تزداد مخاطر الاضطرابات في دولة اتحاد جزر القمر، مع اقتراب موعد الانتخابات الرئاسية المُحدد في 4 كانون الثاني/ يناير 2024، في ظل وضع سياسي مأزوم، بسبب القمع الواسع الذي يمارسه نظام الرئيس عثمان غزالي، الطامح إلى الفوز بولاية رئاسية جديدة.
تأتي الانتخابات في ظل وضع اقتصادي متدهور، في البلد الذي يعيش 42.4% من سكانه تحت خط الفقر، و22.3% معرضين للفقر متعدد الأبعاد، ومتوسط نصيب الفرد من الناتج الإجمالي لا يتعدى 266 دولاراً سنوياً.
الانتخابات الرئاسية
وفق المرسوم الرئاسي الصادر في 4 تشرين الأول/ أكتوبر 2023، ستُعقد الجولة الأولى من الانتخابات الرئاسية، وانتخابات رؤساء الجزر الثلاث، في 4 كانون الثاني/ يناير المقبل، وتُعقد الجولة الثانية في 25 شباط/ فبراير المقبل. وحُدد موعد التقدم بأوراق الترشح في الانتخابات الرئاسية وانتخابات رؤساء الجزر في 7 تشرين الثاني/ نوفمبر المقبل.
يُعدّ الرئيس الحالي عثمان غزالي، مرشح حزب اتفاقية تجديد جزر القمر الحاكم (CRC)، أبرز المرشحين والأوفر حظاً للفوز في الانتخابات، أو بمعنى أدق، الذي سيفوز في الانتخابات، التي تُجرى في بيئة سياسية غير نزيهة، منذ أنّ أحكم غزالي قبضته على البلاد فور وصوله إلى السلطة عام 2016، في انتخابات اتّسمت بقدر كبير من النزاهة.
يصف الباحث في العلاقات الدولية من جزر القمر، محمود مهوما محمد، الوضع السياسي في البلاد بأنّه "قابل للانفجار في أي لحظة"، مضيفاً أنّ الاحتجاجات الشعبية لا تهدأ في القرى والمدن وبين الجالية القُمرية الكبيرة في فرنسا. وفي الداخل تُواجه السلطة الاحتجاجات بعنف شديد، أدّى إلى سقوط قتلى، فضلاً عن اعتقالات وتصفيات طالت ساسةً وعسكريين ممن رفضوا الزجّ بالجيش في مواجهة المواطنين.
بدوره، يقول الناشط من جزر القمر، علي محمد تويبو، إنّ "غالبية مواطني جزر القمر يرفضون هذه الانتخابات الرئاسية؛ لأنهم لا يثقون بشفافيتها وسلامة إدارتها". ويضيف لرصيف22، أنّ تجربة انتخابات العام 2019، حاضرة في الأذهان، إذ تدخّل الجيش في العملية الانتخابية دون أي احترام لقواعد الديمقراطية، وتم تزييف النتيجة ليفوز عثمان غزالي.
كما أعلن ائتلاف الجبهة المشتركة الموسعة الذي يُعدّ أكبر تجمع للمعارضة، عن مقاطعته للانتخابات المقبلة، بسبب عدم وجود ضمانات لإقامة انتخابات نزيهة. وصرّح محمد علي صليحي، زعيم الائتلاف المقيم في فرنسا، قائلاً: "لن نشارك في مسرحية انتخابية أخرى".
ويوضح الناشط علي محمد تويبو، أنّ الائتلاف وضع خمسة شروط للمشاركة في الانتخابات، هي: إعادة تشكيل اللجنة الوطنية المستقلة للانتخابات المسؤولة عن إعلان النتائج الأولية وفق تكوين ثلاثي يضمّ الحكومة والمعارضة والمجتمع المدني، وإعادة تشكيل الغرفة الدستورية التي حلّت محل المحكمة الدستورية منذ الاستفتاء على تعديل الدستور في 30 تموز/ يوليو 2018، وهي التي تعلن النتائج النهائية للانتخابات الرئاسية، وفق التشكيل الثلاثي أيضاً.
ويتابع: "أما الشرط الثالث فهو عودة جميع المنفيين السياسيين الموجودين بشكل رئيسي في فرنسا إلى جزر القمر، دون أدنى خوف من الملاحقة أو الاعتقال من قبل النظام، والرابع إطلاق سراح جميع السجناء السياسيين في جزر القمر، ومن بينهم الرئيس السابق أحمد عبد الله سامبي المحكوم عليه بالسجن المؤبد".
عدم تدخل الجيش في العملية الانتخابية والابتعاد عن الحياة السياسية هما الشرط الخامس بحسب الناشط القمري. ووفق ما يقول، "لم يستجب الرئيس غزالي لأيٍّ من هذه الشروط، ولهذا سيقاطع ائتلاف الجبهة المشتركة الموسعة هذه الانتخابات".
