شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

انضمّ/ ي إلى ناسك!
بعد انقلاب وحربَين... ما هو واقع التطبيع بين السودان وإسرائيل؟

بعد انقلاب وحربَين... ما هو واقع التطبيع بين السودان وإسرائيل؟

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

سياسة نحن والحقيقة

الاثنين 27 نوفمبر 202302:41 م
Read in English:

After a coup and two wars, where does Sudan-Israel normalization stand?

مرّت ثلاثة أعوام منذ الإعلان عن اتفاق التطبيع بين السودان وإسرائيل، برعاية الولايات المتحدة، دون أنّ ينال الاتفاق التصديق الرسمي في السودان الذي لا توجد فيه مؤسسات تشريعية تجيزه، منذ ثورة كانون الأول/ ديسمبر 2019.

خلال تلك الأعوام، واجه الاتفاق ثلاثة اختبارات مهمة: الأول هو الانقلاب العسكري الذي أطاح بالمدنيين من الشراكة في السلطة في 25 تشرين الأول/ أكتوبر 2021، والحرب التي اندلعت بين الجيش والدعم السريع في 15 نيسان/ أبريل الماضي، ثم حرب غزة التي نشبت في السابع من تشرين الأول/ أكتوبر الماضي.

فما هو واقع التطبيع في ظل الحرب؟ وأي مستقبل ينتظره؟

إرجاء لا تعطيل

يقول مسؤول في وزارة الخارجية السودانية، فضّل عدم الكشف عن هويته، لرصيف22، إنّ ملف التطبيع من الملفات غير النشطة حالياً في الوزارة، حيث لا جديد فيه ولم يبارح مكانه منذ 25 تشرين الأول/ أكتوبر 2021، واصفاً إياه بأنّه "شبه مجمد"، موضحاً أنّ الملف تحت الإشراف المباشر لمجلس السيادة، ومضيفاً أنّه لا يُناقَش في أروقة الوزارة بأي شكل. ويستبعد المصدر السوداني، أن تُقام علاقات دبلوماسية رسمية بين السودان وإسرائيل وفق المتعارف بين الدول في المستقبل القريب، في ظل عدم استقرار السودان، وغياب السلطات التشريعية. لكنه يضيف: "ذلك لا ينفي أن العلاقات على المستوى السيادي والاستخباراتي ربما تشكلت وتواصلت قبل ذلك التاريخ وبعده".

هارون مديخير، مستشار قائد قوات الدعم السريع: "التطبيع مع إسرائيل مشروع إستراتيجي للسودان، وسيعود بقوة متى ما استقرت البلاد". فإسرائيل، وفق قوله، دولة مهمة والجميع في المنطقة العربية يسعى إلى التطبيع معها.

من جانب الدعم السريع، يخبرنا مستشار قائد قوات الدعم السريع، هارون مديخير، أن علاقة الدعم السريع مع إسرائيل كانت قبل الحرب جزءاً من علاقات الدولة السودانية وتحكمها الأطر المؤسسية الرسمية، لكن بعد الحرب اختلف الأمر، موضحاً أنّ العديد من الدول تتعامل مع الدعم السريع على أنها الطرف الذي يسعى إلى استقرار السودان واستعادة المسار الديمقراطي، في مقابل الجيش الذي يريد أن يعود بالنظام القديم إلى السلطة.

يقول مديخير، إنّ التطبيع بمثابة مشروع إستراتيجي للدعم السريع، وسيعود بقوة متى استقرت البلاد. حسب ما يقول، إسرائيل دولة مهمة والجميع في المنطقة العربية يسعى إلى التطبيع معها. يضيف: "نحن لا نرى ما يمنع إكمال المشروع".

يعضد مستشار قائد قوات الدعم السريع، روايته، بإبراز أهمية الدعم السريع للشركاء الدوليين، والسمعة الجيدة التي اكتسبتها لدورها في استتاب الأمن في المنطقة، مستشهداً بتعاونها مع الاتحاد الأوروبي في محاربة الهجرة غير الشرعية والإتجار بالبشر، بحسب حديثه. يقول: "نحن لدينا خبرة جيدة في إنشاء العلاقات الدبلوماسية والخارجية".

