لم تكن سنة 2023، حافلةً بالكوارث الطبيعية والسياسية التي بدأت بالزلازل والأعاصير وانتهت بحرب غزة فحسب، فقد شهدت الكثير من الأحداث على الصعيد الثقافي العربي والعالمي، من إعلان جوائز البوكر ونوبل لهذا العام، إلى إصدارات جديدة لمشاهير الكتّاب، إلى رحيل مجموعة من الكتّاب، مما أعاد إلى التداول إنجازاتهم، كترجمات رفعت عطفة الذي غادرنا في بداية العام الجاري، ومن أشهرها "الوله التركي" و"المخطوط القرمزي"، إلى تصدر رواية "وليمة لأعشاب البحر" الاهتمامَ مرةً أخرى، بعد وفاة حيدر حيدر في أيار/مايو المنصرم.
"وليمة لأعشاب البحر" و"الموت عمل شاقّ"
قد أثارت رواية "وليمة لأعشاب البحر" ضجةً كبيرةً في الشارع الثقافي، خاصةً المصري منه، عقب نشرها من قبل وزارة الثقافة المصرية، ومن ثم سحبها بعد شهر تحت ضغط حملة نظّمها الإسلاميون والأزهر الذي أفتى بمنعها بدعوى الإساءة إلى الإسلام، فعادت الرواية والحديث عنها إلى الصدارة بين القرّاء. وتدور أحداث هذه الراوية في الجزائر التي كانت قبلة العرب من سوريين وعراقيين وفلسطينيين، الباحثين عن عمل وأمان في بلد المليون شهيد، لنرى إفلاس الثورة بعد استلام رجالها السلطة وتحولهم. كما أعيد تداول كتب حيدر الأخرى من جديد بعد رحيله.
وهذا ما حدث أيضاً إثر رحيل الروائي السوري خالد خليفة، في أيلول/سبتمبر الماضي، إثر نوبة قلبية، لتتصدر الأخبار والصحف والصفحات عبارة "الموت عمل شاقّ" وهو عنوان رواية له.
شهدت سنة 2023 الكثير من الأحداث على الصعيد الثقافي العربي والعالمي، من إعلان جوائز البوكر ونوبل لهذا العام، إلى إصدارات جديدة لمشاهير الكتّاب، إلى رحيل مجموعة من الكتّاب، مما أعاد إلى التداول إنجازاتهم
هذه الرواية التي نشرت في 2016، تدور أحداثها حول قيام أخوة ثلاثة بنقل جثة والدهم المُعارض من دمشق إلى قريته العنابية في ريف حلب، لأنه أوصى بدفنه هناك، والرحلة التي كانت تستغرق ساعات في العادة، تمتد في ظل الحرب المخيّمة إلى ثلاثة أيام، فتتعفن الجثة، ويخرج منها الدود ليملأ السيارة التي تتحول إلى رمز للحرب المستمرة والمتنقلة بين أرجاء البلاد التي تتقاسمها الجماعات المسلحة والنظام، وتمارس أساليبها المذلّة للإنسان، وتصل حد اعتقال الجثة على أحد الحواجز واعتقال الابن في الجهة الأخرى من الحواجز، لعدم التزامه الديني.
تكشف الرواية هشاشة المجتمع السوري الذي كان يعيش وهمَ استقراره وأمنه، وتفكك العائلة وانعدام الأفق أمام التغيير إلى وقت طويل. يُذكر أن روايتَي الكاتب خالد خليفة، "مديح الكراهية" و"لا سكاكين في مطابخ هذه المدينة"، وصلتا إلى القائمة القصيرة للبوكر العربية، وتُرجمت أعماله إلى لغات عديدة.
"تغريبة القافر" لزهران القاسمي
نالت البوكر العربية هذا العام رواية للكاتب العماني زهران القاسمي، بعنوان "تغريبة القافر"، وبرغم ما تجاذبته الآراء حول أحقيتها في الفوز، فقد حققت رأياً جماهيرياً واسعاً. تتحدث الرواية عن البيئة العمانية وتراثها في الاعتماد على الفلوج المحفورة في الصخر لاستخراج الماء من باطن الأرض لاستخدامه، وهي طريقة قديمة لا أحد يعرف إلى متى تعود، فالبعض ينسبها إلى النبي سليمان.
