أفتح أحد تطبيقات مواقع التواصل الاجتماعي، فأجد حملةً واسعةً تديرها واحدة من ممثلات هوليوود، تحثّ فيها النساء على عدم الوقوع في فخ محاربة الزمن، وأن يقفن أمام مرآة كبيرة عاريات، يتقبّلن التجاعيد والثنيات، ويحببن كل جزء منهنّ كما هو. بعد دقائق أفتح تطبيقاً آخر، فأجد منشوراً من ممثلة واسعة الشهرة، تقول إنها جرّبت كل شيء لمحاربة آثار الزمن، حتى الأشياء غير المنطقية أو المعقولة، بهدف الحفاظ على جمالها.
إلى من تستمتع المرأة: إلى من يخبرها بأن تحبّ التقدّم في العمر وتعدّه مرحلةً لها جمالها الخاص، أم إلى شركات التجميل وعشرات الإعلانات على مواقع التواصل الاجتماعي التي تمدّها بوسائل لإيقاف عجلة الزمن؟
من يقدر على البوتوكس والفيلر؟
هناك طرائق متعددة لتحدّي سطوة الزمن، أشهرها الإجراءات التجميلية، سواء الجذرية منها التي تجعل المرأة تخضع لمشرط الطبيب/ ة، أو البسيطة التي تتمثل بشكل أساسي في حقن البوتوكس والفيلر اللذين يعملان على تحسين ملمس الجلد، ونضارة الوجه والتخلص من التجاعيد، ولكن هذا الحل مكلف على الصعيد المادي، وكذلك يؤدي في بعض الأحيان إلى نتائج غير متوقعة، أو حتى عكسية، لو لم يتم حقن هذه المواد بصورة سليمة عند طبيب/ ة تجميل أو أخصائي/ ة.
إلى من تستمتع المرأة: إلى من يخبرها بأن تحبّ التقدّم في العمر وتعدّه مرحلةً لها جمالها الخاص، أم إلى شركات التجميل وعشرات الإعلانات على مواقع التواصل الاجتماعي التي تمدّها بوسائل لإيقاف عجلة الزمن؟
تتحدث سارة حجازي، وهي في منتصف الثلاثينات من العمر، عن تجربة التقدّم في العمر: "لست خائفةً من التقدم في العمر. منذ منتصف الثلاثينات لاحظت التغيرات في وجهي، وبدأت أهتم بشكل أقوى بروتين البشرة والكريمات المرطبة وقمت بإجراءات تجميلية مثل الفيلر والبوتوكس. جرّبت أكثر من جهاز لتقليل التجاعيد، والنتيجة أعجبتني وشعرت بأني أجمل بكثير، وبشرتي أصبحت نضرةً، ولكن الأمر السلبي أن هذا النوع من العناية يحتاج إلى ميزانية غير قليلة، خاصةً أنه يجب الحقن بشكل دوري للحفاظ على النتيجة".
على النقيض منها، تعبّر شروق رأفت، وهي في نهاية العشرينات من العمر، عن رأيها المعاكس قائلةً لرصيف22: "أنا شخص يخاف من أي إجراء تجميلي، لذلك البوتوكس والفيلر ليسا خيارَين بالنسبة لي. بالأمس رأيت تجاعيد بسيطةً ظهرت في وجهي. نظرت إليها ملياً ثم أدرت وجهي. في النهاية هذه أنا، والعمليات التجميلية لن تزيد من عمري، بل على العكس، أخاف أن تشوّهني أو ألا أستطيع التعرف على شكلي في النهاية. وقد يتغير رأيي في المستقبل".
الميزانية الكبيرة التي تحتاجها هذه الإجراءات ليست العائق الوحيد. هناك أيضاً النظرة المجتمعية المتناقضة التي ترغب في نساء جميلات وشابات على الدوام، وفي الوقت نفسه تحكم بشكل سلبي على الإجراءات التجميلية، مثلما يحدث مع النجمات الطاعنات في العمر، اللواتي يُتّهمن بمحاربة الزمن، فتترافق كل صور جديدة للممثلة نادية الجندي مثلاً مع حملات ساخرة، وبدورها، سبق أن عانت المطربة الراحلة صباح، من تنمّر الجمهور عليها لارتدائها الألوان المبهجة أو لشعرها الأشقر والعمليات التجميلية التي قامت بها وغيرت من شكلها على مرّ السنوات.
خوف صحي وليس جمالياً
في الواقع، لا تزال ثقافة العلاجات التكميلية التي تحتاجها النساء المتقدمات في العمر لعلاج هذه الأعراض غير منتشرة بما فيه الكفاية، وتُعدّ رفاهيةً لعدد محدود من السيدات، بينما الأخريات يعانين بصمت ليس فقط من وصمة انتهاء الشباب بانقطاع الدورة الشهرية، ولكن من أعراض مثل الهبّات الساخنة، والتعرّق الليلي وتغيّرات المزاج وآلام المفاصل والعضلات.
تعرب نادية عباس، وهي في نهاية الثلاثينات من العمر، عن رأيها في هذه النقطة قائلةً لرصيف22: "أنا أتقبل تأثير الزمن على شكلي، وأحب نفسي كما أنا مع تجاعيد وجهي وشعري الأبيض ووزني الذي اختلف عما كانه في الماضي. مشكلتي الحقيقية في تأثير الزمن على صحتي وحالتي النفسية. أحاول التركيز على طعامي، وممارسة الرياضة والاهتمام بصحة عظامي وأسناني وعضلاتي. ولكن بدأت مؤخراً بتناول أدوية الضغط والسكري. لا أًصدّق حتى الآن أني دخلت منطقة الأمراض المزمنة".
