قبل نكبة 1948 شُغل زعماء "الحركة الصهيونية" بكيفية ترحيل العرب الفلسطينيين إلى دول أخرى، من أجل إحداث تغييرات ديمغرافية على الأرض وإقامة الدولة اليهودية، فتباروا في تقديم مقترحات عديدة في هذا الشأن، من بينها مقترحان يقضيان بتهجير الفلسطينيين إلى العراق، وتمليكهم أراضي زراعية هناك، ومنحهم أموالاً ضخمة.
يذكر مفيد عمر أسعد، في كتابه "الهجرة الفلسطينية إلى خارج فلسطين خلال عهد الانتداب البريطاني 1917-1948"، أنه في ثلاثينيات القرن الماضي، وفي ذروة اندلاع الثورة الفلسطينية المسلحة آنذاك، تشكل إجماع قومي بين الأحزاب الصهيونية في فلسطين ينادي بطرد الفلسطينيين إلى الدول العربية، خاصة إلى سوريا والعراق، وتزعم هذا الإجماع حزب الماباي الصهيوني.
وفي تلك الأثناء باشرت الحركة الصهيونية بتشكيل لجنة خاصة بترحيل السكان الفلسطينيين، وتضمنت عدداً من الخطط، منها خطة إدوارد نورمان الرامية لتهجير الفلسطينيين إلى العراق، والتي شرح خطوطها العريضة لأول مرة عام 1934، في مذكرة بعنوان "موقف تجاه المسألة العربية في فلسطين".
كان نورمان مليونيراً يهودياً، مقرّه في نيويورك، وفي سنة 1939 أسس ورأس الصندوق الثقافي الأمريكي الإسرائيلي، وكان عضواً في مجلس أمناء الجامعة العبرية، وشغل منصب رئيس اللجنة الاقتصادية الأمريكية لفلسطين بين أعوام 1939- 1943، وبذل كثيراً من أمواله ونشاطه السياسي لدعم الاستيطان اليهودي في فلسطين.
لماذا العراق؟
بُنيت خطة نورمان على أساس ضمان امتلاء فلسطين باليهود تدريجياً، وفي الوقت نفسه إيجاد مكان آخر يذهب إليه السكان العرب، ومن هنا جاء اقتراحه حول الدولة العراقية، فهي واحدة من بين الدول العربية التي تصلح لتوطين الفلسطينيين فيها، خصوصاً الذين يمارسون أعمال الزراعة، بحسب أسعد.
قبل نكبة 1948 شُغل زعماء الحركة الصهيوينة بكيفية ترحيل العرب الفلسطينيين إلى دول أخرى، من أجل إحداث تغييرات ديمغرافية على الأرض وإقامة الدولة اليهودية، فتباروا في تقديم مقترحات عديدة في هذا الشأن، من بينها مقترحان يقضيان بتهجير الفلسطينيين إلى العراق
وتضمن مخطط نورمان أن تقدم الحكومة العراقية للفلسطينيين الأرض، وأن تسمح بدخولهم مع ممتلكاتهم دون دفع ضرائب ورسوم دخول، وقدّر حجم التكاليف اللازمة لتوطين تلك العائلات الفلسطينية بـ300 دولار للعائلة المكونة من ستة أشخاص.
وفي عام 1937، طرح نورمان صيغة جديدة لخطته، أكد فيها أنه "من العبث أن يتطلع المرء إلى السلام والتعاون على أي أساس مشترك بين العرب واليهود في فلسطين، لذا يجب أن تُنفذ هذه الخطة عن طريق اليهود، لأنهم هم الذين يحتاجون إلى الأرض"، وقُدرت تكاليف هذه الخطة بـ1800 دولار للعائلة المكونة من ستة أشخاص.
غير أن نورمان طرح صيغة ثالثة لخطته في عام 1938، قال فيها إن "الطبيعة الجوهرية للمشكلة الفلسطينية ليست سياسية بل اقتصادية، وأن الترحيل إلى العراق سيسمح للهجرة الصهيونية بأن تمضي قُدماً، فالطبيعة البدوية للفلسطينيين تجعلهم غير متمسكين بالأرض، لأنه ليس ثمة فارق بين فلسطين والعراق، أو أي بلد عربي آخر"، ذكر أسعد.
