بعد هدوء نسبي شهدته منطقة شمال غرب سوريا، على مدار السنوات الثلاث الماضية، بعد اتفاق خفض التصعيد بين روسيا وتركيا، عاودت قوات النظام السوري والميليشيات الإيرانية المساندة له تصعيدهما العسكري في المنطقة.
منذ سبعة أيام لم تهدأ مدفعية قوات الأسد وميليشيات إيران وصواريخهما، بالإضافة إلى الطيران الحربي الروسي، في حملة قصف مكثّف استهدفت الأحياء السكنية في مدن وبلدات محافظة إدلب وأرياف حماه الشمالية وحلب الغربية، خلّفت إلى الآن 45 قتيلاً و279 جريحاً، ودماراً في البنى التحتية، خاصةً في المرافق الصحية، ونزوح آلاف العائلات إلى المناطق الحدودية الأكثر أمناً، وفق إحصائية نشرها الدفاع المدني السوري.
لماذا التصعيد الآن؟
يأتي هذا التصعيد المفاجئ في المنطقة، بعد التفجير الذي وقع في الكلية الحربية في حمص في 5 تشرين الأول/ أكتوبر الجاري، وفي ظل عملية عسكرية أطلقتها تركيا شرق الفرات، وتزامناً مع عملية "طوفان الأقصى" التي أطلقتها حماس على المستوطنات الإسرائيلية في غلاف غزة، والتي بدأت في 7 تشرين الأول/ أكتوبر الجاري. فما الذي يتغير؟ ولماذا هذه الحملة اليوم؟ وما الهدف منها؟
يقول المحلل السياسي حسن النيفي، في حديثه إلى رصيف22، إن "ما يحدث في الشمال السوري له صلة وثيقة ببواعث سورية محلية أكثر مما له صلة بأحداث أخرى كأحداث غزة. فالنظام افتعل عملية الكلية الحربية في حمص، وكان من المتوقع أن يقابل ذلك تصعيد تجاه الشمال السوري، وبالفعل كانت هناك حملة شرسة على المنطقة، وكانت حرباً جنونيةً، وما زالت مستمرةً إلى الآن برغم الإعلان عن هدنة".
في الوقت نفسه، يشير النيفي إلى أن نظام الأسد ليس بحاجة إلى مبررات للعدوان على مناطق الشمال السوري، وبرأيه، السبب الرئيسي لهذا العدوان، له صلة مباشرة بالحراك الشعبي في مدينة السويداء، حيث يقف النظام عاجزاً أمامه، فيريد أن يشوش على هذا الحراك وأن تدخل البلاد في دوامة من العنف والفوضى وخلط الأوراق. فالمظاهرات في السويداء مستمرة، وحظيت بتضامن دولي، خاصةً من الجانب الأمريكي والأوروبي".
"ما يحدث في الشمال السوري له صلة وثيقة ببواعث سورية محلية أكثر مما له صلة بأحداث أخرى كأحداث غزة. فالنظام افتعل عملية الكلية الحربية في حمص، وكان من المتوقع أن يقابل ذلك تصعيد تجاه الشمال السوري، وبالفعل كانت هناك حملة شرسة على المنطقة، وكانت حرباً جنونيةً، وما زالت مستمرةً إلى الآن برغم الإعلان عن هدنة"
من جهته، يرى المحلل العسكري العميد عبد الجبار العكيدي، أن "من عادة الأنظمة الديكتاتورية الشمولية تصدير أزماتها باتجاه الخارج للهروب من مآزقها الاقتصادية الداخلية، فموضوع السويداء سبّب للنظام أرقاً وأزمةً، فقد أصبح متيقناً من أن السويداء خرجت من سيطرته، وتالياً أصبحت خارج حسابات النظام، الذي لا يجرؤ على أن يقترب منها لحسابات يخافها، كادّعائه حماية الأقليات في سوريا".
