شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

لنبدأ من هنا!

"يسعدني إن حمل انتخابي القليل من الفرح للبنان"... أمين معلوف أميناً عاماً للأكاديمية الفرنسية

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

ثقافة نحن والمهاجرون العرب

السبت 7 أكتوبر 202312:10 م

ضجت وسائل الإعلام الفرنسية والعربية بخبر انتخاب أمين معلوف أميناً عاماً للأكاديمية الفرنسية، وهو موقع مشرف وقد يكون أعلى ما يمكن أن يطمح له أي فرنسي يعمل في مجالات الأدب والكلمة. امتدح المعلقون هذا الخيار الذي يضع الأديب الكبير الفرنسي اللبناني، الحائز على جائزة غونكور المرموقة، في موقع قيادي لمؤسسة معنية بالحفاظ على اللغة الفرنسية وقواعدها، وعلق معلوف عند سؤاله إن كان انتخابه يعني اللبنانيين بقوله: "يسعدني إن حمل انتخابي القليل من الفرح للبنان، لاسيما في ظل الظروف الصعبة التي يجتازها البلد".

تقيم الأكاديمية في مبنى الكوبول، وهو واحد من أجمل المباني الفرنسية وسط العاصمة باريس، ويطلق على أعضائها لقب "الخالدون"، ويرتدون لباساً رسمياً مطرزاً بالأخضر، وتختصر مهمتهم في الدفاع عن اللغة الفرنسية في مواجهة كل المفردات الدخيلة.

تقيم الأكاديمية في مبنى الكوبول، وهو واحد من أجمل المباني الفرنسية المهيبة في وسط العاصمة باريس، ويطلق على أعضائها لقب "الخالدون"، ويرتدون لباساً رسمياً مطرزاً بالأخضر، وتختصر مهمتهم في الدفاع عن اللغة الفرنسية في مواجهة كل المفردات الدخيلة، لا سيما الإنكليزية التي تجتاح يومياتها. ويخصص لكل منهم، بالإضافة إلى لباسه الرسمي سيف خاص به، وقد حفر معلوف على سيفه، عند انتخابه للانضمام إلى الأكاديمية في العام 2012، ماريان، رمز الجمهورية الفرنسية، وأرزة لبنانية، للإشارة إلى التناغم الذي يراه في انتمائه للهويتين معاً، بالإضافة إلى كلمات من قصيدة لوالده. لكن معلوف يتسلم منصبه الجديد في وقت حرج تواجه فيه الأكاديمية الكثير من التحديات والانتقادات وسيكون طريقه صعباً محفوفاً بالتحديات.

تعاني الأكاديمية من ضائقة مالية حادة فيما تستعد لطباعة قاموسها بنسخته التاسعة، وسيكون حجمه ضعف النسخة الثامنة السابقة. وقد أشاد معلوف في كلمة استلامه للمنصب بجهود الرئيسة السابقة، الأديبة الراحلة هيلين كارير دانكوس، المبذولة في تحرير هذه النسخة، وقد رحلت دانكوس للأسف قبل أن يرى هذا المشروع الذي بذلت فيه مجهوداً جباراً النور حسبما أشار معلوف في كلمته.

هو موقع مشرف وقد يكون أعلى ما يمكن أن يطمح له أي فرنسي يعمل في مجالات الأدب والكلمة

تخوض الأكاديمية مواجهات مستمرة مع النساء اللواتي يدعين إلى جندرة اللغة الفرنسية، بحيث تصبح الكتابة شاملة للجنسين من خلال أضافة نقطة لكل صفة وإشمال المؤنث مع المذكر، ومع الشباب الذي يحولون اللغة ولا تشغلهم قواعدها المنضبطة. تحاجج النساء أن القاعدة القديمة التي تقول "أن المذكر يغلب المؤنث" لم تعد صالحة لعصرنا، ويدعين إلى إعادة النظر. أما الشباب فتبدو علاقتهم بالأكاديمية أكثر تعقيداً رغم أنهم ليسوا في مواجهة مباشرة معها، إذ ينفصل واقع لغة الشباب اليوم تماماً عن توصيات الأكاديمية، لاسيما اللغة التي يستخدمها معظم شباب اليوم وهي "اللغة المقلوبة"، وهي لغة جديدة يتحدث بها الشباب تقوم على قلب الكلمات لتصبح أكثر شبابية فتصبح كلمة فيت (حفلة) توف، وفام (أي امرأة) موف على سبيل المثال لا الحصر. وعندما سئل معلوف عن تأخر الأكاديمية عن الشارع ولغته، أجاب بأن هذا هو إيقاع المؤسسات الفكرية، فهي تحتاج للتفكر والنقاش وللتأكد من أن التغيير الحاصل في اللغة باق قبل أن تتبناه.

لطالما أُخِذ على الأكاديمية موقفها المتصلب والمتزمت تجاه التغيير، ويتهمها البعض بالذكورية ورهاب المثلية والعنصرية والنخبوية، حتى إن بعض منتقديها دعوا إلى تفكيك هذه المؤسسة. إذ لم تضم الأكاديمية عبر تاريخها منذ العام 1634 سوى أحد عشر امرأة من أصل 743 عضواً، ستة منهن عضوات حالياً، وسوى كاتبين من ذوي البشرة السوداء. فيما يدعو غير المنصاعين للهويات الجندرية إلى إضافة ضمير جديد إلى اللغة لا يحدد الجنس وهو أمر ترفضه الأكاديمية حالياً.

