من المفترض أن تكون العملية الجنسية ممتعة، في حال كان الحب موجوداً بين الطرفين، ولكن من المؤكد أن التقيّؤ والشعور بالحكّة والاحمرار كما لو أن الجسم قد تعرض للدغات "قفير نحل"، بالإضافة إلى ضيق شديد في التنفس، هي من العوارض التي لا يتمناها أحد، ولكنها حدثت بالفعل لامرأة تبلغ من العمر 31 سنة في إسبانيا، سرعان ما تبيّن أنها تعاني من حساسية السائل المنوي، نتيجة ممارسة الجنس دون وقاية مع شريكها، مع ما تضمنه ذلك من جنس فموي.
فما هي هذه الحساسية التي قد تصيب العديد من النساء في وقت ما من حياتهنّ؟ ما هي أعراضها؟ وكيف تؤثر على العلاقة الجنسية بين الطرفين؟
مرض نادر
صحيح أنه تم تشخيص هذه الحالة الطبية لأول مرة من قبل طبيب هولندي في العام 1958، إلا أن القليل يُعرف عن حساسية السائل المنوي، ويرجع ذلك إلى نقص الحالات المذكورة في المراجع الطبية.
ورغم عدم وجود إحصاءات كافية، إلا أن الأطباء يكشفون أن 1 من كل 10 آلاف شخص في البلدان الصناعية، مصاب بهذه الحساسية التي تكون محبطة للكثير من الأزواج، ويمكن أن تشكل ضغطاً على العلاقة الجنسية، كما يمكن أن تعقّد الأمور بالنسبة للحمل، رغم أن حساسية السائل المنوي لا تؤثر بشكل مباشر على خصوبة المرأة.
حساسية السائل المنوي هي رد فعل تحسسي نادر للبروتينات الموجودة في السائل المنوي للرجل، تشمل الأعراض الشائعة الاحمرار، التورّم، الألم، الحكّة، الشعور بالحرقان في المهبل، والذي يبدأ عادة بعد حوالي 10 إلى 30 دقيقة من الاحتكاك مع السائل المنوي
في حديثها مع موقع رصيف22، أوضحت القابلة القانونية فرح كنج، أن حساسية السائل المنوي هي عبارة عن حالة نادرة، لا يتم الإبلاغ عنها في العديد من الأحيان، بسبب شعور العديد من النساء المصابات بالخجل من التحدث بأريحية عن هذا الموضوع الحساس والحميمي.
بالإضافة إلى ذلك، كشفت كنج أنه في بعض الأحيان يكون هناك تشخيص خاطىء من قبل بعض الأطباء، الذين يعزون، عن طريق الخطأ، ردّ الفعل التحسسي لوجود عدوى بكتيرية، مع العلم بأن التشخيص الصحيح هو أمر بالغ الأهمية للعثور على العلاج الناجع: "في بعض الأحيان يتم اعتبار هذه الحساسية ناجمة عن الملابس الداخلية، أو جرّاء استخدام الواقي الذكري المصنوع من اللاتكس، أو يتم الخلط بينها وبين العدوى الفطرية (yeast infection)، غير أنه، وبخلاف الإصابة بالعدوى، فإن حساسية السائل المنوي لا تكون مصحوبة برائحة قوية أو بإفرازات معيّنة".
المرأة قد تكون لديها حساسية تجاه السائل المنوي الذي يفرزه شخص ما دون سواه
وأشارت فرح إلى أن حساسية السائل المنوي تشبه إلى حدّ ما الحساسية التي تكون لدى البعض على أطعمة معيّنة: "حساسية السائل المنوي تعني أن يقوم الجسم برد فعلي تحسسي على بروتين معيّن موجود في الـ semen، وكما يعاني البعض فجأة من حساسية للاكتوز أو الفول السوداني، فإن حساسية السائل المنوي قد تظهر فجأة لدى المرأة في مرحلة ما من حياتها".
أما بالنسبة للأعراض، فقد أوضحت كنج أن درجات الحساسية متفاوتة من شخص إلى آخر: "في حين أن هناك سيدات يعانين من حكّة في الحلق أو احمرار وحكة في منطقة المهبل، فأن هناك أخريات تصل بهنّ حساسية السائل المنوي إلى حدّ الشعور بالاختناق".