يعتقد الباحث في مركز عمران للدراسات الإستراتيجية الدكتور معن طلاع، أن "الجديد في ما يحصل في شمال سوريا، متعلّق ببنية الفواعل نفسها وتغيير تموضعهم، لا سيما هيئة تحرير الشام ومحاولة تمددها خارج حدودها، سواء في عفرين أو جنديرس وصولاً إلى أخترين شمال حلب، عبر أذرع وتحالفات جديدة، عكست هشاشةً عميقةً في هيكلية الجيش الوطني على المستوى التنظيمي والتحالفات وعلى مستوى اتخاذ القرار".
مكاسب اقتصادية
من وجهة نظر طلاع، فإن "عملية القصف هي محاولة للضغط على الدول لتغيير حدود الاتفاق في أستانة وبلورة اتفاق جديد يفضي إلى مكاسب اقتصادية للنظام، على الأقل توصله إلى معبر باب الهوى الحدودي مع تركيا، فنرى أنه سرعان ما أخذ قرار ضرب إدلب مستغلاً حادثة الكلية الحربية ليضغط على في هذا الاتجاه، لأن كل بوصلة النظام من 2018 إلى هذا اللحظة من تطبيع عربي وذهابه إلى الصين، اقتصادية، لأن الأزمات الاقتصادية وصلت الى حدها في مناطق سيطرته".
ويقول: "يعوّل النظام على البنية المحلية في إدلب والاختراقات في البنية العشائرية، فهو يضغط على شمال غرب سوريا في موضوع اتفاق المعابر، لأن هذه البقعة الجغرافية مرتبطة بأستانة، بينما شمال شرق سوريا يتطلب حسبةً أخرى، وهوامش اللعب مع الولايات المتحدة الأمريكية خطرة بالنسبة له".
تفجير الكلية الحربية
على خلفية التفجير الذي حصل في حفل تخريج الكلية الحربية في مدينة حمص، اتهم نظام الأسد الفصائل العسكرية الموجودة في إدلب بضلوعها بالتفجير، الذي خلف 89 قتيلاً و200 جريح بين الضباط وذويهم.
وحصل تفجير الكلية الحربية في الساعة الثانية وعشر دقائق في يوم 5 تشرين الأول/ أكتوبر الجاري، وأول قذيفة أطلقها النظام على الشمال السوري، كانت في تمام الساعة الرابعة إلا ربع من اليوم نفسه، باستهداف السوق الشعبي في مدينة جسر الشغور غرب إدلب.
وفق طلاع، فإن "النظام كان بحاجة إلى ثغرة ليتجاوز أزماته المحلية ويعيد صيغة الحرب، في حين كانت تشهد مناطقه عدة أزمات، بالإضافة إلى الأزمة الأمنية التي يعيشها في السويداء ودرعا، فالسويداء خارج سيطرته أمنياً وما يحدث في درعا في الجبهة الجنوبية التي ينتشر فيها الجيش السوري بكثافة، كونها نقطةً مهمةً في معادلات الصراع مع اسرائيل، كذلك شبكات الاغتيال المنتشرة من درعا إلى حلب من خطف وسلب وسرقة وقتل، كلها تُظهر هشاشة الأمن عند النظام، ناهيك عن صرخات الاحتجاج النوعية في اللاذقية وطرطوس".
هذه الأزمات بحسب طلاع، تأتي في ظل عدم قدرة النظام على التعاطي معها بعقلية عنفية. كان بحاجة إلى عمل أمني، كالذي حصل في الكلية الحربية ليعيد سردية أن خطر الإرهاب ما زال موجوداً، وعلى الجميع تنحية كل الأزمات المحلية لصالح الخطر الأكبر والالتحام مع الجيش.
"النظام كان بحاجة إلى ثغرة ليتجاوز أزماته المحلية ويعيد صيغة الحرب، في حين كانت تشهد مناطقه عدة أزمات، بالإضافة إلى الأزمة الأمنية التي يعيشها في السويداء ودرعا، فالسويداء خارج سيطرته أمنياً وما يحدث في درعا في الجبهة الجنوبية التي ينتشر فيها الجيش السوري بكثافة، كونها نقطةً مهمةً في معادلات الصراع مع اسرائيل، كذلك شبكات الاغتيال المنتشرة من درعا إلى حلب من خطف وسلب وسرقة وقتل، كلها تُظهر هشاشة الأمن عند النظام، ناهيك عن صرخات الاحتجاج النوعية في اللاذقية وطرطوس"
ويشير إلى أن القصف الجوي الروسي تركز على ضرب مقار الحزب التركستاني في اللاذقية وغرب إدلب، وهي رسالة إلى الصين على أن النظام وروسيا يقاتلان عدواً مهماً لها، ورسالة للحاضنة، مفادها أن لا حديث فوق مكافحة الإرهاب، وتالياً سيكون لديه التفرغ لضبط وقمع الحراكات الشعبية بطريقة ما.
