شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

اترك/ ي بصمَتك!
سؤال التسوية السياسية في السودان: هل من الممكن استيعاب حميدتي؟

سؤال التسوية السياسية في السودان: هل من الممكن استيعاب حميدتي؟

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

سياسة نحن والحقيقة

السبت 4 نوفمبر 202301:00 م

مع استئناف لقاءات وفدَي الجيش والدعم السريع في مدينة جدّة السعودية، برعاية أمريكية سعودية، في ما يُعرف بـ"منبر جدّة"، يُطرح سؤال حول إمكانية التوصل إلى تسوية سلمية للحرب في السودان، وما الممكن تقديمه للدعم السريع في هكذا تسوية. بتحديد أدق، ما هو الممكن تقديمه لقائد الدعم السريع، محمد حمدان دقلو (حميدتي)، ليقبل بتسوية تنهي الحرب الدائرة مع الجيش؟

من مراسم توقيع اتفاق جدة

الرئيس حميدتي

قبيل اندلاع الحرب، كان حميدتي بمثابة الرجل الأقوى في المشهد السياسي السوداني، بمنصبه كنائب رئيس مجلس السيادة الانتقالي، إلى جانب مكتسباته المالية، وقواته شبه العسكرية بكامل عتادها وأفرادها، وعلاقاته الدولية والمحلية. كان بيد الرجل كل شيء، عدا منصباً واحداً طمح إليه، وهو رئاسة الدولة السودانية.

بعد ستة أشهر ونصف من اندلاع الحرب، نجح حميدتي في الحفاظ على مكتسبات ميدانية وتوسيعها خلال الأيام الأخيرة بالسيطرة على ثاني كبريات المدن السودانية، مدينة نيالا حاضرة ولاية جنوب دارفور، ليدخل وفده إلى منبر جدّة التفاوضي، وبيده ورقة جديدة، وهي إمكانية إعلان حكومة موازية في غرب السودان.

خريطة السودان بجوار اقليم دارفور

يقول عضو الوفد المفاوض للجيش السوداني في منبر جدّة، السفير عمر صديق، إنّ قوات الدعم السريع لم تعد موجودةً بنص قرار القائد العام للجيش السوداني عبد الفتاح البرهان، مشدداً لرصيف22، على أن لا عودة إلى ما قبل 15 نيسان/ أبريل، وأن المفاوضات سوف تكون مجرد ترتيبات لإنهاء الحرب بصورة رسمية في ظل الانتصارات التي يحققها الجيش.

من الجانب الآخر، يرى مستشار قائد قوات الدعم السريع، يوسف عزت، أن قرارات عبد الفتاح البرهان، ليست شرعيةً وغير ذات وزن سياسي، مضيفاً لرصيف22 أن رؤية الدعم السريع للتسوية السياسة لا تقوم على منح مناصب، بل على الحلّ الشامل بقيام جيش وطني حقيقي يمثّل كل السودان، حيث لا وجود وقتها لقوات الدعم السريع وإنما لجيش وطني موحد.

أما عن مستقبل حميدتي، فيقول مستشاره السياسي، إنه قد يختار وقتها أن يكون قائداً عسكرياً داخل هذا الجيش، أو يخلع بزّته العسكرية ويرتدي اللباس المدني ليكون جزءاً من العمل المدني السياسي.

التعويل على الميدان

وكان قائد الجيش البرهان، قد أصدر قرارات عدة بحلّ الدعم السريع، ووصف الجيش الدعم السريع بالميليشيا المتمردة الإرهابية، كما دعت الخارجية السودانية المجتمع الدولي إلى تصنيفها منظمةً إرهابيةً. اللافت مؤخراً عدول الصفحة الرسمية للجيش على موقع فيسبوك، عن وصف الدعم السريع بالإرهابية، والاكتفاء بالمتمردين.

لكن قرارات البرهان والتي تضمنت عزل محمد حمدان دقلو، من منصبه في مجلس السيادة، لم تؤثر على مجريات الصراع، الذي يُحتكم فيه إلى الميدان. يقول رئيس اللجنة السياسية في المجلس الاستشاري للدعم السريع، موسى خدام، إن قرارات قائد الجيش بحلّ الدعم السريع غير شرعية باطلة، مبرراً ذلك بأنّ المؤسسة العسكرية لا يمكنها إلغاء قرار صدر عن السلطة التشريعية، في إشارة إلى قانون قوات الدعم السريع لعام 2017.

