شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

ضمّ/ ي صوتك إلينا!

"كان يوماً انتظرنه طويلاً"... لمَ تحتفل تونسيات بالطلاق؟

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

حياة نحن والنساء

الاثنين 20 نوفمبر 202301:55 م

"إنّه يوم مميّز انتظرته منذ سنة تقريباً، بعد رحلة طويلة مع الجلسات التي حاول فيها القاضي المصالحة بيني وبين طليقي. تنفّس اليوم كلّ منّا نفس الحرية والانطلاق من جديد في هذه الحياة. أجل إنه نفس جديد وليس نهاية العالم. لماذا تكون نهاية الزّواج دائماً فشلاً ذريعاً وهزيمةً للزّوجة وسجناً اجتماعياً لشخصها وكأنّها ماتت؟ لقد حصلت على الطّلاق ولم تحصل على كفنها"؛ هكذا تتحدث يسرى (32 عاماً)، عن تجربتها الأولى مع الزواج.

لم يدُم زواج يسرى طويلاً. سنة واحدة فقط كانت كافيةً لينفرط عقد الألفة بينهما. تحكي: "تزوجنا زواجاً تقليدياً بعد أن أقنعتنا عائلتانا بأنه حان الوقت لبناء العائلة وإنجاب الأطفال. لم نرفض الفكرة وظننا أن سنوات الصداقة بين العائلتين كفيلة بإنجاح هذا الزواج. ظننت أنّي أعرفه جيّداً، وظنّ أنّه يعرفني جيّداً، لكن بعد الزّواج اكتشفنا أنّنا ارتكبنا خطأً فادحاً يوم وقّعنا على تلك الوثيقة. بعد أشهر من الزّواج، قررنا الانفصال بالتراضي ومن حسن الحظ أن هذا الأمر لم يؤثر على علاقة الصداقة التي تجمع العائلتين".

عادت يسرى إلى حياتها وغرفتها من جديد، وأحست بأنها استعادت راحتها النفسية واستقرارها، فواصلت حياتها وعملها دون أن يؤثر الطلاق على حالتها النفسيّة والاجتماعية على حدّ قولها، وترى أن حفلة الطلاق التي أقامتها كانت من الأشياء التي عزّزت الثقة بنفسها ودفعتها إلى فكّ أي ارتباط بحياتها السابقة.

المناسبة السعيدة...

إن كانت مرحلة الزواج والطلاق اللذين تطبعهما السكينة، جزءاً من الحياة التي تحدثت عنها يسرى لرصيف22، فإن رانيا (اسم مستعار)، لم تعش الزواج هكذا. مباشرةً بعد حفل الزفاف، اكتشفت شخصاً آخر عنيفاً لأتفه الأسباب، قرّر الاعتداء عليها جسدياً، ما ترك ندوباً على جسدها وكدمات على وجهها منذ أيام زواجها الأولى.

حاولت التعايش مع الوضع، لكنّها دخلت في دوامة من الألم النفسي الذي أفقدها جنينها الأول. حصلت رانيا على الطلاق للضرر، بعد 3 سنوات من الزواج، قضت معظمها في منزل أهلها، وأثّر الأمر على عملها إذ لم تعد قادرةً على الالتقاء بالآخرين، وقررت ملازمة المنزل والانطلاق في رحلة الطلاق للضرر.

ترى يسرى أن حفلة الطلاق التي أقامتها كانت من الأشياء التي عزّزت الثقة بنفسها ودفعتها إلى فكّ أي ارتباط بحياتها السابقة

تقول: "أتمنى محو يوم 25 آب/ أغسطس 2015، من حياتي، وأعلن أن تاريخ ميلادي الجديد هو 14 كانون الثاني/ يناير 2020. لقد عشت 5 سنوات من العذاب. حصلت على الطلاق واحتفلت بهذه المناسبة السعيدة التي أعادت لي ذاتي. نعم احتفلت بهذا اليوم الجميل الذي تحررت فيه من قيد زواج تعيس، بالشموع والمرطبات والمشروبات برفقة الأهل والأصدقاء. لقد فتحت صفحةً جديدةً مع الحياة".

في المقابل، لم تكن حياة دنيا الزوجيّة عاديةً، لأنّه لم يكن هناك زواج. أمضت بضعة شهور مع زوجها الأجنبي أوهمها فيها بأنّه في صدد العلاج من صدمة نفسيّة جعلته غير قادر على القيام بواجباته الجنسيّة، لتكتشف في نهاية المطاف أنّها مجرّد أكاذيب لإخفاء عجزه الجنسيّ. تقول دنيا (28 عاماً): "عندما اكتشفت الأمر وواجهته بالحقيقة عنّفني بآلة حادّة على مستوى يدي اليسرى، فخلّفت الحادثة أضراراً عدّة وتمكنت من مقاضاته والحصول على الطلاق للضرر".

يحتفلن لإظهار القوّة

وفق الأخصائية الاجتماعيّة نسرين بن بلقاسم، أخذت ظاهرة الطلاق منحى تصاعدياً في السنوات الأخيرة. وتوضح في تصريح لرصيف22، أن تونس "تصنَّف من بين الدول التي تشهد نسب طلاق مرتفعةً خاصةً مع التحولات الاجتماعية التي خولت للمرأة أن تكون صاحبة موقف ورأي، ولها هامش من الحرية يمكّنها من المبادرة بطلب الطلاق".