انقسام المعارضة
بخلاف موقف المقاطعة، في 14 تشرين الأول/ أكتوبر، أعلنت أحزاب سياسية عن مشاركتها في الانتخابات، ودشنت تحالفاً باسم ائتلاف الأحزاب السياسية المعارضة للانتخابات الرئاسية (CPPOEP)، بعد الإعلان عن مواعيد الانتخابات. من أبرز السياسيين في هذا التحالف، مويني بركة، زعيم حزب التجمع الديمقراطي لجزر القمر (RDC)، والمرشح السابق في انتخابات العامين 2016 و2019، ومن المحتمل ترشح بركة للمرة الثالثة في هذه الانتخابات أيضاً، وقد أعلنت أحزاب سياسية عدة عن دعمه.
كما أعلنت أحزاب أخرى عن نيتها المشاركة في الانتخابات، والمنافسة للفوز بمنصب رئاسة البلاد ورئاسة الجزر الثلاث، ومن بينها حزب الرئيس السابق للبلاد، أحمد عبد الله سامبي، حزب "جووا". ومن المرجح أنّ يشارك فهمي سيد إبراهيم، المقرب من سامبي، كمرشح عن الحزب الذي يشهد خلافات داخليةً، في خطوة من المرجح ألا تحظى بدعم من المؤيدين للرئيس سامبي، الذي يقبع في السجن.
تعليقاً على مشاركة أحزاب معارضة في الانتخابات، في ظل عدم توافر ضمانات لعملية انتخابية نزيهة، كتبت الناشطة السياسية من جزر القُمر، لبنى يزيد، على صفحتها في فيسبوك، بأنّ "جبهة الأحزاب المعارضة للانتخابات بقيادة مويني بركة، هي مجرد سلّم للسماح للرئيس عثمان غزالي بالحكم إلى الأبد". وأشارت إلى أنّ موعد تشكيل تلك الجبهة بعد الإعلان عن جدول الانتخابات، يثير تساؤلات حول مصداقيتها، في وقت أخفقت فيه المحكمة العليا في توحيد شروط الانتخابات.
تقول لبنى يزيد: "النتيجة محسومة بالفعل، ستكون 67% لصالح عثمان غزالي بغضّ النظر عن المرشح الذي سيواجهه".
مصالح باريس التقت مع مصالح رئيس جزر القمر، عثمان غزالي، الذي يسعى إلى توريث السلطة لابنه نور الفتح البالغ من العمر 40 عاماً، والذي يعمل مستشاراً لوالده
تعاني الحياة السياسية في البلاد من النضوب، منذ وصول غزالي إلى السلطة للمرة الثالثة بعد فوزه في انتخابات العام 2016، بعد انقلابه على النظام السياسي بتعديل الدستور ليضمن بقاءه في السلطة حتى العام 2029. وكان غزالي قد وصل إلى السلطة في المرة الأولى عام 1999، بانقلاب عسكري، ثم ترشح للرئاسة وفاز بها في العام 2002، وترشح مرةً ثالثةً في العام 2016، ثم قام بتعديل الدستور الذي لم يكن يسمح له بتولي فترة رئاسية ثانية. عقب ذلك، أجرى غزالي انتخابات رئاسيةً مبكرةً في العام 2019، ليبدأ فترته الأولى بحسب دستور 2018، ثم أعلن ترشحه للفترة الثانية في انتخابات 2024.
يرى مهوما محمد، أنّ الرئيس غزالي عمل على تفكيك كيانات المعارضة، سواء بسجن زعمائها أو باسترضاء أطراف منها بشكل فردي، ثم بطرح حوار وطني لتنظيم انتخابات نزيهة، ما أدى إلى انقسام داخل المعارضة حول المشاركة في الانتخابات. لكن تلك الإجراءات لم تلامس جوهر المشكلة الحقيقة، وهي العنف الذي يمارسه نظام الرئيس غزالي.
جذور الأزمة السياسية
شهدت دولة اتحاد جزر القمر الإسلامية، 17 محاولة انقلاب عسكريةً، نجح العديد منها، وكان آخرها انقلاب العقيد عثمان غزالي، الرئيس الحالي للبلاد، عام 1999. كما شهد الاتحاد المكوّن من ثلاث جزر؛ القمر الكبرى وأنجوان وموهيلي، محاولات عدة لانفصال جزيرة أنجوان.
ولوضع حد للاضطراب السياسي في البلاد، توصل القادة السياسيون إلى اتفاقية إطارية للمصالحة الوطنية، عُرفت باسم "اتفاقية فومبوني"، برعاية الاتحاد الإفريقي وجنوب إفريقيا والاتحاد الأوروبي وجامعة الدول العربية. تُرجمت تلك الاتفاقية في دستور العام 2001، الذي نصّ على أنّ تكون الفترة الرئاسية واحدةً، ولكل جزيرة من الجزر الثلاث بالتتابع.
