مدينة درنة التي وصل عدد ضحاياها إلى 4،278 قتيلاً/ ةً، حتى 10 تشرين الأول/ أكتوبر الماضي، ما زال أهلها إلى الآن يعانون الأمرّين وحدهم، ويناضلون من أجل تخطّي الصدمة والعودة إلى الحياة منفردين دون كاميرات ودون مسؤولين يتصدرون المشهد.
الرقم المدوّن أعلاه كانت قد أعلنته الجهات الرسمية في الشرق الليبي، عن طريق المتحدث باسم جيش القيادة العامة اللواء أحمد المسماري، وهو إلى الآن محل تشكيك من قبل كثيرين واكبوا الحدث في عين المكان من صحافيين وفرق إنقاذ وغيرهم.
يقول أحد الصحافيين الليبيين لرصيف22، رفض ذكر اسمه خوفاً على سلامته، "إن هذا العدد ضئيل جداً مقارنةً بالواقع وما شاهدناه بأمّ أعيننا في درنة، وإلى الآن لم يتقدم التحقيق في القضية قيد أنملة، فبعد أن بكوا معنا على شاشات التلفزيون على ضحايانا، ها هم يتاجرون بنا اليوم بعقد مؤتمر أجوف غايته الوحيدة الاستعراض ومزيد من الفساد".
لماذا حرصت العائلة الحاكمة في الشرق الليبي هل القيام بكل تحضيرات مؤتمر درنة؟
مؤتمر حفتر وأبنائه
بعض ما صرّح به الصحافي ابن مدينة درنة المنكوبة، يتماشى تماماً مع ما رأيناه بأم أعيننا، فالمؤتمر لم يأخذ ذلك الزخم الكبير الذي انتظرناه لأن العالم منشغل بالحرب في غزة أولاً، وبسبب الانقسام السياسي الحاد الذي تعيشه البلاد منذ عقود ثانياً.
قرار عقد المؤتمر اتخذته القيادة العامة منفردةً، وهو كما يحلو للبعض تسميته "مؤتمر عائلة حفتر". وبحسب مصادر خاصة مقربة من الحكومة المكلفة من البرلمان، فإن العائلة الحاكمة في الشرق الليبي هي من قامت بكل التحضيرات ووضعت الأسس والخطوط العريضة لتلقّي العروض وإبرام العقود مع الشركات الأجنبية، مع تهميش كامل للسلطة التنفيذية برئاسة حماد الذي أكد قبل بداية المؤتمر بأيام، أن شركات مصريةً وإماراتيةً وأخرى تركيةً، بدأت فعلياً بأعمال إعادة إعمار درنة، وهي عقود أبرمتها القيادة العامة وتحديداً بلقاسم حفتر، مع ألوية من الجيش المصري الذي كان أول المتواجدين إبان الأحداث.
مجلس النواب برئاسة المستشار عقيلة صالح، صوّت على إقرار ميزانية طوارئ في شهر أيلول/ سبتمبر المنصرم، بقيمة 10 مليارات دينار ليبي، لمعالجة آثار الفيضانات في المناطق المتضررة، لكن الطبقة السياسية برمتها تعلم جيداً أن هذا القرار لن يُنفّذ، ولن يقبل الصديق الكبير صرف هذا المبلغ لفائدة حكومة الشرق، ويضعها تحت تصرف القيادة العامة، نظراً إلى الانقسام السياسي المتجذر بين الشرق والغرب، خاصةً بين عقيلة صالح ورئيس حكومة الوحدة الوطنية عبد الحميد الدبيبة.
مؤتمر الشرق يعزف عنه المجتمع الدولي
الباحث السياسي الليبي الدكتور يوسف البخبخي، يقول لرصيف22، إن هذا المؤتمر يأتي في لحظة تشظٍ تعيشها ليبيا، وانعكاساً لها، ولعل الموقف الدولي كما بدا من تصريح المبعوث الأميركي في ليبيا ريتشارد نورلاند، بأن مؤتمراً لإعادة الإعمار سوف يكون أكثر فاعليةً إذا تم إجراؤه بشكل مشترك وشامل، وكذلك ما جاء في بيان بعثة الاتحاد الأوروبي عن مشاركتها بصفة مراقب، وأن حضورها لا يمثل تأييداً لأي مبادرات لإعادة الإعمار من جانب واحد".
واسترسل البخبخي، مؤكداً أن هذا الموقف "يدلّ على افتقاد المؤتمر، الحاضنة الدولية التي هي من صميم بناء ونجاح هكذا مؤتمرات، برغم أن عقده جاء بعد تأجيل، جراء العزوف الدولي عن الحضور، وذلك في محاولة لجلب هذه الأطراف، غير أن المحاولة باءت بالفشل الذريع".
