شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

انضمّ/ ي إلى ناسك!
التعاطف مع

التعاطف مع "أبرياء" غزّة مرفوض… إسرائيل تلاحق مواطنيها العرب الفلسطينيين وتنتهك حريّاتهم

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

أطلقت محكمة إسرائيلية، الأربعاء 25 تشرين الأول/ أكتوبر، سراح الفنانة الفلسطينية ميساء عبد الهادي، التي اعتقلتها من منزلها في مدينة الناصرة الثلاثاء،  ووجهت إليها تهمتي "التحريض والإشادة بحماس"، على خلفية منشوراتها حول ما يحدث في قطاع غزّة المحاصر. لكنها أصدرت قراراً بإبقائها قيد الحبس المنزلي.

لم تكن عبد الهادي - ابنة الـ37 عاماً وبطلة فيلم "3000 ليلة" - يوماً "محرِّضة"، وإنما هي ضحية قمع حرية التعبير والتحريض ضد المواطنين العرب الفلسطينيين في إسرائيل، وهو اتجاه ليس بجديد، لكن تزايد بشدّة عقب عملية "طوفان الأقصى" لحركة حماس، والتي ردّت عليها إسرائيل بعدوان على قطاع غزة يستمر ليومه التاسع عشر، مخلّفاً نحو 6000 قتيل ونحو 17 ألف مصاب.

عبر حسابها في فيسبوك، نشرت عبد الهادي صورةً لجرافة فلسطينية تهدم جزءاً من السياج الفاصل بين غزة وإسرائيل، معلّقةً عليها: "لنفعل ذلك على طريقة برلين"، في إشارة إلى هدم الجدار الذي كان يفصل بين ألمانيا الشرقية والغربية عام 1989. تعقيباً على اعتقالها بسبب هذا المنشور، قالت الشرطة الإسرائيلية إنها ستواصل "العمل على تحديد هوية المحرّضين على العنف وأعمال الإرهاب، الذين يمجّدون الإرهاب ويشيدون بزمن الحرب، على شبكات التواصل الاجتماعي وفي أي مكان آخر".

ووكانت الشرطة الإسرائيلية قد نشرت صورةً للفنانة الفلسطينية مكبّلة اليدين وتحت العلم الإسرائيلي. يشكل تصوير الفنانة الفلسطينية، وهي مكبّلة اليدين، اعتداءً آخر على كرامتها، فيما يهدّد نشر الصورة سلامتها وأمنها، بالنظر إلى التحريض عليها واتهامها بدعم "المقاومة الفلسطينية" لدى عودتها للعيش على مرمى حجر من مستوطنين متطرّفين.

قبل عبد الهادي، اعتُقلت زميلتها الفنانة الفلسطينية دلال أبو آمنة، ابنة الناصرة أيضاً، ثلاثة أيام وليلتين في سجن انفرادي، بسبب جملة "لا غالب إلا الله". ذهبت أبو آمنة تشكو موتورين إسرائيليين هدّدوها بالقتل بسبب العبارة التي نشرتها، فاعتُقلت هي.

لا يتوقف انتهاك حقوق المواطنين العرب الفلسطينيين في إسرائيل عند اعتقال المشاهير، إنما كل عربي/ة مهدّد/ة في عمله ودراسته حتى في الحياة العادية، وغير مسموح له/ها بأي تعليق حول ما يجري في غزة، حتى لو اقتصر الأمر على التعبير عن التعاطف مع الأبرياء فقط من قريب أو بعيد.

نشر المواطنين العرب في إسرائيل آيات قرآنية أو أبيات شعر لمحمود درويش أو مقولات لغسان كنفاني، أو مجرّد صور تُظهر الدمار الذي أحدثه القصف الإسرائيلي على غزّة يعرضهم للملاحقة القانونية ولخسارة العمل وكذلك لحملات تحريض ممنهجة

تقول المحامية الفلسطينية سوسن زهر، المستشارة القانونية لائتلاف الطوارئ في المجتمع العربي في إسرائيل، إنهم تلقوا الكثير من التبليغات حول انتهاكات تتمحور حول استهداف "حرية التعبير" للمواطنين العرب في إسرائيل، منذ بداية حرب السابع من تشرين الأول/ أكتوبر، على خلفية منشورات وتعليقات حول ما يحدث في غزة، ليس فقط عبر الإنترنت وإنما أيضاً خلال "محادثات عادية بين زملاء في العمل أو الدراسة".

ما هو "ائتلاف الطوارئ"؟

أُعلنت انطلاقة "ائتلاف الطوارئ" أو "ائتلاف المجتمع المدني للطوارئ في المجتمع العربي"، بمبادرة من عشرات المؤسسات وجمعيات المجتمع المدنيّ والناشطين/ات العرب الفلسطينيين في إسرائيل، مطلع عام 2023، وذلك بهدف "تشكيل مرجعية مهنيّة مستدامة" و"تنسيق التعامل مع حالات الطوارئ" في المجتمع العربي، من خلال تقديم المساندة والدعم المطلوبين لأبناء وبنات المجتمع، لتخطي الظروف التي تتطوّر خلال الأزمات والطوارئ التي أصبحت تتكرّر في السنوات الأخيرة.