خطة التنفيذ
وفي سبيل تحقيق مخططه، طالب نورمان بتنفيذ حملة "تربوية" صهيونية في صفوف الفلسطينيين لإعدادهم لقبول ترحيلهم إلى العراق، والعيش في مملكة عربية مستقلة، ورأى أن خطته قد تُطلق أولاً من خلال العثور على صاحب أرض واحد يقتنع بالمزايا المادية لتوطينه في العراق، وبذلك يبدأ نقل المزارعين قرية قرية، ويتطلب ذلك التعامل مع الوكلاء أو مع الأشخاص البارزين في كل قرية، حسب ما ذكر سعيد جميل تمراز، في كتابه "طرد الفلسطينيين في الفكر والممارسة الصهيونية 1882-1949".
وسعى نورمان إلى الاتصال مع الحكومة البريطانية للتعاون معها في تنفيذ الخطة، بحجة أن "بريطانيا العظمى تحتاج إلى سكان أوفياء لها في فلسطين، تتماثل مصالحهم مع مصالحها، ويكونون على استعداد للدفاع عن تلك المصالح، وعن الطريق إلى الهند والشرق، ولليهود مصلحة كبرى في قوة الإمبراطورية، وسيكونون ملزمين بالدفاع عنها".
واقترح نورمان أيضاً إرسال خبراء لدراسة إمكانيات العراق في مجالَي الزراعة والريّ، والاستعلام بصورة مبدئية عن تكاليف النقل، وإمكانية تطوير العراق، على أن يتم التواصل مع الحكومة هناك لإقناعها بالفكرة، وحضهم على قبول الذين يزمع طردهم مقابل مبالغ مالية، بحسب تمراز.
وفي حال موافقة الحكومة العراقية على المشروع، كان عليها أن تمنح الأراضي للمُرحّلين الفلسطينيين مجاناً، وتنقل ملكيتها إليهم، وتسهّل دخولهم دون جوازات سفر، أو تأشيرات دخول، أو رسوم، وتمنحهم الجنسية العراقية خلال عام واحد من السكن في العراق، حسب ما تضمن مقترح نورمان.
إقناع أمريكا بخطة الترحيل
يذكر تمراز، أن نورمان بذل جهوداً كثيرة خلال الحرب العالمية الثانية 1939-1945 لإقناع الحكومة الأمريكية بتبني خطة ترحيل الفلسطينيين إلى العراق، من خلال ربط المشروع بخدمة الأهداف الحربية الأمريكية، فذكر أن ترحيل اليد العاملة الزراعية الفلسطينية إلى العراق أمر بالغ الأهمية، خاصة بالنسبة لمسألة الإنتاج المحلي للغذاء، والذي تحتاج إليه القوات الأمريكية وغيرها من قوت الحلفاء في منطقة الشرق الأوسط، بدلاً من الاعتماد على استيراد تلك المؤن الغذائية من المناطق البعيدة.
وفي تشرين الأول/أكتوبر 1945، وجه نورمان رسالة للرئيس الأمريكي الجديد آنذاك هاري ترومان، زعم فيها "أن حل المسائل السياسية من خلال الترحيل قد أصبح وسيلةً معترفاً بها". ثم أرسل له رسالة أخرى قال فيها: "أُجريت قبل عدة أعوام دراسة مستفيضة عن إمكان استيعاب العراق لنسبة عالية من عرب فلسطين، وأفادت النتائج التي توصلت إليها، أن إعادة توطين نحو 750 ألف فلاح فلسطيني عربي في العراق لا تتضمن أي صعوبات عملية".