تبعاً لدستور 2001، شهدت البلاد استقراراً، وأُجريت انتخابات مقبولة نزاهتها في الأعوام 2002، و2006، و2011، و2016، وجاءت الأخيرة بالرئيس عثمان غزالي، الذي انقلب على اتفاقية فومبوني، وقام بإلغاء المحكمة الدستورية التي كانت لها صلاحيات قوية في العملية الانتخابية، وجعل رئاسة البلاد لفترتين رئاسيتين، ومداورةً بين الجزر الثلاث.
الجدير بالذكر أن الانقلاب العسكري الذي قاده عثمان غزالي، عام 1999، وقع بعد أيام عدة من التوقيع بالأحرف الأولى على اتفاقية فومبوني، وتسبب في تعطيل التوقيع النهائي على الاتفاقية، ولولا الضغوط الدولية لربما استأثر غزالي بالسلطة.
إلغاء النظام الدوري في الرئاسة بين الجزر الثلاث، خلق حالةً من الغضب بين سكان جزيرتي أنجوان وموهيلي؛ لأنّ الدور في رئاسة جزر القمر كان لهما بالتتابع، كما أوجد شرخاً بين الرئيس عثمان غزالي والقيادات السياسية والمجتمع المدني
يقول مهوما محمد، إن إلغاء النظام الدوري في الرئاسة بين الجزر الثلاث، خلق حالةً من الغضب بين سكان جزيرتي أنجوان وموهيلي؛ لأنّ الدور في الرئاسة كان لهما بالتتابع، كما أوجد شرخاً بين الرئيس غزالي والقيادات السياسية والمجتمع المدني.
ويضيف أنّ غزالي وضع الجيش في مواجهة الشعب، على الرغم من طبيعة الشعب المسالمة. ويرى الباحث القُمري أنّ سبب عدم الاستقرار في البلاد، يعود إلى الدور الفرنسي السلبي، الذي يحارب كل جهود الاستقلال بالبلاد عن النظام المالي والهيمنة السياسية لباريس. ففرنسا، كما يقول، تدعم الرئيس عثمان غزالي لأنّه يعمل وفق هيمنتها المفروضة على البلاد، بعكس الرئيس السابق أحمد عبد الله سامبي، الذي حاول الخروج من الهيمنة الفرنسية المالية والسياسية، بالتوجه نحو الدول العربية والولايات المتحدة، لجلب استثمارات وإقامة بنية اقتصادية وطنية.
تدعم فرنسا الرئيس عثمان غزالي لأنّه يعمل وفق هيمنتها المفروضة على جزر القمر، بعكس الرئيس السابق أحمد عبد الله سامبي الذي حاول الخروج من الهيمنة الفرنسية المالية والسياسية
يقول الباحث في العلاقات الدولية، إنّ غزالي قام بمطاردة النخبة السياسية الوطنية التي ترفض الوصاية الفرنسية، وعلى رأسها الرئيس السابق سامبي، الذي حُكم عليه بالسجن مدى الحياة بتهم باطلة.
زيادةً على ما سبق، التقت مصالح باريس مع مصالح الرئيس عثمان غزالي، الذي يسعى إلى توريث السلطة لابنه نور الفتح غزالي، البالغ من العمر 40 عاماً، والذي يعمل مستشاراً لوالده، فضلاً كونه نائب الأمين العام للحزب الحاكم. لكن أهداف غزالي الابن المدعومة من والده، غير مقبولة، سواء من الشعب أو حتى داخل الحزب الحاكم. عموماً، ما يحدث في جزر القمر يشبه إلى حد كبير ما شهدته بلدان عربية وإفريقية عدة، من مساعي التوريث عبر الاستبداد السياسي، والتي تؤدي في نهاية المطاف إلى انفجار شعبي غير محسوب العواقب.
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
مستخدم مجهول -
منذ يومكل التوفيق ومقال رائع
Ahmad Tanany -
منذ 5 أيامتلخيص هايل ودسم لجانب مهم جداً من مسيرة الفكر البشري
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعلا يوجد اله او شئ بعد الموت
Mohammed Liswi -
منذ أسبوعأبدعت
نايف السيف الصقيل -
منذ أسبوعلا اقر ولا انكر الواقع والواقعة فكل الخيوط رمادية ومعقولة فيما يخص هذه القضية... بعيدا عن الحادثة...
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ أسبوعمقال بديع ومثير للاهتمام، جعلني أفكر في أبعاد تغير صوتنا كعرب في خضم هذه المحن. أين صوت النفس من...