خلال عشرين يوماً من القصف الإسرائيلي المتواصل، لم تتوقّف الجرائم بحق المدنيين والبنية التحتية في قطاع غزة المحاصر، ما أسفر عن ما لا يقل عن 7000 قتيل، نصفهم تقريباً من الأطفال، ونحو 18 ألف مصاب، في حصيلة غير نهائية في ظل وجود عشرات الأشخاص تحت الأنقاض، لعدم قدرة فرق الدفاع المدني على التعامل مع الكمّ الهائل من الأبنية المنهارة، علاوة على ضعف مواردها، والإبلاغ عن أكثر من 1500 مفقود/ة.
وبعيداً عن البروباغندا الموالية لإسرائيل وحلفائها، ومزاعمها بأن إسرائيل تتخذ تدابيراً كافية لحماية المدنيين، وأن أهدافها هي فقط مرتبطة بحركة المقاومة الإسلامية الفلسطينية (حماس) التي تعتبرها "منظمة إرهابية"، إلا أن عدداً متزايداً من منظمات حقوق الإنسان الدولية تمكنت من توثيق وإيجاد أدلّة على ارتكاب إسرائيل جرائم حرب بحق مدنيي غزة، بشكلٍ لا لبس فيه.
في هذا التقرير، نستعرض بعض أحدث التقارير الحقوقية الدولية وكيف أقامت الحجّة على الجيش الإسرائيلي بتعمّد استهداف المدنيين وارتكاب جرائم تصنّف على أنها جرائم حرب، بما في ذلك استخدام التجويع كسلاح والعقاب الجماعي على أفعال جماعات مسلحة وغيرها.
أوكسفام: إسرائيل تستخدم التجويع كسلاح حرب ضد المدنيين
اتهمت منظمة أوكسفام، في بيان صادر مساء الأربعاء 25 تشرين الأول/ أكتوبر، إسرائيل بـ "استخدام التجويع كسلاح حرب ضد المدنيين في غزة"، مدللةً على ذلك بأن 2% فقط من المواد الغذائية اللازمة سُمح بدخولها غزة، منذ تشديد إسرائيل الحصار المفروض على القطاع منذ 16 عاماً، اعتباراً من يوم 9 تشرين الأول/ أكتوبر الجاري، أي بعد يومين فقط من عملية "طوفان الأقصى".
وأضافت أوكسفام أن السماح بدخول كمية ضئيلة من المساعدات الغذائية، مع عدم تسليم أي سلع غذائية تجارية، يترك سكان القطاع، البالغ عددهم نحو 2.2 مليون شخص، "في حاجة ماسة إلى الغذاء"، ويحظر القانون الإنساني الدولي بشكل صارم استخدام التجويع كوسيلة من وسائل الحرب، وبوصفها القوة المحتلة في غزة، فإن إسرائيل ملزمة ببنود القانون الإنساني الدولي، القاضي بتوفير احتياجات سكان غزة وحمايتهم.
وعقب تحليل ودراسة أرقام الأمم المتحدة، وجدت أوكسفام أنه قبل اندلاع الأعمال القتالية الحالية، كانت 104 شاحنة تقوم يومياً بتوصيل الغذاء إلى قطاع غزة المحاصر، بمعدل شاحنة واحدة كل 14 دقيقة. ومن بين 62 شاحنة محمّلة بالمساعدات سُمِح بدخولها إلى غزة عبر معبر رفح، كانت 30 شاحنة فقط تحمل مواد غذائية، أحياناً مع مواد إغاثية أخرى، ما يعني شاحنة واحدة فقط كل ثلاث ساعات و12 دقيقة.
أوكسفام: إسرائيل تستخدم التجويع كسلاح حرب ضد المدنيين في غزة، حيث سمحت بدخول 2% فقط من المواد الغذائية اللازمة، فيما المياه النظيفة نفدت فعلياً الآن، وبعض المساعدات، مثل الأرز والعدس، لا فائدة لها بدون مياه ووقود لطهيها
وبحسب متحدّث باسم وكالة الأمم المتحدة لغوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (الأونروا)، فإن بعض المساعدات الغذائية المسموح بدخولها، مثل الأرز والعدس، لا فائدة منها، نظراً لعدم وجود المياه النظيفة أو الوقود الضروريين لطهيها. كذلك، دمّرت سلسلة الغارات الجوية الإسرائيلية العديد من المخابز، والذي ما يزال يعمل منها عاجز عن تلبية الطلب المحلي، وهي مهدّدة بالتوقف عن العمل لنقص الوقود والدقيق.
