شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

ادعم/ ي الصحافة الحرّة!

"الشوقيون"... ماذا نعرف عن بدايات "داعش" في مصر الثمانينيات؟

في ثمانينيات القرن الماضي، ازدادت الجماعات الإسلامية داخل مصر بشكل كبير، وكان أبرزها تنظيم أطلق على نفسه اسم "الجماعة الإسلامية"، وكان مسيطراً على صعيد مصر آنذاك، وخرجت من رحمه تنظيمات صغرى عدة، كان "الشوقيون"، نسبةً إلى مؤسسه المهندس شوقي الشيخ، في الفيوم، التي تقع في شمال صعيد البلاد، أشهرها.

ما هو تنظيم "الشوقيين"؟

تعرّفه آمال الخزامي، في مؤلفها "سيد قطب: في ظلال صاحب الظلال"، بقولها: "هو تنظيم منشق عن الجماعة الإسلامية، أسسه شوقي الشيخ بالفيوم، وكان من أسباب العنف لدى التنظيم استحلال السرقة لجمع الأموال، لشراء الأسلحة والصرف على أعضاء الجماعة، وتلبية احتياجاتهم، وتنفيذ عمليات العنف والتفجيرات دون تمييز، ويتسم هذا التنظيم بكثرة عدد أفراده، وعدم وجود قيادة منظمة".

ويذكر سامح فايز، في مؤلفه "شجرة الجهاد"، أن تنظيم الشوقيين تبنّى فكر "التوقف والتبيين"، خاصةً أن شوقي الشيخ تعرّف في المعتقل إلى نجيب عبد الفتاح إسماعيل (نجل منظر فكر "التوقف والتبيين")، ليقرر الأول فور عودته إلى محافظة الفيوم أن يؤسس تنظيمه الخاص، وينفصل عن تنظيم "الجماعة الإسلامية".

من هو شوقي الشيخ؟

أما الشخصية ذاتها التي أسست تنظيم الشوقيين، فيتحدث عنها ماهر فرغلي، الباحث في شؤون الحركات الإسلامية، في مؤلفه المعنون بـ"أمراء الدم"، بقوله: "شوقي الشيخ، مؤسس عصابة الشوقيين، أكبر مثل للص استحل السرقة والقتل، واختبأ في لباس الدين، والدعوة والإسلام، داخل قرية (كحك) بمدينة الفيوم في التسعينيات".

تخرج شوقي الشيخ من كلية الزراعة في جامعة القاهرة، وقبل التخرج تشبّع بأفكار الجماعات السلفية، وأعجبته جماعة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، التي أسسها يوسف البدري، وكان كل همها وفقاً لما ذكر "فرغلي"، الخروج في صفوف، لتغيير المنكر في الشوارع.

عاصر شوقي الشيخ، جماعة يوسف البدري، وكان يركب حصاناً ويحمل في يده سيفاً، ويخرج في شوارع القاهرة من أجل تغيير المنكرات، وحرق سرادقات العزاء، وفقاً لما ذكر الدكتور خالد منتصر في مؤلفه "يوميات تنويرية".

عاصر شوقي الشيخ، مؤسس الجماعة،، جماعة يوسف البدري، وكان يركب حصاناً ويحمل في يده سيفاً، ويخرج في شوارع القاهرة من أجل تغيير المنكرات، وحرق سرادقات العزاء

وبعد التخرج، عمل الشيخ مهندساً زراعياً، وجرى تعيينه في الفيوم، وفي هذه الفترة تعرف إلى طارق الزمر، الذي كان منتمياً إلى جماعة الجهاد، وانضم في ما بعد إلى الجماعة الإسلامية، التي كان يقودها عمر عبد الرحمن.

وبالفعل أصبح عضواً في جماعة الجهاد، واعتُقل معها بعد اغتيال الرئيس الأسبق محمد أنور السادات، عام 1981، وهنا كانت نقطة التحول؛ إذ تعرّف في هذه الفترة على جماعة "التوقف والتبيين"، التي تعتقد أن مجهول الحال يجب أن يتم التوقف به، ولا يجوز الحكم بإسلامه أو إيمانه، حتى إقامة الحجة عليه.

وبحسب مؤلف كتاب "أمراء الدم"، أُعجب شوقي الشيخ، بفكر "التوقف والتبيين"، لكنه اعتقد أن مجهول الحال لا يجوز التوقف بحاله، ولا بد من الحكم عليه ابتداءً بالردة والكفر، حتى يثبت للجماعة إسلامه.

