شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

ساهم/ ي في صياغة المستقبل!
إعادة تجميد مليارات إيران... لماذا الآن؟ وهل لها تداعيات على واقع المنطقة؟

إعادة تجميد مليارات إيران... لماذا الآن؟ وهل لها تداعيات على واقع المنطقة؟

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

سياسة نحن والتاريخ

السبت 9 ديسمبر 202301:00 م

تحت مظلة "قانون حظر تمويل الإرهاب الإيراني" الجديد، صوّت مجلس النواب الأمريكي لصالح إعادة تجميد مليارات إيران الستة، التي تم تحريرها من بنوك كوريا الجنوبية وإيداعها في البنوك القطرية، مع تقييد استخدامها للأغراض الإنسانية، ضمن صفقة تبادل السجناء الأمريكية-الإيرانية، التي توصّل إليها الجانبان في العاشر من آب/ أغسطس الفائت.

حينها، عدّ الرئيس الإيراني إبراهيم رئيسي، الصفقة، "إنسانيةً بحتةً" وخطوةً لـ"بناء ثقة" محتملة تجاه الدبلوماسية المستقبلية. فيما نظر إليها الجانب الأمريكي على أنها منفصلة عن الارتباطات الأخرى مع طهران، فالمقايضة "لا تغير علاقتنا مع إيران بأي شكل من الأشكال"، حسب مسؤول كبير في البيت الأبيض، مضيفاً: "إيران خصم ودولة راعية للإرهاب. سنحاسبهم حيثما أمكن ذلك".

ووصف منسق الاتصالات الإستراتيجية في البيت الأبيض، جون كيربي، تصريح رئيسي، بأن الحكومة الإيرانية ستقرر كيف وأين ستنفق الـ6 مليارات دولار، بالـ"خاطئ تماماً"، مشيراً إلى أن "الإيرانيين يخبرون شعبهم بما يعتقدون أنهم يريدون سماعه". فالأموال تُحفظ في البنك الوطني القطري ومتاحة للصرف بناءً على طلب الحكومة الإيرانية".

وصف نائب الرئيس التنفيذي لمعهد كوينسي في واشنطن، تريتا بارسي، الصفقة مع إيران بالـ" صارمة للغاية، إلى درجة أنها مهينة"

وسيكون لواشنطن إشراف ورقابة كافية للتحقق من صحة الطلب ومن ثم تسليم الأموال المناسبة للطلب إلى البائعين، ومن ثم تسليم المواد الغذائية والإمدادات الطبية إلى المنظمات ذات الصلة المناسبة داخل إيران. ويشدد كيربي، على أن "الولايات المتحدة يمكن أن تمنع إجراء معاملة إذا لزم الأمر، وقد شدد المسؤولون الأمريكيون على أنهم إذا اكتشفوا إساءة استخدام الأموال، فيمكنهم تجميد الحسابات".

وعليه، وصف نائب الرئيس التنفيذي لمعهد كوينسي في واشنطن، تريتا بارسي، الصفقة مع إيران بالـ" صارمة للغاية، إلى درجة أنها مهينة"، مضيفاً أن أكبر ما تخشاه الإدارة الأمريكية "هو أن تُتَّهم بالتساهل مع إيران، ومن أجل تحقيق التوازن بين حقيقة أنهم توصلوا إلى اتفاق لتأمين إطلاق سراح الأمريكيين، يفرضون عقوبات جديدةً ويفعلون أشياء تجعلها تبدو صعبةً للغاية".

"طوفان الأقصى" وقلب الموازين

مع عملية "طوفان الأقصى" في 7 تشرين الأول/ أكتوبر الماضي، قلبت الدبلوماسية المأمولة من قبل رئيسي، رأساً على عقب. فوفقاً لموقع صوت أمريكا، اتفقت واشنطن والدوحة بعدها على أن إيران لن تكون قادرةً على الوصول إلى هذه الأموال في هذه الأثناء. وخلال مناقشة مشروع القرار، قال الرئيس الجمهوري للجنة الشؤون الخارجية في مجلس النواب، مايكل ماكول: "مع عدم الاستقرار هذا في المنطقة، فإن آخر شيء يتعين علينا القيام به هو إتاحة الوصول إلى 6 مليارات دولار لتحويلها إلى المزيد من الإرهاب الذي ترعاه إيران". فالأموال الإيرانية، برغم تقييدها بالأغراض الإنسانية، قابلة للاستبدال، وتالياً توفر أموالاً أخرى لتموّل بها طهران حماس.

