شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

اشترك/ ي وشارك/ ي!
لماذا تُحاصَر أقلام الكرد في الشأن الفلسطيني؟

لماذا تُحاصَر أقلام الكرد في الشأن الفلسطيني؟

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

رأي نحن وحرية التعبير نحن والتاريخ

الأحد 29 أكتوبر 202312:26 م

لماذا تُحاصَر أقلام الكرد في الشأن الفلسطيني؟

استمع-ـي إلى المقال هنا
Read in English:

Navigating the perils of Kurdish solidarity with Palestine amid global indifference


الكتابة من جانب الكرد في الشأن الفلسطيني والحرب التي لا تزال مستمرةً على قطاع غزة، هي أشبه بالانتحار والسير في حقل ألغام خطير للغاية، علماً بأن واقع حالهم وحال الفلسطينيين يتشابه في الكثير من الأحيان. الاصطفاف الإعلامي إلى جانب الفلسطينيين المدنيين هو أمرٌ محتّم، شأنهم في ذلك شأن جميع الشعوب، ومنهم الكُرد في سوريا، الذين يتعرضون للظلم، سواء من حاكميهم، أو ممن يسيطرون على تلك البلاد. وفي كل الأحوال، لا براءة للأنظمة من هدر دماء شعوبها. لكن تلك الرغبة في الاصطفاف بجانب المدنيين تفعل فعل المُنشّط للذاكرة، حيث بالكاد نجد من ينظرُ إلى الكُرد النظرة ذاتها، وتحديداً لأن بعض النُخب السياسية والفصائل العسكرية الفلسطينية المدعومة من دول وتيارات هي أساساً تُناصب الكرد العداء.

فالقول والحديث حول أسباب الهجوم، مشفوعان بأن تلك البلاد لها ناسها، والحق لا يُهضم بالتقادم أو يُنسى وهذا أيضاً صائب ومُحقّ.

لكن الفصل في القضية، هو أن يكتب كرديٌّ مُستفسراً عن نتائج ومآل الحروب والمعارك غير المحسوب مستقبلها؛ فهي غالباً ما تقود صاحبها وفقاً للمزاج المبني على سردية "العمالة الكردية لإسرائيل"، إلى مقصلة التخوين، دون تفكير، فالعقل البشري من حقه الاستفسار عن التخطيط الإستراتيجي لبدء المعركة والهجوم: ثم ماذا؟

يقفز مروّجو تلك الأسطوانة المشروخة، فوق ما تفعله الأنظمة العربية تجاه شعوبها وإهمالها للقضية الفلسطينية والمتاجرة بها، أو هرولة الدول والاصطفاف في الدور للتطبيع مع إسرائيل، لكنهم فقط ينطلقون من قاعدة راسخة لديهم مفادها أن أيَّ رأي يبحث خارج التأطير المرسوم، هو حتماً عدائي، وكأنهم متخصصون في تخوين الكُرد على قاعدة فقط وانتهى.

الفصل في القضية، هو أن يكتب كرديٌّ مُستفسراً عن نتائج ومآل الحروب والمعارك غير المحسوب مستقبلها؛ فهي غالباً ما تقود صاحبها وفقاً للمزاج المبني على سردية "العمالة الكردية لإسرائيل"

وبالمناسبة، ماذا ستفعل تلك الدول التي انتهت من التطبيع أو الساعية إليه، حيال تلك الهجمات؟ ستقف إلى جانب المدنيين وتطالب بإدخال المساعدات الطبية والغذائية، وستدعو لعقد اجتماع "طارئ" جداً فحسب. لذلك، فإن الكتابة غير العاطفية عن "طوفان الأقصى"، تحمل كاتبها الكُردي للبحث في بحر المفردات والمصطلحات؛ عساه ينجح في إيصال فكرته، التي دائماً وأبداً يجب أن تقف إلى جانب المدنيين والشعب، وحقهم في بلادهم، من مبدأ أن المواقف لا تتجزأ.

ثمة تشابه بين واقع الحال الكردي والفلسطيني، فالغرب وقادته ونُخبه السوسيو-سياسية، يتصرفون وكأن الأمر محسوم سلفاً، لجهة هويّة السكان الأصليين، وكأن لا وجود للمدنيين الفلسطينيين فيها، كحال الحقيقة التاريخية للتواجد الكردي في المنطقة، لكن دون سند أو داعم حقيقي. فتلك البلاد تعود لأهلها الفلسطينيين تاريخياً، وتحالفت أمم ودول وجمهوريات غربية وعربية على إجهاض أحلام أبنائها، كحال الكُرد الذين يُقتلون على الهويّة فقط لأنهم يحلمون بالعيش وفقاً للحقائق التاريخية في بلادهم إلى جانب أقرانهم من الشعوب الأخرى.

