شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

اترك/ ي بصمَتك!

"تخلّيتُ عن جهاز السمع لأتجنب أصوات القصف"... ذوو الإعاقة في غزة ليسوا بخير

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

حياة نحن والفئات المهمشة

الأحد 3 ديسمبر 202309:54 ص
Read in English:

I gave up my hearing aid to avoid the sounds of bombing: People in Gaza with disabilities are not okay

"أنا مش بخير. نفسي الحرب تخلص وأعيش بسلام. توقفت عن استخدام جهاز السمع، لا أريد سماع صوت القصف، يربكني جداً ويشعرني بالخوف". هكذا تصف أفنان الدحدوح (20 عاماً)، والمصابة بإعاقة سمعية، حالتها خلال أيام الحرب في قطاع غزة، وهي تحاول الهروب من ضجيج الصواريخ والقذائف التي لم تنقطع عن مدينتها، لتجد مساحة آمنة وصامتة لها مع نفسها.

تعاني أفنان من ظروف معيشية مزرية مند بداية الحرب، خاصة بعد نزوحها لخيمة في ساحات مستشفى شهداء الأقصى بالدير وسط القطاع، إذ لجأت إليها قسراً من منطقة تل الهوى بعدما أجبرهم قصف الاحتلال الإسرائيلي على الهروب تجاه الجنوب، وهذا ما يشعرها بالاختناق وزيادة الانفعال بسبب الازدحام والاكتظاظ الكبير.

أكثر ما يرعبني أن ينهار المنزل على رؤوسنا دون أن أسمع فأجد نفسي تحت الركام.

تروي رحلة معاناتها خلال الحرب في ظل غياب حاسة السمع، وبجانبها شقيقتها المختصة بتعليم لغة الإشارة تترجم حديثها: "تعبت من مهمة البحث عن أي وسيلة لشحن بطارية جهاز السمع في ظل انعدام الكهرباء، لذا تخليت عن استخدامه. بدت هذه فكرة جيدة لي حتى لا أسمع ما يحدث من أصوات انفجارات، لكني أعرف بوجود قصف يقترب دون أن يخبرني أحد، عندما أشعر بارتجاج الأرض تحتي وأشاهد نيران وحمم الصواريخ من النافذة أمامي".

وعلى الرغم من عدم سماع أفنان ما يدور حولها، فإن الرعب يتسرب باستمرار لقلبها عند مشاهدتها للناس وجيرانهم يركضون، وترى في عيونهم الفزع من الموت، وتسأل عائلتها عما إذا كان القصف قريباً من منزلهم أو بعيداً، وأحياناً تتابع بعض الصفحات الإخبارية التي تترجم الأخبار عبر لغة الإشارة بواسطة هاتفها النقال.

تساؤلات وقلق

الكثير من التساؤلات تدور في خاطر أفنان حول سيناريوهات ما قد يحدث لها في الحرب كونها فاقدة لحاسة السمع، وتتابع: "أكثر ما يرعبني أن ينهار المنزل على رؤوسنا دون أن أسمع فأجد نفسي تحت الركام، لا يعرف أحد عني شيئاً، وأحياناً أفكر ماذا لو لم أمت تحت الركام وبقيت حية، كيف سأسمع من حولي؟ وأصرخ لإنقاذي؟ أو ربما العكس، أن أنجو في حين أن أحداً من أشقائي يصرخ وبحاجة لمساعدة من تحت الركام، وأنا أجلس فوق الحجارة لا أستطيع سماعه أو مساعدته. التخيلات هذه تدخلني في ألم كبير، فأنا أرى القتل والدمار لا يترك أحداً ورائحة الموت تفوح في كل شبر من القطاع، حيث لا أمان".

أكدت منظمة هيومن رايتس ووتش في تقرير عن أثر الهجمات الإسرائيلية على ذوي الإعاقة في قطاع غزة، على أن القصف تسبب في خسائر فادحة بين صفوفهم، وجعلهم يواجهون صعوبات أكبر في الفرار من القصف وتلبية احتياجاتهم الأساسية والحصول على المساعدات الإنسانية التي هم في أمس الحاجة لها.