يعكس تصويت مجلس النواب الأمريكي، حالةً يمكن تسميتها استياء من تقديم أي تسهيلات للحكومة الإيرانية، لا سيما في هذا الوقت، مع تصاعد الهجمات الإيرانية على الأهداف والمصالح الأمريكية في المنطقة، حسب الباحث أول ومدير برنامج سوريا في المجلس الأطلسي، قتيبة إدلبي. "فمشروع القانون عملياً يعكس حالة استياء المشرّعين الأمريكيين من تراخي الإدارة الأمريكية في الرد على إيران"، مشيراً لرصيف22، إلى "قفز مشروع القرار على الحالة الحزبية، من خلال تصويت عدد كبير من النواب الديمقراطيين لصالح مشروع القرار".

وتأتي الأهمية الكبيرة لهذا القرار، برأي إدلبي، من تمريره برغم الأجندة "المزدحمة جداً لدى مجلس النواب، في ما يتعلق بالقرارات المتراكمة نتيجة الفوضى التي شهدها المجلس مؤخراً وفوضى انتخاب رئيس للمجلس خلال الشهرين القادمين. فمع تواجد عشرات مشاريع القرارات المحتاجة إلى التداول والتصويت، اختار رئيس مجلس النواب مشروع قرار إعادة تجميد الأموال الإيرانية ضمن حزمة القرارات الأولية التي تم تداولها والتصويت عليها".

لكن، وبحسب إدلبي أيضاً، "يبقى القرار مرهوناً بإقراره من قبل مجلس الشيوخ، الذي ستوضح المشاورات فيه مدى موافقة قيادات الحزب الديمقراطي على نهج البيت الأبيض تجاه إيران. كما ستوضح مدى تجاوب الإدارة الأمريكية من عدمه تجاه قانون إعادة التجميد، فبحكم سيطرة الديمقراطيين على مجلس الشيوخ ستعمد الإدارة إلى قتل مشروع القانون فيه، إن كانت راغبةً في الاستمرار في الإعفاء الخاص بالمليارات الستة. أما إن كانت تودّ التراجع خطوةً إلى الوراء، للضغط على إيران، بحجة أن المشرّعين الأمريكيين قاموا بذلك، فستسمح حينها للقانون بالمرور"، مرجحاً عدم سماح الإدارة الأمريكية للقانون بالمرور في مجلس الشيوخ، كونها مؤمنةً بما تقوم به مع إيران.

تحاول الإدارة الأمريكية التوصل إلى إعادة إحياء الاتفاق النووي مع إيران قبل انتخابات الرئاسة، والتي ستستغل فيها إعادة السجناء/ الأسرى الأمريكيين لدى إيران ضمن صفقة تبادل السجناء

إدارة الرئيس الأمريكي جو بايدن، حسب كميل البو شوكة، الباحث الأحوازي في مركز الحوار للدراسات، ومقرّه واشنطن، "تريد تشجيع إيران على التوقيع على الاتفاق النووي، إذ تحاول هذه الإدارة، بأي طريقة ممكنة، التوصل إلى إعادة إحياء الاتفاق النووي مع إيران قبل انتخابات الرئاسة الأمريكية، والتي ستستغل فيها إعادة السجناء/ الأسرى الأمريكيين لدى إيران ضمن صفقة تبادل السجناء، التي كانت إحدى مبررات الإدارة أمام مجلس النواب الأمريكي لتحرير الأموال الإيرانية المجمدة. ومجلس النواب عادةً هو المنافس للرئيس في النظام السياسي الأمريكي، ويسبب له المشكلات في نقطتين اثنتين؛ الميزانية التي يتم تقديمها من قبل الرئيس وتحتاج إلى إقرارها من البرلمان، والنقطة الثانية هي الأموال المجمدة".