ونظراً لحساسية الموضوع وخطورته أحياناً، نصحت فرح النساء اللواتي يعانين من أعراض مشابهة بالتوجه فوراً إلى أخصائي/ة لإجراء الفحوصات الطبية اللازمة، التي تكشف عمّا إذا كانت المرأة المعنية تعاني فعلاً من حساسية السائل المنوي أو لا، قبل البحث في سبل العلاج.
وفي الختام، لفتت كنج بأن المرأة قد تكون لديها حساسية تجاه السائل المنوي الذي يفرزه شخص ما دون سواه، والحل يكون باستخدام الواقي الذكري لتجنب الاحتكاك مع السائل المنوي، أما في حال أراد الثنائي الإنجاب، فيتعين عليهما اللجوء لتقنيات أخرى، مثل التلقيح الصناعي.
أعراض خطيرة
"اعتقدت أن الحساسية من الفول السوداني ستكون كابوساً، لكن الحساسية تجاه السائل المنوي، رغم أنها نادرة، يمكن أن تكون مؤلمة للغاية. أي منطقة معرضة للحيوانات المنوية، مثل الأعضاء التناسلية والحلق والفم والشرج وما إلى ذلك، يمكن أن تعاني من احمرار وتورّم وألم وحكة وحرقان... ويظل الألم لأيام"، هكذا وصفت ليون بلاكوييل، العوارض التي تحدث لها في كل مرة تمارس فيها الجنس مع الشريك.
واللافت أن ليون، مثل العديد من النساء الأخريات، تم تشخيص حالتها بشكل خاطىء، إذ سارع الأطباء إلى القفز لاستنتاجات خاطئة، مثل الزعم بأن ما نتحدث عنه هو مرض القلاع المهبلي.
بحسب الجمعية الدولية للطب الجنسي، فإن حساسية السائل المنوي (تُعرف أيضاً باسم فرط حساسية البلازما المنوية)، هي رد فعل تحسسي نادر للبروتينات الموجودة في السائل المنوي للرجل، والتي تؤثر في الغالب على النساء.
تشمل الأعراض الشائعة الاحمرار، التورّم، الألم، الحكّة، الشعور بالحرقان في المهبل، والذي يبدأ عادة بعد حوالي 10 إلى 30 دقيقة من الاحتكاك مع السائل المنوي، مع العلم بأن الأعراض لا تقتصر على المهبل فحسب، بل يمكن أن تحدث على الجلد أو في الفم أيضاً، هذا ويمكن أن تكون حساسية السائل المنوي خطيرة جداً وأن تؤثر على الجسم بالكامل، ما يتسبب في حدوث صعوبة في التنفس ورد فعل تحسسي يهدد الحياة.
في معرض حديثه مع صحيفة دويتشه فيله، يتذكر طبيب الأمراض الجلدية وأخصائي الحساسية، جان بيار علام، أول مريضة عاينها مصابة بحساسية السائل المنوي: "كانت تعاني من رد فعل تحسسي مراراً وتكراراً بعد الجماع".
وأوضح المدير الطبي في مستشفى بون، أن هذه المرأة كانت تعاني من تورّم وحكّة شديدتين في منطقة المهبل، وهي من "الأعراض الموضعية" التي تحدث لدى ثلث المرضى، منوهاً بأن غالبية النساء المصابات بحساسية السائل المنوي قد يعانين من أعراض أسوأ بكثير، تؤثر على الجسم كله: "احمرار في الجلد مع حكّة شديدة، ثم يتطور ذلك إلى ضيق في التنفس، الشعور بالدوار والحاجة إلى التبول والتغوط".
وكشف علام أن ردّ الفعل التحسسي تجاه السائل المنوي مشابه للحساسية التي تصيب الجسم بعد لدغة حشرات، مثل النحل أو الدبابير، مشيراً إلى أن أعراض الحساسية قد تتفاقم لدرجة أن "تفقد المريضة وعيها وحتى أن تموت".
السائل المنوي... مزيج معقد
يتكون السائل المنوي من مجموعة من المركبات الكيميائية التي تشمل: أحماض أمينية، بعض البروتينات والسكريات، مثل سكر الفركتوز وسكر الغلوكوز، بعض المعادن مثل الزنك، الكالسيوم، الفيتامينات، بالإضافة إلى مجموعة من العناصر الغذائية الأخرى.
