شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

اشترك/ ي وشارك/ ي!
الفرق بين التعاطف الإنساني والتضامن السياسي... هل عدنا إلى نقطة البداية؟

الفرق بين التعاطف الإنساني والتضامن السياسي... هل عدنا إلى نقطة البداية؟

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

رأي نحن والحقوق الأساسية

الأربعاء 25 أكتوبر 202312:37 م
Read in English:

The paradox of humanitarian sympathy and political reality: Reassessing the world's response to Israel’s invasion

يمكن لأي أحد أن يتحدث عن العالم الشرقي والعالم الغربي من منطلق ثقافي، أو من ناحية اعتبارات المصالح أو التوجهات، ويمكنه أن يعتمد هذا التصنيف الجغرافي لتدوين المقالات والأبحاث فيما يخص المرجعيات الأخلاقية أو المعايير السلوكية، ويمكنه أن يؤكد مقولاته بما هو واضح من أحلاف عسكرية واقتصادية وسياسات تنمية وتجارة.

كل ما سبق ممكن، وهو كان ظاهراً للعيان وسيظل ظاهراً إلى أن يرث الله الأرض بحروبها وثقافاتها، لكن ما هو غير ممكن، منذ الحرب العالمية الثانية على الأقل، هو تقسيم العالم إلى شرق وغرب فيما يخصّ القانون الدولي، أو شرعة حقوق الإنسان، أو اللوائح المجرّمة لفعل حربي على مستوى الجماعات أو الأفراد.

أقصد بما سبق، أن عالم ما بعد الحرب العالمية الثانية اتخذ مسمى "الأسرة الدولية" المضبوطة باتفاقيات موقعة ومتفق عليها من جميع الأطراف. يبقى أن كل جماعة أو دولة أو طرف يستطيع التنصّل أو التملّص من هذه الاتفاقيات وممارسة نقيضها، اعتماداً على ثلاثة ظروف أو معايير:

نحن الطرف الضعيف عسكرياً في هذه المعادلة، ولا يجب أن نكون الطرف الضعيف في معادلة القانون أيضاً. وغني عن القول إن القوي لا يلزمه قوانين ولا شرائع حين يريد الهجوم أو القتل أو حتى الدفاع عن نفسه، بينما الطرف الضعيف عسكرياً هو الذي يلجأ لهذه القوانين على أمل أن تنصفه

المعيار الأول هو أن "القوي عايب" كما يقال، أي أن القوي عسكرياً بالذات، يستطيع أن يضرب بعرض الحائط بعض أو كل هذه الاتفاقيات والتفاهمات الدولية، إن شعر أنها تقف عائقاً أمام توسعه، أو تحقيق بعض أو كل أهدافه غير المشروعة.

الظرف الثاني أو المعيار الذي يستطيع من خلاله أي طرف أو كيان أو دولة أن يتملّص من هذه الاتفاقيات، هو قوة آلته الإعلامية وإمكانياتها التي يستطيع من خلالها قلب الحقائق، بحيث لا يبدو التنصّل إلا مؤقتاً أو مبرّراً لظروف مؤقتة، أو أن ظروفاً قاهرة فرضته.

أما الظرف الثالث فهو الخطر الوجودي، المبرّر أو المصطنع، والذي يستدعي فرض حالات الطوارئ، وما يتبع ذلك من انتهاكات بالجملة في ساحة العدو، وأحياناً في ساحة الصديق.

النقاط الثلاث السابقة متحققة دوماً عند إسرائيل، فهي القوي العايب الذي لا يكف عن التوسع والقتل، بل والإبادة في كثير من الحالات، وهي التي تمتلك، إضافة إلى هذه القوة العسكرية المرعبة، قوة إعلامية لا يستهان بها، ومتغلغلة في كل مفاصل الإعلام العالمي، وهي التي تروّج دوماً للخطر الوجودي الذي يحيق بها من جيرانها الفلسطينيين والعرب عموماً.

إذن القانون الدولي الإنساني واحد وينطبق على الجميع، وهو لا يختص بشرق دون غرب أو بدولة دون أخرى، وما نراه من انتهاكات له لا تعني عدم وجوده، ولو كانت الهيئات العالمية المنوط بها حمايته وتنفيذه، هيئات ضعيفة ولا تملك قوة تنفيذية لفرضه إلا بمساعدة الأقوياء أنفسهم.

وهذا هو ما يبرّر الشكوى الدائمة للطرف الضعيف حين يتم انتهاك حقوقه بشكل فاضح، ولا تستطيع هذه الهيئات إنصافه. كما أن عدم تطبيقه لا يعني المناداة بإلغائه مثلاً، أو بتحميله المسؤولية عن الأضرار التي تلحق بالطرف الضعيف، أو بمحاولة خلق قانون آخر مستمدّ من قيم أو مفاهيم تنتمي لمكان وزمان آخرين.

هذه المقدمة ضرورية لمحاولة فهم طريقتنا في التعامل مع الغرب وتعامل الغرب معنا، ولمحاولة فهم الفارق بين خروج الآلاف نصرة لنا في شوارع لندن، بينما حكومة لندن تصطف بكل قوتها مع عدونا.