ويعمل الائتلاف بالتعاون مع الهيئات التمثيلية في المجتمع العربي، بما فيها "لجنة المتابعة العليا للجماهير العربية" و"اللجنة القطرية لرؤساء السلطات المحلية العربية"، وبتنسيقٍ مع "الهيئة العربية للطوارئ".

وتشمل مجالات عمل الائتلاف: "التنسيق بين الأنشطة، والأطر، والمؤسسات الأهلية والشخصيات الفاعلة في الميدان" و"رصد، ومسح وتوثيق الحالات و/أو الأحداث و/أو الظواهر المتعلقة بحالات الطوارئ، من اعتداءات، وتحريض، واعتقالات، وإقالات من العمل، وطردٍ، وإبعاد من الجامعات والكليات"، و"بناء قاعدة بيانات ومعطيات مهنية متاحة توثق الأحداث المختلفة وتعمل على دراستها".

كما يعمل الائتلاف على "رفع منسوب الوعي المجتمعي وتعزيز التكافل الاجتماعي" في المجتمع العربي، و"معالجة القضايا المختلفة وتقديم الاستشارة في المجالات القانونية، والصحية، والإعلامية، والتخطيطية، والصحة النفسية"، علاوة على "المرافعة لتحصيل الخدمات المستحقة لمجتمعنا".

ملاحقة وتحريض واعتداءات

وفق بيان صادر عن "ائتلاف الطوارئ"، يوم الأحد الموافق 22 تشرين الأول/ أكتوبر الجاري، فقد وقعت نحو 90 حالة اعتقال لمواطنين عرب، وثّق الائتلاف منها 57 حالة اعتقال وملاحقة سياسية في أول أسبوعين للحرب، علاوة على 99 حالة ملاحقة لطلاب وطالبات جامعيين/ات، وإبعاد 21 طالباً وطالبة عن الدراسة الجامعية، و40 حالة إقالة من العمل بسبب منشورات على وسائل التواصل.

يُضاف لهذه الانتهاكات ما لا يقل عن 12 اعتداء على صحافيين/ات خلال ممارستهم/ن مهام عملهم/ن، علاوة على متابعة أكثر من 150 منشوراً محرضاً ضد أفراد المجتمع العربيّ الفلسطيني في العالم الافتراضي.

ويشير الائتلاف إلى أن "الأسابيع الأخيرة شهدت حالة من الانفلات البوليسيّ والملاحقات السياسية التي طالت العديد من المواطنين العرب، الذين وجدوا أنفسهم ملاحقين قانونياً على خلفية مشاركة في تظاهرات أو المبادرة إلى أنشطة مندّدة بالحرب على غزة، أو بسبب منشورات جديدة أو قديمة لهم على وسائل التواصل الاجتماعي".

بلغ عدد المُعتقلين، وفق ما تحقق منه الائتلاف حتى الآن، 57 مُعتقلاً/ة. علماً أنه أطلق سراح معظمهم، وسط شروط مقيّدة للحرية في وقت لاحق لاعتقالهم/ن.

وتوزّعت الاعتقالات بين 12 شخصاً من أم الفحم، و10 أشخاص من الطيبة، و7 من الناصرة، و5 من طمرة، و4 من كل من حيفا وعكا، واثنين من كل من اللد وباقة الغربية ويافا ومجد الكروم، وشخص واحد من كل من يافة الناصرة وكابول وعين نقوبا ورهط وجديدة المكر والقدس.

كما انقسمت أسباب هذه الاعتقالات إلى: 28 حالة اعتقال بسبب منشورات على شبكات التواصل الاجتماعي، 14 حالة اعتقال بسبب المشاركة في أو تنظيم نشاط جماهيري احتجاجي أو مظاهرات، و15 سبباً آخر.

ومن أصل 99 ملاحقة لطلاب جامعيين، استدعي 75 طالباً وطالبة جامعيين للجان الطاعة في الجامعات ومعاهد التعليم العالي، مقابل إبعاد 21 طالبة وطالباً جامعياً عن التعليم حتى إشعار آخر، علاوة على 3 حالات ملاحقة أخرى قيد المراجعة.

عقب طوفان الأقصى، وخلال أسبوعين فقط، رصد "ائتلاف الطوارئ" نحو 90 حالة اعتقال لمواطنين عرب، و99 ملاحقة لطلاب وطالبات جامعيين/ات، و40 حالة طرد من العمل، و12 اعتداء على صحافيين/ات في المجتمع العربي في إسرائيل

يُضاف لهذه الانتهاكات، 40 حالة إقالة عن العمل بسبب منشورات على وسائل التواصل

في شأن الإقالات والفصل عن العمل، علماً أنه أقيل نصفهم مُباشرة، والنصف الآخر بعد إجراء جلسة استماع أو استجواب.