تأسيس جماعته الجديدة

عندما خرج شوقي الشيخ من المعتقل، بدأ ببناء وتكوين جماعته الجديدة التي تحكم على الناس بالردة، والبداية كانت من قرية "سنرو" في الفيوم. ويبدو أن ما ساعده في ذلك، تمتّعه بكاريزما، كما يذكر محمود الورواري، في مؤلفه "سلفيو مصر"؛ إذ يقول: "شوقي كان زعيماً حركياً، ويتمتع بكاريزما، حتى أنه نجح في تجنيد ما يزيد على الألف شاب للفكر الجديد".

جنون العظمة سيطر على الشيخ، الذي كان يسير في شوارع القرية بسيارته بسرعة، ويخرج رأسه من نافذتها صارخاً بأعلى صوته: ابتعدوا عن الطريق يا كفار"، خاصةً أن معظم سكان مصر كانوا من وجهة نظره كفاراً مرتدين، وكان يرى أنه لا بد من الدعوة، والسيطرة على المساجد، والإمامة فيها، بحسب فرغلي.

وبالفعل سيطر شوقي الشيخ على مساجد الفيوم، وبدأ بمناظرة أفراد الجماعة الإسلامية، وحاول اغتيال عمر عبد الرحمن، لكن المحاولة باءت بالفشل.

فكر داعش يبدأ من الفيوم

وتبنّى شوقي الشيخ، فكر الاستحلال، الذي ينتهجه تنظيم داعش حالياً، وكانت الجماعة وفقاً لماهر فرغلي، تستحل أموال الناس، بحجة أنهم مرتدون، مؤكداً: "شوقي نفسه في مرة، طلب من أتباعه أن يذهبوا إلى رجل غني، ويطلبوا منه مالاً بحجة الدعوة إلى الله، ولما رفض الرجل، قال لهم بهدوء: 'اذهبوا إلى بيته ليلاً واستولوا على ما تجدونه من بقر وأغنام'".

ويروي الباحث تفاصيل أحداث عاشها بنفسه، قائلاً: "أذكر أنه في سجن الوادي، كان هناك تنبيه على كل المعتقلين من كل الجماعات، أن ينتبهوا لأي عضو في جماعة الشوقيين، لأنه يمكن أن يسرق أي شيء، سواء كان طعاماً أو حتى ملابس داخليةً، إلى غيرها من الأشياء الموجودة مع أي سجين، لأنهم يحكمون عليهم بالردة، وأنه يجب استحلال ممتلكاتهم".

هذه الوقائع جعلت الدكتور خالد منتصر، يرى أن تنظيم الشوقيين هو بالفعل "بذرة داعش"، خاصةً أنه كان يفرض الجزية ويعلّق لافتات على منازل قرية كحك، التي كان يسميها التنظيم "أرض الميعاد"، مدوّناً عليها "بيت المال، بيت الزكاة، بيت التسليح، وقوات الغزوات، وإقامة الحد"، وهو بالفعل ما ينتهجه تنظيم داعش في المناطق التي يسيطر عليها، وظهر ذلك جلياً في بداياته داخل سوريا والعراق.

جنون العظمة سيطر على الشيخ، الذي كان يسير في شوارع القرية بسيارته بسرعة، ويخرج رأسه من نافذتها صارخاً بأعلى صوته: ابتعدوا عن الطريق يا كفار"

وإلى جانب ذلك، شكّل شوقي الشيخ، جماعةً من أتباعه للسطو على محال الذهب، بحجة استخدامها في الدعوة، وهناك مجموعة أخرى قتلت ضابط أمن الدولة السابق أحمد علاء، عام 1992، بحسب ما ذكر القيادي السابق في التنظيم، الشافعي مجد، في تصريحات تلفزيونية سابقة.

فتاوى غريبة

ونظراً إلى أن معظم أتباع الجماعة أمّيون لا يعرفون القراءة ولا الكتابة، منعهم شوقي الشيخ من مناقشة الناس، إلى درجة أنه أنزل على أحد أتباعه في إحدى المرات عقوبةً، بأن جعله يجري بمحاذاة السيارة التي يقودها، لأنه شوهد وسمع وهو يتناقش أو يتجادل مع أحد سكان القرية.

