شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

ساهم/ ي في صياغة المستقبل!
على العتبة... عن السهرات أمام المنازل والبقالات في القرى والحارات السورية

على العتبة... عن السهرات أمام المنازل والبقالات في القرى والحارات السورية

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

حياة نحن والتنوّع

الجمعة 6 أكتوبر 202310:11 ص

مع حلول المساء، ومع الطقس الملائم للخروج من المنزل، تبدأ الشوارع الضيقة والأزقة الترابية في القرى، والبلدات، والأحياء الشعبية في المدن السورية، بتشكيل مجموعات إنسانية على العتبات أمام أبواب البيوت والبقالات الصغيرة المنتشرة بأشكال غير متجانسة، لكنها تنسجم بشغف مع الرواد الذين يؤنسون أرصفتها المتواضعة بهالة من حكايات لا تنتهي وضحك ونميمة ونكت بعضها بذيء وبعضها حميم.

الضحك زينة القعدة

تتحدث أم يوسف (75 عاماً) من الحي الشرقي في مدينة سلمية عن الجلوس على عتبات المنازل لرصيف22، تقول: "ننشغل أنا وكنتي طوال اليوم بواجبات البيت، لذا بحلول المساء نخرج لنقضيه مع ابنتي الوحيدة المتزوجة، وكنتي الثانية، ونساء الجيران. كل واحدة تحمل معها كرسيها، وصحن أكل، أو أي شيء للتسلية قامت بتحضيره في بيتها. هنا على باب المنزل كل شيء يمكن أن يتحول إلى حكاية جديدة، بعضها للجد وبعضها للضحك، فالضحك زينة القعدة، وما من غيره يمسح (شقا اليوم)، الدنيا كلها ضحكة، وما حدا أخد معه شيء". 

الجلوس على عتبات المنازل، وأمام البقالات في مجموعات هو ما يطلق عليه اسم "التماسي" في القرى والحارات الشعبية في سوريا.

طاولة زهر باب الدكان

أما سامي (40 عاماً) وهو صاحب بقالة في الحي الشمالي من مدينة سلمية فيقول: "كل يوم مساء يجتمع الوالد وأصحابه من أهل الحارة على الرصيف المجاور للدكان، فنتحدث عن أخبار البلد، والسياسة، والأسعار، والحلول، والبيع والشراء بينما نشرب المتة أو الشاي. ودائماً هناك مباراة ساخنة بطاولة الزهر، ويا ويل المغلوب، كل واحد من الحاضرين ينبش له فضيحة من ماضيه الخاسر لتأكيد فشله المزمن، أما المغلوب مكسور الخاطر فلا بد أن يرد على سخريتهم وضحكاتهم، بحكاية تؤكد، بما معناه بأن الشاطر هو من سيضحك غداً".

بانتظار السفر

ومن سلمية إلى حمص، تخرجت ثريا (27 عاماً) من الجامعة، وهي تنتظر دورها ككثير من السوريات لأي فرصة سفر، تقول:"من هم من جيلي من الفتيات تفتح وعينا على الحرب، صار الخوف من المستقبل رفيقنا الدائم، الغد بالنسبة لنا غامض. ومثل كل صبايا العالم نحب الحديث عن الأزياء، وعن الشباب الحلوين، وعن الحب، وعن الأفلام والمسلسلات، لكن الحرب حرمتنا من كل هذا، لذا أفضّل أن أقضي المساءات في الشارع مع أهلي والجيران، لأن المجلس فيه حميمية ودفء". 

كل ما يسمعه الرجال في تماسيهم من قصص ونكت وأخبار جديدة ينقلونه لزوجاتهم، وكذلك تفعل النساء بعد العودة إلى المنزل، لا يوجد شيء إسمه "سر" في الحارات الشعبية والقرى السورية 

وتضيف: "أهلنا أيضاً معنا في الخوف من الغد، لكنهم أقدر منا على هزيمة هذا الخوف بالحديث عن ذكرياتهم، والمبالغة في نجاحات أولادهم، ومستجدات المؤونة، وأخبار المجتمع والناس، وفي العموم أي حكاية في الشارع مهما كانت بسيطة تنتهي بضحكة".

"إذا ما في رجال بالقعدة، الحكي عالمكشوف"

تقول أم قصي (47 عاماً) وهي ربة منزل من بلدة السعن في مدينة سلمية إن "التماسي" ع باب الدار تعوضها عن تعب اليوم، وتؤكد أن أجمل في هذه الجلسات هو غياب الرسميات، فأي شخص من الحارة كبير أو صغير، رجل أو امرأة قادر على الانضمام للمجلس والمشاركة في الحديث، إلا أن نوعية الحديث تتغير وتتحلى النساء بمزيد من الجرأة في غياب الرجال، تقول: "إذا لم يكن هناك رجال في المجلس تزيد التفاصيل في أحاديت النساء ويصبح الكلام على المكشوف، وكذلك يرتفع منسوب الضحك (البلا معنى) والنكت الجريئة".

