تحقق الرواية في عمان نجاحات كبيرة على المستوى العربي والعالمي، فقد تمكنت مع الروائية جوخة الحارثي بروايتها "سيدات القمر" من انتزاع جائزة المان البوكر العالمية عبر ترجمتها الإنكليزية. ووصلت جوخة الحارثي مرة أخرى إلى مراحل متقدمة من جائزة دبلن، وفاز الروائي زهران القاسمي بجائزة البوكر العربية عن روايته "تغريبة القافز"، وفازت بشرى خلفان بجائزة كتارا عن روايتها "دلتشا" ووصلت إلى القائمة القصيرة من جائزة البوكر العربية بذات الرواية.
كما تعيش القصة القصيرة تطوراً كبيراً عبر مجموعة من الكتاب المتميزين من الجنسين، واستطاع الأدب العماني روايةً وقصةً قصيرة وترجمةً أن يصل إلى مكانة مضيئة في أغلب دور النشر العربية المهمة، وهو ما يعكس نهضة ثقافية شاملة انعكست على الآداب والفنون.
هي حصيلة عمل بدأ منذ سنوات طويلة انفتح فيها المشهد العماني على الثقافة العربية المعاصرة والثقافة العالمية مع جيل جديد تخرج في أغلبه من الجامعات العمانية والجامعات الأجنبية والعربية ليعود إلى عمان ويساهم في هذه النهضة الثقافية.
يتقصى محمود الرحبي حياة الهامش والمهمشين في هذا النص، والذي تسكت عنه النصوص الأدبية في عمان عادة بسبب المجتمع المحافظ الذي ينتجه، فحياة الليل في عمان لا تقولها الروايات ولا الكتب
ونمثل لهؤلاء بالقاص والروائي محمد الشحري صاحب رواية "موشكا"، وهدى حمد، وبدرية الشحي، وسليمان العامري، الذي راكم أعمالاً سردية مهمة ظهرت في كبريات دور النشر العربية.
ومحمود الرحبي واحد من هؤلاء الكتاب الذين درسوا في الجامعة التونسية، ثم الجامعة المغربية، وانخرط مبكراً في الكتابة الإبداعية والقصصية تحديداً، ونال العديد من الجوائز العربية والمحلية، وأصبح علامة عمانية وعربية في كتابة القصة القصيرة في الأدب المعاصر.
وبدأ في هذه السنوات خوض الكتابة الروائية، ولكن من جهة مخصوصة هي النوفيلا، لتصدر له مؤخراً عن منشورات المتوسط بميلانو رواية قصيرة بعنوان "المموّه" في خمس وخمسين صفحة، ليعيد سؤال الشكل الروائي وأحجامه وقضية الأجناس الأدبية وصفائها وتهجينها من جديد إلى الساحة الثقافية.
المموّه هل هو جنس مموّه
استعارة عنوان العمل الأدبي للتأمل في أجناسية الأثر تكتسب مشروعيتها من أمور كثيرة متعلقة بإقامة الكاتب الطويلة في فن القصة القصيرة وانتظارات المتلقي والحجم الذي ظهر به الكتاب، حيث لا يتعدى الخمسين صفحة مع تقطيع سردي يحيلنا في الظاهر على القص القصير.
لكن كلمة رواية فوق اسم الكاتب على الغلاف تحسم الأمر، فالمسألة تعاقدية في البداية، وعلينا أن نأخذ الكتاب من حيث هو عمل تخييلي ينتمي إلى الرواية بقطع النظر عن حجمه. غير أن هذا الحجم يحيلنا مباشرة على فن النوفيلا أو الرواية القصيرة وإلى النصوص التي راكمها كبار الكتاب في هذا الفن، والذين لم يحتاجوا أبداً لتسميتها بالنوفيلا أصلاً بل صنفوها ضمن الروايات.
غير أننا بالتأمل في تاريخ التنظير النقدي، وعلى الرغم من هذا الفصل المنهجي بين الأجناس الأدبية سنكتشف أن هناك علاقة عضوية تربط القصة القصيرة بالرواية اكتشفها الشكلانيون الروس، حيث ذهب أحدهم إلى أن الرواية نشأت في صلب التوليف وعمليات الضم للقصص القصيرة، وأن الكثير من الوحدات السردية في الأعمال الروائية المؤسسة كانت لها حيوات سابقة منفصلة، أي أنها كانت قصصاً منفصلة عمد الروائي إلى ضمها وجمعها في قالب فني جديد هو الشكل الروائي.