وكانت للشيخ فتاوى غريبة، منها ما ذكره الدكتور خالد منتصر، قائلاً: "كان يفتي للمرأة التي يغيب عنها زوجها ستة شهور بممارسة الجنس مع أخيه!"، وهو ما أكده ماهر فرغلي أيضاً بقوله: "المرأة التي تنتمي للجماعة، عليها ترك زوجها المرتد، والزواج مباشرةً من أي عضو في الجماعة، ويحق للمرأة التي غاب عنها زوجها ستة أشهر أن تمارس الجنس سواء مع شقيق الزوج أو أحد الأقرباء، أو مع أحدٍ من جماعة شوقي".

لم تتوقف "شطحات" شوقي عند ذلك، بل كانت هناك تصرفات غريبة تصدر منه أيضاً، أبرزها ما رواه أحد أتباعه في حديثه إلى مؤلف كتاب "أمراء الدم"، قائلاً: "إن أحد أهالي قرية كحك اعتاد فتح دكانه في الصباح للبيع والشراء، وأن يسمع القرآن في الراديو من إذاعة القرآن الكريم، وهذا الدكان كان في مواجهة المسجد الصغير، مقر اجتماع شوقي وجماعته"، ويضيف أن "شوقي أزعجه صوت القرآن من الراديو، لأنه يعتبر المقرئين من غير الجماعة مرتدين، لذا طلب من أحد أتباعه الذهاب إلى صاحب الدكان وأمره بغلق الراديو، فقالوا للرجل: يا كافر أغلق الراديو وإلا ضربناك، الرجل غضب وأخرج حديدةً في يده ضربهم بها، لكن شوقي لما وجد ثلاثةً من أتباعه تم ضربهم، تصرف بهدوء، وسحب مسدسه، وأطلق طلقةً واحدةً على الراديو فأسكته للأبد".

ومن المواقف الغريبة أيضاً، أن شوقي الشيخ في إحدى المرات، استشير لحل مشكلة عائلية تخص أمّ أحد أتباعه من الشباب؛ إذ تقدّم للمرأة رجل ليتزوجها، لكن أفراد العائلة ومنهم تابع لشوقي كانوا ضد الزواج، وفي المساء اصطحب "الشيخ" إلى منزلهم، وجلسوا وتناولوا الطعام، بعد ذلك جاءت الأم التي اشتكت ابنها وباقي أفراد أسرتها للشيخ، من منطلق أنها لا تزال صغيرةً ويحق لها الزواج، فوقعت المرأة في نفسه، فقال بهدوء وثقة: "أنا عندي حل يريح الجميع، لقد عزمت وتوكلت على الله أن أتزوجها، وبذلك نحلّ المشكلة وأعتقد أنكم لن تعترضوا".

بداية النهاية

الحوادث السابقة كانت تنمّ عن أن النهاية لن تكون سعيدةً، وهو بالفعل ما وقع، وبدأت نهاية شوقي الشيخ وجماعته.

بحسب الباحث ماهر فرغلي، فإن هناك حادثين جعلا الأمن ينتبه إلى شوقي الشيخ وخطورته، الأول هو أن أتباعه حاولوا سرقة مفتشَي تموين، كانا في قرية كحك، ولما فشلوا قتلوهما، وحفروا حفرةً عميقةً، أسفل ترعة، ثم وضعوا الجثتين في الحفرة، وغطوهما، حتى لا يعرف أحد بالجريمة، لكن جرى اكتشاف الواقعة.

أما الحدث الآخر، فهو اتهام شوقي وجماعته، أحد شباب القرية بسرقة مسدس من الجامع خاص بـ"الشيخ"، فأمر اثنين من جماعته بالذهاب إلى بيت الشاب وانتزاع المسدس منه، وعندما ذهبا لم يجداه، فتوجها إلى الحقل؛ إذ كان هناك برفقة والده.

قابل أتباع شوقي، الشاب ووالده، فسألاه عن مسدس الشيخ، فقال: إنه لا يعرف شيئاً عن هذا الأمر، كما لا يعرف أن الشيخ يخبّئ مسدسات أو قنابل في الجامع، واستحال النقاش إلى شدّ وجذب، فأمسك أحد أتباع مؤسس التنظيم بسكين، وطعن به الشاب على مرأى من والده، وفرّ أحدهما هارباً، بينما أمسك الرجل بقاتل ابنه من رقبته، ولم يتركه سوى جثة هامدة، ثم استدعى الأهالي والشرطة.

وفي نيسان/ أبريل عام 1990، جاءت قوات مدرعة، ومعها المئات من الجنود، حاصروا قرية كحك، فاعتلى أتباع شوقي أسطح المنازل والنخيل بالأسلحة، وضربوا على قوات الأمن فأصابوا عدداً كبيراً، لكن الشرطة نجحت في قتل عدد منهم، بعد 12 ساعةً متواصلةً، وقُتل "الشيخ" أيضاً، لكن بمقتله لم ينتهِ العنف!