أما المواد الغذائية الأساسية الأخرى، مثل الدقيق والزيت والسكر، فما تزال مخزّنة في المستودعات التي لم يتم تدميرها، ولكن "من المستحيل فعلياً تسليمها"، بسبب نقص الوقود والطرق المتضرّرة والمخاطر الناجمة عن الغارات الجوية المتواصلة على القطاع.
وتضيف أوكسفام أن انقطاع الكهرباء أدى إلى تعطيل الإمدادات الغذائية، من خلال التأثير على التبريد وري المحاصيل وأجهزة حضانة المحاصيل، بما في ذلك فقدان أكثر من 15,000 مزارع إنتاج محاصيلهم، ولم يحصل 10,000 من مربي الماشية إلا على قليل من العلف، فخسر العديد منهم ماشيتهم وحيواناتهم، وشلّ الحصار والضربات الجوي صناعة صيد الأسماك، لعجز مئات الأشخاص الذين يعملون في هذا القطاع عن الوصول إلى البحر.
كما شدّدت المنظمة على أن "المياه النظيفة نفدت فعلياً الآن"، فيما "مخزون المياه المعبأة آخذ في النفاد"، علماً أن سعرها تضاعف أحياناً خمسة أضعاف، و"أصبحت بعيدة عن متناول أسرة متوسطة في غزة". وتشير التقديرات إلى أنه لا يتوفر الآن سوى ثلاثة لترات من المياه النظيفة للشخص الواحد، في حين توصي الأمم المتحدة بما لا يقل عن 15 لتراً يومياً، كحد أدنى ضروري للأشخاص في حالات الطوارئ الإنسانية ذات الحدة العالية.
ويبلغ إمداد المياه في غزة الآن 5% فقط من إجمالي إنتاجه الطبيعي، بحسب السلطة الفلسطينية المسؤولة عن المياه، والتي تحذّر من أن هذا الرقم على وشك الانخفاض أكثر إذا لم يتم تزويد مرافق المياه والصرف الصحي بالكهرباء أو الوقود لاستئناف نشاطها.
تعقيباً على كل ما سبق، قالت سالي أبي خليل، المديرة الإقليمية لمنظمة أوكسفام في الشرق الأوسط: "الوضع مروّع للغاية. أين الإنسانية؟ ملايين المدنيين يتعرّضون للعقاب الجماعي على مرأى ومسمع من العالم، ولا يمكن أن يكون هناك أي مبرّر لاستخدام التجويع كسلاح في الحرب. ولا يمكن لزعماء العالم أن يستمروا في الجلوس والمراقبة، فهم ملزمون بالتحرك، والتحرّك الآن"، محذرةً: "مع كل يوم يتفاقم الوضع، ويعاني الأطفال من صدمة شديدة بسبب القصف المستمر، كما أن مياه شربهم ملوثة أو مقنّنة، وقريباً قد لن تتمكن الأسر من إطعام أبنائها أيضاً، فكم من المتوقع أن يتحمل سكان غزة؟".
وفي ختام بيانها، حثّت أوكسفام مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة والدول الأعضاء في الأمم المتحدة على "التحرّك الفوري لمنع تدهور الوضع بشكل أكبر"، كما دعت إلى "وقف فوري لإطلاق النار"، وسرعة "إتاحة الوصول العادل وغير المقيد إلى قطاع غزة بأكمله للحصول على المساعدات الإنسانية"، وبالقدر الكافي لتلبية احتياجات السكان.
"الوضع مروّع للغاية. أين الإنسانية؟ ملايين المدنيين يتعرّضون للعقاب الجماعي على مرأى ومسمع من العالم، ولا يمكن أن يكون هناك أي مبرّر لاستخدام التجويع كسلاح في الحرب. ولا يمكن لزعماء العالم أن يستمروا في الجلوس والمراقبة، فهم ملزمون بالتحرك، والتحرّك الآن".