الإعلام الغربي لا يتحدث عن النساء والأطفال والمدنيين الذين سقطوا ضحية القصف الإسرائيلي رداً على عملية "طوفان الأقصى". يبقون مدنيين لا غير. وللأمانة فإن الفصائل الفلسطينية هي الأخرى اعتقلت المدنيين وقتلت بعضهم وأسرت البعض الآخر. والإعلام هذا هو نفسه الإعلام الذي لا يؤثر في الرأي العام العالمي حيال ما يتعرض له الكُرد في سوريا من محق لهويّتهم، وكردستان العراق من تكرار محاولات حصاره اقتصادياً.

الدفاع عن حق المدنيين واجب أخلاقي وإنساني علينا جميعاً، لكن دفاع الكُردي عن نفسه تُهمة، وواجبه الدفاع عن القضية الفلسطينية دون الخوض في تفاصيل أخرى، وهذه حساسية وتعسف بحد ذاتها، ومن حقنا كمشتغلين في الشأن العام، الحصول على إجابة واضحة: لماذا لا يُدافع الآخر عن الكُرد، بالمقدار الذي يُطالبون الكُرد فيه بالدفاع عنهم؟

أرجعتني هذه الحرب بالذاكرة إلى الكثير من العقود الماضية، وخلقت لدي قناعةً خاصةً مفادها أن الأنظمة العربية تقمع القوميات المختلفة من كُرد وآشوريين وتركمان وجركس وبربر وطوارق وأمازيغ... إلخ، وتعصف بشعوبها، وتنكل بالجميع، ولا تهتم بحالهم، وقد جعلتهم في عداء مع المكوّن العربي، كي تبقى هي مستريحةً في الحكم، فأصبحنا كشعوب بعيدين عن بعضنا البعض، مع غياب الدولة التي تجمعنا.

في مقابل حجم التعاطف والاصطفاف الرسمي والشعبي الغربي إلى جانب إسرائيل دون أي اهتمام بقضايا الشعوب الأخرى والمدنيين المقتولين، الذين تعدّهم مجرد جزئيات هامشية بالنسبة "للقضية الأهم"، أي حماية العمق الإسرائيلي، لا تجرؤ تلك الأنظمة على مواجهة ازدواجية الغرب. هذه المقاربة مستفزّة للغاية، ومحاججة تقوم على واقع تعاون الأنظمة مع الغرب ضد المدنيين طالما لا يُطال وجودها. والأكثر استفزازاً هو موقف "النُخب" الذين يستمرون في رؤيتهم القاصرة، حول ضرورة بقاء الكرد رهينة مخيال تلك الأنظمة وعدم المطالبة بالحقوق التاريخية.

من حقنا كمشتغلين في الشأن العام، الحصول على إجابة واضحة: لماذا لا يُدافع الآخر عن الكُرد، بالمقدار الذي يُطالبون الكُرد فيه بالدفاع عنهم؟

الكُردستانيون والفلسطينيون لا يزالون يعانون من اليُتم العالمي والعربي من حيث الاهتمام الفاعل والحلول المستدامة لقضيتهم العادلة، ويُمكن القول بأريحية إن قضية الشعبين الكردي والفلسطيني، هي الامتحان النهائي لتقييم درجة الحساسية والمبادئ والقيم والأخلاق التي لا يُمكن تجزئتها. فالعرب المتضامنون مع فلسطين، يعارضون الحقوق الكردية سياسياً وثقافياً. والكرد المصرّون على حق تقرير المصير والمعارضون لغيرهم من المتضامنين مع المدنيين في غزة وعموم فلسطين، ولو على المستوى الإنساني والأخلاقي، هم نبع النفاق والرياء والكذب.

ولدى كِلا الشعبين يدفع المدنيون كلفات حماقات السياسيين وفوراتهم، أو ممارسات المُراهقين الذين دفعوا بأجساد الأبرياء إلى محارق لا فائدة منها.

تعجّ مواقع التواصل الاجتماعي والشبكة العنكبوتية بمئات التحليلات والتفسيرات حول الحرب على غزة، لكن لو سأل كاتبٌ كُردي: لماذا سعت حماس إلى هذا الهجوم، وهي تعي الهوّة المخيفة لموازين القوة بين الطرفين؟ علماً أن المدني يبقى مدنياً سواء أكان يهودياً أم مسلماً، إسرائيلياً أم عربياً أم كردياً. فكيف ستكون ردّات الفعل ضده؟

إنضمّ/ي إنضمّ/ي

رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.



* يعبّر المقال عن وجهة نظر الكاتب/ة وليس بالضرورة عن رأي رصيف22

بالوصول إلى الذين لا يتفقون/ ن معنا، تكمن قوّتنا الفعليّة

مبدأ التحرر من الأفكار التقليدية، يرتكز على إشراك الجميع في عملية صنع التغيير. وما من طريقةٍ أفضل لنشر هذه القيم غير أن نُظهر للناس كيف بإمكان الاحترام والتسامح والحرية والانفتاح، تحسين حياتهم/ نّ.

من هنا ينبثق رصيف22، من منبع المهمّات الصعبة وعدم المساومة على قيمنا.

Website by WhiteBeard
Popup Image