شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

قدّم/ ي دعمك!
أميرة ديزني تحت أنقاض غزّة

أميرة ديزني تحت أنقاض غزّة

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

رأي نحن والحقيقة

الجمعة 3 نوفمبر 202312:51 م
Read in English:

A disney princess under the rubble of Gaza

ليس بمقدرونا توقّع اللحظة التي تشقّ فيها الدموع طريقها، وسط غابة المهدئات وأدوية الاكتئاب، لتطفر فجأة خارج العين، اللحظة التي يتشقّق فيها جدار دفاعاتنا كما تتشقّق الأرض فوق عين الماء أو فوهة الجبل أعلى حمم البركان.

لم يحدث ذلك لي تحت تأثير صور الأشلاء وفيديوهات الصراخ الملتاع، وإنما حين انتشلوا من الأنقاض في غزّة، جثمان طفلة ترتدي فستان إحدى أميرات ديزني، وفوق الفيديو تعليق يقول إنها لابد كانت الأميرة الصغيرة لأحدهم.

ربما كانت تلك لحظتي، لأن لديّ أميرتي الصغيرة أيضاً، وهي كذلك تحب أزياء أميرات ديزني ولا تستطيع بعد أن تميّز الوقت الذي يتطلبه السفر، فقد طلبت مني الشهر الماضي أن نزور مدينة "ديزني لاند" على أن نعود في اليوم نفسه- إلى مصر- حتى لا تفوتها المدرسة، ثم أتت إليّ قبل أيام لتخبرني أنها لم تعد تريد أن تأكل وجبتها المفضلة، وجبة الأطفال، من مطعم ماكدونالدز. لماذا؟ "لأنهم يطعمون من يقتلون الأطفال". هكذا قالت لي، ولم أكن قد أخبرتها شيئاً، ولم أكن أريدها أن تعلم بعد أن هناك شيئاً في العالم يسمى "قتل الأطفال".

لكن العالم وصل إليها بطريقته، عبر المدرسة أو ربما عبر يوتيوب، وقد أبلغتني قرارها بلغة إنجليزية، لأنها تتعلم في مدرسة للغات، تحديداً على النظام الأمريكي. يا للمفارقة، أو يا للسخرية، فهو التناقض نفسه الذي يعيشه والدها الآن، وكثير ممن آمنوا بـ "القيم الغربية".

ليس بمقدرونا توقّع اللحظة التي تشقّ فيها الدموع طريقها... لم يحدث ذلك لي تحت تأثير صور الأشلاء وفيديوهات الصراخ الملتاع، وإنما حين انتشلوا من الأنقاض في غزّة، جثمان طفلة ترتدي فستان إحدى أميرات ديزني، وفوق الفيديو تعليق يقول إنها لابد كانت الأميرة الصغيرة لأحدهم

في لقائه الثاني مع الإعلامي البريطاني بيرس مورغان، قال الكوميدي المصري باسم يوسف، إن الأسابيع الأخيرة قد أضرّت بالصورة الأخلاقية التي بناها الغرب لقيمه على مدى زمني طويل، وإلى دعوته إلى تبني تلك القيم. لم يكن صدفة أن ذلك كان محل حديث في نهار اليوم نفسه مع صحافي لبناني صديق يزور القاهرة هذه الأيام.

يبدو الحديث عن "صدمتنا" في "قيم الغرب" كما لو كان نوعاً من الأنانية أو الرفاهية الفكرية، في ظل الإبادة الجماعية التي ترتكبها إسرائيل في غزّة، وحتى التظاهرات الغربية، ومنها من شارك فيها النشطاء اليهود في الغرب بقوة، والتي بدت نوعاً من إعادة الاعتبار للإيمان بالإنسانية، بدت، رغم كثافتها، صوتاً احتجاجياً ضد "المينستريم"، ضد الاصطفاف الغربي الذي لم يكتف بالتوحّد مع "آلام إسرائيل"، ودعمها بالمساعدات والسلاح، بل بدا رافضاً، على نحو غير مسبوق ربما في التاريخ الحديث، لأي حديث عن وقف لإطلاق النار، الأمر الذي نقل إسرائيل من مرحلة التنصّل من المسؤولية عن تفجير مستشفى المعمدانية، إلى مرحلة قصف مخيم جباليا في وضح النهار، بدعوى أنه كان يضم "أحد" قادة حماس، بل من دون حتى التأكد من أن القصف نجح في استهدافه، ثم قصف المخيم مجدّداً بعد ساعات، ثم مجدداً.