حلمي هاشم يقود المسيرة

بعد مقتل شوقي الشيخ، صار تلميذه ضابط الشرطة المفصول حلمي هاشم، مفتي تنظيم داعش، الذي يؤكد الدكتور خالد منتصر في كتابه "يوميات تنويرية"، أنه بإشارة من إصبعه تطير الرقاب، مشدداً على أن "الشوقيين نواة داعش وبذرة جنونها، وأعنف مواجهات الأمن في تاريخه مع تنظيم متطرف في حقبة مبارك كانت مع هؤلاء الزومبي".

"الشوقيون نواة داعش وبذرة جنونها، وأعنف مواجهات الأمن في تاريخه مع تنظيم متطرف في حقبة مبارك كانت مع هؤلاء الزومبي"، فماذا نعرف عنهم؟

ويتفق سامح فايز، مع الطرح السابق؛ إذ يذكر في مؤلفه "شجرة الجهاد"، أنه بعد مقتل شوقي الشيخ، قرر الضابط السابق حلمي هاشم اعتناق أفكاره، ليقود مسيرة تنظيم "الشوقيين" نيابةً عن أستاذه، الذي لم يقابله وجهاً لوجه، غير أنه تشبّع بأفكاره، مؤكداً: "يُنسب إلى هاشم تأصيله وحثه لأفراد تنظيم داعش على تنفيذ الأحكام في أسرهم 'ذبحاً' أمام العالم كله".

ومما يدل على غلوّ الجماعة وانحراف تفكيرها، ما نقلته انتصار النمر، في مؤلفها المعنون بـ"فتاة في معقل الإرهاب"، عن أحد أتباع "الشوقيين": "لقد قتل اثنين من عناصر التنظيم والدهما، لأنه رفض أفكارهما"، مشيراً في الوقت ذاته إلى أن هدف شوقي وجماعته كان تكوين قاعدة عريضة من الأطفال، أي جماعة من الجيل الصاعد، ولا يحتاجون إلى جذب آخرين.

وأثار مقتل "الشيخ" العديد من المواجهات بين التنظيم وقوات الأمن، خاصةً مع محاولات الأخيرة القبض على عدد كبير من عناصر "الشوقيين"، أصيب فيها وقُتل كذلك بعض رجال الشرطة والجنود.

هذه الوقائع أشار إليها محمود الورواري، في كتابه "سلفيو مصر"، مؤكداً أن "شوقي كان الصمام لعنف الشوقيين؛ إذ اندلع عنفهم بعد موته بأشد ما يكون وازداد، وامتد صراعهم المسلح ضد الجيش والشرطة طوال الفترة الممتدة من عام 1990 حتى 1998، وجرى حينئذ اعتقال العديد من أتباع التنظيم".

أما عن حلمي هاشم، فإنه اعتُقل مرات عدة، بدايةً من عام 1982، واتُّهم بالانضمام إلى تنظيم الجهاد، ثم عام 1987، جرى اتهامه في قضية تنظيم "الناجين من النار"، ثم عام 1992، اتُّهم في قضية تنظيم "الشوقيين"، ثم قُبض عليه مؤخراً بتهمة الانتماء إلى تنظيم داعش، بعد أن اكتُشف أنه بمثابة مفتي التنظيم، وأن كتاباته أحد أهم روافد داعش الفكرية.


رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

لا سلطان على الإنسان إلّا عقله

أُنزِلت الأديان رحمةً للعالمين، لكن هل كنّا نعلم أنّها ستُستعمل لمآرب متطرّفة لا تُشبه غايتها السامية؟ هل كنّا نعلم أنّها ستُستخدم ضدّنا، وعلينا، لتصبح خنجراً في الخاصرة، ليس بإمكاننا انتشاله كي لا يتفاقم نزفنا؟

بالإيمان الصوري، والتدين وجاهيّاً، والذكورية الصفيقة، والقداسة الموزعة "غبّ الطلب"؛ استعملت السلطات الدين، وسلّحته ضدّنا في العالم العربي، لتفريقنا، والسيطرة علينا وقمعنا.

"هذا ممنوعٌ وهذا مسموحٌ وذاك مرغوب، هذا حرامٌ وهذا حلال". لكن في رصيف22، شعارنا الوحيد هو "لا للعيش وفق تفسيرات الآخرين". 

Website by WhiteBeard
Popup Image