من جانبه، يقول الناطق الرسمي السابق باسم وزارة الخارجية السودانية، حيدر الصادق البدوي، إنّ اتفاق التطبيع سوف يكتمل لا محالة، خاصةً إذا تغيرت القيادات السياسية في البلدين؛ لأنّ البرهان ونتنياهو مسلوبا الإرادة من المتطرفين في البلدين، في حين أن شعبي البلدين محبّان للسلام، حسب وصفه. يقلل البدوي في حديثه إلى رصيف22، من تأثير الحرب في غزة على مسار التطبيع بين بلاده وإسرائيل، ووفق ما يقول، لا تمثّل حركة حماس كل الفلسطينيين، كما أنّ الكثيرين باتوا يدركون طبيعة الصراع بين الطرفين.

التطبيع بين الجنرالين

قبل شهرين من اندلاع الحرب السودانية، زار وزير الخارجية الإسرائيلي إيلي كوهين، الخرطوم، وتضمن بيان الخارجية السودانية حول الزيارة التالي: "تم الاتفاق على المضي قدماً في سبيل تطبيع علاقات البلدين".

ايلي كوهين مع عبد الفتاح البرهان في الخرطوم

لكن اندلاع القتال بين الجيش والدعم السريع، يثير تساؤلات حول موقف إسرائيل من الطرفين. في البداية نُظر إلى رئيس مجلس السيادة، عبد الفتاح البرهان، على أنه الرجل المفضّل للجانب الإسرائيلي، خصوصاً أنه هو من بدأ التواصل مع إسرائيل حين التقى رئيس وزرائها بنيامين نتنياهو في العاصمة الأوغندية، في شباط/ فبراير 2020.

الحماسة تجاه التطبيع مع إسرائيل، كانت كبيرةً في البداية، إذ كان السودان في حاجة ماسة إلى الخروج من قائمة الدول الداعمة للإرهاب، وكان التطبيع هو ثمن ذلك بطرح من الإدارة الأمريكية في عهد دونالد ترامب.

عقب ذلك بمدة قصيرة، كشفت مواقع إسرائيلية عديدة عن لقاء جمع قائد الدعم السريع، محمد حمدان دقلو (حميدتي)، مع رئيس الموساد الإسرائيلي السابق يوسي كوهين، في العاصمة الإماراتية، أبو ظبي. توطدت بعدها العلاقات بين الدعم السريع وإسرائيل، وأكد تقرير نشره موقع "واللا" العبري، أنّ لقاءً جمع وفداً من الموساد وحميدتي في الخرطوم دون علم البرهان ورئيس الحكومة آنذاك عبد الله حمدوك، ما أثار غضب الرجلين. كما كشفت وسائل إعلام إسرائيلية عن زيارة قائد الدعم السريع عبد الرحيم دقلو، إلى تل أبيب في تشرين الأول/ أكتوبر 2021، في إشارة إلى أنّ قوات الدعم حاولت إقامة قنوات اتصال مستقلة مع إسرائيل.

يذكر المحلل السياسي عثمان ميرغني، أنه قد ثبت فعلياً أن الدعم السريع استفاد عملياً من علاقته بإسرائيل، من خلال ما حصل عليه من تسليح نوعي وأجهزة متقدمة تكنولوجياً في مجالات التجسس والمتابعة والتشويش، والتي ظهرت خلال الحرب.

في هذا السياق، يؤكد المحلل السياسي، عثمان ميرغني، لرصيف22، أن ملف العلاقات مع اسرائيل كان من ضمن ملفات الصراع بين الجنرالين؛ البرهان وحميدتي. ويشير إلى أنّ الرجلين نظرا إلى التطبيع من زاوية التحالف التكتيكي في سياق البقاء في مركز القوة، ولم يكن قربهما من الجانب الاسرائيلي في سياق إستراتيجي. يذكر ميرغني أنه قد ثبت فعلياً أن الدعم السريع استفاد عملياً من علاقته بإسرائيل أكثر من البرهان، من خلال ما حصل عليه من تسليح نوعي وأجهزة متقدمة تكنولوجياً في مجالات التجسس والمتابعة والتشويش، التي ظهرت خلال الحرب.

