في حزيران/ يونيو 2023، تواترت أنباء قوية عن أن تغيير القاعة المخصصة لانعقاد المؤتمر الصحافي بين وزير الخارجية السعودي الأمير فيصل بن فرحان ونظيره الإيراني حسين أمير عبد اللهيان، في قلب العاصمة طهران، جاء نزولاً عند رغبة الوفد السعودي الرافض لانعقاد المؤتمر في قاعة تظهر فيها صورة الجنرال الإيراني قاسم سليماني، قائد فيلق القدس بالحرس الثوري الإيراني الذي قضى في ضربة أمريكية بمطار بغداد الدولي مطلع عام 2020.
برغم نفي وزارة الخارجية الإيرانية هذه الأقاويل، وصمت الخارجية السعودية عن تأكيدها أو نفيها، كان هناك تفهماً للموقف الإيراني الحريص على ما يبدو على عدم تعكير صفو العلاقات التي كانت ما تزال في مهدها بعد سبع سنوات من القطيعة الدبلوماسية والعداء الصريح.
مساء الاثنين 2 تشرين الأول/ أكتوبر 2023، كان قاسم سليماني في قلب خلاف سعودي إيراني جديد وإن كان عبر "مجسم له" هذه المرة، وفي ملعب كرة قدم لا في مضمار سياسي. انسحب نادي الاتحاد السعودي من مباراة مبرمجة له ضد نادي سِباهان الإيراني في ملعب الأخير "نقش جهان" بأصفهان، في إطار بطولة "دوري أبطال آسيا"، بعدما تمسّك بإزالة مجسم سليماني من أرض الملعب، وتشدد مسؤولو النادي الإيراني بدورهم في رفض الطلب.
يعد سليماني "بطلاً قومياً" و"شهيداً" بالنسبة للنظام في إيران بينما يُعتبر لدى الكثير من المواطنين العرب الرافضين التدخلات الإيرانية في دولهم "مجرماً" و"قاتلاً".
موقف سعودي مدعوم من AFC
وعقب نحو الساعة من الموعد المقرر للمباراة، السابعة مساء الاثنين، وبرغم امتلاء أجزاء كبيرة من الملعب بالجمهور الإيراني، أعلنت حسابات سعودية عبر مواقع التواصل الاجتماعي أن لاعبي "العميد" - اللقب الذي يطلقه مشجعو النادي السعودي عليه - رفضوا النزول إلى الملعب وغادروه رأساً إلى المطار حيث الطائرة الخاصة التي ستقلهم إلى مدينة جدة.
غادر فريق الاتحاد السعودي لكرة القدم ملعب نقش جهان في أصفهان رافضاً لعب مباراته ضد فريق سِباهان الإيراني بسبب وجود مجسم لقاسم سليماني ورفع الجمهور لافتات سياسية. فكيف كانت رد فعل الجمهور على الضفتين؟ وكيف تعامل المسؤولون في البلدين مع هذه الحادثة؟
وبعد ساعاتٍ، أفادت حسابات النادي الرسمية، في بيان مقتضب وغير واضح، بأنه "بعد الوصول إلى ملعب المباراة، أبلغنا مراقب الاتحاد الآسيوي أن المباراة لن تقام في الموعد المحدد، وبإمكان الفريق مغادرة الملعب، ووفقاً لذلك غادرت البعثة إلى المطار". وبينما لفت النادي إلى أنه سيتابع "حيثيات القرار"، طالب الاتحاد الإقليمي بـ"حفظ حقوقه التي كفلتها الأنظمة واللوائح".
بعد ذلك، أفاد الاتحاد السعودي لكرة القدم (SAFF)، في بيان، بأنه "تابع ما صاحب مباراة ممثل الوطن نادي الاتحاد أمام مضيفه سِباهان أصفهان الإيراني والتي كانت مقررة مساء الاثنين ضمن منافسات الجولة الثانية من دوري أبطال آسيا"، مشيداً بـ"حرص الاتحاد الآسيوي لكرة القدم (AFC) على إقامة المباراة في ظروف مناسبة"، ومؤكداً "دعمه الكامل لنادي الاتحاد واتخاذ كافة الطرق القانونية لحفظ حقوق نادي الاتحاد".
الإشارة إلى "تفهّم" الاتحاد الآسيوي و"دعمه" موقف "العميد" تكرر من الصحافة السعودية ومن مسؤولي نادي الاتحاد. في حين اعتمد الاتحاد الآسيوي كلمة "إلغاء" المباراة بسبب "ظروف غير متوقعة وطارئة" في إشارة إلى ما حدث، في بيان مقتضب شدد خلاله على "التزامه بضمان سلامة وأمن اللاعبين وحكام المباريات والجماهير وجميع أصحاب المصلحة المعنيين".
