في كل جلسة للبرلمان المغربي وداخل المجالس البلدية يبدو حضور النساء باهتاً. داخل هذه المؤسسات لا تملك النساء نصف المقاعد، التي هي حق دستوري لهنّ، لهذا صرن يرفعن أكثرَ فأكثرْ شعار "ما ضاعت المناصفة التي وراءها صاحبات حق!"، ويرفضن ثقافة ذكورية تجعلهن يعشن في ظلّ الرجال، على بعد أشهر قليلة من سباق الانتخابية التشريعية.
في هذا السياق، ترافع بعضهن، للحصول على حقهن، عبر منصّة ائتلاف "المناصفة دابا" (المناصفة الآن)، وهي مبادرة مدنية تضم العديد من الجمعيات المدافعة عن حقوق الإنسان، وقدّمت، في كانون الأول/ديسمبر الماضي، عريضةً وطنيةً لرئيس مجلس النواب، تطالب بإحداث قانون خاص بالمناصفة، وتعتبر المبادرة الأولى من نوعها التي تطمح لإيجاد آلية للديمقراطية التشاركية التي نصّ عليها دستور 2011.
تثق نساء الائتلاف بأن المشرّعين سيسمعون أصواتهن، كما تقول خديجة الكور، وهي إحدى عضوات الائتلاف، لرصيف22. بالنسبة لها، فإن "ما جاء في النظام الانتخابي الجديد هو محصلة نضال طويل للحركة النسائية، على مستوى المجتمع المدني، داخل المنظمات النسائية للأحزاب وكذلك داخل الأحزاب أنفسها. المقترحات التي قُدّمت واردة في أدبيات الأحزاب، وعندي اليقين على أنها ستحظى بموافقة مؤسسة البرلمان"، لكن هل يصمد العزم النسوي أمام صخرة الرجال؟
ترفع نساء مغربيات شعار "ما ضاعت المناصفة التي وراءها صاحبات حق!"، ويرفضن ثقافة ذكورية تجعلهن يعشن في ظلّ الرجال.
تبخيس لغرض في نفس الرجال
بعد عشر سنوات من دسترة الفصل التاسع عشر، الذي نصّ على "السعي إلى تحقيق مبدأ المناصفة بين الرجال والنساء"، مع إحداث "هيئة للمناصفة ومكافحة كل أشكال التمييز"، أقلّ ما قد توصف به حصيلة تمثيل النساء في المؤسسات هو أنها "محتشمة"، خاصة على مستوى الجماعات الترابية، أي البلديات.
فغالباً ما يصحب النّقاشَ حول أن يتم النص صراحة على المناصفة بين النساء والرجال في القوانين التنظيمية للمؤسسات المنتخبة وهيئات الحكم، نقاشٌ آخر عنوانه "الكفاءة قبل المناصفة". شعار يرفعه بعض الفاعلين السياسيين الرجال من داخل قبة البرلمان في وجه النساء البرلمانيات، وهو ما حدث في شهر شباط/فبراير، خلال مناقشة كيفية تعيين أعضاء الهيئة الوطنية للنزاهة والوقاية من الرشوة ومحاربتها.
حقوقيات وبرلمانيات من مختلف الأطياف السياسية يرفضن تهريب نقاش "المناصفة" إلى مُبرِّر "الكفاءة"، الذي يتحجَّج به السياسيون، على الرغم من أنه لا يحضُر خلال ترشيح وتعيين الرجال في مختلف المسؤوليات. السياسيّات اللواتي يُثمِّن آلية التمييز الإيجابي التي مكّنت النساء من ولوج مجلس النواب، يطمحن في المقابل لوضع حد للذهنيّات الذكورية الممانعة لتقوية حضور الكفاءات النسائية داخل المؤسسات المنتخبة.
داخل الأحزاب الإسلامية كما اليسارية، يتوحّد صف النساء لمحاربة التشكيك في مصداقيتهن. بثينة قروري، نائبة برلمانية عن حزب العدالة والتنمية، تصف هذا النقاش "بالمغلوط، لأنه حين نقول تمثيل النساء فنحن لا نريد تمثيلاً بدعوى الجنس، ولكننا نتحدث عن نساء ذوات كفاءة".
وتتساءل قروري، في حديثها مع رصيف22: "لماذا حين نتحدث عن تعيين الرجال لا يطرح سؤال الكفاءة، وكأنها مشكلة مطروحة فقط بالنسبة للنساء؟".
وتعتبر النائبة أن هذا "النقاش يتضمن في ثناياه تمييزاً عميقاً ضد النساء، كأنه بالضرورة ليس لديهن الكفاءة. وكما لو أننا سنضحي بالكفاءة إن طرحنا موضوع المناصفة"، وهذا خطأ بالنسبة إلى قروري التي تضيف أن "هناك ممانعة ولجوءاً سهلين إلى الصيغة الحَرْفيّة الواردة في الفصل 19 من الدستور، التي تستنسخ وتطبق كما هي"، أي السعي إلى المناصفة بدل تطبيقها الفعلي. لكن المفروض "هو أن الدستور يضع المبادئ العامة، والقوانين ينبغي أن تطبقها، لكن الأمر لا يجد الكثير من الآذان الصاغية".
