في الأعراف الملكية يذهب لقب "الملكة" إلى الملكة الأم بعد وفاة زوجها واعتلاء أكبر أبنائها العرش، كما حدث في المنطقة العربية مثلاً مع الملكة الأردنية زين الشرف، زوجة الملك طلال وأم الملك حسين، أو نازلي صبري، زوجة الملك فؤاد وأم الملك فاروق. سوريا لم تعرف إلا ملكة واحدة في تاريخها الحديث، حزيمة بنت ناصر، زوجة الملك فيصل الأول التي سمّيت "ملكة أم" في العراق بعد وصول ابنها الملك غازي إلى العرش خلفاً لأبيه سنة 1933. ولكن في سوريا وُجدت حالة فريدة لسيدة دمشقية، لم يُكتب عنها كثيرٌ إلى الآن، كانت زوجة رئيس دولة وبنت رئيس جمهورية، اسمها ليلى العابد.
ولدت العابد في فرنسا سنة 1909 يوم كانت أسرتها تعيش في منفى قسري بعد زوال الحكم الحميدي في إسطنبول. والدها محمد علي العابد، خريج جامعة السوربون في باريس، كان سفير الدولة العثمانية في واشنطن، وجدها أحمد عزت باشا كان كبير أمناء السلطان عبد الحميد الثاني. كلاهما عُزل عن منصبه ونفي خارج البلاد إبان الانقلاب على السلطان عبد الحميد سنة 1908. أما جدها لأمها محمد سعيد شمدين آغا، فكان أمير محمل الحج الشامي في منتصف القرن التاسع عشر وخلفه في المنصب خالها عبد الرحمن باشا اليوسف، الذي أصبح رئيساً لمجلس الشورى في سوريا سنة 1920.
زواجها من الرئيس صبحي بركات
درست ليلى في مدارس فرنسية خاصة وعادت مع أسرتها إلى دمشق في مطلع عهد الانتداب الفرنسي لتكمل تعليمها في مدرسة القديس يوسف ببيروت. انخرط والدها في العمل السياسي وعُيّن وزيراً في حكومة صبحي بركات، رئيس دولة الاتحاد السوري سنة 1923.
في سوريا حالة فريدة لسيدة دمشقية، لم يُكتب عنها الكثير حتى اليوم، كانت زوجة رئيس دولة وبنت رئيس جمهورية: ليلى العابد
كان صبحي بركات من كبرى عائلات مدينة أنطاكية السورية؛ ثري، طموح، وأعزب، وقد اختار ليلى العابد من بين كل فتيات دمشق لتكون زوجة له عام 1924. الرئيس بركات كان في الثاني والأربعين من عمره، أما ليلى فكانت صبية صغيرة في الخامسة عشرة من عمرها.
ويبدو أن الزواج بُني على مصالح سياسية ولم يكن فيه أي حب أو عاطفة. اقتران بركات بليلى كان للتقرب من النخب الدمشقية، التي طالما رفضت أن يكون رئيس الدولة من شمال سوريا وعارضت جعل حلب -وليس دمشق-، عاصمةً لدولته. هذا طبعاً من جهة الفائدة الاقتصادية والاجتماعية الكبيرة من زواجه من حفيدة أحمد عزت باشا العابد، الذي كان يُعدّ من أغنى الأغنياء العرب في السلطنة العثمانية، له استثمارات في باريس ونيويورك وفي قناة السويس المصرية.
عقد قران صبحي وليلى في قصر جدّها في محلّة سوق ساروجا بدمشق، وأشرف أحمد عزت باشا بنفسه على كل التحضيرات، قبل أن يعود إلى منفاه الاختياري في مصر، حيث توفي في 15 أكتوبر/تشرين الأول 1924.
ورثت ليلى مالاً وفيراً عن جدها، ولكن زواجها من صبحي بركات لم يستمر طويلاً بعد وفاة جدها الباشا، وانتهي بالطلاق دون أطفال سنة 1925. تزوج بركات فوراً من سيدة تركية، ما أغضب والد ليلى الذي قاطعه اجتماعياً وخرج من حكومته وأقسم ألا يصافحه مدى الحياة.
