الحسن إن الحال في صور ليس أفضل من عيترون بكثير، لأننا ما زلنا نسمع أصوات الصواريخ والقذائف، فهي -أي أصوات الصواريخ والقذائف"، ما جعلها تترك بيتها في الأساس، مشيرة إلى حالة الرعب التي يعيشها أطفالها كضريبة للحرب، بالإضافة إلى ضريبة شبه التسرب المدرسي.

الحسن اضطرت إلى إلحاق أولادها بدروس الـonline الخاصة بمدرستهم، التي كانوا يرتادونها في بنت جبيل، وهذا الخيار اعتمدته المدرسة كي لا ينسى الطلاب ما تعلموه، لا بهدف تعليمهم مواد جديدةً بحسب قولها.

وتكمل الحسن: "كلفة تشريج خدمات الإنترنت باهظة جداً، لا يمكنني تحملها، فأنا بالكاد أغطّي نفقات الطعام وغيرها، لذا نلجأ إلى الجيران من أجل الاستفادة من 'الواي فاي'، فأقوم بتحميل الدروس على هاتفي، ومن ثم أدرّس أولادي بالدور، وقد لاحظت تراجع مستواهم الدراسي بسبب مكوثهم طوال الوقت في البيت".

أما نور عيسى (13 سنةً)، وهي الابنة الكبرى لحنان، فتحلم بأن تصبح جرّاحةً في يوم الأيام. تتحدث عن صعوبة فهم ما تشرحه المعلمات من خلال الفيديوهات المصورة، وتشير إلى أن هذه ليست مشكلتها وحدها، فمعظم الطلاب لا يفهمون الشروحات، خاصةً في المواد العلمية.

"كلفة تشريج خدمات الإنترنت باهظة جداً، لا يمكنني تحملها، فأنا بالكاد أغطّي نفقات الطعام وغيرها، لذا نلجأ إلى الجيران من أجل الاستفادة من 'الواي فاي'، فأقوم بتحميل الدروس على هاتفي"

وكان وزير التربية الحالي عباس الحلبي، قد أصدر تعميماً في الـ17 من الشهر الماضي، يطلب فيه من الأساتذة المهجّرين، "الالتحاق بالمنطقة التربوية الأقرب إلى مركز سكنهم الجديد، ووضع أنفسهم في تصرف الوزارة"، لـ"الاستفادة من خدماتهم مؤقتاً حيث تدعو الحاجة في المدارس والثانويات الموجودة في المناطق التي انتقلوا إليها".

وفي حديث مع مدير عام التربية عماد أشقر، يقول إن الوزارة في طور وضع اللمسات الأخيرة لخطة استجابة تشمل التعليم من بعد أو التعليم حضورياً، وسيتم الإعلان عن الخطة في القريب العاجل، أما في ما له علاقة بأجور الأساتذة أو بدل النقل، فكان ردّه: "كلّه مأخود في عين الاعتبار"، ولن يكون هناك تقصير في حق الطالب أو الأستاذ.

تقصير وزاري

من جهتها، تتحدث الدكتورة نسرين شاهين، رئيسة اللجنة الفاعلة للأساتذة المتعاقدين في التعليم الأساسي الرسمي، حول تقصير وزارة التربية في وضع خطة تربوية واضحة بعد مرور أكثر من شهر على الحرب، وتقول إن التقصير بالتأكيد واضح فنحن لا نمتلك خطةً تربويةً أساسيةً لتكون لدينا خطّة بديلة، فقبل الأزمات كانت هناك صعوبة في إيجاد رؤية واضحة لمواكبة أيّ أزمة يواجهها العام الدراسي.

وتشير شاهين إلى المقترحات التي تقدّمت بها الجهات المعنية مثل التعلّم من بعد كبديل، ولكن للأسف الوزارة لم تتبنَّ هذه الفكرة، لغياب الإمكانات والبنى اللازمة، وهذا ما لمسناه في سنوات الأزمات السابقة خلال فترة جائحة كورونا. وتضيف شاهين: "لا يمتلك جميع الأهالي أو الطلاب أجهزةً خليويةً متطورةً أو إمكانات مادية ميسّرة تمكنهم من إكمال عامهم الدراسي، فضلاً عن عدم توافر الكهرباء أو خدمة الإنترنت بالسرعة اللازمة".