وفق العكيدي، الكل سمع الأصوات من حاضنة الأسد التي تطالب بحرق إدلب وإبادتها، وتالياً صبّ جام غضبه عليها، وبدأ الطيران والمدفعية والراجمات بقصف المناطق في إدلب، ورأينا أن أغلب استهدافاته للمدارس والمساجد ومحطات الكهرباء والمشافي والدفاع المدني، ولم يستهدف جبهات القتال مع الفصائل العسكرية.
ويقول: "النظام يريد تهجير أكبر عدد من السكان والضغط على تركيا، فهو يرفض أي تطبيع لأنه لا يقبل أي تنازل، في ظل وجود شروط تُفرض عليه من أجل الحل السياسي، والتي رفضها بذريعة مكافحة الإرهاب وتفجير الكلية الحربية دليله على ذلك".
... والذي يحدث في غزة
تنتشر الميليشيات الإيرانية إلى جانب قوات النظام على طول خطوط الجبهات في حماه وإدلب واللاذقية وغرب حلب، بالإضافة إلى جلب عناصر من ميليشيا فاغنر الروسية من البادية السورية في تدمر إلى منطقة غرب حلب، لتعزيز التواجد العسكري الروسي في المنطقة.
بنظر النيفي، فإن ما يجري في غزة بالتأكيد يخدم النظام وإيران من جهة، ويبعد أنظار المجتمع الدولي عما يجري في الشمال السوري من جهة أخرى، و"لا أحد يستطيع الزعم بأن توقيت هجوم حماس على المستوطنات الإسرائيلية، كان بالتزامن مع التصعيد في شمال سوريا، أو كان محكماً من قبل إيران أو النظام".
تفاهم تركي-روسي؟
تزامنت الهجمة العسكرية على منطقة شمال غرب سوريا، مع عملية عسكرية جوية، أطلقتها تركيا ضد قوات سوريا الديمقراطية "قسد"، والتي أعلن أمس الأربعاء 11 تشرين الأول/ أكتوبر الرئيس رجب طيب أردوغان عن انتهائها.
لا يعتقد النيفي أن هجمات نظام الأسد على الشمال السوري جاءت نتيجة تفاهمات بين روسيا وتركيا، فبنظره وبرغم أن النظام مرتبط بروسيا بشكل وثيق، لكن لديه هامشاً للتدخل كما لإيران ذلك أيضاً، فلا يعتقد أن تركيا لها مصلحة في التصعيد، خاصةً بعد قيام النظام والميليشيات الإيرانية باستهداف بعض النقاط التركية في جبل الزاوية وغرب حلب.
من جهته، يقول المحلل العسكري أحمد الحمادة، لرصيف22، إن "تصعيد النظام في الشمال السوري جاء بالتزامن مع العملية التركية ضد قسد، والتي أطلقتها عقب تفجير أنقرة، لذلك أراد النظام ومعه إيران من خلال ذريعة تفجير الكلية الحربية، التصعيد العسكري في إدلب بدعوى أن الطائرة المسيرة التي استهدفت الكلية الحربية في حمص انطلقت من إدلب".
ويتفق الحمادة مع النيفي، على أن ما يحصل في الشمال لم يكن نتيجة تفاهمات روسية-تركية، فمن مصلحة الأتراك التهدئة في المنطقة كون جنودها متواجدين بكثرة في المنطقة، وهي الآن مشغولة بعمليات قصف جوي على قوات قسد في منطقة شرق الفرات.
