مع دخول الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة يومها الثاني عشر، أخذت الأوضاع في الجولان السوري تتصاعد تدريجياً، بجانب تصاعدها في جنوب لبنان، وهما الجبهتان الشمالية والشمالية الغربية لإسرائيل، حيث ازدادت وتيرة القصف المتبادل بين فصائل فلسطينية وحزب الله من جهة، والجيش الإسرائيلي من جهة أخرى.
مساء أمس الأول، الثلاثاء، قال الجيش الإسرائيلي في بيان: "هجماتنا في جنوب سوريا مستمرة، ودمّرنا مزيداً من الأهداف"، وأضاف: "دمّرنا رتلاً عسكرياً لحزب الله في أحد المعسكرات جنوب سوريا". كما أعلن الجيش الإسرائيلي في اليوم نفسه، أن مدفعيته دمّرت مدفعاً داخل سوريا كان يستعد لقصف إسرائيل.
وكانت مجموعات تابعة لفصائل فلسطينية بحسب مصادر لرصيف22، قد استهدفت يوم السبت الفائت في 14 تشرين الأول/ أكتوبر، العمق الإسرائيلي بقذيفتين، لكنهما سقطتا في مساحات خالية، ما دفع الجيش الإسرائيلي إلى الرد على مكان الإطلاق في منطقة حوض اليرموك في ريف درعا الغربي.
هذا القصف والقصف المضاد، اللذان لا يزالان مستمرين برغم تصاعدهما ضمن نطاق ما يُعرف بحدود الاشتباك، يدفعان للتساؤل: هل يمكن أن يؤديا إلى اشتعال جبهة الجولان بدفع إيراني، سواء بمشاركة إيرانية علنية، أو من خلال الأدوات الإيرانية في سوريا؟ وما هي الخيارات المتاحة أمام إيران في ظل الإصرار الإسرائيلي-الغربي على إنهاء حركة حماس في غزة؟
ميليشيات إيران في الجنوب السوري
قبل نحو شهر، بدأت إيران بإرسال تعزيزات إلى الجنوب السوري، وتحديداً محافظتي درعا والقنيطرة، وذلك حتى قبل أن تنفّذ حركة حماس هجومها "المفاجئ" ضد إسرائيل في السابع من الشهر الحالي. ففي مطلع الشهر الحالي، وصلت قوات من لواء الإمام الحسين، "حزب الله السوري"، إلى قاعدة عسكرية للنظام في درعا البلد، تبعها وصول قوة من اللواء نفسه إلى مقر اللواء 82 دفاع جوي في مدينة الشيخ مسكين في ريف درعا.
أيضاً، أرسل حزب الله اللبناني دفعات من مقاتلي النخبة لديه المعروفة بقوات "الرضوان"، واستقر قسم منها في معسكر طلائع البعث في بلدة نبع الفوار في ريف القنيطرة، الذي أعلن الجيش الإسرائيلي عن قصفه أيضاً الثلاثاء في 17 تشرين الأول/ أكتوبر الجاري، كما تم إرسال دفعات من لواء القدس الفلسطيني المدعوم إيرانياً إلى مناطق حدودية في القنيطرة، وسبق ذلك إرسال عناصر من لواء "أبي الفضل العباس"، واستنفار قوات الدفاع الوطني، وكتائب البعث المرتبطة بحزب الله.
أرسل حزب الله اللبناني دفعات من مقاتلي النخبة لديه المعروفة بقوات "الرضوان"، واستقر قسم منها في معسكر طلائع البعث في بلدة نبع الفوار في ريف القنيطرة، فماذا عن باقي الميليشيات؟
كما أن هناك قوات تابعةً لإيران وحزب الله تتواجد في الأصل في الجنوب السوري، وفي مثلث الموت بين درعا والقنيطرة تتواجد ميليشيا "فاطميون"، كذلك في تل الحارة وتل الجابية والتلول في القنيطرة، بالإضافة إلى قسم من قوات النظام السوري وعلى رأسها الفرقة التاسعة في مدينة الصنمين.