فيما أشارت إلى أن ذوي الإعاقة يواجهون مخاطر جسيمة متضاعفة فيما يتعلق بأوامر الإخلاء التي ينقذها الجيش الإسرائيلي ضد المدنيين، دون الأخذ بعين الاعتبار أن كثيرين منهم لا يستطيع الحركة والمغادرة والفرار، والحصول على مأوى ومياه وغذاء، ومعظمهم فقد الأجهزة المساعدة له حسب طبيعة إعاقته.

كما وثقت المنظمة الحقوقية عام 2020 آثار غياب البنية التحتية الميسرة في جميع أنحاء قطاع غزة على قدرة ذوي الإعاقة على التمتع بحقوقهم الإنسانية على قدم المساواة مع الآخرين، ولفتت إلى أن الدمار الحالي أدى إلى تفاقم الوضع المتردي أصلاً.

تعبت من مهمة البحث عن أي وسيلة لشحن بطارية جهاز السمع لذا تخليت عن استخدامه. بدت هذه فكرة جيدة لي حتى لا أسمع ما يحدث من أصوات انفجارات، لكني أعرف بوجود قصف يقترب دون أن يخبرني أحد، عندما أشعر بارتجاج الأرض تحتي وأشاهد نيران وحمم الصواريخ

"نزلت زحفاً على السلم"

في إحدى باحات خيم النزوح كان يحتمي المسن أحمد المصدر الذي يعاني من إعاقة حركية، مفترشاً الأرض ومغطياً جسده الذي أكله البرد، وبجواره كرسيه المتحرك الذي لم يعد صالحاً لاستخدامه، بعد أن أجبرته طائرات الاحتلال على ترك منزله في المنطقة الحدودية لمخيم المغازي وسط قطاع غزة.

المسن يعيش وحده في منزله فجميع أقاربه مقيمون في الخارج، لا أحد يعيله وهذا ربما ما ضاعف معاناته. يحكي لرصيف22 تفاصيل ما حدث معه لحظة هروبه: "بدأ القصف يشتد بجوار منزلي في 15 تشرين الأول/ أكتوبر. هذا اليوم لا أنساه فالقصف كان جنونياً، ورغم ذلك كنت رافضاً تماماً لفكرة الخروج من المنزل لأني لا أستطيع الحركة، شاهدت جميع الجيران حولي يهربون ويصرخون بصوت عالٍ من هول ما يحدث معهم، منهم من ترك عائلته تحت الركام إذ قصف المنزل على أصحابه، ومنهم من نجا بعائلته".

"تخلّيتُ عن جهاز السمع لأتجنب أصوات القصف"... ذوو الإعاقة في غزة ليسوا بخير

يكمل: "صرت أبكي وأصرخ من نافذة منزلي على الجيران والناس في الشارع: ‘منشان الله حد يجي يساعدني، مش قادر أتحرك’، لكن لم يسمعني أحد من شدة القصف. ألقيت الكرسي المتحرك أرضاً من نافدة المنزل بالطابق الأول فخرج قبلي، ونزلت أنا زاحفاً على السلم حتى وصلت لباب المنزل أسفل وخرجت".

ويتابع: "شاهدني أحد الشباب الهاربين فحملني ووضعني على الكرسي. صرت أحكيله: ‘بترجاك يا ابني خدني معك وين ما تروح أنا ما ليش حد’، فأخدني مع عائلته لمخيم النزوح وسط قطاع غزة".

واجه المسن الذي يعاني من إعاقة حركية أثناء فراره صعوبة بالغة جداً في التنقل عبر الكرسي المتحرك، فجميع الطرق والشوارع مدمرة تماماً والركام في كل مكان نتيجة القصف المستمر وتدمير البنى التحتية بشكل كامل.

الطرق والأماكن العامة والخاصة غير ملائمة للتحرك في أيام السلم، فكيف في أيام الحرب.

وعن وضعه في مخيمات النزوح يقول: "أنا بموت كل لحظة، يا ريتني متت قبل ما أجي"، فالمسن لا يقدر على الحركة حتى عبر استخدام كرسيه، مما لا يسعفه على الأقل للذهاب إلى الحمام لقضاء حاجته، فلجأ لاستخدام "حفاضات" يساعده على تغييرها ابن شقيقه أو جيرانه في النزوح.