هيومن رايتس: إسرائيل ترتكب جريمة حرب بعقابها الجماعي للمدنيين
في وقت متزامن، اتهمت منظمة هيومن رايتس ووتش إسرائيل بأنها "تتعمّد تعميق معاناة المدنيين في غزة، من خلال رفضها إعادة تدفّق المياه والكهرباء، ومنع وصول شحنات الوقود"، في ما يُعتبر "جريمة حرب" و"عقاب جماعي للمدنيين على أعمال جماعات مسلحة"، وذلك بحسب تقرير أصدرته الأربعاء.
وتشدّد "هيومن رايتس" على أن "ارتكاب المقاتلين الفلسطينيين جرائم حرب لا يمكن وصفها ضد مدنيين إسرائيليين لا يبرّر ارتكاب السلطات الإسرائيلية جرائم حرب ضد مدنيين فلسطينيين"، شارحةً: "تعتمد البنى التحتية في غزة على تدفّق الكهرباء ومياه الشرب من إسرائيل وشاحنات الإمدادات التي تدخل عبر المعابر الإسرائيلية، لكن إسرائيل قطعت هذه الإمدادات بعد الهجمات. تعاقب إسرائيل المدنيين في غزة جماعياً، بسبب هجمات حماس، عبر منع وصول المواد الضرورية للبقاء على قيد الحياة عن 2.2 مليون شخص، نصفهم أطفال".
ودلّلت على ذلك بأن اتفاقيات جنيف تُلزم إسرائيل، كسلطة احتلال في غزة، بأن تضمن حصول المدنيين على المواد الأساسية، وبصفتها طرفاً في نزاع مسلح، بأن تُسهّل مرور المساعدات الإنسانية. ولفتت هيومن رايتس إلى سماح الجيش الإسرائيلي بعبور 34 شاحنة مساعدات من معبر رفح، حتى يوم الأربعاء، يعني "رقماً أقل بكثير من الـ 100 شاحنة التي تقول وكالات الإغاثة إنها الحد الأدنى المطلوب".
وأضافت أن إصرار إسرائيل على عدم السماح بدخول الوقود، برغم الحاجة الملّحة إليه من أجل عمل المستشفيات، ومضخّات المياه ومياه الصرف الصحي، وتوزيع المساعدات، يتنافى مع كافة قوانين الحرب.
يُعقِّب الباحث في المنظمة عمرو مجدي، على التقرير: "تمارس الحكومة والجيش في إسرائيل العقاب الجماعي والتطهير العرقي ضد الفلسطينيين في غزة بلا هوادة. هذه الجرائم الجماعية لابد أن تواجه بحزم"، مستدركاً: "حجم النفاق الغربي في تأييد المذابح غير مسبوق. هذا الخذلان ستكون له تبعات خطيرة على السلم والأمن الدوليين وثقافة حقوق الإنسان في العالم كله".
"تمارس الحكومة والجيش الإسرائيلي العقاب الجماعي والتطهير العرقي ضد الفلسطينيين في غزة بلا هوادة. هذه الجرائم الجماعية لابد أن تواجه بحزم... حجم النفاق الغربي في تأييد المذابح غير مسبوق. هذا الخذلان ستكون له تبعات خطيرة على السلم والأمن الدوليين وثقافة حقوق الإنسان في العالم كله"
العفو الدولية: أدلة دامغة على جرائم حرب في هجمات إسرائيلية
يأتي هذا بعد أن وجدت منظمة العفو الدولية "أدلة دامغة على ارتكاب جرائم حرب في هجمات إسرائيلية، قضت على أسر بأكملها في غزة"، وفق ما ذكرت في تقريرها المنشور بتاريخ 20 تشرين الأول/ أكتوبر.
شرحت المنظمة: "مع استمرار القوات الإسرائيلية في تكثيف هجومها الكارثي على قطاع غزة المحتل، وثّقنا ارتكاب القوات الإسرائيلية هجمات غير قانونية، من بينها غارات عشوائية، تسبّبت في سقوط أعداد كبيرة في صفوف المدنيين، ويجب التحقيق فيها على أنها جرائم حرب"، مبرزةً أنها اعتمدت على شهادات ناجين وشهود عيان، وحلّلت صور الأقمار الاصطناعية وتحقّقت من الصور ومقاطع الفيديو لتصل إلى هذا الاستنتاج.