وروّجت الصحافة السعودية إلى أن "من المنتظر أن يعاقب الاتحاد الآسيوي لكرة القدم الاتحاد الإيراني ونادي سِباهان أصفهان بغرامات مالية والحرمان من اللعب على أرضهم ومنع الحضور الجماهيري، بعد اختراقهما أنظمة الاتحاد الدولي لكرة القدم (فيفا)" بما في ذلك "وجود العبارات واللافتات السياسية والعنصرية والعرقية في الملاعب الرياضية". كما لفتت إلى إحالة المسألة والتقرير المفصل لمراقب المباراة إلى لجنة الانضباط بالاتحاد الآسيوي لتحديد العقوبات اللازمة وحسم نتيجة اللقاء.
شكوى إيرانية
في المقابل، قال المدير التنفيذي لنادي سِباهان أصفهان الإيراني، محمد رضا ساكت، إن النادي سيرفع شكوى للاتحاد الآسيوي لكرة القدم ضد نادي اتحاد جدة السعودي لـ"انسحابه" من المباراة، بعدما "طرح مطلباً خارج القضايا الرياضية وضد المبادئ المطروحة في كل مكان".
التأني السعودي في إصدار بيانات رسمية عمّا حدث، والنبرة الهادئة والمقتضبة لتصريحاته، تعكس أن الجانب السعودي ربما اكتفى بتسجيل موقف من وجود مجسم قاسم سليماني في ملعب المباراة، مع اطمئنانه إلى عدم تأثر "العميد" بأية عقوبات رياضية محتملة. لكن ذلك وضع المسؤولين الإيرانيين في حرج، فكيف ردوا؟
أضاف ساكت: "قمنا بتنظيم الأمور اللازمة منذ أسابيع لإقامة مباراة وفق المعايير على مستوى دوري أبطال آسيا، وتم توفير الأرضية اللازمة لإقامتها بأفضل صورة ممكنة. واستقبل نادي سِباهان فريق الاتحاد السعودي بشكل جيد عند وصوله إلى إيران"، مردفاً بأن الاجتماع الفني الذي سبق المباراة، شهد الاتفاق على كافة التفاصيل دون اعتراض من الجانب السعودي "على أي نقطة غموض" برغم تدرب الفريق السعودي على ذات الملعب يوم الأحد.
وشدد ساكت على أن "ملعب نقش جهان حصل على موافقة الاتحاد الدولي لكرة القدم (فيفا) والاتحاد الآسيوي لكرة القدم واتحاد كرة القدم ومنظمة الدوري منذ أكثر من عامين ونصف وشهد إقامة الكثير من المباريات فيه"، متابعاً "جماهير نادي سباهان، رجالاً وسيدات، حضروا إلى الملعب بكثافة لمشاهدة المباراة" التي أُلغيت بسبب طرح الفريق السعودي "مطلباً غير رياضي" و"قبل دقائق من المباراة".
هل تهدد الأزمة علاقات البلدين؟
خلال برنامجه "أكشن مع وليد" المذاع عبر قناة "إم بي سي أكشن"، حرص الإعلامي الرياضي السعودي البارز وليد فراج على التأكيد على أن أزمة مباراة الاتحاد وسِباهان أصفهان سببها الفريق الإيراني وحده ولا دخل لها بالاتحاد الإيراني لكرة القدم ولن تؤثّر على أية منافسات رياضية مرتقبة بين فرق البلدين.
وأوضح فراج أن "العميد" لاحظ وجود "مجسّمات سياسية" في ملعب المباراة خلال التدريب الرئيسي الذي سبق المباراة بيوم، وطالب هو والسفارة السعودية بإزالة المجسم، وتلقوا وعداً من الفريق الإيراني بإزالته قبل موعد المباراة.
وأضاف المذيع السعودي أن فريق "الاتحاد" فوجئ عقب وصوله إلى ملعب المباراة الاثنين باستمرار وجود التمثال، وإخباره من قبل مسؤولي نادي سِباهان أصفهان بأن مسألة إزالته "صعبة" وغير ممكنة. فغادر الملعب إلى المطار رافضاً المشاركة في المباراة. أضاف فراج أن بعثة الاتحاد لاحظت أيضاً أن اللافتات في المدرجات كانت جميعها تتضمن "شعارات سياسية"، مقراً أنها ليست موجهة للمملكة بوجه عام لكنها "ذات مضمون عدائي".