"لقد بدت جليةً غلبة البعد السياسي على ما يقتضيه الإعمار من توافقات وإجماع وطني على عقد هذا المؤتمر، والذي يُظهر حرص الأطراف القائمة عليه بتوظيف الحدث الكارثي من أجل كسب الاعتراف الدولي برغم إدراكهم أن مؤتمراً كهذا وفي ظل الأحداث لن يكون النجاح، في الحد الأدنى، من نصيبه".
إعادة الإعمار كان يُنتظر أن تكون شأناً وطنياً، ستترتب عليه التزامات وتعهدات، وما كان في إمكان حكومة لا تحظى بالاعتراف المحلي أو الدولي، أن تفي بها، وأن تكون على قدر تلك العهود والتعهدات.
إن حالة الانقسام السياسي وغياب الاستقرار وبقاء الوضع السياسي رهن احتمالات متعددة، عوامل لا تؤهل لنجاح مؤتمر لإعادة إعمار، أدنى ما يقتضيه هو استقرار ووحدة سياسية ومصادر تمويل حقيقية.
هل تغلب البعد السياسي على ما يقتضيه الإعمار من توافقات وإجماع وطني على عقد هذا المؤتمر؟
عروض مبهرة من الشركات الأجنبية
بينما يرى مدير مشروعات المجلس الإفريقي العربي للاستثمار والتنمية محمد أمطيريد، "أن الأجندة المتّبعة لهذا المؤتمر كانت في المستوى المطلوب حسب المدة الزمنية والحالة الاستثنائية والاحتياج للسرعة في حل المشكلات الإنسانية في مدينة درنة، وفقاً للشروط التي تفرضها الحكومة الليبية، واتّباعاً لمجريات المؤتمر والعروض التي قُدّمت من الشركات الدولية والإقليمية".
"وكانت المقترحات متنوعةً بحيث شدّت انتباه المختصين والخبراء في المجال العمراني والتخطيط الحضري، ونستشهد بأهم عرضين أثارا انتباه الحاضرين من قبل الشركتين؛ الأولى هي المجموعة الإماراتية ESS، والثانية الشركة الصينية CCC".
هل يحاسَب الجناة على المأساة قبل بدء الإعمار؟
في خضم ما يحدث من تجاذبات سياسية وانشغال بتقاسم كعكة إعادة الإعمار، جدد سكان مدينة درنة مطالبهم للسلطات بسرعة التحقيق في الكارثة، ومحاسبة المسؤولين المتراخين في صيانة السدّين، ليرد عليهم المستشار خالد مسعود وزير العدل في حكومة حماد، بأن التحقيق يتواصل راهناً، في ظل استكمال جهاز الخبرة القضائية أعماله المطلوبة في هذا الشأن، ولم تذكر الوزارة أي تفاصيل عن مصير المتهمين المحبوسين احتياطياً لدى النيابة العامة، وبينهم رئيس بلدية درنة آنذاك عبد المنعم الغيثي.
هو تراخٍ متعمد في محاسبة المتهمين، وحسب معلومات خاصة حصل عليها رصيف22، من أحد مستشاري البرلمان، وأيضاً من شخصية مقربة من البعثة الأممية، بأن هذا أبطأ في التحقيقات، إنما هي لإخفاء مسؤولية المستشار عقيلة صالح، رئيس مجلس النواب، لأن رئيس بلدية درنة كان يسلم الميزانية المخصصة للمدينة للمستشار الذي يستغلها في تعبيد الطرقات المؤدية إلى منزله وبناء مجالس للاجتماعات في بيته وغيرها من مستلزمات مقر القبة الذي جعل منه عقيلة، مقراً رسمياً بدل مكتبه في البرلمان.
مشهد معقّد بأطراف متشابكة في الداخل والخارج، والجميع يسعى إلى جمع كل ما يستطيع من قوت الشعب الليبي، وعلى حساب جثث آلاف الضحايا في درنة، وفي منطقة الجبل الأخضر بكاملها، وربما ما يحيي بعضاً من الأمل فزعة "الخوت" التي جمت الشعب الليبي وأظهرت لحمة أبناء الوطن الواحد مبيّنةً حجم الفراغ بينهم وبين الطبقة السياسية التي وصفتها أغلب التقارير الدولية بالجشعة.
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
Mohammed Liswi -
منذ يومأبدعت
نايف السيف الصقيل -
منذ 3 أياملا اقر ولا انكر الواقع والواقعة فكل الخيوط رمادية ومعقولة فيما يخص هذه القضية... بعيدا عن الحادثة...
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ 5 أياممقال بديع ومثير للاهتمام، جعلني أفكر في أبعاد تغير صوتنا كعرب في خضم هذه المحن. أين صوت النفس من...
Nahidh Al-Rawi -
منذ أسبوعتقول الزهراء كان الامام علي متنمرا في ذات الله ابحث عن المعلومه
بلال -
منذ أسبوعحلو
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ أسبوعالمؤرخ والكاتب يوڤال هراري يجيب عن نفس السؤال في خاتمة مقالك ويحذر من الذكاء الاصطناعي بوصفه الها...