هذه القوات المتنوعة والكبيرة تعطي مؤشراً واضحاً على احتمال وجود نية إيرانية في التدخل من جبهة الجولان للدفاع عن حركة حماس التي تعدّها حليفتها الأساسية في فلسطين. وإيران عبّرت أكثر من مرة على لسان مسؤوليها أنها تُحذّر من أن يتحول العدوان على غزة إلى حرب واسعة من خلال فتح جبهات متعددة، أهمها الجولان والجنوب اللبناني.
هل تشعل إيران جبهة الجولان؟
ثمة تصريحات إيرانية ورسائل متناقضة كثيرة منذ بدء الحرب في غزة. فقبل أيام، قالت بعثة إيران لدى الأمم المتحدة إن القوات الإيرانية لن تدخل في اشتباك عسكري مع إسرائيل ما لم تشنّ الأخيرة هجوماً عليها، أو على مصالحها أو مواطنيها، بحسب وكالة "رويترز".
هذا التصريح أتى عقب تهديد إيران غير المباشر لإسرائيل بالتدخل إذا استمر قصف غزة، حسب ما نقل موقع "إكسيوس" الأمريكي، ليتبعه تصريح وزير الخارجية الإيراني، حسين أمير عبد اللهيان، الذي قال فيه: "إذا لم ندافع عن غزة اليوم، فسنضطر غداً إلى التعامل مع القنابل الفوسفورية الإسرائيلية في مستشفياتنا"، وأضاف عبد اللهيان في تصريحات لوكالة "إرنا" الإيرانية، أن "احتمال التحرك الوقائي من قبل محور المقاومة متوقع في الساعات المقبلة".
يقول الخبير العسكري العميد أحمد رحال، في حديث إلى رصيف22، إن "القرار بفتح جبهات سواء في جنوب لبنان أو الجولان، ليس بيد نظام الأسد أو حزب الله أو الفصائل الفلسطينية، إنما بيد إيران، وعلى الرغم من ذلك، فإن إيران لا يمكنها فتح جبهة في الجولان ضد إسرائيل بشكل معلن، خاصةً بعد قدوم حاملتَي طائرات أمريكية وسفن حربية من الولايات المتحدة ودول أخرى، بالإضافة إلى التهديد الأمريكي المعلن والرسائل إلى إيران، لأن أي هجوم إيراني في جنوب لبنان أو الجولان سيقابَل برد أمريكي مباشر وليس إسرائيلياً، وتالياً لن تجرؤ إيران على فتح هذه الجبهة علناً".
من جهته، يوضح المحلل السياسي الإيراني، عدنان زماني، في حديثه إلى رصيف22، أنه "ليس من المرجح أن تفتح إيران جبهةً جديدةً ضد إسرائيل من الجولان السوري فقط، وإنما سيشمل هذا التدخل، في حال حدوثه، كافة الجماعات المسلحة التابعة لها في سوريا ولبنان والعراق وحتى اليمن، فالجبهة السورية بالنسبة لإيران هي الأضعف مقارنةً مع غيرها من حيث النفوذ والسيطرة، والنظام السوري يحاول الابتعاد عن الانخراط في مواجهة مفتوحة مع إسرائيل، لذا قد تصطدم الرغبة الإيرانية مع التردد السوري في جبهة الجولان، لكن لو تقرر دخول جبهة من هذه الجبهات فالمحتمل أكثر هو أن يشملها كلها في آن واحد".
خيارات إيران في المواجهة
إيران ومنذ الثامن من الشهر الجاري، كثفت إرسال عناصر من ميليشياتها إلى الجنوب السوري، خاصةً القنيطرة، حيث قدّمت لهم إغراءات وميزات ماديةً وغير مادية، وهذا ما أشعرها في بداية الأمر بالقوة لتصدر تصريحات وزير خارجيتها بتهديد إسرائيل بشكل مباشر.