يضيف البو شوكة في حديثه إلى رصيف22: "يعارض مجلس النواب الأمريكي، المسيطَر عليه من قبل الجمهوريين وتيار ترامب، مساعي إدارة بايدن لتسهيل علاقات اقتصادية مع إيران، وتشجيعها على توقيع الاتفاق النووي. لكن، ليس بمقدور مجلس النواب فرض قراره على الإدارة، كون الأموال محل القرار موجودةً خارج الولايات المتحدة الأمريكية. فقراره يحمل طابع الاعتراض دون امتلاكه قوة الإرغام للحكومة. وبدورها، حتى لا تفتح مجالاً للصراع مع البرلمان، تلجأ الحكومة في مثل هذه الحالة إلى تقديم الأسباب والتبريرات للبرلمان، الذي لن يكون بمقدوره سوى الإدانة والمطالبة بمراقبة هذه الأموال".

وبحسب منصة متحدون ضد إيران نووية، يجب على إدارة بايدن "وضع سياسة تجاه إيران، تتجاوز فيها نموذج خطة العمل الشاملة المشتركة، وتعلن وفاتها، مع التحول إلى إستراتيجية ردع العقوبات متعددة الأطراف والإنفاذ العدواني، وتطوير تهديد عسكري موثوق، والعزلة الدبلوماسية، مع الإصرار على الإفراج غير المشروط عن جميع الرهائن، نظراً إلى احتجاز إيران الطويل الأمد والمتزايد للمواطنين الأجانب. فمساعي واشنطن لإحياء الاتفاق النووي لن تؤدي إلا إلى تمويل النظام الذي يضطهد الشعب الإيراني، من خلال تخفيف العقوبات".

تعلّق طهران بانتظام، إمداداتها الغازية للعراق، الذي يحتاج إليها بشدّة لتشغيل محطات إنتاج الكهرباء، وذلك لإجبار بغداد على سداد ديونها

شد وجذب

مؤخراً، مددت الخارجية الأمريكية الاستثناء الممنوحة للعراق من العقوبات المرتبطة بالتعامل مع إيران، للمرة الواحدة والعشرين منذ عام 2018، ما يتيح لبغداد مواصلة استيراد الغاز الإيراني. فالعقوبات الأمريكية على إيران، كانت تمنع بغداد عن سداد ثمن وارداتها من الغاز لطهران. وحسب موقع يورونيوز، عن مسؤول كبير في الخارجية الأمريكية فإنّ "الإجراء سيسمح للعراق باستخدام أمواله الخاصة لدفع تكاليف استيراد الكهرباء من إيران والتي سيتمّ وضعها في حسابات إيرانية مقيّدة في العراق"، معتبراً أنّ "إيران لن تتمكن من استخدام هذه الأموال إلا لاحتياجات إنسانية".

وتعلّق طهران بانتظام، إمداداتها الغازية للعراق، الذي يحتاج إليها بشدّة لتشغيل محطات إنتاج الكهرباء، وذلك لإجبار بغداد على سداد ديونها غير المدفوعة، حيث تغطي إمدادات الغاز الإيراني ثلث احتياجات محطات إنتاج الكهرباء في العراق. وحسب المسؤول الأمريكي، يبلغ إجمالي الديون المستحقّة لطهران في ذمّة بغداد مقابل الواردات الغازية قرابة 10 مليارات دولار.

من ضمن التبريرات التي تقدّمها الإدارة الأمريكية لمجلس النواب، حسب البو شوكة، أن العراق دولة حليفة للأمريكيين، لكنه مرتبط بإيران طاقوياً، لذا لا يستطيع ترك إيران في الوقت الراهن، لعدم وجود بديل، مما يسبب له المشكلات. وفي المقابل، تقوم الإدارة الأمريكية برسم حدود لصرف إيران لأموالها الموجودة في البنوك العراقية، وغالباً ما ترتبط بالأمور الحيوية الخاصة بالمواطنين، وبعيدة عن استخدامها في شراء أسلحة أو سلع ذات استخدام مزدوج.