والشاب "سالم" البطل بما يحمل اسمه من تشابه (سال-سليمان)، يملك حدساً أو فراسة اكتشاف أماكن وجود الماء في باطن الأرض، وتتبع صوته كمن يقتفي أثراً في الصحراء. ولهذا أطلقت عليه مربّيته اسم "القافر"، لفراسته في سماع ذبذبات مرور الماء في التضاريس. فهو يلتقطها ويغيب معها كأنه يسافر إلى عالم آخر حتى ينتهي به المطاف في إحدى تجارب اقتفاء الماء إلى حبسه تحت الأرض في فلج صخري قديم وعميق.
يصارع سالم من أجل البقاء ومن أجل الخروج، لينجح أخيراً في الحفر بالصخر، ليحدث تدفقاً هائلاً للماء يحمله معه إلى النور والحياة، كاشفاً في أثناء الرواية عن طبيعة الحياة في القرية العمانية وسلطة الماء عليها وسلطة الخرافات أيضاً، وهذا ما ميّز أعمال القاسمي عامةً، إذ يسلّط الضوء على علاقة الإنسان العماني بالطبيعة التي تحضر بمكوناتها كافة في أعماله وذلك التأثير المتبادل بينها وبينه.
رحيل ميلان كونديرا، وفوز يون فوسه بجائزة نوبل للآداب
أما رحيل ميلان كونديرا، فقد أثار لغطاً بمواقفه من القضايا المعاصرة والخلاف على السياسية منها، وخاصةً الفلسطينية، وفي خضم ذلك عاد الحديث عن رواياته، وأعيد تداولها وقراءتها.
وذهبت نوبل هذا العام للكاتب النرويجي يون فوسه، وهو النرويجي الرابع الذي ينال نوبل للآداب، وقد اكتفت المكتبة العربية ببعض الترجمات من كتبه الكثيرة والمتنوعة بين روايات ومسرحيات، ولعل أهم أعماله الروائية هي الثلاثية التي تتضمن ثلاثة مجلدات تحمل عناوين "الاسم الآخر" و"أنا الآخر" و"اسم جديد". أهم ما ميّز أعمال يون فوسه بالإضافة إلى اللغة التي يكتب بها، وهي تُعدّ لغة أقلية في النرويج، هو تعدد سويات السرد وطبقات الزمن في رواياته.
ففي روايته "أليس"، نجد أن الحاضر يشفّ عن أحداث الماضي التي تسير في أكثر من مستوى زمني، جنباً إلى جنب مع الحاضر الذي ليس أكثر من ذكريات الزوجة عن يوم اختفاء زوجها في أثناء العاصفة في الحيد البحري الذي اعتاد الخروج للتجديف فيه. يحمل الزوج اسم أحد الأجداد الذي قضى عمره في المكان نفسه غرقاً. والزوجة تتذكر العيش في بيت العائلة حيث يحضر الأفراد على اختلاف الأزمنة، ويمارسون حياتهم التي تدور أمام الزوجة فتراهم ولا يرونها، وتعيش قصصهم وتستمع إليهم حتى نخال أنها مثلهم مجرد طيف ذكريات في المنزل عن اختفاء الشاب آسلي؛ الاختفاء الذي بقيت زوجته تعيد تذكّره أكثر من عشرين عاماً متسائلةً: لماذا حدث ما حدث؟ يغلب على أسلوب فوسه التكرار والجمل القصيرة الشعرية.