"الحرب قاسية جداً علينا"

لا تفرق طائرات الاحتلال بين أحد وآخر في قطاع غزة، فهي تأكل الأخضر واليابس، والجميع مستهدفون دون استثناء. على غرار الحرب العسكرية، تعيش الفتاة ريم جمعة التي تعاني من إعاقة بصرية، حرباً نفسية أخرى، فهي في حالة قلق وتوتر طيلة الوقت.

لا تزال ريم بمنزلها في مدينة خانيونس جنوب القطاع، لكنها لا تذوق طعم النوم ولا تستطيع القيام بأي أنشطة داخل منزلها، ففي كل مرة يحدث قصف بجوارهم يبدأ جسمها يرتجف ومفاصلها تتيبس في مكانها ولا تستطيع الحركة، وتعيش في صراع، فكيف يمكنها الهروب وهي لا ترى في حال هدد الاحتلال بإخلاء منازلهم، وأين ستذهب؟

"تخلّيتُ عن جهاز السمع لأتجنب أصوات القصف"... ذوو الإعاقة في غزة ليسوا بخير

تعتمد ريم في حركتها على عكاز يرشدها على الطريق، إذ تحفظ أجزاء منزلها وشوارع حارتها، ويساعدها على التنقل داخل منزلها، لكن ما تحمل همه هو كيف ستستمر في حياتها لو انتقلت لمنطقة أخرى لا يسهل عليها التحرك فيها، لا سيما مدارس النزوح أو المشافي أو منازل الأقارب، وجميعها تفتقد تجهيزات الموائمة لذوي الإعاقة.

تحكي لرصيف22: "الحرب قاسية جداً على الفئات من ذوي الإعاقة، لا سيما العجزة، فالطرق والأماكن العامة والخاصة غير ملائمة للتحرك في أيام السلم، فكيف في أيام الحرب. القصف لم يترك شيئاً إلا ودمره، وبالتالي فكرة خروجي من المنزل صعبة للغاية، لذا أتمنى أن تنتهي الحرب تماماً ونعود لحياتنا الطبيعية والهادئة كما كنت قبل".

صرت أبكي وأصرخ من نافذة منزلي على الجيران والناس في الشارع، لكن لم يسمعني أحد من شدة القصف. ألقيت الكرسي المتحرك أرضاً من نافدة المنزل بالطابق الأول فخرج قبلي، ونزلت أنا زاحفاً على السلم حتى وصلت لباب المنزل أسفل وخرجت

تقول آمنة كامل وهي أخصائية تأهيل ذوي الإعاقة في هذا السياق: "تعيش هذه الفئة في غزة بظروف معقدة للغاية، منهم من نزح إلى المستشفيات ومدارس النزوح والمخيمات التي تعاني من اكتظاظ كبير، ويواجهون صعوبة كبيرة في التنقل والحركة، وأحياناً قد يتعرضون أو يساء فهمهم إذا قابلوا بعض المواقف المحرجة دون دراية منهم، كالوقوف في طابور الذهاب للحمامات، أو الحصول على الطعام، أو التنقل على السلالم لا سيما في المدارس".

وتشير في حديثها لرصيف22 إلى أن العديد من ذوي الإعاقة فقدوا أهلهم وأصبحوا بدون معيل، ومنهم من فقد علاجه وآخرون فقدوا أدواتهم التي تساعدهم على التنقل أو السمع، وتلفت إلى أن هناك تزايداً في أعداد ذوي الإعاقة بسبب تكرار الحروب، وتدعو إلى ضرورة توفير وسائل حماية وموائمة لهم، حتى لا يشعروا بالتمييز عن دونهم.

وتنبه إلى أن ذوي الإعاقة بحاجة لتأهيل فوري، فهم يعانون من تداعيات خطيرة جداً على صحتهم النفسية والجسدية.


رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

ثورتنا على الموروث القديم

الإعلام التقليديّ محكومٌ بالعادات الرثّة والأعراف الاجتماعيّة القامعة للحريّات، لكنّ اطمئنّ/ ي، فنحن في رصيف22 نقف مع كلّ إنسانٍ حتى يتمتع بحقوقه كاملةً.

Website by WhiteBeard
Popup Image