يمكن بالطبع فهم الشكوى الدائمة، وخطاب المظلومية الذي يسيطر على الطرف الواقع عليه الإجحاف، وهو في حالتنا المحددة نحن، أي الطرف الفلسطيني، لكن لا يمكن فهم مهاجمة القانون نفسه ولا المعايير والاتفاقيات التي تحكم العالم ككل، وكأنها هي الغرب، وإن كان الغرب هو من يساهم في تعطيلها حين يتعلق الأمر بنا وبقضيتنا.

وبهذا الصدد يمكن تسجيل بعض الملاحظات التوضيحية:

إن اللجوء للقانون الدولي، وللمجتمع الدولي، ولشرعة حقوق الإنسان، وللشرعية الدولية، يجب أن يكون دائماً، أي في أوقات الراحة كما هو في أوقات الشدة. لا يجب أن نهاجم هذه الشرائع والقوانين ونحن في وضع السكينة أو الانتصار، ثم نلجأ إليها ونناشدها وقت الشدائد. كما أنه لا يجب أن نتصرّف بمعزل عنها حين نريد، ثم نتوسلها حين يقوم عدونا بالتصرف بمعزل عنها.

نحن الطرف الضعيف عسكرياً في هذه المعادلة، ولا يجب أن نكون الطرف الضعيف في معادلة القانون أيضاً. وغني عن القول إن القوي لا يلزمه قوانين ولا شرائع حين يريد الهجوم أو القتل أو حتى الدفاع عن نفسه، بينما الطرف الضعيف عسكرياً هو الذي يلجأ لهذه القوانين على أمل أن تنصفه، وحين لا تنصفه، لا يجب عليه إدارة الظهر لها، بل عليه أن يحاول ويحاول ولا يتوقف عن المحاولة، رغم ما في ذلك من قهر وشعور بالظلم.

الملاحظة الثانية والمهمة هي أنه علينا التفريق بين تضامن الشعوب معنا كقضية إنسانية، وتضامنها معنا كقضية سياسية وطنية. وأي فلسطيني غيور على شعبه وعلى مشروعه الوطني يغضب ويحزن في هذه الأيام وهو يرى هذا المشروع وقد عاد إلى نقطة البداية. لقد كان العالم في سنوات النكبة والنكسة يتعاطف معنا كلاجئين، أو كضحايا تركوا بيوتهم وتقطعت بهم السبل، ثم استطاعت الحركة الوطنية الفلسطينية وحلفاؤها أن تحول هذا التعاطف الإنساني إلى تضامن سياسي.

صحيح أن ذلك حصل بالتراكم وبالأخطاء وتصحيحها، وهو حصل بتضحيات كبيرة وزمن طويل وبطء ممل، لكنه حصل، وصحيح أنه غير كاف لنحصل من خلاله على حقوقنا القومية كاملة، لكنه أنجز اعترافاً عالمياً بهذه الحقوق على الأقل.

هل علينا أن نفرح لهذه الحشود في العالم العربي والغربي، والتي تقف مع معاناتنا، في مقابل خسارتنا لمواقف الدول ذاتها التي كانت تتضامن مع مطالبنا القومية؟ 

الحرب الوحشية على شعبنا في غزة، وبما تتسبّب به من عدد هائل من الضحايا في أوساط المدنيين، وتدمير غير مسبوق للبنية التحتية، وتهجير جدي للسكان بشكل جماعي، أعادت التعاطف الإنساني معنا إلى الواجهة.

هل علينا أن نفرح لهذه الحشود في العالم العربي والغربي، والتي تقف مع معاناتنا، في مقابل خسارتنا لمواقف الدول ذاتها التي كانت تتضامن مع مطالبنا القومية؟ ليس لدي إجابة مقنعة، وللحقيقة لا أعرف إن كنا فعلاً خسرنا هذا التضامن أم أن ما يجري سينتهي لصالحنا. كل ما يسيطر على الذهن، قبل وخلال الكتابة، هو ما يرشح من مصطلحات عن اجتماع مجلس الأمن الآن (مساء الثلاثاء)، واستخدام مصطلحات جديدة في حقل السياسة فيما يخص منطقتنا، مثل "إنشاء" دولة للفلسطينيين، بدل المصطلح المتعارف عليه وهو إقامة الدولة الفلسطينية.

في المقابل هل ستخسر إسرائيل هذه الحرب، ولا أقصد عسكرياً فقط، بل هل ستصبح دولة مجرمة ومنبوذة في العالم، ومكاناً طارداً للأشكيناز وللطبقة الوسطى، وتنغلق على نفسها كدولة للمتدينين، وبالتالي دولة لا تتوافق مع معايير "الأسرة الدولية" للقيم والمبادئ والقانون الدولي الإنساني؟ لا أحد يمتلك إجابة قاطعة.

إنضمّ/ي إنضمّ/ي

رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.



* يعبّر المقال عن وجهة نظر الكاتب/ة وليس بالضرورة عن رأي رصيف22

ما زلنا في عين العاصفة، والمعركة في أوجها

كيف تقاس العدالة في المجتمعات؟ أبقدرة الأفراد على التعبير عن أنفسهم/ نّ، وعيش حياتهم/ نّ بحريّةٍ مطلقة، والتماس السلامة والأمن من طيف الأذى والعقاب المجحف؟

للأسف، أوضاع حقوق الإنسان اليوم لا تزال متردّيةً في منطقتنا، إذ تُكرّس على مزاج من يعتلي سدّة الحكم. إلّا أنّ الأمر متروك لنا لإحداث فارق، ومراكمة وعينا لحقوقنا.

Website by WhiteBeard