يقول الشكلاني شلوفسكي متحدثاً عن رواية الحمار الذهبي لأبوليوس: "من الممكن جمع قصص في رحم بناء أشد تعقيداً، مدخلين لها في إطار، أو رابطين إياها إلى جذع... إننا نشعر في الغالب أن أجزاء الأعمال التي بنيت اعتماداً على التنضيد، قد كان لها من قبل حيوات مستقلة". ومن ثم فإن الفنين ليس بينهما غرابة كما يدعي نقاد آخرون وعلى رأسهم ايخنباوم الذي يعتبر الرواية منحدرة من التاريخ وحكايا الأسفار، بينما جاءت القصة القصيرة من الخرافة والأحدوثة".
ومن ثم فإن البحث في أصول الوحدات السردية في المموّه إن كانت ظهرت في قصص قصيرة سابقة للكاتب لا معنى له حتى لو ظهرت لأن ذلك ممكناً وقد سبقه إلى ذلك التونسيان الكاتب صلاح الدين بوجاه في روايته "سبع صبايا" والتي ضم فيها عدداً من قصصه القديمة في بناء روائي جديد وكان قد سبقه إلى ذلك الروائي حسن نصر في روايته "سجلات رأس الديك" والتي بناها بقصصه التي سبق ونشرها في مجموعات قصصية أو في المجلات والصحف.
وفي مقابلة للكاتب العماني مع إذاعة مونتكارلو حول رواية المموّه يحسم الكاتب أمر الطول والقصر في الرواية ويعتبر أن الأمر اختيار فني وأن الطول ليس تحدياً وأنه يكتب الرواية بنفس قصصي وبتكثيف كسبه من كتابة القصة القصيرة لكنه حاول كتابة عوالم متكاملة في عدد قليل من الصفحات.
ويعطي أمثلة على ما اعتبره دليلاً على لا معنى الكم الورقي في كتابة الرواية برواية مدينة الرياح للموريتاني موسى ولد انبو والتي لا يتعدى عدد صفحاتها الثلاثين صفحة و"هي مكتملة وتشتمل على حمولات دلالية... واعتقد أن هذا النوع من الكتابة ليس سهلاً، ويحتاج مراجعات ويحتاج إلى تكثيف...واختصارات كثيرة جداً".
والحق أن هذا النوع موجود في الأدب العالمي وعند كبار الكتاب من همنجواي إلى سوزكيند إلى تابوكي وعربياً يمكن الإشارة إلى رواية المد لسميحة خريس وتلك الرائحة لصنع الله إبراهيم وسجلات رأس الديك لحسن نصر ورواية ديازاد لمي التلمساني وبعض أعمال محمد سعيد أحجيوج.
كتابة الهامش العماني
يتقصى محمود الرحبي حياة الهامش والمهمشين في هذا النص، والذي تسكت عنه النصوص الأدبية في عمان عادة بسبب المجتمع المحافظ الذي ينتجه، فحياة الليل في عمان لا تقولها الروايات ولا الكتب عامة كما لو لم تكن موجودة فمحمود الرحبي في هذا النص يخرجها من الوجود بالقوة إلى الوجود بالفعل في محاولة لكسر هذا الصمت على جزء كبير من عوالم الحياة العمانية هي حياة الهامش.
يرسم محمود الرحبي عالمين متوازيين هما عوالم التقاليد والطقوس المغموسة في الديني والمجتمع المحافظ مع الأم وعوالم الهامش والخروج والتمرد مع الابن العاطل الذي خرج عن تقاليد العائلة وايقاع الحياة العائلية غير أن ذلك الخروج لم يكن خروجاً علنياً كاملاً بل كان عبر استراتيجية التموييه وعبر ايهام الظاهر بعكس الباطن والحقيقي.
فشخصية الابن العاطل صغير إخوته الذي تنسدل لحيته على صدره والذي يحرص على صلاة الفجر في المسجد ليس في الحقيقة إلا مموّه يشتغل مع مروج حشيش في الحانات وقد فشل في الدراسة كما فشل في الزواج وفشل في المحافظة على وظيفته.
