منذ أن أطلقت وزارة الخارجية الإسرائيلية، ووزارة السياحة، ووزارة الشؤون الإستراتيجية بشكل مشترك، مبادرة "إسرائيل العلامة التجارية" في العام 2005، أصبحت حقوق المثليين والمثليات وثقافتهم/ نّ وهويتهم/ نّ، جزءاً أساسياً من التسويق العالمي والعلامة التجارية الوطنية لإسرائيل.
ويمكن رؤية ذلك كل عام، في تل أبيب في "مسيرة الفخر" في تل أبيب Tel Aviv Pride، أو المهرجان الدولي للأفلام المثلية، أو مشاركة إسرائيل في مسابقة الأغنية الأوروبية "اليوروفيجن"، أو في أي أحداث أخرى تتعلق بمجتمع الميم-عين، سواء بشكل مباشر أو غير مباشر.
وبطبيعة الحال، فإن "الغسيل الوردي"، بشكل عموماً، ليس بالأمر الجديد. يتم تعريفه على أنه استغلال ثقافة مجتمع الميم-عين وهوياته، لأغراض العلاقات العامة، ويمكن تنفيذه من قبل أي شركة أو كيان سياسي أو فرد. لكن اسرائيل هي أسوأ المؤيدين له، إلى جانب العديد من المؤسسات والمنظمات الإسرائيلية. فلا يُعدّ استخدام أجندة مؤيدة لمجتمع الميم-عين غريباً عليهم، بهدف إخفاء أو صرف الانتباه عن المشروع الاستعماري الاستيطاني المستمر.
أحد أهداف الغسيل الوردي، حماية "سمعة إسرائيل" ومكانتها السياسية بين المجتمعات الغربية الأخرى الصديقة لمجتمع الميم-عين، وتبرئتها من أي انتقاد أو مساءلة
وفي كلمات الناشطة الشهيرة ومؤرخة مرض الإيدز سارة شولمان، فإن "الغسيل الوردي الإسرائيلي"، هو "إستراتيجية متعمدة لإخفاء انتهاكات حقوق الإنسان المستمرة ضد الفلسطينيين/ ات، خلف صورة الحداثة التي تمثّلها حياة المثليين/ ات الإسرائيليين/ ات".
أحد أهداف الغسيل الوردي، حماية "سمعة إسرائيل" ومكانتها السياسية بين المجتمعات الغربية الأخرى الصديقة لمجتمع الميم-عين، وتبرئتها من أي انتقاد أو مساءلة. هدف آخر هو جذب الإيرادات السياحية، خاصةً سياح مجتمع الميم-عين، ولكن هنا تكمن المشكلة: عندما يلجأ الناس إلى الغسيل الوردي، فإنهم لا يصبحون متواطئين في المشروع الصهيوني العنيف للدولة الإسرائيلية فحسب، بل يؤذون أيضاً الفلسطينيين/ ات من مجتمع الميم-عين.
هذا يُعدّ أمراً بالغ الأهمية، خصوصاً عند مراعاة حقيقة أن أفراد مجتمع الميم-عين في فلسطين، تماماً كمجتمعهم الأوسع، ليسوا مستثنين بشكل سحري من أي من سياسات إسرائيل التمييزية أو الاحتلال الوحشي.
مثل أي فلسطيني آخر، يقع الفلسطينيون الكوير أيضاً تحت رحمة مشروع إسرائيل الاستعماري الاستيطاني العنيف والعنصري، وكما قالت ذات مرة مجموعة المثليين الشعبية السابقة، "كويريون ضد نظام الفصل العنصري الإسرائيلي": "لا يوجد باب وردي في جدار الفصل العنصري".