تصاعد التوتر في السودان: قرارات البرهان تستهدف الدعم السريع وتعدّها "ميليشيا إرهابية". رئيس اللجنة السياسية للدعم يرفض هذه القرارات ويؤكد على رؤية موحدة لجيش السودان. الوضع المستقبلي للسودان ما زال غير واضح. #تطورات_السودان"

يضيف في حديثه إلى رصيف22، أن "حميدتي لا يزال قائداً لقواته، وسيظل كذلك ما دامت الحرب قائمةً، ولا أحد يملك تشكيل المشهد ما بعد 15 نيسان/ أبريل، سوى العمليات العسكرية، ولا رجوع إلى ما قبل ذلك التاريخ". أما عن تطلعات قائد الدعم السريع، فيقول: "ربما ينتصر الدعم ويصبح حميدتي حاكماً للسودان".

يشدد رئيس اللجنة السياسية في المجلس الاستشاري للدعم السريع، موسى خدام، على أن رؤية الدعم السريع السياسية هي أن يتشكل جيش سوداني واحد من اتحاد جميع الجيوش الموجودة، مع ابتعاد قادة الجيش عن السياسة وتشكيل حكومة مدنية، مؤكداً على أن الدعم السريع يصرّ على أن الترتيبات الزمنية لدمج قواته هي عشرة أعوام، وذلك ضروري حسب وصفه.

يعيد الحديث عن دمج الدعم السريع إلى المرحلة التي اندلعت الحرب فيها، بسبب الخلافات حول كيفية ومدة دمج الدعم السريع قبيل التوقيع النهائي على الاتفاق السياسي الذي لم يرَ النور. في تلك المرحلة انهار تحالف الجيش والدعم في مواجهة القوى المدنية، وبات قائد الدعم السريع أقرب إلى المدنيين من الجيش، ما أثار مخاوف الأخير، الذي دفع بورقة الدمج قبل تسليم السلطة إلى المدنيين، لكي يضمن ألا يتفوّق الدعم على حساب الجيش بدعم من القوى المدنية.

لكن ماذا عن موقف تلك القوى اليوم من هذه القضية؟ يقول الناطق الرسمي باسم حزب المؤتمر السوداني والقيادي في قوى الحرية والتغيير، نور الدين بابكر، إن قضية دمج قوات الدعم السريع أصبحت أكثر صعوبةً بعد قيام الحرب؛ فسابقاً كان الحديث عن قوة تتبع بشكل أو بآخر للقوات المسلحة، أما الآن فالحديث عن قوتين متحاربتين. عن تأثير ذلك على التسوية السياسية يوضح لرصيف22، أنّ الاتفاق الإطاري أصبح في هذا الجانب غير قابل للتطبيق ويحتاج إلى تعديلات جديدة، برغم وجود بنود داخله صارت أكثر إلحاحاً وأهميةً، مثل قضية الإصلاح العسكري وتأسيس جيش قومي موحد من كل الجيوش الموجودة، سواء الدعم السريع أو قوات الحركات المسلحة.

أي مستقبل لحميدتي؟

ويرى نور الدين بابكر، أنّه بات ضرورياً خروج كل العسكريين من السياسة وعودتهم إلى الثكنات، مع قيام المدنيين بمسؤولية صياغة مستقبل البلاد السياسي. في هذا السياق يشير إلى أنّ تأسيس الجبهة المدنية لإيقاف الحرب جاء لتحقيق ذلك؛ لأن انتصار أحد الطرفين يعني بالضرورة حكماً عسكرياً شمولياً أو حكماً قبائلياً عرقياً.

الدعم السريع اكتسب حلفاء مدنيين وعسكريين بعد إعلانه عن أهدافه من الحرب الدائرة في السودان، وهي تأسيس الدولة المدنية الديمقراطية واقتلاع جذور النظام السابق

من جانبه يرى الصحافي والمحلل السياسي، حافظ كبير، أن الحرب عززت من قوة الدعم السريع وقائده حميدتي، بما يجعله عصيّاً على التجاوز في المستقبل. يقول لرصيف22، إن الدعم السريع اكتسب حلفاء مدنيين وعسكريين بعد إعلانه عن أهدافه من هذه الحرب، وهي تأسيس الدولة المدنية الديمقراطية واقتلاع جذور النظام السابق، مما حوله إلى قوة عسكرية سياسية. وفق تلك الرؤية، يرى كبير، أن قادة الدعم سيكون لهم دور كبير في المستقبل في حال التوصل إلى تسوية سياسية، خصوصاً إذا ما تمكّن الدعم السريع من تحقيق مكاسب عسكرية إضافية.