لقد حاصر الكاتب شخصية روايته بكل ملامح الفشل المجتمعي الذي يجعل من الفرد كائناً اجتماعياً مقبولاً فأخرجه من كل مؤسسة بفشل جديد فلا نفع مع المؤسسة التعليمية ولا مؤسسة الزواج ولا مؤسسة العمل الرسمي، ثم جرده من الاسم فظل في الرواية بلا اسم دال عليه. ثم حول ذلك إلى مكسب جديد للشخصية في حياتها التي اختارتها في عالم الهامش.
حاصر الكاتب شخصية روايته بكل ملامح الفشل المجتمعي الذي يجعل من الفرد كائناً اجتماعياً مقبولاً، فأخرجه من كل مؤسسة بفشل جديد.
هكذا يبني محمود الرحبي شخصية الابن في تناظر مع شخصية المنضبطة في أداء فرائض دينها وحتى في أكلها، يقول الراوي: "أمي التي صنعت سلامها الخاص مع الصلاة والقرآن. حتى إنها تطلق كلمة القراءة للذّكر الحكيم فقط. وفي شهر رمضان تقرأ المصحف كاملاً خمس مرات. وفي عمر السبعين، حريصة على صحتها، لا تقرب إلا الأكل الطبيعي. وتشرب من فخارية ماء غير بارد، تصبه في قحفة جوز الهند، جعلتها مشرباً وغطاء لآنيتها. لا تقرب السكّر، وتصوم أغلب أيام الشهر، لذلك فإن وزنها لا يتجاوز الستين كيلو جراماً"، بينما يرسم الابن منذ البداية قائلاً على لسانه: "لم أكمل دراستي، ولم أنتظم في عمل، عاطل في عمر الرابعة والثلاثين، وفشلت في الزواج المبكر بسبب زوجة متطلبة، لم تتحملني أكثر من سبعة أشهر، لم تكن دقائقها وثوانيها اللانهائية سوى صراع وصراخ".
غير أن هيئته الغريبة كشاب مستقيم يطلق لحيته ويواظب على صلاة الفجر رشحته لعرض قدمه له صديقه عثمان العازب الحشاش ومروج الحشيش وهو عرض لا يكلف الشاب الكسول شيئا غير التواجد في الحانة التي كان يروج فيه عثمان الحشيش، فوجود شخص مثله بلحيته المنسدلة على صدره بذلك الطول يجعل الأنظار كلها تتجه له فيغتنم عثمان ذلك ويقوم بممارسة مهنته: ترويج المخدرات للزبائن. وهكذا حوّل الشاب لحيته من علامة على التقوى إلى وسيلة استثمار عبر مهمة التمويه فحولها أولى ما سماه برأس المال.
هكذا ينتقد محمود الرحبي الذهنية العربية التي تكتفي بالظاهر للحكم على الآخرين والمتاجرة بالدين التي تصل إلى هذا الحد من السوريالية حين تتحول هذه العلامات الزائفة للتدين والكليشيهات إلى وسائل للتحيل على الناس وتخريب عقولهم وأجسادهم عبر عملية التمويه التي يقوم بها رجل الدين في الحانة لالهاء الرقيب حتى يشتغل المهرب بكل حرية.
غير أن هذه الهيئة أيضاً لم تكن محل ترحيب كبير من العائلة خاصة هيئة لحيته التي تزامن اطلاقها مع تنامي ظاهرة الإرهاب وأخبار داعش فارتابت منها حتى الأم ولا أحد خطر على باله أنه ما أطلق لحيته إلا من أجل هذا العمل الغريب كمموّه في حانة.
يقول الراوي: "لا أستطيع القول إن الوقت ليس ممتعاً في الحانة. فأنا لستُ بأقل استمتاعاً من الشاربين. فوق ذلك أمتلك ميزة لا يمتلكها أحد غيري وهي هذه اللحية الشاسعة التي تغطي وجهي وتنسدل على صدري. الجميع يصوّب نظراته ناحيتي، وهذا ما كان يبحث عنه عثمان تحديداً. اكتشفت ذلك مع تكرار الأيام. لم يكن يبحث عمَّنْ يُنصت إليه كما ادعى، بل كان يبحث عمن يشغل المخبرين عنه. ولحيتي كانت تؤدي هذا الدور على أكمل وجه. ينشغل عثمان بمداعبة هاتفه واجماً. يرفع يده لأحد الداخلين. لا تستوقفه كذلك لحيتي. لا بدَّ أن عثمان أخبره بكلّ شيء. واليد في اليد، حيث يأخذ بخفة صرَّة، الحلوى، ثمَّ يُدخل بالخفّة نفسها يده في جيب عثمان، ويترك في قعرها مالاً. لا بدَّ أن هذه الحركة كان يُلقنها جيداً لزبائنه".