المسار "المتعثر"، بالنسبة إلى قروري، لا تبرّره فقط الذهنيات الثقافية، النزاع ودائرة المصالح التي تستقوي على الأحزاب السياسية لعدم ترشيح النساء بكثافة، ولكن كذلك بعض المعطيات الدستورية، ومنها قرارات المحكمة الدستورية حالياً والمجلس الدستوري سابقاً.
بثينة قروري
وتوضح النائبة، وهي أيضاً عضوة في لجنة العدل والتشريع، بأن الصيغة التي ورد بها قرار المحكمة الدستورية المتعلق باللائحة الوطنية، والتي تمنح النساء عدداً من المقاعد بشكل آليّ في الانتخابات البرلمانية، ساهمت في كبح مسار المناصفة بدل ترسيخها، انطلاقاً من فكرة التمييز الإيجابي، لأنه "في كل مرة نريد الرفع من نسبة تمثيل النساء، نجد نواباً وفاعلين يعودون الى قرارات المجلس للحدّ من الرفع من تمثيل النساء، وهو نوع من التفسير الذي لم يكن مشجعاً بالشكل اللازم".
لكن النائبة عن حزب التقدم والاشتراكية اليساري، فاطمة الزهراء برصات، تنوّه بآلية التمييز الإيجابي، في حديثها مع رصيف22. بالنسبة لها: "نحن أمام مشاريع قوانين ستناقش في البرلمان خلال الفترة المقبلة، ومن الأمور التي يجب تعزيزها حضور النساء على مستوى قيادة البلديات، لأن نسبة رؤساء مجالس الجهات من طرف النساء ارتفعت بين العامين 2009 و2015، من صفر إلى 16.6%، عكس مجالس الجماعات التي ظلت ضئيلة فيها، أما حضور النساء على رأس مجالس الجماعات المحلية فهزيل للغاية".
السرّ في نمط الاقتراع
في ظل النقاش الجديد حول الانتخابات التشريعية والبلدية المقبلة، ودورها في منح المكانة الحقيقية للنساء، يبدو التقطيع الانتخابي للدوائر ونمط الاقتراع عائقين أمام تسريع وتيرة المناصفة. هكذا تعبّر النائبة بثينة قروري عن تحفّظها الجوهري بخصوص رفع عدد الدوائر الانتخابية التي تلجأ إلى نمط الترشيح الفردي: "لأن المعروف في الدراسات الدولية والتجارب المقارنة أن نمط التصويت لصالح لوائح انتخابية محفّز، ويشجّع ويوسّع من التمثيل السياسي للنساء".
ترفض حقوقيات وبرلمانيات من مختلف الأطياف السياسية تهريب نقاش "المناصفة" إلى مُبرِّرِ "الكفاءة"، الذي يتحجَّجُ به السياسيون على الرغم من أنه لا يحضُر خلال ترشيح وتعيين الرجال في مختلف المسؤوليات
وفي مقابل نمط الاقتراع، تُحمِّل الفاعلة السياسية المسؤولية الأخيرة للأحزاب السياسية، التي يجب عليها ترشيح نساء لديهنّ "رهانات سياسية وهموم وقضايا يدافعن عنها، ويعكسن نضال عدد كبير من الجمعيات والحقوقيات والمناضلات والمسار الترافعي الطويل لأجل المناصفة، وليس فقط نساء متواجدات داخل البرلمان لأنهن نساء، فهذا يعطي صورة باهتة لحضور النساء، ولا يساعد في النضال المستقبلي لدعم تمثيلهن في أفق الوصول إلى المناصفة".
من جهتها، تعتبر النائبة فاطمة الزهراء برصات أن تخصيص ثلث المقاعد للنساء في كل مجلس عمالة أو إقليم، كما أقرّه المجلس الوزاري المغربي "مدخل مهم لتعزيز حضور النساء على مستوى الجماعات، لأنه منذ انتخابات 2015 نجد أن حصيلة حضور النساء على مستوى العمالات والأقاليم ظلت دون المستوى".
فاطمة الزهراء برصات
يأتي هذا الترحيب من النائبة بعد أن صادقت الحكومة على مشروع قانون تنظيمي يعدّل القانونين التنظيميين لمجلس النواب، ولانتخاب أعضاء مجالس الجماعات الترابية، بالشكل الذي يعزّز تطوير الآلية التشريعية المتعلقة بالتمثيل النسائي، وهو بالنسبة لها "مستجد مهم، بالنظر للحضور شبه المنعدم والهزيل على مستوى الجماعات الترابية".