بخصوص تأثير التقدم في العمر على الصحة الجسدية للنساء، تقول طبيبة النساء والتوليد، عفت الصيرفي: "تحدث تغيرات طبيعية في الجسم مع تقدّمنا في العمر، مثل تلف الجلد نتيجة التعرض لأشعة الشمس وفقدان العضلات والقوة البدنية ونسبة من البصر والسمع، بالإضافة إلى تغيرات في نمط النوم ومستويات الطاقة والشهية. تُعدّ هذه الأعراض في بعض الأحيان طبيعيةً، إلا أنها قد تكون مرتبطةً بالأمراض المزمنة أكثر من ارتباطها بالشيخوخة نفسها، وبالنسبة للنساء تنضم إليها أعراض انقطاع الدورة الشهرية".
وتنصح الدكتورة عفت، النساء بالتوجه إلى الطبيبات المتخصصات لمناقشة طرق تحسين الحياة وتقليل هذه الأعراض، مثل الأدوية التكميلية الطبيعية أو الهرمونية، وكذلك مراعاة أسلوب حياة صحي ونشط: "يجب أن تعرف المرأة أن التجاعيد ليست نهاية المطاف. الأهم منها أن يكون خلفها عقل وجسد قادران على مواجهة الحياة المختلفة".
"زعلانة ولكن لن أواجه الواقع"
تعبّر إبتسام شوقي، وهي في نهاية الثلاثينات، عن مشاعرها تجاه التغيّرات التي تحدث لها بكلمة واحدة: "زعلانة". ثم تكمل: "أنا حزينة لكن لا أحاول القيام بأي شيء تجاه تغيير الواقع، كل يوم أفاجأ بتغيير في شكلي أو جسمي. أحزن ولكن بصراحة لا أريد المعافرة. أعرف أنها سنّة الحياة، وأعتقد أن حزني يأتي من كوني غير مستمتعة بحياتي، وأعيش أسلوب حياة مرهق، ومن دون أي فائدة عائدة عليّ. أنا حزينة لأن هذا العجز ليس بسبب استمتاعي بالعمر الذي يجري، بل هناك من يسرق خير هذا العمر. كل ما أهتم به هو أن أكون بصحة جيدة، ولكن ليس جسمي أو بشرتي".
ما تقوله إبتسام محزن، ليس لأنها لا ترغب في السعي خلف معايير الجمال والشباب ولكن لشعورها الضمني بالسجن في حياة لا ترغب فيها أو تستمتع بها.
الاستسلام للتقدم في العمر، قد لا يترافق دوماً مع الإحباط، بل في بعض الأحيان يكون دليلاً على حياة استمتعت بها المرأة، وترى في علاماتها على جسدها آثاراً على أن هناك أياماً حلوةً مرت من هنا، وتركت بضع هدايا.
"أنا أتقبل تأثير الزمن على شكلي، وأحب نفسي كما أنا مع تجاعيد وجهي وشعري الأبيض ووزني الذي اختلف عما كانه في الماضي. مشكلتي الحقيقية في تأثير الزمن على صحتي وحالتي النفسية"
تتحدث هدير هريدي، إلى رصيف22، عن جدّتها الراحلة: "كان شعر تيتا أسود داكناً، وأحببت تسريحتها له على الدوام، عندما وجدت شعرات بيضاء سألتها هل سيصبح شعرك أبيض؟ فكانت تضحك وتخبرني سيصبح فضّياً. عن نفسي، كنت وما زلت أحب أن تسرّح لي أمي شعري، وكلما تكتشف خصلةً بيضاء تخبرني بحبّ عنها. أعاني من سيلوليت في فخذي ولا أبالي به، وخطوط بيضاء كذلك، وأعدّها شيئاً طبيعياً. لقد ازداد وزني ثم فقدته. من الطبيعي أن يتأثر جلدي. في النهاية التغيير يجب أن يحدث، والتأجيل لن يأتي سوى باستنزاف طاقتي، فلا أستمتع باللحظة التي أعيشها أو أركز على صحتي التي أنساها في الجري خلف شكلي من الخارج".
تحارب النساء في معارك عدة طوال الوقت، فهل يجب عليهنّ كذلك محاربة أجسادهنّ والزمن الذي يترك آثاره عليهن؟ هذا لا يعني إلقاء علب الكريمات المرطبة من النافذة، أو هجر عيادات التجميل، ولكن هناك فارقاً بين العناية بالجسم لأنه يستحق، فتترافق العناية الداخلية مع الخارجية، وبين اهتمام منصبّ فقط على عدد التجاعيد التي ظهرت، ويجب أن نتذكر دوماً أننا نحارب مع أجسادنا الحياة في خندق واحد وليس في مواجهة بعضنا البعض.
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
مستخدم مجهول -
منذ يومكل التوفيق ومقال رائع
Ahmad Tanany -
منذ 5 أيامتلخيص هايل ودسم لجانب مهم جداً من مسيرة الفكر البشري
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعلا يوجد اله او شئ بعد الموت
Mohammed Liswi -
منذ أسبوعأبدعت
نايف السيف الصقيل -
منذ أسبوعلا اقر ولا انكر الواقع والواقعة فكل الخيوط رمادية ومعقولة فيما يخص هذه القضية... بعيدا عن الحادثة...
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ اسبوعينمقال بديع ومثير للاهتمام، جعلني أفكر في أبعاد تغير صوتنا كعرب في خضم هذه المحن. أين صوت النفس من...