كذلك يشير طلاع إلى أن تركيا تنظر إلى مناطق شمال غرب سوريا، على أنها مناطق محتملة لعودة اللاجئين، وتالياً ستعمل على دعم البنية المحلية والبنية التحتية في الشمال السوري.
"النظام وإيران يريدان توجيه رسائل بأنهما صاحبا القوة، وأنهما يحاربان الإرهاب ومستهدفان منه في سوريا، وهي بالأخص رسالة إلى الحاضنة الشعبية التي تذمرت من الحالة الاقتصادية في مناطق النظام، ورسالة إلى العالم بعد أن بدأت الأصوات تتعالى لمحاسبته في المحاكم الدولية، خاصةً بعد الجلسة الأخيرة الثلاثاء 10 تشرين الأول/ أكتوبر الجاري، بعد تحريك الدعوى من قبل هولندا في محكمة العدل الدولية"
لإيران المصلحة الكبرى
عن مصلحة إيران وتورطها في الأحداث الجارية في الشمال السوري، يقول الحمادة، إن "النظام وإيران يريدان توجيه رسائل بأنهما صاحبا القوة، وأنهما يحاربان الإرهاب ومستهدفان منه في سوريا، وهي بالأخص رسالة إلى الحاضنة الشعبية التي تذمرت من الحالة الاقتصادية في مناطق النظام، ورسالة إلى العالم بعد أن بدأت الأصوات تتعالى لمحاسبته في المحاكم الدولية، خاصةً بعد الجلسة الأخيرة الثلاثاء 10 تشرين الأول/ أكتوبر الجاري، بعد تحريك الدعوى من قبل هولندا في محكمة العدل الدولية".
برأيه، "إيران هي من تتحكم بقرار النظام السوري إلى جانب روسيا بدرجة أخف، فميليشياتها منتشرة على طول خطوط الجبهات على المساحة السورية، وهي من يحرك شرارة الحرب هنا وهناك، بالإضافة إلى أن النظام السوري لم يستطع أن يقدّم شيئاً للعرب بعد حملة التطبيع الأخيرة، والأحداث الأخيرة هي رسائل للعرب أيضاً بأنه ما زال في حالة حرب على الإرهاب، لذلك لم يقدّم أي تنازلات، فيما يبدو أن المبادرة العربية فشلت بحسب تصريحات وزير الخارجية الأردني أيمن الصفدي".
ويشير الحمادة إلى أنه "من الممكن أن تستفيد روسيا وتعزز موقفها في حربها على أوكرانيا، فاذا استمرت الحرب بين حماس وإسرائيل، ستكون نقطة استنزاف جديدةً للأسلحة والذخائر الغربية، خاصةً ذخائر المدفعية عيار 130 مم وذخائر الدفاع الجوي من الباتريوت، وهذا سيكون له تأثير سلبي على أوكرانيا ويعزز من موقف روسيا وتالياً النظام وإيران، كونهم حلفاء.
يعتقد طلاع أن لإيران بالمعنى الإستراتيجي مصلحةً في كل ما يحدث في الشمال السوري أو في فلسطين، كون المنفعة تعود لها بالمحصلة، والنتائج تعيد ترتيب الأوراق وتعريف المجتمع الدولي بدورها البارز، وهو ما يعيدها إلى طاولة الحوار والمفاوضات، خاصةً أنها تمتلك العديد من أوراق القوة.
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
Ahmad Tanany -
منذ يومتلخيص هايل ودسم لجانب مهم جداً من مسيرة الفكر البشري
مستخدم مجهول -
منذ 3 أياملا يوجد اله او شئ بعد الموت
Mohammed Liswi -
منذ 6 أيامأبدعت
نايف السيف الصقيل -
منذ أسبوعلا اقر ولا انكر الواقع والواقعة فكل الخيوط رمادية ومعقولة فيما يخص هذه القضية... بعيدا عن الحادثة...
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ أسبوعمقال بديع ومثير للاهتمام، جعلني أفكر في أبعاد تغير صوتنا كعرب في خضم هذه المحن. أين صوت النفس من...
Nahidh Al-Rawi -
منذ أسبوعتقول الزهراء كان الامام علي متنمرا في ذات الله ابحث عن المعلومه