يبدع محمود الرحبي بأسلوبه السردي في نقل تلك العوالم الخلفية للحياة العمانية ويقتنص مشاهد من الواقع تدفع بالمتلقي لاعادة قراءة العادي واليومي قراءة جديدة كذلك المشهد الذي يصف فيه ذبح الأم لفرخ الدجاج بعد أن يكون قد أشار إلى تخوفها من أن تكون لحيته مؤشراً على تطرفه واحتمال التحاقه بأحد الجماعات الإرهابية.
يقول الراوي "حين خَرَجَتْ ألقت نظرة صامتة على صدري، حيث أطراف لحيتي التي بدأت تشقُّ طريقها إلى الأرض. قبلتُ يدها، وتركتها تتقدمني إلى المطبخ. تناولتُ سكّيناً من يد العاملة التي وقفت ما إن دخلنا إلى المطبخ. خرجنا ثلاثتنا بعد ذلك إلى خلف البيت، حيث كانت أُمي تربي دجاجاتها في قفص كبير. الخادمة أدخلت يدها من باب القفص، وسحبت فرحين من الدجاج، وناولت أُمِّي أحدهما، واختفت حتَّى لا ترى مشهد الذبح. وبخطوات السبعين البطيئة وفائض الحنان، كانت أُمي تتلو دعواتها وهي تضع جناحي الطائر الساهي تحت إحدى نعليها وأظلافه تحت النعل الأخرى، ثمَّ تجرُّ سكّينها، وتفصل الرأس الدجاجة عينَيْه، ولكن المنقار يظلُّ. ينفرج وينغلق فيما يشبه زاوية حادة، والأظلاف ترفس بالقرب من الرأس المفصول. تبحث عن الخادمة لتناولها الطائر الآخر. تناديها بصوت مهزوز، وأنا أكمل نداءها بصوت أعلى، فتظهر وفي يدها الفرخ المعلَّق من جناحَيْه، ثم تختفي ثانية حتّى لا ترى المشهد. كان المنقار هذه المرَّة يتَّجه للأعلى فاتحاً زاوية مستقيمة ويغلقها".
إن هذا الوصف الدقيق لطقوس الذبح من مسك السكين إلى مسك الفرخ وتثبيته إلى وضعيته أثناء الذبح وبعده إلى ردات فعل الخادمة المسيحية وهروبها من المشهد لا يمكن أن يكون مجانيا في الرواية، وكأن بالمشهد كله يرد على تخوفات الأم من تطرف ابنها والتحاقه بداعش في الوقت الذي نشأ في تقاليد يومية للذبح. فهذه الفكرة التي يقولها الكاتب دون مباشرتية حبر الاستعارة والوصف للمشهد اليومي يجعل من البرنامج السردي للنص حمّال أوجه جديدة ويطرح أفكار بشكل رمزي عن أصل العنف في الثقافة العربية الإسلامية ويطرح السؤال المؤلم هل ثقافتنا اليومية ثقافة سلام فعلاً؟
نكتشف مع تقدم في أحداث الرواية أن المموّه هذه وظيفة اخترعها مهربو الحشيش والمخدرات وكان عثمان قد استعان بعدد من المموهين قبل الشاب الراوي مما حوّل هذه المهمة إلى مهنة يتقاعد منها البعض ويدخلها البعض الآخر حسب وضعياتهم الاجتماعية. ويتوغل محمود الرحبي شيئاً فشيئاً في عوالم الاندرغراوند العماني وعالم الليل ليمر بالمخبرين والمموهين ليصل إلى المثليين ليتحدث عن زواج المثليين.