وبخصوص مجلس المستشارين، أي الغرفة الثانية للبرلمان المغربي، فإنه حسب قروري "لا يواكب مستجدات دستور 2011. لذلك يجب إيجاد صيغ ملائمة، في إطار مراجعة القوانين المنظمة له، لرفع الحضور النسائي داخله بالشكل الذي حققه مجلس النواب تدريجياً، لأنها لا تتجاوز نسبة 12%".
وتقترح أن تعوّض اللائحة الوطنية للنساء بلوائح جهوية، ما سيدعم الجهوية المتقدمة والبعد الجهوي الحاضر في الدستور، ويسهّل التمثيل السياسي للنساء على المستوى المحلي. وتشدد النائبة على أن تغيير القوانين الانتخابية سيكون حاسماً للأحزاب خلال الاستحقاقات الانتخابية المقبلة، التي لا يجب أن تقل خلالها نسبة تمثيل النساء مطلقاً عن الثلث، في أفق تحقيق المناصفة.
تغيير القوانين يجب أن يطال القانون التنظيمي للحكومة أيضاً، لأنه لا يعطي حصة محددة/كوتا للمرأة داخل مؤسسة الحكومة، تضمن أن يكون عدد الوزيرات مرتفعاً. أن تكون رئيسة الحكومة امرأة هي تجربة متميزة بالمغرب
حلم رئاسة الحكومة
رغم الجانب التقني والتفاصيل التي تضيع وراءها حقوق السياسيّات المغربيات، يظل أمل النسويات من ائتلاف "المناصفة دابا" كبيراً. تقول خديجة الكور إن "مبادرة المناصفة التي نحن بصدد الحديث عنها، ليست متعلقة فقط بالتمثيل النسائي في المؤسسات السياسية، ولكنها تهم كل المجالات، لنضمن خيطاً ناظماً لمجموع القوانين التي تصدر في عدة مجالات ولا تلقي بالاً لقضايا المرأة".
تشدّد الناشطة على أهمية القانون الإطار للمناصفة الذي "سيضمن مرجعية مشتركة موحدة، تأخذ بعين الاعتبار، عند بلورة القوانين، مسألة المساواة بين الجنسين، ويحدد الإطار المفاهيمي ويخلق القيمة داخل المجتمع، كما يُمكِّن من بلورة مؤشرات قياس نعرف عبرها مستوى تقدمنا من عدمه في الموضوع".
بالنسبة للمتحدثة، وهي أيضاً من مؤسِّسات حزب الأصالة والمعاصرة، ثاني قوة سياسية داخل مجلس النواب، فإن "تغيير القوانين يجب أن يطال القانون التنظيمي للحكومة كذلك، لأنه لا يعطي حصة محددة/كوتا للمرأة داخل مؤسسة الحكومة، تضمن أن يكون عدد الوزيرات مرتفعاً. أن تكون رئيسة الحكومة امرأة هي تجربة متميزة بالمغرب".
خديجة الكور
تحقيق هذا الطموح السياسي النسائي، يفرض بالدرجة الأولى تفاعل الأحزاب السياسية مع دعم ترشيح النساء، مادياً ومعنوياً، في مختلف الدوائر، بما فيها المحلية، وهو ما تتفق معه الفاعلة السياسية ذاتها، مشدّدة على أنه يجب تحقيق "القطيعة مع العقلية الذكورية المهيمنة في المؤسسات التي لها علاقة بالتمثيل السياسي"، وبالمقابل تقوية "أداة التمييز الإيجابي في هذه المرحلة الانتقالية، لضمان تمثيل النساء، رغم أنه لا يعبر بالكامل عن تطلعاتهن".
وتستشرف القيادية النسائية تفاعل البرلمان مع عريضة "المناصفة دابا"، خاصة بعد اللقاء الذي عقدته مؤخراً لجنة العرائض بالبرلمان، مع عضوات الائتلاف وباقي النائبات البرلمانيات والنواب البرلمانيين، لتعميق النقاش حول الآليات القانونية لتحقيق المناصفة، باعتبارها من ضمن أهداف التنمية المستدامة في أفق سنة 2030، مع تقوية محفّزات التمكين السياسي والاقتصادي والاجتماعي للنساء. فهل تتجه الرياح بما تشتهيه النساء بسلام، أم تواجههن العواصف؟
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
علامي وحدي -
منذ ساعة??
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ 21 ساعةرائع. الله يرجعك قريبا. شوقتيني ارجع روح على صور.
مستخدم مجهول -
منذ يومحبيت اللغة.
أحضان دافئة -
منذ يومينمقال رائع فعلا وواقعي
مستخدم مجهول -
منذ 6 أياممقال جيد جدا
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعحب نفسك ولا تكره الاخر ولا تدخل في شؤونه الخاصة. سيمون