أم قصي من سلمية: "إذا لم يكن هناك رجال في المجلس يصبح كلام النساء على المكشوف، ويرتفع منسوب الضحك بلا معنى والنكت الجريئة". 

ولا يختلف الحال كثيراُ عند الرجال في غياب النساء من مجالس السهر والتماسي، تضيف أم قصي لحديثها السابق: "ينقل الرجال لزوجاتهم كل ما يسمعونه في تماسيهم، ونفعل نحن الشيء ذاته، بالمختصر لا يوجد شيء اسمه سر في حارتنا".

وعن جلسات الشباب يتحدث أحمد وهو طالب جامعي من حي الزهرا في مدينة حمص: "حارتنا مثل كل التجمعات السكنية الضيقة في سوريا، ليس لدينا مقاهي وبالتالي فجلسة الشارع هي البديل، منها نعرف الأخبار الجديدة في الحارة وخارج الحارة، مثلاً من عشق من، أو من اشترى موتور جديد وقدرته على (التشبيب) عليه".

ويضيف: "في العادة نتبادل المعلومات حول مواقع الأفلام والألعاب والأغاني وطعمات المعسل الجديدة، أما عندما نضطر لمشاركة المجلس مع الكبار، فتصبح عيوننا على شاشة الموبايل، لكن قواعد التماسي الأساسية ثابتة لا تتغير، فالشباب والصبايا جميعهم يعشقون النميمة، والضحك، والفضائح".

"لولا النميمة ما كان حدا تمسا مع حدا"

تسكن أم صادق (65 عاماً) في عش الورور في العاصمة السورية دمشق، وهي معلمة مدرسة متقاعدة، ترى بأن النميمة التي تحدث في التماسي تعتمد بالأساس على الفضائح، والمفارقات بين الجيران.

تقول: "لا أحد يستطيع الهروب من النميمة، صغيراً او كبيراً، فإما أن يكون عضواً مشاركاً في الجلسة، أو موضوعاً ما تشكل مع مروره مصادفة مِنْ أمام أحد المجموعات، أو مادة كلامية اعتراضية لحديث لم يكتمل بعد، أو نقطة لبداية حكاية جديدة تختلف تفاصيلها عن سابقتها، أما إذا كان في بالحارة حكاية ساخنة مثل أخبار الموت، الزواج، الطلاق، السفر، أو قدوم غائب، فالمجموعات كلها ستنشغل بها لعدة أيام، بصراحة، لولا النميمة (ما كان حدا تمسا مع حدا)".

بين الأحياء الحديثة والحواري

انتقلت سعاد (35 عاماً) وهي طبيبة وأم لولدين إلى حي جديد أو "سوبر" كما تصفه عقب زواجها. عن المقارنة بين نوعي الحياة الاجتماعية في المكانين تقول: "التماسي على أرصفة الحارة حالة إيجابية، على الأقل من وجهة نظري، كونها تمثل لدى الجميع رقابة اجتماعية على أهالي الحارة، وهي وسيلة إعلامية تنقل المفارقات، والمقارنات، والأخبار العامة والخبرات، وكل هذا يدخل في صلب التربية الجماعية لأهل الحارة". 

أم صادق من عش الورور: "لا أحد يستطيع الهروب من النميمة، صغيراً او كبيراً، فإما أن يكون عضواً مشاركاً في الجلسة، أو أن يصبح موضوعاً تشكل مع مروره مصادفة من أمام أحد المجموعات، أو نقطة لبداية حكاية جديدة"

وتضيف في حديثها لرصيف22: "أنا بنت شرعية لهذه التماسي، تعلمت من نساء الحارة القيم الأسمى للمودة، كالرأفة، والتعاون، والأخلاق، والحرام والحلال. وأيضاً التعامل مع الزوج، وحقوقي وواجباتي كزوجة، وإدارة البيت، والأولاد، وشؤون المطبخ، وكل هذا قبل أن أتزوج".

تقول سعاد إنها وبعد أن انتقلت إلى الضاحية الجديدة لم تعد تعرف من هم جيرانها، أو طبيعة حياتهم، وتصف سكنها الجديد بأنه يخلو من هذه الروح.

وتختم: "حضوري إلى هنا في أيام العطل، يعتبر حدثاً ساخناً، يُشعرني بقيمتي بالذات حين أسمعهم يقولون (الدكتورة اليوم هون) الأمر أشبه بمؤتمر طبي ينعقد أمام بيت أهلي، وبالطبع لا تخلو السهرة من النكات والضحك". 

إنضمّ/ي إنضمّ/ي

رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

ثورتنا على الموروث القديم

الإعلام التقليديّ محكومٌ بالعادات الرثّة والأعراف الاجتماعيّة القامعة للحريّات، لكنّ اطمئنّ/ ي، فنحن في رصيف22 نقف مع كلّ إنسانٍ حتى يتمتع بحقوقه كاملةً.

Website by WhiteBeard