يقول الراوي: "طلب مني عثمان أن أدخل للتأكد من عدم وجود الوهيبي في الحانة. لم أره. انتظرنا دقيقة قبل أن ندخل تحسباً لاحتمال ذهابه إلى دورة التبول. دخلنا رأساً إلى زاوية يعرفها عثمان جيداً. حين جلس رفع يده من بعيد وهز رأسه مسلّماً على عدد من معارفه. ومنهم سابق في التمويه يعرف نفسه بـ (حماده). يرتدي دشداشة فضفاضة بلون بنفسجي، ويتزيَّن بنائين ذهبيَّين، وعينين كحيلتين، وراحتين مخضَّبَتَين بالحناء وشفتين لا يبارحهما الاحمرار عرفتُ من عثمان أنه المُموِّه الذي سبقني. ثم أردف في أسف "ولكنه تزوج".
- هل ترى ذلك الأسمر الذي بجانبه؟
لوحتُ بعيني جهة طاولة حماده، كان بجانبه رجل في ضعف حجمه، عيناه قلقتان وهو يرسلهما من عتمته. سماره فاحم ينطق بالتحدي. وكان حماده هو مَنْ يطلب كلَّما فرغت البيرة من علبته. ذلك هو زوجه. لا يعمل وحماده هو مَنْ يصرف عليه.
عبر هذا السرد المكثف وفي أقل من صفحتين ينقل محمود الرحبي عوالم ذلك المحظور اجتماعياً وينقل لنا عبر وصف تشيخوفي ساخر ودقيق سلوكات المثليين في الفضاءات العامة. قبل أن يأخذك في صفحات أخرى إلى عالم الموسيقى والغناء والجنس والراقصات الروسيات في حانات نزوى.
المموّه العماني ليس سوى نموذج من شخصيات أخرى عربية تستعين بأقنعة دينية أو فكرية أو سياسية أو إعلامية لترتكب أو تشارك في ارتكاب جرائم غير مرئية لصالح عثمان آخر في كل حقل
لقد نجح محمود الرحبي عبر التقاط هذه الوظيفة غير النظامية في الهامش العماني من بناء شخصية أصيلة ورواية أصيلة على قصرها كانت رحلة عميقة في الليل العماني وفتحت باباً آخر من الجرأة التي توغل فيها مخيال الكاتب العماني المعاصر بطرح أسئلة معاصرة ومساءلة الواقع ونقل عوالم المسكوت عنه من ناحية وفتح باباً فنياً آخر للفن الروائي عبر اقتراحه الشكلي عبر هذا السرد الوجيز والمشفّر والمكثف مستفيداً من تجربته في فن القصة القصيرة من ناحية ومن ثقافته السردية الكبيرة في القراءة والبحث حيث تتقاطع في عمله عوالم الأدب الروسي بوصفه وسخريته مستدعية نصوص غوغول وتشيخوف من ناحية وشعرية نصوص بورخيس وسحرها وعوالها الخفية حتى تكاد تبرق خناجر بورخيس وسكاكينه من بين السطور وعبر تلك العوالم وذلك التقطيع الفني الدقيق.
لقد أغنى محمود الرحبي المكتبة الروائية العربية بشخصية لا تنسى هي "المموّه" وهي مرشحة لأدوار أخرى ولوظيفة أخرى في عمليات التلقي إذ هي ترشيحها بقوة بسبب أصالتها إلى أن تكون "شخصية مفاهيمية" حسب عبارة جيل دولوز وفيليكس غواتري يمكن من خلالها قراءة العالم مثلها مثل شخصية "سي السيد" أو" أمينة" في ثلاثية نجيب محفوظ، فالمموّه العماني ليس سوى نموذج من شخصيات أخرى عربية تستعين بأقنعة دينية أو فكرية أو سياسية أو إعلامية لترتكب أو تشارك في ارتكاب جرائم غير مرئية لصالح عثمان آخر في كل حقل.
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
Ahmad Tanany -
منذ يومتلخيص هايل ودسم لجانب مهم جداً من مسيرة الفكر البشري
مستخدم مجهول -
منذ 3 أياملا يوجد اله او شئ بعد الموت
Mohammed Liswi -
منذ 5 أيامأبدعت
نايف السيف الصقيل -
منذ أسبوعلا اقر ولا انكر الواقع والواقعة فكل الخيوط رمادية ومعقولة فيما يخص هذه القضية... بعيدا عن الحادثة...
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ أسبوعمقال بديع ومثير للاهتمام، جعلني أفكر في أبعاد تغير صوتنا كعرب في خضم هذه المحن. أين صوت النفس من...
Nahidh Al-Rawi -
منذ أسبوعتقول الزهراء كان الامام علي متنمرا في ذات الله ابحث عن المعلومه