مشروع بن حورين
ولم يكن نورمان الوحيد من زعماء الحركة الصهيونية الذي طرح فكرة ترحيل الفلسطينيين إلى العراق، فقد بدأ إلياهو بن حورين في سنة 1943 الدعاية لمشروع ترحيل العرب إلى العراق، أو دولة عراقية–سورية موحدة. ويذكر نور الدين مصالحة في كتابه "طرد الفلسطينيين؛ مفهوم الترانسفير في الفكر والتخطيط الصهيونيين 1882-1948"، أن بن حورين كان عضواً في حركة التصحيحييين اليهودية، وكان يعمل في الإعلام.
باشرت الحركة الصهيونية بتشكيل لجنة خاصة بترحيل السكان الفلسطينيين، وتضمنت عدداً من الخطط، منها خطة إدوارد نورمان الرامية لتهجير الفلسطينيين إلى العراق، والتي شرح خطوطها العريضة لأول مرة عام 1934.
وبدأ بن حورين الدعاية لمقترحه في كتابه "The Middle East: CROSSEROADS Of History"، وذكر أن "عرب فلسطين لن يتم ترحيلهم إلى بلد أجنبي، بل إلى أرضٍ عربية أخرى، والمسافة بين وطنهم الجديد ووطنهم القديم قصيرة، ولا تتطلب عبور المحيطات والبحور، والأحوال المناخية هي هي. وإذا خُطط لمشروع الترحيل والاستعمار جيداً، ونُفذ بانتظام، فسيحصل الفلاح الفلسطيني على تربة أفضل وشروط عيش أحسن مستقبلاً من تلك التي يمكن له أن يتوقعها يوماً في فلسطن، كما أن العربي من سكان المدن سيجد مجالاً أوسع كثيراً لنشاطه وطموحاته ضمن إطار دولة عربية خالصة أوسع".
وبحسب مصالحة، ذكر بن حورين أن ترحيل السكان العرب من فلسطين وشرق الأردن إلى العراق، مع ما يواكبه من ترحيل متزامن ليهود العراق واليمن وسوريا إلى فلسطين، يمكن أن يُنفذ في مهلة ثمانية عشر شهراً، ومن خلال معونة ودعم عالمي فعّال، وإذا تم اعتماد هذه السياسة فإن فلسطين الغربية (أي غرب الأردن) وحدها يمكن أن توفر للمهاجرين اليهود كل الأراضي التي يزرعها العرب حالياً.
وعلى غرار نورمان، ناشد بن حورين الإدارةَ الأمريكية لدعم هذه الحملة وفرض تهجير العرب، وكان يستجدي في ذلك دعم هربرت هوفر، رئيس الولايات المتحدة السابق، والذي كان يتعاطف مع الصهيونية منذ أمد بعيد، وكان مُطلعاً على خطة نورمان وضغوطه للترحيل إلى العراق. لذا سعى بن حورين لمقابلة هوفر في أواخر سنة 1943 وعرض الفكرة عليه.
ويبدو أن هوفر وافق على المشاركة في تنفيذ خطة بن حورين، وبعد ذلك بعامين، أي في 19 تشرين الثاني/نوفمبر 1945، أُطلقت حملة الترحيل الصهيونية الأمريكية علناً على شكل ما سُمي بـ"خطة هوفر"، والتي قُدّمت إلى البيت الأبيض أيضاً.
وبحسب مصالحة، لاقت الخطة تأييدَ عدد من الشخصيات اليهودية، مثل فيلكس فرانكفورتر، الذي كان مستشاراً قانونياً للوفد الصهيوني إلى مؤتمر الصلح في باريس عام 1919، وكذلك الحاخام أبا هيلل سلفر، الذي كان آنئذ رئيساً لمجلس الطوارئ الصهيوني الأمريكي ورئيساً للفرع الأمريكي للوكالة اليهودية بين سنتي 1946 و1948، حيث أصدر مجلس الطوارئ بياناً رحب فيه بالفكرة، كما التحق إليشع م. فريدمان، وهو مستشار مالي صهيوني كان يعيش في نيويورك، بفريق "بن حورين–هوفر".
وزعم هوفر علناً أنه بالنظر لكونه مهندساً، فإن خطته لترحيل العرب يعد حلاً "هندسياً" للصراع في فلسطين.