قبيل بدء سريان الحظر الأمريكي ضد إيران في 4 تشرين الثاني/ نوفمبر 2018، تم إعفاء بغداد من العقوبات الأمريكية المفروضة على إيران، ما سمح لها بمواصلة استيراد الغاز والكهرباء والمواد الغذائية من إيران، شرط عدم الدفع بالدولار لسداد هذه المدفوعات. ووفقاً للسفارة الأمريكية في العراق، "يقدّم هذا الإعفاء الوقت للعراق كي يبدأ في أخذ خطوات نحو الاستقلالية في مجال الطاقة".

تحاول الإدارة الأمريكية موازنة أمور عدة في ما يتعلق بسياستها تجاه العراق، حسب إدلبي، إذ تعلم حجم الضغوط الإيرانية على العراق، بالإضافة إلى ضغوط الساسة العراقيين في ما يتعلق بانسحاب أمريكي كامل منه، والمستمرة وفق تقدير الإدارة الأمريكية. وعليه، تقدّم الأخيرة بعض التنازلات في بعض الملفات مقابل تأجيل طرح أو رفع ملف الانسحاب الأمريكي من العراق عن الطاولة، مشيراً إلى أن تمديد الإعفاء يجب النظر إليه من هذا المنظار.

كذلك، وفي موضوع إعفاء العراق من الحظر المفروض ضد إيران، تستهدف واشنطن، حسب موقع تباناك، ابتزاز العراق من جهة وتأطير تعاونه مع إيران، من جهة أخرى. فبعد أيام من الاستثناء الأول للعراق، صرّح ترامب، من قلب القاعدة الأمريكية العسكرية في العراق، بعدم خروج قواته منه، بالإضافة إلى طلب وزير الخارجية الأمريكي السابق، جورج بومبيو، خلال مكالمة هاتفية مع رئيس الوزراء العراقي السابق عادل عبد المهدي، توسيع رقعة الوجود الأمريكي في العراق مقابل تمديد استثناء العراق من العقوبات المفروضة على إيران لمدة 3 أشهر.

الإعفاء مقابل قيود تجارية

يجب على صانعي السياسات الأمريكيين، عند استهداف قطاع النفط الإيراني، التركيز بشكل أكبر على العائدات أكثر من المبيعات، حسب زميلة "بلومنستين كاتس فاميلي" في معهد واشنطن والمسؤولة السابقة في وزارة الخزانة الأمريكية، كاثرين باور. أي أنه حتى عندما يتخذون خطوات للحدّ من حجم مبيعات النفط الإيرانية، ينبغي أن تكون أولويتهم ضمان تجميد عائدات هذه المبيعات، مع فرض قيود على استخدامها، بحيث تركز على عمليات تمويل التجارة الثنائية.

كشف إيران عن صاروخها "فتاح2" الفرط صوتي مؤخراً، رسالة ضغط على الحكومة الأمريكية للحصول على الأموال المجمدة. فهل يكون المقابل لإعادة تجميد الأموال تصعيد صاروخي يطال الأهداف الأمريكية أو الإسرائيلية في المنطقة؟

وقد تمّ اعتماد هذه الخطوة التي يُطلَق عليها "القيود التجارية الثنائية"، والتي تمنع إعادة عائدات النفط الإيراني إلى البلد الأم، بالإضافة إلى تعهد الدول المعفاة من العقوبات بمتطلبات خفض مشترياتها من موارد الطاقة الإيرانية، وهي الخطوة التي تجنّب عملاء النفط الإيراني من العقوبات، إذا خفضوا مشترياتهم مع مرور الوقت. ويهدف هذان البندان إلى تقليل حجم العائدات النفطية، التي تشكل مصدراً رئيسياً للعملة الصعبة المتاحة لإيران.

يبقى السؤال المطروح اليوم، ما الذي ستفعله إيران في حال لم يُفرج عن الأموال؟ يقول الباحث في الشأن الإيراني شريف هريدي في مركز المستقبل للدراسات، إن كشف إيران عن صاروخها "فتاح2" الفرط صوتي مؤخراً، رسالة ضغط على الحكومة الأمريكية للحصول على الأموال المجمدة بالخارج. وبرأيه، "المقابل لإعادة تجميد الأموال تصعيد صاروخي يطال الأهداف الأمريكية أو الإسرائيلية في المنطقة".                                                                                                                   


رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

WhatsApp Channel WhatsApp Channel
Website by WhiteBeard
Popup Image