يمكن أن تكون ظاهرة الطلاق ظاهرة عاديةً تعبّر من خلالها المرأة عن عدم خسارتها لشيء مهم في الحياة

وتضيف: "هناك صور واحتفالات للنساء بالطلاق، وهي ردة فعل جديدة لأن الانفصال أمر صعب عموماً، إلا أن المرأة اليوم بممارستها هذه الأفعال تحاول إظهار نوع من القوة برغم تأثيرات الطّلاق على العائلة المصغّرة والموسّعة لا سيما التي تضمّ أطفالاً".

وتخلص إلى أنه "يمكن أن تكون للارتفاع في معدلات هذه الاحتفالات تأثيرات اجتماعية كبرى خاصةً بنشرها عبر وسائل التواصل الاجتماعي، وقد تشجع على تفشي الظاهرة أكثر".

إستراتيجية دفاع نفسية

تعددت أسباب طلاقهّن، لكن غالبيتها كانت مريرةً ومثَّل الطلاق لهنّ طوق النجاة، ولذلك احتفلن به.

في هذا السياق، يؤكد أنس العويني، الأخصائي النفسي، لرصيف22، أنّ الانفصال عن شريك الحياة "يُعدّ انفصالاً عن وضعيّة صعبة يمكن أن يمر بها أيّ إنسان في هذه الحياة لأنه انفصال عن محور الحب. ويمكن أن يشعر الإنسان بأثر الانفصال بإحساس الفقدان والاختلال في توازن عاطفي".

ويضيف: "يستقبل الإنسان في العادة هذه الحالة بعاطفة من الحزن والقلق واضطرابات النّوم، وبعض الآلام على مستوى الجسد والرأس والمعدة، وتراجع مستوى الحيوية والنشاط وضعف دافع الإقبال على الحياة".

ويؤكد: "تغيب عنه مشاعر الفرحة التي كان يشعر بها من قبل. هذا الوضع السائد والمألوف ظهر مؤخراً نقيضه التّام لدى عدد من النساء اللّواتي أصبحن يحتفلن بالطلاق وهذا يمثل نوعاً من الانتقال الجديد وإستراتيجيةً جديدة للدفاع النفسي لتجاوز هذه المرحلة التي يمكن نعتها بـ'مرحلة العزاء'، وذلك لتجاوز الحاجة المهمّة على المستوى العاطفي".

ويرى الأخصائي النفسي أنه "يمكن أن تكون الظاهرة عاديةً تعبّر من خلالها المرأة عن عدم خسارتها لشيء مهم في الحياة، لأنها كانت في فترة من فترات حياتها تعاني ومتعبةً وقلقةً وغير راضية وربّما مظلومةً. وبالطلاق أصبحت في حِلّ من جميع هذه المشاعر والظروف وارتاحت وتجاوزت هذه المسألة. الكثير من الأشخاص لا تكون حياتهم الزوجية هي الحياة المنتظرة والمثالية أو النموذجية، ولم ينتظروا من شريكهم أن تكون حياتهم بهذا الشكل، لذا يصابون بالمفاجأة في ما يخص السلوكيات غير المرضية، سواء كانت ماديةً أو طريقة المعاملة أو شخصية الشريك".

ويضيف الدكتور العويني في حديثه إلى رصيف22: "الجانب الجنسي يُعدّ نقطةً مهمةً جداً في حياة الزوجين وسبباً للمشكلات. ومن بين هذه المشكلات فقدان الرغبة الجنسية من طرف الشريك أو العجز الجنسي من طرف الرجال ومسألة ضعف الانتصاب، وهي ظاهرة منتشرة وأيضاً القذف السريع وهي حالة تجعل المرأة لا تصل إلى مرحلة الإشباع الجنسي، فتكون طلبات الرجل نادرةً وقليلةً للممارسة الجنسية وتواجَه طلبات المرأة بالصدّ، فتخيب آمالها. وعند استجابته لا يكون هناك تكافؤ جنسي وهو نتيجة لعوامل معيشية وصحية. وقد تُصدم المرأة بزواجها من شخصية مريضة وغير مسؤولة وغير مهتمة بمؤسسة الزواج، وهي ظاهرة منتشرة بكثرة مما يجعلها تعيش فترةً صعبةً ويكون الطلاق بالفعل فرحةً تتجاوز عبرها كل تلك الصعوبات"، ويكون الأمل في بناء حياة عاطفية جديدة.


إنضمّ/ي إنضمّ/ي

رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

قد لا توافق على كل كلمة ننشرها…

لكن رصيف22، هو صوت الشعوب المضطهدة، وصوت الشجعان والمغامرين. لا نخاف من كشف الحقيقة، مهما كانت قبيحةً، أو قاسيةً، أو غير مريحة. ليست لدينا أي أجندات سياسية أو اقتصادية. نحن هنا لنكون صوتكم الحرّ.

قد لا توافق على كل كلمة ننشرها، ولكنك بضمّك صوتك إلينا، ستكون جزءاً من التغيير الذي ترغب في رؤيته في العالم.

في "ناس رصيف"، لن تستمتع بموقعنا من دون إعلانات فحسب، بل سيكون لصوتك ورأيك الأولوية في فعالياتنا، وفي ورش العمل التي ننظمها، وفي النقاشات مع فريق التحرير، وستتمكن من المساهمة في تشكيل رؤيتنا للتغيير ومهمتنا لتحدّي الوضع الحالي.

شاركنا رحلتنا من خلال انضمامك إلى "ناسنا"، لنواجه الرقابة والترهيب السياسي والديني والمجتمعي، ونخوض في القضايا التي لا يجرؤ أحد على الخوض فيها.

Website by WhiteBeard
Popup Image