وتضيف شاهين، أن التقصير في المنحى التربوي موجود في القطاعين الرسمي والخاص، فبعض المدارس الخاصة هي أشبه بالدكاكين ما عدا المدارس التي تتقاضى أقساطاً مرتفعةً، فهي لم تتأثر بالأزمة اليوم، ومن المشكلات الإضافية التي يعاني منها الجسم التربوي، النقص الموجود في الكوادر التعليمية على صعيد كل لبنان، فالكثير من أساتذة الملاك قدّموا استقالاتهم خلال الأزمات التي مرّت.

أمّا مصطفى السيّد فيقول: "صحيح أن المدرسة الرسمية مجانية، إلا أننا لا نمتلك المال لإعطاء مصروف لأبنائنا كي يشتروا مثل زملائهم في فترة الفرصة. اليوم عم وصّل أولادي على المدرسة يمكن بكرا ما معي حق البنزين".

آلاف النازحين

الطلاب النازحون الذين التحقوا بالمدارس الرسمية البديلة في المناطق التي نزحوا إليها يمثلون جزءاً صغيراً من إجمالي عدد الطلاب النازحين، فهناك من لم يفعلوا ذلك لأسباب عدة، منها عدم توافر اللغة البديلة المناسبة (إنكليزي أو فرنسي)، في المنطقة التي انتقلوا إليها، أو عدم وجود مدرسة في الأساس.

هذا التقصير يؤثر على الطالب بشكل مباشر، فالأمور تتجه نحو الأسوأ، والطالب لا يحصل على الكفايات التعليمية اللازمة، خاصةً أننا مررنا بأربع سنوات من الأزمة، وها نحن ندخل في السنة الخامسة، ولا رؤية واضحةً حتى اليوم.

"صحيح أن المدرسة الرسمية مجانية، إلا أننا لا نمتلك المال لإعطاء مصروف لأبنائنا كي يشتروا مثل زملائهم في فترة الفرصة. اليوم عم وصّل أولادي على المدرسة يمكن بكرا ما معي حق البنزين"

وبحسب مصادر من الصليب الأحمر اللبناني ومنظمة الأمم المتحدة، اطلعنا عليها، 32،853 فرداً نزحوا من جنوب لبنان، عاد جزء منهم وبقي إلى اليوم 21,301 نازحاً وفق آخر توثيق، بسبب الأعمال العدائية المستمرة على طول الخط الأزرق، وفق دراسات وإحصاءات حيّة تقوم بها إدارة الكوارث في الصليب الأحمر بالتعاون مع وزارات عدة، والرقم المذكور يتغيّر كل يوم بطريقة تصاعدية.

وتشير الدراسات إلى أن النازحين بغالبيتهم يتمركزون في قضاء صور (49.7%)، ثم النبطية (22.7%). ويتوزع النازحون حالياً على ما لا يقل عن 233 منطقةً سكنيةً في لبنان، وهذه الأرقام صادرة في 10 تشرين الثاني/ نوفمبر الماضي.

كما تشير الدراسة إلى أنه تم تطوير 12 مدرسةً تابعةً للأونروا، لتكون بمثابة ملاجئ حماية لأكثر من 7،000 نازح، ومن المتوقع أن تعمل الأونروا على دعم اللاجئين الفلسطينيين والسوريين على حد سواء.

وكانت وزارة التربية والتعليم العالي قد أصدرت تعميماً يسمح بتسجيل النازحين اللبنانيين في مدارس الأطفال في المدارس التي نزحوا إليها، أو نقلهم إلى مؤسسات تعليمية أخرى. وتم تسجيل ما يقرب من 500 طفل في المدارس البديلة. إلا أن هذا البرنامج يحتاج إلى دعم مادي، وفي الوقت الحالي الموارد المتوافرة غير كافية.


رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

WhatsApp Channel WhatsApp Channel

ما زلنا في عين العاصفة، والمعركة في أوجها

كيف تقاس العدالة في المجتمعات؟ أبقدرة الأفراد على التعبير عن أنفسهم/ نّ، وعيش حياتهم/ نّ بحريّةٍ مطلقة، والتماس السلامة والأمن من طيف الأذى والعقاب المجحف؟

للأسف، أوضاع حقوق الإنسان اليوم لا تزال متردّيةً في منطقتنا، إذ تُكرّس على مزاج من يعتلي سدّة الحكم. إلّا أنّ الأمر متروك لنا لإحداث فارق، ومراكمة وعينا لحقوقنا.

Website by WhiteBeard