والواقع أن ما نسميه "السائل المنوي" هو مزيج معقد للغاية، يتضمن البلازما المنوية، أي السائل الذي يحمل ويغذي الحيوانات المنوية الصغيرة.
وبحسب دراسة نشرها الطبيبان المتخصصان في أمراض الحساسية وطب الذكورة، ستيفان فايدينغر ومايكل كون، في العام 2005، فإن البلازما المنوية تحتوي على بروتينات مختلفة، يُعتقد أنها السبب الكامن وراء حساسية السائل المنوي، على رأسها بروتين المستضد البروستاتي النوعي (PSA)الذي يعد بروتيناً طبيعياً عند الرجال، ويضمن وصول الحيوانات المنوية إلى البويضة داخل جسم المرأة وتخصيبها بنجاح.
ماذا عن بعض الأدوية والأطعمة التي يتم ربطها بحساسية السائل المنوي؟
في الواقع، هناك شكل آخر من أشكال حساسية السائل المنوي يرتبط ارتباطاً وثيقاً بحساسية الطعام الموجودة.
ففي إحدى الحالات، ظهر على امرأة تعاني من حساسية تجاه المكسّرات البرازيلية ردُّ فعل تحسسي شديد في منطقة المهبل بعد الجماع، والسبب يكمن في كون شريكها كان قد تناول المكسرات البرازيلية قبل ساعات قليلة من ممارسة الجنس، مع العلم بأنه نظّف أسنانه بالفعل وغسل يديه، لأنه كان يعلم أن صديقته تعاني من حساسية تجاهها.
"كما يعاني البعض فجأة من حساسية للاكتوز أو الفول السوداني، فإن حساسية السائل المنوي قد تظهر فجأة لدى المرأة في مرحلة ما من حياتها"
وبالعودة إلى حالة الشابة التي ذكرناها في المقدمة، فقد تبيّن أنه لم يكن لها أي تاريخ سابق من الحساسية تجاه السائل المنوي في أي علاقات جنسية أخرى، كما أنها لم تأكل شيئاً يسبب لها الحساسية، لم تتعرض للعضّ من قبل أي حشرات ولم تتناول أي أدوية، أما شريكها فكان قد تناول دواء الأوغمنتين، وهو نوع من المضادات الحيوية التي تحتاج إلى وصفة طبية، قبل 4 ساعات من العملية الجنسية.
وبالتالي، بعد استبعاد كل الاحتمالات الممكنة، خلص الباحثون إلى القول بأن "هذه هي الحالة الأولى التي تم الإبلاغ عنها لحدوث الحساسية المفرطة من الأموكسيسيلين لدى امرأة، بعد اتصال جنسي فموي مع رجل كان يتناول الدواء".
وقد لاحظ الأطباء أن القليل من الدراسات قد بحثت فيما إذا كانت الأدوية يمكن أن تتركز في السائل المنوي، لكنهم أشاروا إلى أنه من الناحية النظرية يمكن أن يحدث ذلك بسبب التركيب الكيميائي للبلازما المنوية والأموكسيسيلين.
من هنا يوصي العلماء بضرورة استخدام الواقي الذكري، في حال كان أحد الطرفين يتناول أي أدوية قد يكون الشريك الآخر مصاباً بالحساسية تجاهها.
تجدر الإشارة إلى أن بعض الرجال قد يعانون أيضاً من الحساسية من سائلهم المنوي، أما الأعراض فتكون مشابهة للأنفلونزا، وتستمر من يومين إلى سبعة أيام بعد القذف.
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
مستخدم مجهول -
منذ يومينكل التوفيق ومقال رائع
Ahmad Tanany -
منذ 6 أيامتلخيص هايل ودسم لجانب مهم جداً من مسيرة الفكر البشري
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعلا يوجد اله او شئ بعد الموت
Mohammed Liswi -
منذ أسبوعأبدعت
نايف السيف الصقيل -
منذ أسبوعلا اقر ولا انكر الواقع والواقعة فكل الخيوط رمادية ومعقولة فيما يخص هذه القضية... بعيدا عن الحادثة...
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ اسبوعينمقال بديع ومثير للاهتمام، جعلني أفكر في أبعاد تغير صوتنا كعرب في خضم هذه المحن. أين صوت النفس من...