تذكر الانتقادات التي توجه للأكاديمية بانتقادات كانت تطلق على مجمع اللغة العربية، لا سيما عندما اقترح المجمع الشاطر والمشطور والكامخ بينهما كتعريب لكلمة سندويش، والرائي بديلاً عن التلفزيون، وكان تصلب المجمع يدفع الكثيرين للتندر.

ما تواجهه اللغتان العربية والفرنسيةاليوم، هي تحديات تقوم على فكرة أن اللغات الجميلة والأدبية لا بد لها من أن تكون حية، تتبدل وتتطور، وأن التمسك بشكل قديم للغة قد يؤدي إلى انحسارها في وجه لغات أخرى

لكن ما تواجهه اللغتان العربية والفرنسية وربما كل لغات العالم اليوم هي تحديات تفوق إيجاد مفردات للأدوات التي تدخل حياتنا، بل هي تحديات أعمق وتقوم برأيي على فكرة أن اللغات الجميلة والأدبية لا بد لها من أن تكون حية، تتبدل وتتطور كي تزدهر، وأن التمسك بشكل قديم للغة قد يؤدي إلى انحسارها في وجه لغات أخرى أكثر قابلية للتبدل وعلى رأسها الإنكليزية الأمريكية.

أتذكر عندما كنت صغيرة، أن عالمي اللغة العربية المكتوب والمنطوق كانا لا يتقاطعان، إذ كانت العربية المكتوبة هي الفصحى، والمحكية هي العامية، حتى أن الضيف الذي يزور أصدقاءه دون موعد مسبق ولا يجدهم في المنزل قبل أن تتوفر الهواتف المحمولة يكتب ورقة كتب عليها بالفصحى المنمقة: "مررنا ولم نجدكم"، ويوقع اسمه في أسفلها ويضعها عند مفصل الباب. لم يشذ عن تلك القاعدة في حينه إلا نصوص المسلسلات الاجتماعية المعاصرة، التي كانت تكتب الحوارات فيها بالعامية بينما تكتب بقية النص بالفصحى كالتوجيهات الإخراجية والحركة، وأتذكر تماماً رد الفعل الذي أصابني حين قرأت نصاً تلفزيونياً، وكم اتصلت بأبي لاستوضح منه بعض المفردات التي لم أكن قد تعودت على رؤيتها مكتوبة بل وكانت تثير الضحك في حينه. إلا أن دخول الرسائل النصية للهواتف المحمولة ووسائل التواصل الاجتماعي على حياتنا بدل كل تلك القواعد، وتسللت اللهجات العامية إلى المكتوب رويداً رويداً، وأصبحت الرسائل، خاصة بين الشباب، تكتب حصراً باللهجات المحلية، كما نشأت اختصارات كثيرة يستخدمها الشباب الفرنسي في الكتابة.

لا يبدو وعد معلوف "بتوسيع التمثيل لكل العوالم الفرانكوفونية" وانتخاب المزيد من النساء كافياً لإثبات المرونة التي تسمح للغة الفرنسية بالتغير بالسرعة التي تناسب العصر اليوم، ولكنه يوحي بأن معلوف يعي صعوبة مهمته.

لا يبدو تصلب المؤسسات الأكاديمية حلاً أمام طوفانات التغيير التي تعصف باللغات المعاصرة، لاسيما في زمن تجتاح فيه المصطلحات التكنولوجية الإنكليزية كل لغات العالم، ولا يبدو وعد أمين معلوف "بتوسيع التمثيل لكل العوالم الفرانكوفونية" وانتخاب المزيد من النساء كافياً لإثبات المرونة التي تسمح للغة الفرنسية بالتغير بالسرعة التي تناسب العصر اليوم، ولكنه على الأقل يوحي بأن معلوف يعي صعوبة المهمات والتحديات التي لا بد من مواجهتها.

يحق للغات الجميلة والعريقة، سواء أكانت العربية أم الفرنسية، أن تستمر وتعيش، ولا سيما أنهما لغتان أنتجتا أدباً عظيماً وثقافة أغنت البشرية، ومن حق اللغات علينا أن نساعدها على التأقلم مع العصر وعلى أن تتطور دون أن تفقد سحرها وجمالها، ولعل أمين معلوف بخلفيته التي تحاول توسيع الأفق، وإشمال العالم الناطق بالفرنسية ينجح بإخراج الأكاديمية الفرنسية من أزماتها ويحفظ مع زملائه مكانة هذه اللغة مع مرونتها بحيث تزدهر وتتألق. ما علينا إلا الانتظار وتمني أن تتبنى الأكاديميات مزيداً من التساهل وأن تخفف من التشدد والتزمت والمحافظة.

إنضمّ/ي إنضمّ/ي

رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

منبر الشجعان والشجاعات

تكثُر التابوهات التي حُيِّدت جانباً في عالمنا العربي، ومُنعنا طويلاً من تناولها. هذا الواقع هو الذي جعل أصوات كثرٍ منّا، تتهاوى على حافّة اليأس.

هنا تأتي مهمّة رصيف22، التّي نحملها في قلوبنا ونأخذها على عاتقنا، وهي التشكيك في المفاهيم المتهالكة، وإبراز التناقضات التي تكمن في صلبها، ومشاركة تجارب الشجعان والشجاعات، وتخبّطاتهم/ نّ، ورحلة سعيهم/ نّ إلى تغيير النمط السائد والفاسد أحياناً.

علّنا نجعل الملايين يرون عوالمهم/ نّ ونضالاتهم/ نّ وحيواتهم/ نّ، تنبض في صميم أعمالنا، ويشعرون بأنّنا منبرٌ لصوتهم/ نّ المسموع، برغم أنف الذين يحاولون قمعه.

Website by WhiteBeard