إليف شافاق، وإصدارها الجديد "كيف نحافظ على سلامة عقولنا؟"
لفتت الكاتبة التركية إليف شافاق، هذا العام، الانتباهَ بإصدارها الجديد، وهو كتاب بعنوان "كيف نحافظ على سلامة عقولنا؟". وهو مجموعة مقالات وخواطر تعتمد فيها على ذكرياتها، لتطرح هموم الإنسان المعاصر في عالم يسير نحو المجهول بشكل حثيث، خاصةً بعد المتغيرات الجديدة في العالم، حيث الهجرة وتزايد أعداد اللاجئين بشكل مريع وعودة الحروب المسلحة إلى الواجهة والفقر والموت، لنجد المشاعر المتناقضة تأكل البشرية في حيرتها وانهزامها وقلقها الوجودي على المستويين الفردي والجمعي. وتبدأ هذه الحيرة حول مستقبل الكوكب ولا تنتهي بذلك الانقسام بين مستويات العيش المتباينة بين الدول وفي البلدان نفسها، ومع إحساسها العميق بشدة الواقع. فإن طرحها السؤال هو جزء من مسؤولية الكاتب/ة في قرع جرس الإنذار ومحاولة في استخدام التطور لجمع الجهود للخروج من هذا الوضع الصعب الذي يعبّر عنه عنوان الكتاب. فالحفاظ على العقل السويّ في ظل ظروف غير منطقية يغدو مهمةً صعبةً.
قالت شافاق عن كتابها: "إن عصرنا هو عصر القلق المعدي، نشعر بالإرهاق من الأحداث من حولنا، بسبب الظلم والمعاناة، والشعور الذي لا نهاية له بالأزمة. إذاً، كيف يمكننا رعاية الأجزاء التي تأمل وتثق وتؤمن بشيء أفضل في أنفسنا؟ وكيف يمكننا أن نبقى عاقلين في عصر الانقسام هذا؟".
الاتجاه نحو السيرة الذاتية الشخصية أو الروائية في الأدب
يبدو أن الاتجاه نحو السيرة الذاتية الشخصية أو الروائية صار واضحاً في الأدب، فقد أصدرت إيزابيل الليندي، كتابها الجديد "نساء روحي"، وهو سيرة شخصية وروائية معاً إذ تحدثنا عن رفيقات عمرها وروحها، وماذا يعني أن تكون امرأةً في عالم الرجال. تحدثنا عن نساء رافقن حياتها، وتركن الأثر الأعمق في شخصيتها وأعمالها الأدبية، وأولهنّ أمها التي كانت تقرأ لها مخطوطات أعمالها حتى توفيت، وجدّتها التي تركت أثراً عميقاً في حكاياتها.
وما شكّله فقدان ابنتها باولا من أثر عليها، حتى ألّفت روايةً تحمل عنوان "باولا"، وهي عن حياة ابنتها القصيرة وملازمة إيزابيل لها في المشفى كتجربة شاقّة. تقول الليندي: "إن الحياة الهادئة الآمنة ليست مادةً جيدةً للخيال"، في دعوة القراء إلى لتجريب والتعبير والحب، فقد تركت تجاربها وتنقلات حياتها الكثيرة وترحالها في البلدان نتيجة عمل والدها كدبلوماسي أثراً كبيراً في إنتاجها الفني.
وفي الإطار نفسه، تأتي رواية الكاتب الأردني جلال برجس، بعنوان "نشيج الدو دوك"، التي ينهيها بعبارة: "إن الحياة بلا حب مثل بيت من ورق ستطيح به الريح كلما جنّ جنونها".
تصنّف الرواية بالسيرة الروائية حيث يحدثنا برجس عن حياته والمعاناة والفقر، ثم عن كتب حملها في رحلات ثلاث لكلّ منها خصوصية في بناء عالمه ووعيه لهذا العالم، رافقه في الأولى إلى الجزائر كتاب "الغريب" لكامو، وفي رحلته إلى بريطانيا رافقته رواية "موسم الهجرة إلى الشمال"، للطيب الصالح. وأما كتاب "داغستان بلدي"، لرسول حمزاتوف، فقد رافقه في رحلته إلى يريفان عاصمة أرمينيا. وهو الذي حاز عن عمله "دفاتر الوراق" على جائزة البوكر العربية لعام 2021.
لم تتأخر الروائية اللبنانية حنين الصائغ عن ركب السيرة الذاتية، فروايتها الأولى "ميثاق النساء" الصادرة هذا العام عن دار الآداب، تأتي في هذا الإطار. وهي الشاعرة التي سبق أن نشرت دواوين عدة، تقدم روايتها كقصة لفتاة درزية عانت من التزمت والبيئة المغلقة والحصار الذي تفرضه عليها بيئتها كفتاة، لكنها تتحدى ظروفها وتتابع تعليمها برغم تزويجها في عمر صغير، وتسعى إلى تشكيل وعيها وذاتها لتنفصل عن هذا المجتمع شبه المغلق، والذي يقوم على مسلمات الطائفة، في سرد مميز ولغة فيها من الشعر والإحساس العالي.
