في تقرير صادم أصدرته مطلع نيسان/ أبريل 2023، أكدت منظمة الصحة العالمية أن "واحداً من كل ستة أشخاص بالغين في العالم (نحو 17.5%) يصاب بالعقم في إحدى مراحل حياته"، واصفةً ذلك بأنه "تحدٍ كبير للصحة في جميع البلدان وفي جميع أنحاء العالم".
التقرير الذي كان بمثابة جرس إنذار بخطورة تراجع معدلات الخصوبة حول العالم، لفت أيضاً إلى الآثار السلبية العديدة لتأخر الإنجاب و/ أو العقم على البشر بما في ذلك "القلق الشديد والوصم والضائقة المالية، بما يؤثر على رفاه الأفراد العقلي والنفسي والاجتماعي".
في هذا التقرير، نسلط الضوء على أحد الأسباب الشائعة للعقم عند الرجال وأبرز العلاجات الحديثة التي تساعد في التغلب عليها. ففي المنطقة العربية على نحو خاص، يرتبط إنجاب الرجل - بفضل معايير اجتماعية وذكورية نمطية - "بالفحولة"، أي القدرة الجنسية، وارتفاع تقدير الذات والآخرين، وبالتبعية تتفاقم التبعات النفسية والاجتماعية إذا كان تأخر الحمل بسبب الرجل.
يعاني نحو 10% من الرجال المصابين بالعقم حول العالم، و1% من جميع الرجال، من فقدان/ انعدام النطاف بنوعيه الانسدادي وغير الانسدادي. مع ذلك، "العلاج ممكن وحتى الحمل بشكل طبيعي وارد" في حال كانت نتيجة تحليل السائل المنوي صفر حيوانات منوية
عقم الذكر وفقد النطاف
وعقم الذكر هو كل اضطراب يصيب الجهاز التناسلي لدى الذكور ويتسم بخلل وظائف قذف السائل المنوي أو الغياب غير الطبيعي في المستوى المقاس من النطاف في السائل المنوي، وفق المراجعة الحادية عشرة للتصنيف الدولي للأمراض من منظمة الصحة العالمية.
أما فقد النطاف (انعدام الحيامن)، فهو حالة تصيب الجهاز التناسلي لدى الذكور سببها انسداد السبيل الإنجابي أو مستويات غير طبيعية من الهرمونات أو فشل خصوي أو إنتاج غير كافٍ من الحيوانات المنوية. وتتسم هذه الحالات بغياب مستوى يمكن قياسه من الخلايا النطفية في السائل المنوي مع مستويات منخفضة جداً من الخصوبة. ويتأكد التشخيص بغياب الحيوانات المنوية في حصيلة تثفيل السائل المقذوف، وفق المصدر نفسه.
وبحسب كلية جامعة جون هوبكنز الطبية، يعاني نحو 10% من الرجال المصابين بالعقم، و1% من جميع الرجال، من فقدان/ انعدام النطاف. وله نوعان: "الانسدادي" حيث يوجد انسداد يمنع الحيوانات المنوية من دخول القذف، و"غير الانسدادي" ناتج عن انخفاض و/ أو انعدام إنتاج الحيوانات المنوية من الخصية.
وتؤثر العديد من العوامل على جودة السائل المنوي من حيث العدد والحركة ووجود تشوهات من عدمه، وفق الدكتور فهد باشراحيل، استشاري جراحة المسالك البولية وأمراض الذكورة والعقم في السعودية الذي يعدّد منها: نمط المعيشة السيء (بما في ذلك التدخين والسمنة وتناول الغذاء غير الصحي وعدم ممارسة الرياضة وتجمّع الشحوم في البطن والنوم غير الكافي أو المنتظم)، وبعض العلاجات (مثل العلاجات المناعية والعلاجات النفسية والعلاج الكيماوي والعلاج الإشعاعي وبعض المكملات الغذائية الخاصة بالرياضيين).
كذلك يتأثر إنتاج وكفاءة الحيوانات المنوية بالخصية المعلّقة المهملة أو التي أنزلت متأخر، وبأي خلل هرموني، أو التعرض للحرارة لفترات طويلة (مثلاً في حمامات الساونا والجاكوزي)، وهرمون الذكورة التعويضي وهرمونات النوادي، وبعض المتلازمات (مثل متلازمة كلاينفلتر الوراثية ومتلازمة تيرنر)، والالتهابات المتكررة الخصية والبربخ (مثل التهاب النكاف والالتهابات الجنسية والالتهابات بالجهاز التناسلي الذكوري)، وحدوث إصابة الخصية (مثل ضربة أو التواء حاد).
وتوجد أسباب "غير واضحة/ مفهومة تماماً" بعد لهذه الحالة المرضية. ويُنصح بتكرار تحليل السائل المنوي وفي أكثر من مختبر إذا ظهرت نتيجته صفرية قبل التوجّه إلى طبيب/ة متخصص/ة في أمراض الذكورة والعقم عند الذكور (عقب التأكد من النتيجة) حيث قد تختلف النتيجة من معمل لآخر ومن تحليل لآخر في نفس المعمل حتى.