حين يبدو كأن كلمات باسم يوسف، تتفق – رغماً عنه وعنّا- مع شعارات أعداء الحريات، لا يكون من التشاؤم أن نخشى مستقبلاً أكثر إظلاماً

تحت أنقاض المخيمات إذن لا ترقد الأجساد وحدها، بل الإيمان بقيم الحضارة الإنسانية التي قادها الغرب في العصر الحديث، ما أتاح الفرصة للصائدين في الماء العكر، لمن يرفضون – لأسبابهم الخاصة - تلك القيم من حيث المبدأ، لمن صاروا منذ الآن يعلنون أنهم لن يقبلوا مرة أخرى حديثاً من الغرب عن حرية الرأي أو النسوية أو الديمقراطية أو حقوق المثليين.

ولا يصعب استنتاج هوية هؤلاء، إنهم شقّا الرحى اللذان طالما طحنا "المنطقة" بينهما، مؤيدو الديكتاتوريات وأبناء الفاشية الدينية. ها هو "غربكم – يقولون – لا يؤمن بما يدعيه، أو يستثنيكم منه". وهكذا تبدو كلمات باسم يوسف مع مورغان كأنها تتمة لكلامهم "Believe me Piers, it’s really not about that, the west do not look at us as equals" (صدقني يا مورغان، المسألة ليست حول ذلك (أي إسرائيل وحماس والفلسطينيين)، المسألة أن الغرب لا يرانا كبشر متساوين معه).

فكتب العديد من المعلقين تحت الفيديو أنهم "شعروا بتلك الكلمات" حين نطقها باسم. وحين يبدو كأن كلمات باسم يوسف، تتفق – رغماً عنه وعنّا- مع شعارات أعداء الحريات، لا يكون من التشاؤم أن نخشى مستقبلاً أكثر إظلاماً، ولا يكون من الرفاهية أن نبدأ التفكير منذ الآن، في الطريقة التي يمكن بها أن ننقذ أفكارنا وأحلامنا لمجتمعاتنا من قنابل إسرائيل الأمريكية، قبل أن تتضرّر كما تضرّر "التحضر الغربي".


رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.



* يعبّر المقال عن وجهة نظر الكاتب/ة وليس بالضرورة عن رأي رصيف22

منبر الشجعان والشجاعات

تكثُر التابوهات التي حُيِّدت جانباً في عالمنا العربي، ومُنعنا طويلاً من تناولها. هذا الواقع هو الذي جعل أصوات كثرٍ منّا، تتهاوى على حافّة اليأس.

هنا تأتي مهمّة رصيف22، التّي نحملها في قلوبنا ونأخذها على عاتقنا، وهي التشكيك في المفاهيم المتهالكة، وإبراز التناقضات التي تكمن في صلبها، ومشاركة تجارب الشجعان والشجاعات، وتخبّطاتهم/ نّ، ورحلة سعيهم/ نّ إلى تغيير النمط السائد والفاسد أحياناً.

علّنا نجعل الملايين يرون عوالمهم/ نّ ونضالاتهم/ نّ وحيواتهم/ نّ، تنبض في صميم أعمالنا، ويشعرون بأنّنا منبرٌ لصوتهم/ نّ المسموع، برغم أنف الذين يحاولون قمعه.

Website by WhiteBeard
Popup Image