ولعلّ الأمثلة الأكثر شيوعاً للغسيل الوردي، هي عندما يقوم المشاهير المحبوبون من قبل مجتمع الميم-عين بزيارة إسرائيل. هذا العام وحده، رأينا كريستينا أغيليرا والمغنّي الكويري آدم لامبرت يحييان حفلات موسيقيةً في إسرائيل، كما قدمت فرقة "إيماجن دراجونز" Imagine Dragons، المعروفة بأنها تتبنى مواقف تقدميةً وأحياناً ترفع علم قوس قزح على خشبة المسرح، عرضاً في إسرائيل هذا العام. وكالعادة، قدّم عدد كبير من خرّيجي سباق السحب/ جر RuPaul’s Drag Race عروضاً في تل أبيب، ولا سيما قاضية سباق الدراج الكندية بروك لين هايتس، في حين سافر العديد من المؤثرين/ ات على وسائل التواصل الاجتماعي (غالباً هم رجال بيض مثليون)، إلى إسرائيل للاحتفال بـ"مسيرة الفخر" في تل أبيب Tel Aviv Pride. ويُعدّ أداء كل واحد منهم ومشاركاتهم على وسائل التواصل الاجتماعي، تقويضاً للدعوات إلى المقاطعة الثقافية، ويزيدان من شرعية نظام الفصل العنصري الإسرائيلي، والاحتلال العسكري، والقيود المفروضة على حرية التنقل، وما يزيد عن 65 تشريعاً يميّز ضد الفلسطينيين/ ات.
كما احتل النجم البريطاني الكويري سام سميث، عناوين الصحف في وقت سابق من هذا العام، بسبب عرض كان مخططاً له في تل أبيب في حزيران/ يونيو الماضي، وتم إلغاؤه لاحقاً لأسباب لوجستية.
ورأى الناشطون المؤيدون للفلسطينيين ذلك انتصاراً لحركة المقاطعة وسحب الاستثمارات وفرض العقوبات (BDS)، على الرغم من أن سام سميث نفسه لم يعلق رسمياً على إلغاء الحفل.
لكن هذا ليس موضوعنا. يعتمد "الغسيل الوردي" على استعارات وصور نمطية مبنية على وجهة نظر استشراقية عنصرية تروّج لفكرة أن الفلسطينيين/ ات يظلون "متخلّفين" في موقفهم/ نّ من المثلية الجنسية.
أن نكون "أصدقاء للمثليين/ ات"، كما يشرح الأكاديمي المتخصص في دراسات النوع الاجتماعي/ الباحث في دراسات الجندر، جاسبر بوار، يعني أن نكون عصريين، وعالميين، ومتقدمين، ومن العالم الأول، ومن شمال الكرة الأرضية، والأهم من ذلك، ديمقراطيين -كل الأشياء التي يفترض أن الفلسطينيين/ ات لا يستطيعون/ ن تحقيقها-.
غالباً ما يكون هناك توقع خبيث بأننا كفلسطينيين/ ات كويريين، يجب أن نختار أحدهما أو بين هذا وذاك، ومن غير المقبول أن نكون كليهما في آن واحد. والأسوأ من ذلك أنهم يتوقعون منّا أن نستسلم ونقبل الصهيونية، وكل ما يأتي معها: الفصل العنصري، الاحتلال العسكري، التطهير العرقي، حقوق المواطن من الدرجة الثانية، وأكثر من ذلك. بعبارة أخرى، وكأننا سنكون "أفضل حالاً" كشعب مستعمر، وهذا يمحو قوة الفلسطينيين الكويريين والمجتمع الفلسطيني الكويري، فضلاً عن الحركات التقدمية الأخرى داخل فلسطين.
غالباً ما تتباهى إسرائيل بانفتاحها الليبرالي على الجنسانية والتنوع الجندري، بينما تقارنه بالقمع السائد في المجتمع الفلسطيني والدول العربية المجاورة، وهذا يخدم كذريعة لتبرير احتلالها للفلسطينيين، و"تحرير" الفلسطينيين/ ات المثليين/ ات المضطهدين/ ات.
ومع ذلك، فإن هذا ليس سوى تسليح واستغلال صارخ للهويات المثلية، لتبرير احتلال إسرائيل وقمع الفلسطينيين/ ات، وهي سمة مميزة للغسيل الوردي.