وشدّدت المنظمة على أن "عمليات قصف جوي نفذتها القوات الإسرائيلية، في الفترة من 7 إلى 12 أكتوبر/تشرين الأول، أدّت إلى دمار مروّع، وفي بعض الحالات، قضت على عائلات بأكملها"، عن طريق "عدم توخّي الاحتياطات الممكنة لدرء الخطر عن المدنيين"، أو "شنّ هجمات عشوائية أخفقت في التمييز بين المدنيين والأهداف العسكرية"، أو "تنفيذ هجمات ربما كانت موجّهة مباشرة ضد الأعيان المدنية".
وأوضحت "العفو الدولية" أن الجيش الإسرائيلي "إمّا لم يحذّر المدنيين على الإطلاق، أو أصدر تحذيرات غير كافية"، بشكلٍ متكرر، فيما "لم يوفر مكاناً آمناً للمدنيين للجوء إليه بأي حال من الأحوال"، بل وأحياناً استجاب السكان لأمر "الإخلاء"، فتعرّضوا للقصف في المكان الذي فرّوا إليه.
في إحدى الهجمات التي راجعتها، أقرّت العفو الدولية أن أحد أفراد حماس كان يقيم في أحد طوابق المبنى المستهدف، لكنه لم يكن هناك في وقت الضربة الإسرائيلية، وعقّبت على ذلك بالتأكيد أن "انتماء شخص إلى حركة سياسية لا يبرّر استهدافه. كما أنّ وجود مقاتل في مبنى مدني لا يحوّل هذا المبنى أو أي من المدنيين فيه إلى هدف عسكري".
وذكّرت بأن القانون الدولي الإنساني "يُلزم القوات الإسرائيلية باتخاذ جميع الاحتياطات الممكنة للحدّ من الأضرار التي لحقت بالمدنيين والممتلكات المدنية، بما في ذلك إلغاء الهجوم أو تأجيله إذا اتضح أنه سيكون عشوائياً أو غير قانوني"، وهو ما لم تفعله إسرائيل.
العفو الدولية: انتماء شخص إلى حركة سياسية لا يبرّر استهدافه. كما أنّ وجود مقاتل في مبنى مدني لا يحوّل هذا المبنى أو أي من المدنيين فيه إلى هدف عسكري
وقالت الأمينة العامة لمنظمة العفو الدولية، أنياس كالامار: "لقد أظهرت القوات الإسرائيلية، في نيتها المعلنة استخدام كافة الوسائل لتدمير حماس، ازدراءً صادماً لأرواح المدنيين… الهجمات الإسرائيلية دمّرت العائلات الفلسطينية وتسبّبت في دمار كبير لم يترك لأقارب الناجين سوى الركام ليذكّرهم بأحبائهم".
"يشير بحثنا إلى وجود أدلة دامغة على وقوع جرائم حرب في حملة القصف الإسرائيلية، والتي يجب التحقيق فيها بشكل عاجل. إن عقوداً من الإفلات من العقاب والظلم والمستوى غير المسبوق من الموت والدمار الناجم عن الهجوم الحالي لن تؤدي إلا إلى مزيد من العنف، وعدم الاستقرار"، أردفت.
وفيما تواصل "العفو الدولية" التحقيق في عشرات الهجمات التي وقعت في غزة، طالبت كافة الجهات المعنية بسرعة التحقيق في جرائم الحرب الإسرائيلية، وحثّت المجتمع الدولي للضغط على إسرائيل لوقف إطلاق النار فوراً، وإنهاء حصارها الشامل على غزة، والسماح بوصول المساعدات الإنسانية للمدنيين، كما طالبت حماس، وغيرها من الجماعات الفلسطينية المسلحة، بإطلاق سراح جميع "الرهائن المدنيين بشكل عاجل"، والتوقف الفوري عن إطلاق الصواريخ العشوائية على الأهداف الإسرائيلية.
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
أحمد لمحضر -
منذ 4 ساعاتلم يخرج المقال عن سرديات الفقه الموروث رغم أنه يناقش قاعدة تمييزية عنصرية ظالمة هي من صلب و جوهر...
نُور السيبانِيّ -
منذ يومينالله!
عبد الغني المتوكل -
منذ 3 أياموالله لم أعد أفهم شيء في هذه الحياة
مستخدم مجهول -
منذ 3 أيامرائع
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعكل التوفيق ومقال رائع
Ahmad Tanany -
منذ أسبوعتلخيص هايل ودسم لجانب مهم جداً من مسيرة الفكر البشري