"في حال امتنعت إيران عن التدخل، فإسرائيل ستتحول مباشرةً بعد القضاء على حماس في غزة إلى مواجهة حزب الله في لبنان، ولن تنتظر الضربة القادمة مثلما حدث مع حماس"
لكن في مقابل ذلك، أرسلت الولايات المتحدة قوات كبيرةً إلى المنطقة استقرت قرب السواحل اللبنانية والفلسطينية، وكذلك ألمانيا وغيرها، ونقلت "الجزيرة" قبل أيام عن مسؤول في وزارة الدفاع الأمريكية "البنتاغون"، أنه سيتم وضع قوات أمريكية على أهبة الاستعداد إذا استدعت الحاجة نشرها في الشرق الأوسط.
أما المستشار الألماني، أولاف شولتس، فقد حذّر يوم الثلاثاء الماضي أيضاً من أي تدخل من قبل جهات خارجية في النزاع، وقال إن لإسرائيل الحق في الدفاع عن نفسها وحماية مواطنيها. كما أكد شولتس، وقوف بلاده مع إسرائيل في الأوقات الصعبة، وأن أمنها وأمن مواطنيها جزء من العقيدة السياسية لألمانيا.
هذه التصريحات المباشرة من المسؤولين في الولايات المتحدة وألمانيا ودول أوروبية أخرى، من الواضح أنها كبحت جماح إيران في التدخل المباشر ليكون اعتمادها على أدواتها في سوريا، بحسب العميد رحال، الذي يؤكد أن إيران ستعمل على تحريك أدواتها في الجولان في مناوشات لا تتجاوز حدود الاشتباك، وذلك بالقدر الذي يجري حالياً في جنوب لبنان، كما سيتم نسب معظم العمليات إلى فصائل فلسطينية فتنأى إيران بنفسها عن فكرة التدخل.
أما عدنان زماني، فيرى أن "إيران باتت أمام أمرين كلّ منهما مرّ؛ التدخل بجانب حماس لمنع سقوطها والقضاء عليها أو عدم التدخل. ففي حال حدث الأول فإنها ستواجه رد فعل أمريكي مباشر، ما يعني أنها ستكون أمام سيناريو مخيف ومجهول وهو الحرب. وفي حال امتنعت عن التدخل، فينتظرها مستقبلان في ظل هذا السيناريو؛ الأول هو أن إسرائيل ستتحول مباشرةً بعد القضاء على حماس في غزة إلى مواجهة حزب الله في لبنان، ولن تنتظر الضربة القادمة مثلما حدث مع حماس، والمستقبل الثاني الذي ينتظر إيران إذا امتنعت عن التدخل هو مزيد من التآكل الشعبي لإيران بين أنصارها الذين يؤمنون بضرورة دعم حماس كونها جزءاً من "محور المقاومة"، وتالياً فإن دخول إيران المحتمل، مباشرةً أو عبر أذرعها، في هذه الحرب، لن يكون حباً بحماس وإنما إيماناً منها بأن سقوط حماس يعني أن الدور سيأتي على حزب الله ولاحقاً إيران".
لا يبدو أن إيران وبعد كل الحشود العسكرية الغربية في المنطقة يمكن أن تدخل في مواجهة مباشرة مع إسرائيل أو الغرب، وهذا أدى إلى فتور الخطاب الإيراني على لسان رئيسها إبراهيم رئيسي، أمس الأول الثلاثاء، خلال تجمع تأييد لغزة، إذ اقتصرت مطالباته على فتح ممر إنساني لإدخال المساعدات الإنسانية إلى غزة، ولكن في الوقت نفسه يبدو أن إيران زجّت بميليشياتها في المواجهات، ويمكن أن تثير أيضاً بعض القلاقل في اليمن والعراق.
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
مستخدم مجهول -
منذ 3 ساعاتربما نشهد خلال السنوات القادمة بدء منافسة بين تلك المؤسسات التعليمية الاهلية للوصول الى المراتب...
مستخدم مجهول -
منذ 13 ساعةحرفيا هذا المقال قال كل اللي في قلبي
مستخدم مجهول -
منذ يومينبكيت كثيرا وانا اقرأ المقال وبالذات ان هذا تماما ماحصل معي واطفالي بعد الانفصال , بكيت كانه...
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ أسبوعرائع. الله يرجعك قريبا. شوقتيني ارجع روح على صور.
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعحبيت اللغة.
أحضان دافئة -
منذ أسبوعمقال رائع فعلا وواقعي