وفقاً لما سبق، الحديث عن مكانة لقادة الدعم السريع مرتبط بتسوية مبنية على المكاسب العسكرية في الحرب الجارية، لا وفق رؤية سياسية تقوم على الانتخابات، ما يدحض أي ادعاء للدعم عن جلب الديمقراطية والحكم المدني.

يسلّط المحلل السياسي محمد حامد جمعة نوار، الضوء على طبيعة قوات الدعم السريع وإمكانية استيعابها سياسياً، ويرى أنّ إرث هذه القوات وطبيعتها العسكرية المكونة من قبائل محددة لا يتسقان وتبنّيها خطاباً سياسياً وطنياً، مشيراً إلى وقوعها في خطأ كبير حينما طرحت بعيد الحرب رؤيةً سياسيةً مرتفعة السقف.

ويوضح تلك الرؤية لرصيف22، بأنّها تشتمل على إنهاء نموذج الدولة السودانية السابق وتأسيس الديمقراطية وغيرهما من الشعارات الرنانة، لكن في الواقع أقدمت قوات الدعم على إجراءات عسكرية تتسم بالرعونة تجاه المدنيين، وارتكبت العديد من الانتهاكات الإنسانية في مناطق سيطرتها، ما يجعل مسألة قبولها من قبل المواطن مستقبلاً أمراً مشكوكاً فيه.

يشير نوار إلى واقع التضارب داخل الجيش في ما يتعلق بمسألة الحسم تجاه الدعم السريع؛ من جانب أصدر البرهان قراراً بحلّ الدعم، لكن على الجانب الآخر أعاد الاعتراف بالدعم من خلال قبول الجلوس معه على طاولة المفاوضات في منبر جدّة. لكن بحسب نوار، ربما يعوّل الجيش على انقلاب داخل الدعم السريع أو تكون لديه تفاهمات مع ضباط داخل الدعم، تُقدم على استبدال قيادة حميدتي ومَن حوله، بما يفتح الباب أمام تفاهمات جديدة تتعلق بدمج الدعم السريع.

يتضح مما سبق أنّ لدى قائد الدعم السريع آمالاً كبيرةً في ما يتعلق بمستقبله السياسي وبمستقبل قواته، وهي قضية لا يملك الجيش بقيادة البرهان النقاش حولها، كما أنّهم ما يزالون في موقف أقوى حتى مع فقدان السيطرة على مدينة نيالا. بالإضافة إلى ذلك، ما تزال الولايات الأهم من حيث السكان والاقتصاد والموقع الجغرافي، تحت سيطرة الجيش، كما أنّها تمثّل الحاضنة الأساسية للدولة السودانية، بخلاف إقليم دارفور الذي تدعو أصوات سودانية إلى تركه لقائد الدعم السريع.

زيادةً على ما سبق، تبقى مسألة غاية في الأهمية، هي المواقف الخارجية من مستقبل حميدتي السياسي. بشكل عام يحظى حميدتي بدعم من دول عدة منها الإمارات وتشاد ودول إفريقية، لكنه لا يُقارَن بالمواقف الإقليمية والدولية الأهم التي سترفض بلا شك وجود دور له في مستقبل الدولة السودانية، مبنيّ على بقاء قواته بشكل منفصل مرةً أخرى، فضلاً عن أنّ سجله في ارتكاب جرائم بحق المدنيين لن يؤهله لتحقيق طموحه السياسي، بحسب رؤى تلك الدول.

ختاماً، برغم خسارة الجيش مدينة نيالا، إلا أنّ ترجمة ذلك إلى مكاسب سياسية تبدو بعيدة المنال، خصوصاً أنّ الحرب ما تزال مستمرةً، كما أنّ الجيش بخلاف الدعم السريع، قادر على استبدال قادته وإقصائهم من المشهد، بينما قادة الدعم السريع هم جزءٌ لا ينفصل عن القوات. لهذا تبدو أي خطوط لتسوية سياسية في غير صالح الدعم السريع، الذي يتفق الجميع على دمجه في مؤسسة الجيش مهما يكن الاختلاف حول شكل هذا الدمج وزمنه.


رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

ألم يحن الوقت لتأديب الخدائع الكبرى؟

لا مكان للكلل أو الملل في رصيف22، إذ لا نتوانى البتّة في إسقاط القناع عن الأقاويل التّي يروّج لها أهل السّلطة وأنصارهم. معاً، يمكننا دحض الأكاذيب من دون خشية وخلق مجتمعٍ يتطلّع إلى الشفافيّة والوضوح كركيزةٍ لمبادئه وأفكاره. 

Website by WhiteBeard
Popup Image