يذكر مفيد عمر أسعد في كتابه أن مشروع ترحيل الفلسطينيين إلى العراق لم يكن له أي حظ يُذكر في التنفيذ، إلا أن الصهيونية نجحت خلال تلك الفترة في تسجيل انتصار سياسي لها خلال الحرب العالمية الثانية
ويروي مصالحة، أن هوفر جمع حوله مجموعةً من المهندسين في نيويورك لمناقشة الجوانب العملية والتقنية في الخطة، كما حاول أن يثير اهتمام الملويونير اليهودي الأمريكي برنارد باروخ بالخطة، وأن يحصل على دعم صاحب صحيفة "نيويروك تايمز" آرثر سلزبيرغر.
غير أن ردة الفعل العربية سرعان ما أتت من خليل طوطح، الرئيس التنفيذي لمؤسسة الشؤون العربية–الأمريكية، وذلك في رسالة بعث بها إلى صحيفة "نيويورك تايمز" بتاريخ 24 كانون الأول/ديسمبر 1945، رفض فيها الخطة رفضاً باتاً استناداً إلى أسس أخلاقية ودينية وسياسية، وأوضح "أن الأمر ليس مسألة تمويل وهندسة، إنه مسألة إنسانية وأخلاقية ودينية لا يمكن النظر إليها من زاوية الاعتبارات التقنية المحض... إن لُبّ الموضوع هو ما إذا كان عرب فلسطين يرغبون في الترحيل إلى العراق أو لا... وحتى لو اعتُبرت البلاد العربية وحدة واحدة، فهذا لا يبرر جمع مليون عربي في فلسطين في رزمة وإرسالهم إلى العراق لفسح المجال أمام مزيد من الهجرة الصهيونية".
نجاح من نوع آخر
ويذكر أسعد في كتابه المذكور آنفاً، أن مشروع ترحيل الفلسطينيين إلى العراق لم يكن له أي حظ يُذكر في التنفيذ، إلا أن الصهيونية نجحت خلال تلك الفترة في تسجيل انتصار سياسي لها خلال الحرب العالمية الثانية، تمثل في تبني مؤتمر حزب العمال البريطاني المعقود في كانون الأول/ديسمبر 1944 للموقف الصهيوني من ترحيل الفلسطينيين خارج وطنهم.
وجاء في نص القرار، والذي صاغه هيو دالتون أحد مناصري الصهيونية المتطرفة في حزب العمال البريطاني: "فليتشجع العرب على الخروج، بينما يتوالى دخول اليهود، وليُعوض عليهم تعويضاً سخياً في مقابل أراضيهم، وليكن توطينهم في مكان آخر مُنظَّماً بعناية، وممولاً بسخاء حقاً، يجب أن نعيد النظر في إمكان توسيع الحدود الفلسطينية القائمة حالياً، وذلك بالاتفاق مع مصر وسوريا وشرق الأردن".
وفي 9 كانون الأول/ديسمبر 1946، عُقد المؤتمر الصهيوني الثاني والعشرون في مدينة بازل بسويسرا، حيث أعرب الناطق الرسمي باسم الصهيونية حاييم غرنبيرغ عن اعتقاده بأن قيام دولة يهودية يستتبع ترحيلاً قسرياً لقسم كبير من سكان هذه الدولة من العرب، وهذا ما تحقق في ما بعد عن طريق العصابات الصهيونية المسلحة.
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
مستخدم مجهول -
منذ 21 ساعةمتى سوف تحصل النساء في إيران على حقوقهم ؟!
مستخدم مجهول -
منذ يومفاشيه دينيه التقدم عندهم هو التمسك بالتخلف
مستخدم مجهول -
منذ يومعظيم
Tester WhiteBeard -
منذ يومينtester.whitebeard@gmail.com
مستخدم مجهول -
منذ يومينعبث عبث
مقال عبث من صحفي المفروض في جريدة او موقع المفروض محايد يعني مش مكان لعرض الآراء...
مستخدم مجهول -
منذ 6 أيامرائع