ورصد الائتلاف أكثر من 150 منشوراً محرّضاً ضد المجتمع العربيّ، تراوحت بين دعوات لمقاطعة المجتمع العربي أو المطالبة بملاحقة سياسية وقضائية لناشطين وشخصيات وطلاب جامعيين إثر منشورات لهم على الشبكات الاجتماعية، ومنشورات تحريضية بحتة، تدعو لملاحقة المواطنين العرب لمجرد كونهم عرباً.

ونجح متطوعون في التبليغ عن وشطب 18 منشوراً، والتبليغ عن 4 منشورات محرّضة إضافية عبر شبكات التواصل الاجتماعي.

حالة استهداف استثنائية

بالعودة إلى المحامية سوسن زهر، فإنها تشدّد على أن الانتهاكات والاعتداءات على المواطنين العرب في إسرائيل هذه المرة تأخذ طابعاً مختلفاً وأشد عنفاً.

تسترسل: "لا نتحدّث عن تضييق أو قيود كلاسيكية على حرية التعبير، وإنما عن عبارات عادية يتوجّب على الفرد أحياناً أن يشرح أنه لم يقصد من ورائها شيئاً. نتفهّم أن حرية التعبير تتقلّص وقت الحرب، لكن أن تتقلّص لدرجة أن أي شخص يتجرّأ على فتح فمه يتعرّض لملاحقة سياسية وتحريض؟ هذا يعني أننا نواجه حالة من الملاحقة السياسية المكثّفة والممنهجة والسيئة النية، والتي لا غاية لها سوى الانتقام"، مشدّدةً: "كل العنصرية والفوقية التي عانى منها المواطنون العرب في إسرائيل قبل السابع من تشرين الأول/ أكتوبر ليست شيئاً مقارنةً بما يتعرّضون له الآن".

الأخطر من الملاحقة القانونية وخسارة العمل و/أو التعليم هي حملات "التحريض وتشويه السمعة" عبر مجموعات وصفحات إسرائيلية لا هم لها سوى التحريض ضد المواطنين العرب، ما يجعل حياتهم معرضة للخطر وتتركهم غير شاعرين بالأمن إذا ما غادروا منازلهم

وتوضح زهر أن ممرّضاً خضع لجلسة استماع لا لشيء إلا لأنه استفسر عن دليل على الرواية التي روّجها إعلام إسرائيلي بأن "المقاومة الفلسطينية" قطعت رؤوس 40 طفلاً، وهي الرواية التي اتضح لاحقاً كذبها، وتراجع البيت الأبيض والإعلام الغربي عن ترديدها. "هذا الممرّض لم ينتقد حتى الرواية الإسرائيلية. كل ما ذكره هو: ‘بس خلينا نشوف الأدلة‘... مجرّد التعبير عن الشك، وقد تعرّض لانتقام".

وهي تضيف: "بعيداً عن الملاحقة بسبب المنشورات على مواقع التواصل الاجتماعي، يكفي أن يتقدّم أي مواطن إسرائيلي بشكوى يعرب فيها عن شعوره بالانزعاج أو عدم الارتياح لرأي أو حديث مع زميل عربي له في العمل أو الدراسة، حتى يخضع هذا المواطن العربي لجلسة استماع، أو يُفصل من العمل/ الدراسة حتّى بدون استماع".

وتعرب زهر عن دهشتها أن الملاحقات شملت أشخاصاً نشروا آيات قرآنية أو أبيات شعر لمحمود درويش أو مقولات لغسان كنفاني، أو مجرّد صور تُظهر الدمار الذي أحدثه القصف الإسرائيلي على غزّة، مستدركةً: "يبدو أنه لا تسامح مطلقاً مع أي شكل من أشكال التعاطف أو التعبير عن التضامن مع ‘الأبرياء‘ الذين يسقطون ضحايا للحرب في غزة"، وقد شدّدت زهر على أن السلطات الإسرائيلية تحظر بشكل تام كافة أشكال التظاهر ضد استمرار الحرب أو دعم المدنيين.وتختم بالتأكيد على أن الأخطر من الملاحقة القانونية وخسارة العمل و/أو التعليم هي حملات "التحريض وتشويه السمعة" عبر مجموعات وصفحات إسرائيلية لا هم لها سوى التحريض ضد المواطنين العرب، ما يجعل حياتهم معرضة للخطر وتتركهم غير شاعرين بالأمن إذا ما غادروا منازلهم.


رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

ما زلنا في عين العاصفة، والمعركة في أوجها

كيف تقاس العدالة في المجتمعات؟ أبقدرة الأفراد على التعبير عن أنفسهم/ نّ، وعيش حياتهم/ نّ بحريّةٍ مطلقة، والتماس السلامة والأمن من طيف الأذى والعقاب المجحف؟

للأسف، أوضاع حقوق الإنسان اليوم لا تزال متردّيةً في منطقتنا، إذ تُكرّس على مزاج من يعتلي سدّة الحكم. إلّا أنّ الأمر متروك لنا لإحداث فارق، ومراكمة وعينا لحقوقنا.

Website by WhiteBeard
Popup Image