بعض المكملات الغذائية الخاصة بالرياضيين، والتعرض للحرارة لفترات طويلة مثلاً في حمامات الساونا والجاكوزي، ونمط المعيشة غير الصحي من بين أسباب انعدام الحيوانات المنوية. لكن هناك أسباباً أخرى تظل "غير مفهومة" لهذه الحالة المرضية المنتشرة بين الرجال
العلاج ممكن والحمل "الطبيعي" وارد
بعد التأكد من أن السائل المنوي يحتوي على صفر حيوانات منوية. تبدأ مرحلة تحديد نوع فقد النطاف، انسدادي أو غير انسدادي. عادةً، كان الرجال المصابون يخضعون بعد الكشف الجسدي إلى خزعات تشخيصية عشوائية من الخصية، لكن هذه الطريقة لا تكون حاسمة دائماً في تحديد نوع الحالة.
حديثاً أصبح الشائع إجراء عملية تفتيش (مسح مجهري) للبربخ، وهي عملية نوعية لعلاج حالات العقم الأولي والحالات الصفرية الانسدادية وفي حالات التشوه الخلقي وعدم وجود قناة منوية حيث يستخرج خلالها الأطباء أفضل الحيوانات المنوية الناضجة والمتحركة. وتُشير دراسات إلى أن تقنية microTESE لاستخلاص الحيوانات المنوية من الخصيتين قد تفيد في علاج بعض الحالات الصفرية غير الانسدادية. علماً أن بعض الأطباء يعتبرون حالات الصفر غير الانسدادية من أصعب حالات العقم لدى الرجال.
ويعتمد علاج حالات انعدام وفقدان النطاف على سبب المرض. لذا ينصح الأطباء الأشخاص بألّا يتأثروا بالحالات التي قد تبدو لهم مشابهة من الأصدقاء والمعارف وغيرهم، أو تناول نفس العلاجات. فلكل "حالة صفرية" المسار العلاجي المناسب الذي ينبغي تحديده من قبل الطبيب/ة وفق طبيعة الحالة والأعراض والأسباب ونمط الحياة وغيرها من العوامل المؤثرة.
وفي هذا السياق يوضح د. فهد أن "الحالات الصفرية تتشابه في نتيجة السائل المنوي بأنها (صفر حيوانات منوية) لكن تختلف في أسبابها". ويستدرك بأن "هذه الأسباب قد تكون منفردة أو مجتمعة"، ناصحاً الرجال بعدم التأثر بالحالات الصفرية الأخرى أو إتباع نفس المسار العلاجي لها تفادياً لخسارة الوقت والمال والجهد.
وينصح الأطباء بأن يكون علاج فقد النطف مساراً شاملاً يتضمن متابعة وضع عمر الشخص وشريكته والوظيفة الإنجابية والحالة الصحية لهما ونمط المعيشة والتاريخ الصحي للعائلة والعوامل البيئية والاجتماعية وحتى الاقتصادية المؤثرة.
يُنصح الرجال بعدم التأثر بالحالات الصفرية الأخرى أو إتباع نفس المسار العلاجي لها تفادياً لخسارة الوقت والمال والجهد. وإن تشابهت نتيجة تحليل السائل المنوي بـ"صفر حيوانات منوية" فقد تختلف الأسباب وبالتالي العلاج الذي ينبغي أن يتخذ مسارات مغايرة تتكامل فيها العوامل الصحية، الجسدية والنفسية، والبيئية، والاقتصادية والاجتماعية وغيرها
كما يوصى بأن يتابع المريض مع أخصائي/ة نفسي/ة للتعامل مع التبعات النفسية بما فيها مشاعر الإحباط والقلق من عدم القدرة على تكوين أسرة وإنجاب أطفال خشية تفاقمها والتأثير على العلاجات الأخرى في مسار تحسين إنتاج الحيوانات المنوية.
بعد ذلك، يمكن للطبيب/ة المعالج/ة المتخصص/ة في أمراض الذكورة والعقم عند الرجل تحديد العلاج الدوائي أو الجراحي أو السلوكي حسب أسباب الحالة المرضية - المؤكدة أو المحتملة. فإذا كان السبب مثلاً علاجاً يتناوله الشخص المصاب، ينبغي وقفه والبحث عن بدائل غير مؤثرة. وإذا كان السبب اضطراباً هرمونياً ما، يمكن أن يُسهم علاجه في زيادة إنتاج الحيوانات المنوية. وهناك جراحات تُعالج بعض التشوهات التشريحية التي تعرقل الإنجاب عند الرجل.
ويُشيد عدد من الأطباء العرب المتخصصين بحقن البلازما التي تعقبها عمليات الحقن المجهري الناجحة. ويُشير البعض منهم إلى أنه حتى الحالات الصفرية غير الانسدادية مع وجود ضمور بالخصية قد يستفيد أصحابها من عملية ربط الدوالي بالمجهر (المايكروسكوب) الجراحي.
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
عبد الغني المتوكل -
منذ 8 ساعاتوالله لم أعد أفهم شيء في هذه الحياة
مستخدم مجهول -
منذ 8 ساعاترائع
مستخدم مجهول -
منذ 4 أيامكل التوفيق ومقال رائع
Ahmad Tanany -
منذ أسبوعتلخيص هايل ودسم لجانب مهم جداً من مسيرة الفكر البشري
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعلا يوجد اله او شئ بعد الموت
Mohammed Liswi -
منذ أسبوعأبدعت