يبدو أن القيادة السياسية في إيران أرادت تسجيل موقف هي الأخرى، على حساب أزمة مباراة الاتحاد وسِباهان، تفادياً لانتقادات الأصوليين في البلاد أو اعتبار اتهامها بالضعف خارج البلاد، فأقدمت بلدية طهران على تعليق صور قاسم سليماني في مناطق واسعة من العاصمة مدونة عليها عبارات مثل: "حتّى وهو ميت، يخشونه" و"عيناه تخيفانهم"
وتعجّب من أن الاتحاد الآسيوي اعتمد ملعب "نقش جهان" ووافق على إقامة المباريات عبره، بالرغم من وجود هذا المجسم السياسي قبل نحو عام، بالمخالفة للوائح الاتحاد الآسيوي.
واستدرك بأن الاتحاد الإيراني لكرة القدم دخل على خط الأزمة حين علم بمغادرة "العميد" الملعب، وتواصل مع الاتحاد السعودي لكرة القدم وأبلغه بأنه لا علاقة له بما يحدث، مستشهداً بإقامة مباراة نادي النصر السعودي في إيران قبل أيام دون أية عراقيل مماثلة. وضرب مثالاً آخر بالمواجهة المرتقبة لنادي الهلال السعودي وأحد أندية العاصمة طهران الثلاثاء الموافق 3 تشرين الأول/ أكتوبر 2023، "دون أي مشاكل".
كل هذا حسب رواية فراج الذي كرر أن ما حدث من "تصرف غير رياضي" متعلق فقط بنادي سِباهان، مرجحاً أن العقوبات المحتملة من الاتحاد الآسيوي سوف توجّه إلى النادي وليس إيران أو الاتحاد الإيراني.
نبرة فراج، ولهجة البيانات الرسمية المقتضبة من النادي السعودي واتحاده الوطني، وحتّى التمهل في صدور هذه البيانات والحرص على عدم ذكر التفاصيل أو تسمية قاسم سليماني فيها، ربما توحي بأن الجانب السعودي اكتفى بإعلان موقفه وينوي الاستفادة من الموقف دون أية خسائر على صعيد العلاقة مع إيران.
الموقف نفسه يبدو من موقف الاتحاد الإيراني لكرة القدم الذي، حسب رواية فراج، بادر بالتواصل مع مسؤولي الاتحاد السعودي وتنصّل من موقف وفعل نادي سِباهان أصفهان.
لكن يبدو أن القيادة السياسية في إيران لها موقف آخر أو ربما تريد تسجيل موقف هي الأخرى على حساب الأزمة تفادياً لانتقادات الأصوليين في البلاد أو اعتبار صمتها ضعفاً خارج البلاد.
خلال الساعات الماضية، وقبيل مباراة الهلال السعودي ونادي نساجي مازندران الإيراني في العاصمة، أقدمت بلدية طهران على نشر المزيد من صور قاسم سليماني في مختلف مناطق طهران وبطول الطريق المؤدية إلى ملعب المباراة وقد كُتب عليها عبارات على غرار: "حتّى وهو ميت، يخشون صورته" و"عيناه تخيفاهم". وليس واضحاً بعد إن كان الفريق السعودي سيواجه مزيداً من هذه التصرفات في ملعب المباراة أو ماذا قد يكون تصرفه حيالها.
على الصعيد الشعبي، ضجت مواقع التواصل السعودية بـ"الإشادة" بـ"الموقف الوطني" لـ"العميد، في حين تباينت التعليقات الإيرانية بين منتقد لإقحام السياسة في المنافسات الرياضية، وآخر منتقد لـ"تصعيد وتعنت" النادي السعودي.
على سبيل المثال، غرّد الناشط السياسي الإيراني المنتقد للنظام الحالي، عباس عبدي، عبر "إكس - تويتر سابقاً"، قائلاً: "ازدادت هشاشة السياسة دون قصد، حينما قام النظام بتسييس جميع مجالات الحياة. مباراة الاتحاد وسِباهان مثال على هذا". في المقابل، غرّد الصحافي الإيراني الأصولي جعفر يوسفي: "حتى أمن أطفال السعودية الآن هو مدان للحاج قاسم (سليماني)".
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
HA NA -
منذ 3 أياممع الأسف
Mohammed Liswi -
منذ أسبوعأبدعت بكل المقال والخاتمة أكثر من رائعة.
Eslam Abuelgasim (اسلام ابوالقاسم) -
منذ أسبوعحمدالله على السلامة يا أستاذة
سلامة قلبك ❤️ و سلامة معدتك
و سلامك الداخلي ??
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعمتى سوف تحصل النساء في إيران على حقوقهم ؟!
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعفاشيه دينيه التقدم عندهم هو التمسك بالتخلف
مستخدم مجهول -
منذ أسبوععظيم