يبدو أن الاتجاه نحو السيرة الذاتية الشخصية أو الروائية صار واضحاً في الأدب، فقد أصدرت إيزابيل الليندي، كتابها الجديد "نساء روحي"، وهو سيرة شخصية وروائية معاً إذ تحدثنا عن رفيقات عمرها وروحها
وليس هذا ما منح الرواية تلك الأهمية بل جرأة الكاتبة على طرق أحد أكثر المحرّمات في المجتمع العربي، أي الدين، وكسر المقدس والدخول إلى تفاصيل الطائفة والممارسات التي تضيّق الخناق على الوعي لإنشاء وعي جديد من أجل الخروج من تلك السيطرة على العقول وتحديد أفقها، خاصةً بعدما أثبتت الطوائف والدين بجملته مسؤوليتهما عن الحروب الأهلية المجانية التي غرق فيها لبنان أكثر من مرة، فلعلها صرخة جريئة في سبيل تحييد الدين والمطالبة بمجتمع مدني يحترم الإنسان دون النظر إلى انتمائه الديني أو الطائفي أو القومي.
رواية حنين الصايغ جريئة ومهمة لأنها من الواقع، فهي تبدو سيرةً ذاتيةً للكاتبة أو ربما تحمل منها الكثير. وقد احتفت بها الصحافة وما تزال.
وفي سياق بناء هذا الوعي، يأتي كتاب "جدد القول-هموم وأوهام الفكر الإسلامي"، الصادر هذا العام عن دار الجديد للكاتب السوري محمد أمير. يحاول الكاتب وضع يده على مكامن الخلل كما يراها في الفكر الإسلامي، وما علق به من أوهام وأفكار مسيئة ألحقها به الفكرُ المتخلف، ما جعله يتقهقر كفكر، ويرى أنه لا يمكنه أن يتجاوز وضعه الحالي الضعيف إلا بتجاوز عيوبه عبر تحديدها وتغيير أساليبه في التعاطي مع نفسه في إعادة قراءة المقدّس قراءةً جديدةً، وأيضاً قراءته مع الآخر، متوقفاً عند مفاصل مهمة ومؤثرة لضرورة دراستها بقصد التجاوز والنهوض بالفكر الإسلامي الذي تتجلى أزمته في أمرين:
1ـ غوغائية في إدراك المفاهيم والمعطيات المعرفية الإسلامية
2ـ خلل في التحويل والتطبيق
يتلخص ذلك في عدم الدقة في النقل والتقصي حول الأصل واعتماد بعض المفاهيم دون ضبط معناها ودلالاتها، والخلط بين العادة والدين، وتقديمها عليه أحياناً، وتقديس آراء أشخاص وأقوالهم، مما طغى على النص الأصلي أيضاً.
يفنّد الكاتب تلك الحالات محاولاً تنقية الدين الإسلامي من خرافات وأباطيل تحت مسميات كثيرة كالاقتصاد الإسلامي وضرورة الخلافة وتقديس رجال الدين والفقهاء ورجال عاشوا قبل آلاف الأعوام وغيرها من مفاهيم تستغبي الإنسان وتجعله مشتتاً بين إيمانه وبين العلم والحضارة الحديثة، وتقف عائقاً أمام تحقيق سلامه الروحي، وهذا كله ببساطة في الأسلوب وطريقة العرض.
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
نُور السيبانِيّ -
منذ 14 ساعةالله!
عبد الغني المتوكل -
منذ يوموالله لم أعد أفهم شيء في هذه الحياة
مستخدم مجهول -
منذ يومرائع
مستخدم مجهول -
منذ 5 أيامكل التوفيق ومقال رائع
Ahmad Tanany -
منذ أسبوعتلخيص هايل ودسم لجانب مهم جداً من مسيرة الفكر البشري
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعلا يوجد اله او شئ بعد الموت