شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

ساهم/ ي في صياغة المستقبل!
الموجة الثانية من الحراك السوري... الأسباب والمآل

الموجة الثانية من الحراك السوري... الأسباب والمآل

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

رأي نحن والحريات العامة

الأربعاء 30 أغسطس 202311:16 ص
Read in English:

The Syrian uprising 2.0? Unpacking the recent protests

لم يكن مفاجئاً أن يخرج السوريون إلى الشارع مرة ثانية للتعبير عن غضبهم، واحتجاجاً على القرارات الحكومية الاقتصادية الأخيرة، التي أدّت إلى زيادة تكاليف المعيشة، بحيث تعجز أغلب الأسر السورية عن تأمينها، وكان من الطبيعي أن يبدأ الحراك من محافظة السويداء لأسباب عديدة، منها أن سلطة الحكومة المركزية في المحافظة هشة إلى حد بعيد، وثمة كتلة اجتماعية كبيرة معارضة للنظام من حيث الأساس، ولها قيادتها السياسية والمدنية والدينية.

من حيث الأسباب المباشرة، فإن الاحتجاجات انطلقت ضد قرارات الحكومة الاقتصادية الأخيرة، لكنها سرعان ما اخذت طابعاً سياسياً، وبدلاً من مطالبتها بإسقاط الحكومة في بداية الاحتجاجات، صارت تطالب بإسقاط النظام.

ومن خلال المقابلات التي أجريت مع بعض قادة الحراك في السويداء، سواء من رجال الدين أو من النقابات المهنية أو من الأحزاب السياسية، أو من خلال البيانات التي صدرت عن تنظيماتها، بات واضحاً مدى الوعي المتراكم لدى الناس بأن المشكلة من حيث الأساس تكمن في طبيعة النظام الاستبدادي، وليس في الحكومة. ويلاحظ أيضاً التطور في الشعارات التي يرفعونها، من التركيز على القضايا المطلبية والمحلية إلى القضايا الوطنية والعامة، وإصرارهم على سلمية الحراك، وعلى صون الممتلكات الخاصة والعامة.

يراهن كثير من المعارضين السوريين، خصوصاً في الخارج، على أن الموجة الثانية من الاحتجاجات في سورية سوف تعمّ جميع المحافظات السورية، وسوف تؤدي إلى إسقاط النظام في نهاية المطاف. وهم يراهنون بصورة خاصة على خروج المظاهرات في الساحل السوري، ويعولوّن على مشاركة العلويين فيها بكثافة هذه المرة

اللافت أن المظاهرات التي بدأت متواضعة في البداية، أخذت بالتدريج تستجمع قوى جديدة، بحيث صارت ذات طابع جماهيري. واللافت أيضاً، وكان ذلك متوقعاً، ألا يستخدم النظام القوة لمنعها أو قمعها، ولن يستخدم ذلك إلا في نهاية المطاف، وبعد تأمين الظروف المناسبة لذلك. 

من هذه الظروف، رفع لأعلام إسرائيلية كما ظهر في بعض وسائل التواصل الاجتماعي، أو اللجوء إلى العنف، سواء من قبل متطرفين أو من قبل المندسّين من أجهزة النظام الأمنية، أو عصابات المخدرات وغيرها، ولا يخفى أن بعض الدعوات لإغلاق مقرات حزب البعث، وطرد الأجهزة الأمنية من المحافظة، وإغلاق بعض مؤسسات الدولة، سوف تخدم هذه الاتجاه. وتخدم النظام أيضاً التدخّلات الخارجية المباشرة أو التحريض الإعلامي، وخصوصاً الطائفي، الذي خبره السوريون في السابق.

ويبقى بلا شك الظرف الأكثر استدعاء للنظام لقمع هذه الاحتجاجات هو احتمال انتقالها وانتشارها إلى المحافظات الأخرى، وهذا الاحتمال لا يزال ضعيفاً حتى الآن.

النظام بدوره سوف يوظف أي إجراء لشدّ عصب مؤسساته الأمنية والعسكرية، فهي قوته الوحيدة التي لا يساوم عليها، خصوصاً وأن الحاضنة الاجتماعية لهذه الأجهزة تآكلت إلى حد بعيد بسبب تكاليف المعيشة العالية.