لم يكن في سوريا يومها لقب "سيدة أولى" وبذلك لم تحمله ليلى العابد الصغيرة ولم تقم بأي دور اجتماعي أو سياسي أثناء تواجد زوجها في الحكم.
عهد الرئيس العابد (1932-1936)
تزوجت العابد بعدها من الوجيه الدمشقي ممدوح مردم بك، وفي سنة 1932، انتُخب والدها رئيساً للجمهورية السورية. المفارقة كانت أنه تنافس على الرئاسة مع طليقها صبحي بركات، وفاز عليه بفارق أربع أصوات. كان "انتقاماً جميلاً" بالنسبة للعابد، ولكن بركات انتُخب أول رئيس لمجلس النواب في عهده، ما أجبره على التراجع عن عهده بألا يسلم عليه ولا يتعامل معه.
ليلى، بنت رئيس الجمهورية محمد علي العابد، عملت مساعدة لأبيها في القصر الجمهوري، وكانت تجهز له الخطابات وترتب شؤون مكتبه، دون أن تكون موظفة في القصر، إضافة لنشاطها الملحوظ في جمعيات أهلية كانت تديرها أمُّها
وجد الرئيس الجديد نفسه مجبراً على الاجتماع مع صهر الأمس في المناسبات الوطنية وفي افتتاح الجلسات النيابية. أما ليلى، بنت رئيس الجمهورية الآن، فقد عملت مساعدة لأبيها في القصر الجمهوري، وكانت تجهز له الخطابات وترتب شؤون مكتبه، دون أن تكون موظفة في القصر، إضافة لنشاطها الملحوظ في جمعيات أهلية كانت تديرها أمّها، السيدة الأولى زهراء اليوسف، مثل جمعية "نقطة الحليب" وجمعية "يقظة المرأة الشامية". تطوعت في الهلال الأحمر السوري وسافرت إلى مصر لمساعدة أهلها في مكافحة وباء السفلس المنتشر يومها في ضواحي القاهرة، وعند استقالة والدها من الرئاسة في كانون الأول/ديسمبر 1936، انتقلت ليلى العابد إلى مدينة نيس الفرنسية لتعيش مع أسرتها. وبعد مدة لحق بهم الرئيس العابد وعاش في منفى اختياري لغاية وفاته في 11 تشرين الثاني/نوفمبر عام 1939.
العمل مع فيشي
حزنت ليلى على وفاة أبيها كثيراً، واعتزلت الناس مدة قبل أن تجد متنفساً في الصليب الأحمر الدولي، الذي انخرطتْ بصفوفه بشكل فعال جداً وفيه تعرفت على السيدة يوجين، زوجة فيليب بيتان، أحد قادة فرنسا العسكريين الكبار في الحرب العالمية الأولى، والتي كانت تكبرها بقرابة الثلاثين سنة. وعند تنصيب بيتان حاكماً عسكرياً على فرنسا إبان سقوط باريس على يد الجيش الألماني سنة 1940 عيّنها مراقبةً على البريد الأجنبي في حكومته، المعروفة بحكومة فيشي، وجاء ذلك نظراً لطلاقة لسانها بالعربي والإنكليزي والتركي والفرنسي.
لم يأت أحد على ذكر هذا التعيين الفريد، لكونها سيدة أولاً، وثانياً لأن سوريا كانت من مستعمرات فرنسا، وإضافة لكل ذلك، ابنة رئيس سابق وطليقة رئيس أسبق. بقيت ليلى العابد في منصبها الحكومي لغاية تحرير فرنسا من الاحتلال النازي، وعادت بعدها إلى العيش في دمشق، وفيها توفيت.
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
مستخدم مجهول -
منذ 22 ساعةمتى سوف تحصل النساء في إيران على حقوقهم ؟!
مستخدم مجهول -
منذ يومفاشيه دينيه التقدم عندهم هو التمسك بالتخلف
مستخدم مجهول -
منذ يومعظيم
Tester WhiteBeard -
منذ يومينtester.whitebeard@gmail.com
مستخدم مجهول -
منذ يومينعبث عبث
مقال عبث من صحفي المفروض في جريدة او موقع المفروض محايد يعني مش مكان لعرض الآراء...
مستخدم مجهول -
منذ 6 أيامرائع