شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

ادعم/ ي الصحافة الحرّة!
الخليج ليس كله أثرياء... تقرير دولي عن الفقر والفقراء في دول مجلس التعاون

الخليج ليس كله أثرياء... تقرير دولي عن الفقر والفقراء في دول مجلس التعاون

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

اقتصاد

الجمعة 29 سبتمبر 202309:00 ص

نشرت هذه المادة بالاتفاق مع  "مواطن"


ماذا يعني أن تكون فقيراً في بلد خليجي؟ وهل بالفعل هناك فقراء في دول الخليج؟ هذا النمط من الأسئلة قد لا يطرق مسامع الخليجي أو الخليجية، إلا من باب المزاح، على اعتبار أن هذه الدول ثرية، وليست على قائمة الدول المصنّفة فقيرةً.

فالدول الستة مصدّرة للنفط والغاز الطبيعي، اللذين تعتمد عليهما دول العالم، وما يخلفانه من فائض أموالهما، يوضع في خزائن حكومات الخليج.

بالنسبة للشعوب الأخرى، فهي لا ترى الخليجي سوى ثريّ عربي، لديه زكائب (كيس كبير من الخيش) من الأموال، وهذا الانطباع يشتمل على كل دول العالم، وكأن لكل مواطن من عرب الخليج بئراً من النفط وسيارةً فاخرةً وخيمةً وخدماً لا يُعدّون.

كشفت "الإسكوا" أن الفقر طال واحداً من كل 7 مواطنين في السعودية، وواحداً من كل عشرة في عمان، وواحداً من كل 13 مواطناً في البحرين

وجاءت تلك الصورة من أفلام هوليوود التي لا ترى في الخليج إلا الصحاري والخيام. إلا أن ما شهدته دول الخليج من تطور تكنولوجي وبنى تحتية، غيّر كثيراً من هذه الصورة؛ وبالأخص مع استضافة قطر لكأس العالم 2022، وامتلاكها خدمات تضاهي ما هو موجود في دول الغرب، بالإضافة إلى نجاح دبي في جذب رؤوس المال والمشاهير من كل أنحاء العالم، وصولاً إلى السعودية التي بدأت تؤسس لدوري كرة قدم فيه لاعبون عالميون. كل هذا زاد من الانطباع عن ثراء أهل الخليج.

وفي مقابل الازدهار الخليجي اقتصادياً، صدر في 24 أيار/ مايو 2023، "تقرير اللجنة الاقتصادية والاجتماعية لغرب آسيا" عن الإسكوا، بعنوان: "3.3 ملايين مواطن في بلدان مجلس التعاون الخليجي يعيشون بين براثن الفقر".

حمل تقرير الإسكوا عنواناً قوياً، لكنه لم يغطِّ الكثير من التفاصيل أو يطرحها بشكل كامل، مثل الفساد وتدنّي مداخيل الأفراد، والحدّ الأدنى للأجور وحماية المظلّة الاجتماعية، ودور الصناديق الخيرية، ومساعدات وزارات التنمية الاجتماعية، والقروض وفرض الضرائب والرسوم، وعزوف المواطنين عن خدمات التعليم والصحة المجانية بسبب تدنّي مستواها، والذهاب إلى القطاع الخاص مما أصبح يشكل عبئاً على كاهل الأسرة. وجميعها عوامل تصاحب المشهد الحالي في هذه الدول، وقد تختلف بطبيعة الحال من دولة إلى أخرى.

في الخليج... ما الفقر؟ ومن الفقير؟

يقول الباحث والمحلل الاقتصادي البحريني د. حسن العالي، لـ"مواطن": "الفقر هو أن مستوى دخل الفرد أو العائلة، لا يكفي لسد الاحتياجات المعيشية؛ مثل الأكل والملبس والسكن والصحة والتعليم".

ويوضح أنه "لا يمكن الحديث عن كافة دول الخليج بصورة متساوية؛ فبعض الدول مثل قطر والإمارات والكويت تتمتع فيها العائلة بمستوى دخل جيّد وبشبكة حمائية جيدة. وعندما نتحدث عن الفقر في الخليج؛ فنحن نتحدث عن مستوى ثراء الدولة بالمقارنة مع عدد السكان".

أما عن البحرين تحديداً، فيضيف العالي: "وبتطبيق التعريف الذي تناولناه؛ فإن متوسط دخل أغلب العوائل، لا يفي باحتياجاتها الأساسية، نتيجة تدنّي مستوى الرواتب وضعف الشبكة الحمائية، وآخر مرة تمت فيها زيادة الرواتب في القطاع العام كانت في العام 2011، أي قبل 12 عاماً".