وفي الوقت نفسه، عندما يتّهم أي شخص إسرائيل بالغسيل الوردي، أو كلما أكد فلسطيني كويري هويته ورفض الصهيونية، فمن الشائع أن يقابَل بردود مبتذلة، على غرار: "حاول أن تكون مثلياً في غزة"، أو "حاول تنظيم مسيرة فخر في رام الله".
إن إلقاء اللوم فقط على المستعمَرين (الفلسطينيين)، لعدم الوفاء بمعايير "تحضّر" المستعمِر (إسرائيل)، ليس مجرد مثال على الاستثنائية الغربية مركزةً في أوروبا، بل تفوح منه رائحة العنصرية المعادية للعرب والتفوق العرقي بشكل عام.
هويتنا الفلسطينية مرتبطة بجنسيتنا. ولا يمكن، ولا ينبغي أبداً، أن يطلب منا أن نختار بين الاثنتين. ولهذا السبب يجب علينا أن نستنكر "الغسيل الوردي" عندما نراه
لا أستطيع أن أخبركم/ نّ عن عدد المرات التي تعرضت فيها للتحدي أو التنمر على وسائل التواصل الاجتماعي، لإظهاري حتى أصغر قدر من كينونتي كفلسطيني مثلي. فلا يستطيع هؤلاء النقاد أن يفهموا لماذا لا أتبع نصهم الاستشراقي المسبق في كوني ضحيةً مستسلمةً لمجتمع أبوي "متخلّف" للغاية. لا يمكنهم فهم سبب عدم دعمي لدولة يُفترض أنها "الملاذ الوحيد لمجتمع الميم-عين في الشرق الأوسط" ، كما لو أن امتلاك مهارات التفكير النقدي الأساسية، أمر خارج نطاق تفكيرهم، ولا يطرحون السؤال عن الأشخاص الذين هو ملاذ لهم، كما أنهم لا يستطيعون فهم سبب اعتزازي وفخري بهويتي كمثلي فلسطيني، أو لماذا لا أتخلى عن ثقافتي، كما لو أن قيمتي كعضو في المجتمع الكويري تعتمد على موافقتهم.
كما أنه من الواضح تماماً -على الأقل في تجربتي الشخصية- كيف أن رهاب المثلية والعنصرية التي عانيت منها من هؤلاء النقاد، يفوق بكثير رهاب المثلية والتعصب الذي كان عليّ التعامل معه من المجتمعات الفلسطينية والعربية الأوسع. ولكن هذا ما يجب فهمه: هويتنا الفلسطينية مرتبطة بجنسيتنا. ولا يمكن، ولا ينبغي أبداً، أن يطلب منا أن نختار بين الاثنتين. ولهذا السبب يجب علينا أن نستنكر "الغسيل الوردي" عندما نراه.
وكانت مجموعات فلسطينية يقودها كويريون، مثل حركة "القوس" alQaws، قد أكدت أن الغسيل الوردي هو أحد الأعراض، وأن الاستعمار الاستيطاني هو "المرض الجذري"، كما أنهم قالوا رسمياً مرات عدة، إن التحرر الكويري للفلسطينيين مرتبط بالتحرر من الصهيونية. بمعنى آخر، لا يمكننا تحقيق تحرر حقيقي كفلسطينيين كويريين حتى تكون لدينا فلسطين حرة.
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
مستخدم مجهول -
منذ 20 ساعةمتى سوف تحصل النساء في إيران على حقوقهم ؟!
مستخدم مجهول -
منذ يومفاشيه دينيه التقدم عندهم هو التمسك بالتخلف
مستخدم مجهول -
منذ يومعظيم
Tester WhiteBeard -
منذ يومينtester.whitebeard@gmail.com
مستخدم مجهول -
منذ يومينعبث عبث
مقال عبث من صحفي المفروض في جريدة او موقع المفروض محايد يعني مش مكان لعرض الآراء...
مستخدم مجهول -
منذ 6 أيامرائع