سودانيون ضد التطبيع

بدوره، يستبعد الناطق الرسمي السابق باسم وزارة الخارجية السودانية، حيدر الصادق البدوي، أن تكون إسرائيل قد قدّمت دعماً لأي من الأطراف المتحاربة في السودان؛ لأنها مشغولة بنفسها وبالحروب التي تهدد وجودها، مشدداً على أنّ أي "اتفاق مع إسرائيل ستحكمه المصالح السياسية للبلدين دون غيرها من العوامل".

مستقبل التطبيع

في السياق نفسه، يُعدّ حلفاء الدعم السريع أقرب إلى إسرائيل من حلفاء الجيش السوداني؛ حيث الإمارات وتشاد لديهما علاقات قوية بإسرائيل، خصوصاً أبو ظبي التي تُعدّ الدولة العربية الأشد تطبيعاً. بينما يقدّم الحليف الأساسي للجيش السوداني، دولة مصر، مثالاً على عدم الحماسة للتطبيع، لكن تبقى الولايات المتحدة عاملاً مهماً في استمرار التطبيع بين السودان وإسرائيل، خاصةً أنّ السودان في حاجة إلى واشنطن لإعادة تفعيل برنامج الإعفاء من الديون، الذي توقف بعد انقلاب 25 تشرين الأول/ أكتوبر. كما أنّ الجيش السوداني لن يُقدم على إغضاب واشنطن في قضية التطبيع، التي ستُوظَّف في الصراع الداخلي في الولايات المتحدة بين ترامب والديمقراطيين.

كما يرى المحلل السياسي عثمان ميرغني، أنّ الحماسة تجاه التطبيع كانت كبيرةً في البداية، لمجموعة من المصالح قصيرة المدى لأطراف التطبيع وقتها؛ حيث كان السودان في حاجة ماسة إلى الخروج من قائمة الدول الداعمة للإرهاب، وكان التطبيع هو ثمن ذلك بطرح من الإدارة الأمريكية في عهد ترامب، متابعاً أنّ مصلحة إدارة ترامب كانت تقديم اتفاقيات التطبيع كورقة في الانتخابات الرئاسية الماضية. أما إسرائيل، فيرى ميرغني أنّها فكرت في مصالحها الاقتصادية في المقام الأول؛ إذ استفادت من فتح المجال الجوي السوداني أمام طائراتها.

يتفق مع ذلك أستاذ العلوم السياسية في جامعة النيلين، مصعب محمد علي، ويقول لرصيف22، إن اتفاق التطبيع مع إسرائيل تعثر بسبب الأوضاع السياسية غير المستقرة في السودان، كما أنّ الحرب في البلاد أوقفت المشروع تماماً، مضيفاً أنّ كل الشواهد كانت تشير إلى إتمام عملية التطبيع قبل الحرب، ولا يستبعد أنّ تكون إسرائيل قد دعمت قوات الدعم السريع ضد الجيش، كوّنها ترى أن الأخير ماطل في إتمام التطبيع، بذريعة ضرورة وجود برلمان منتخب يصدّق على الاتفاق.

أما عن تأثير الحرب في غزة على التطبيع، فيرى الأكاديمي السوداني، أنّها ستكون ملحوظةً، على صعيد شعبية مشروع التطبيع؛ حيث ستقلّ درجة القبول الشعبي عند السودانيين لمواصلة التقارب مع الجانب الإسرائيلي في ظل الجرائم اللا إنسانية التي يرتكبها الجيش الإسرائيلي بحق الفلسطينيين في الأراضي المحتلة.


رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

WhatsApp Channel WhatsApp Channel
Website by WhiteBeard
Popup Image