مثلاً لقد استفاد النظام من اعتداء المجموعات الإرهابية في ريف إدلب الجنوبي على مواقع للجيش أدت إلى وقوع قتلى وجرحى في صفوفه، ويستفيد من خطاب بعض القوى المعارضة في الخارج للعودة للخروج من الجوامع وإلى إحياء جمعات التظاهر، فهذه تذكر كثيراً من السوريين بالنتائج المأساوية التي ترتبت عليها، وتنشط أجهزة النظام الدعائية لتذكير السوريين بما حصل في ليبيا واليمن، وأن المستهدف هو البلد وليس النظام.

يراهن كثير من المعارضين السوريين، خصوصاً في الخارج، على أن هذه الموجة الثانية من الاحتجاجات في سورية سوف تعمّ جميع المحافظات السورية، وسوف تؤدي إلى إسقاط النظام في نهاية المطاف. وهم يراهنون بصورة خاصة على خروج المظاهرات في الساحل السوري، ويعولوّن على مشاركة العلويين فيها بكثافة هذه المرة.

بقى بلا شك الظرف الأكثر استدعاء للنظام لقمع هذه الاحتجاجات هو احتمال انتقالها وانتشارها إلى المحافظات الأخرى، خصوصاً الساحل، وهذا الاحتمال لا يزال ضعيفاً حتى الآن

إن التحليل الموضوعي لظروف البلد بعد اثنتي عشرة سنة من عمر الأزمة التي حلّت بها، وظروف حياة السوريين تقول غير ذلك. فلا تزال حية في الذاكرة النتائج المأساوية للصراع في سورية وعليها، والتي ساهمت بها قوى دولية كثيرة من أجل مصالحها الخاصة على حساب مصالح السوريين أنفسهم. لذلك لم يكن مستغرباً أن تظل المظاهرات محصورة في محافظة السويداء بصورة رئيسية، وبعض البؤر الاحتجاجية في محافظة درعا أو حماه أو دير الزور أو في حلب، سرعان ما سوف تتوقف أو يتم احتواؤها من قبل النظام. أما بالنسبة للساحل السوري، فاحتمالات الخروج باحتجاجات، خصوصاً من قبل العلويين، يكاد يكون معدوماً، رغم الانتقادات الحادة والعلنية للنظام، مترافقة بكثير من الشتائم. الكل يسبّ وينتقد، حتى طال ذلك شخص الرئيس وزوجته وكبار رجال دولته، بل ثمة حالات فردية جريئة عبّرت عن نفسها على مواقع التواصل الاجتماعي، ولم يتم اعتقالها مباشرة، تحسباً لردود أفعال يظنها محتملة.

ثمة أسباب عديدة تحول دون خروج العلويين في مظاهرات احتجاجية على النظام منها: أولاً غياب أية قيادة سياسية أو دينية أو مدنية معارضة فاعلة في صفوفهم، كما في حالة محافظة السويداء، وثانياً سيطرة النظام على الزعامات العشائرية والدينية للعلويين، واستخدامها في منع أية تكتل معارض ذي طابع جماهيري، وثالثاً، يستفيد النظام من تأثير ضباط الجيش والأمن على حاضنتهم الاجتماعية، ورابعاً طغيان النزعات الفردية في صفوفهم، وخامساً الخوف الشديد من بطش أجهزة النظام، وسادساً الخوف من التيارات الإسلامية المتشدّدة التي نجح النظام في إقناع الكثيرين منهم بأنها البديل عنه في حال سقوطه.

إذا صح ما ذهبنا إليه في تحليلنا، فإن مآل الحراك الجديد هو التوقف والاستيعاب، ولا يزال النظام يملك الكثير من الإجراءات في جعبته لتحقيق ذلك، وقد بدأ بتنفيذ بعضها، من قبيل منح العاملين في الجامعات وفي سلك القضاء وفي الجيش وفي أجهزة الدولة الأخرى علاوات جديدة على رواتبهم. 

إنضمّ/ي إنضمّ/ي

رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.



* يعبّر المقال عن وجهة نظر الكاتب/ة وليس بالضرورة عن رأي رصيف22

بالوصول إلى الذين لا يتفقون/ ن معنا، تكمن قوّتنا الفعليّة

مبدأ التحرر من الأفكار التقليدية، يرتكز على إشراك الجميع في عملية صنع التغيير. وما من طريقةٍ أفضل لنشر هذه القيم غير أن نُظهر للناس كيف بإمكان الاحترام والتسامح والحرية والانفتاح، تحسين حياتهم/ نّ.

من هنا ينبثق رصيف22، من منبع المهمّات الصعبة وعدم المساومة على قيمنا.

Website by WhiteBeard