تسجّل سلطنة عمان والسعودية أعلى نسبتين للفقراء؛ حيث يعيش 10.1% و13.6% من مواطني هذين البلدين على التوالي في فقر، وتحتل البحرين المرتبة الثالثة بنسبة فقراء تبلغ 7.5%

ويتابع: "خلال هذه الفترة الطويلة ارتفعت تكلفة المعيشة بشكل كبير نتيجة التضخم في أسعار كافة الاحتياجات المعيشية، وقابلها فرض ضريبة القيمة المضافة بنسبة 10%؜ والعديد من رسوم الخدمات. أما القطاع الخاص؛ فرواتبه متدنية في أغلب القطاعات، حيث يفضّل الاعتماد على العمالة الرخيصة".

ويستطرد: "في المحصلة، حدث تآكل حقيقي وكبير في مستوى معيشة العائلة، ما وسّع من دائرة الفئات التي يمكن أن نطلق عليها 'عوائل فقيرة'، خاصةً أن الخدمات التي يحصل عليها المواطن مثل الرعاية الصحية، تدنّت مستوياتها وتنجم عنها معاناة مضاعفة للعوائل".

وذكر تقرير الإسكوا تراجع معدلات الفقر في بلدان مجلس التعاون الخليجي، باستثناء البحرين والكويت، إذ خرج 528،000 مواطن من دوامة الفقر، لكن لم يذكر تفاصيل ذلك أو حتى اعتماده على مؤشر أكسفورد لقياس مستويات الفقر الذي تم اعتماده مع برنامج الأمم المتحدة الإنمائي وجامعة أكسفورد في العام 2010.

وأشارت الأمينة التنفيذية للإسكوا، د. رولا دشتي، في التقرير ذاته إلى أن "مستوى الدخل أو الإنفاق وتوزيعه بين السكان هما العاملان الأساسيان اللذان يساهمان في معدلات الفقر. فإن إنفاق أغنى 10% من المواطنين يتجاوز 16 ضعف إنفاق أفقر 10% منهم، في بعض بلدان الخليج". وأضافت أن التقرير اعتمد على خطوط الفقر في الفترة الممتدة من 2010 إلى 2021"، كما صرحت في حديث لها بأن التقرير اعتمد على خط الفقر في كل دولة على حدة.

وكشفت "الإسكوا" أن الفقر طال واحداً من كل 7 مواطنين في السعودية، وواحداً من كل عشرة في عمان، وواحداً من كل 13 مواطناً في البحرين".

وتسجّل سلطنة عمان والسعودية أعلى نسبتين للفقراء؛ حيث يعيش 10.1% و13.6% من مواطني هذين البلدين على التوالي في فقر، وتحتل البحرين المرتبة الثالثة بنسبة فقراء تبلغ 7.5%. وذكر التقرير أن معدلات الفقر في الكويت والإمارات وقطر تقلّ عن 2%.

وترى الباحثة والناشطة البحرينية د. منى عباس فضل، أن التقرير لم يبذل سوى القليل من الجهد في التحقيق في مدى انتشار الفقر وعمقه"، وتذكر في تدوينة بعنوان "الفقر في البحرين: حين تتحدث الأرقام"، أن الإسكوا استندت في تحديد خطوط الفقر الخليجي إلى "مقياس دخل الأسرة والإنفاق الاستهلاكي"، على الرغم من وجود معارضين لهذا المقياس، لأنه لا يعكس صورةً واقعيةً وحقيقيةً عن مستوى حرمان الأسرة ذات المداخيل المتدنية".

وتنقل الباحثة البحرينية د. فضل، تحذير البعض من فخ البيانات الإحصائية بشأن تراجع معدلات الفقر؛ ليس في هذا التقرير فقط، وإنما في التقارير الوطنية والدولية أيضاً، وتؤكد على أن الفقر "يشكل ظاهرةً مركبةً اقتصادياً، اجتماعياً، سياسياً، نفسياً، وثقافياً، وغالباً ما يخضع في دراستها لاعتبارات الوضع السياسي وما يحدده من مؤشرات لا تعبّر عن حقيقة الفقر وتنوعه".

حول الفقر ومسبباته

ويعلق الكاتب السياسي وعضو الحركة التقدمية في الكويت أحمد الديين، لـ"مواطن": "عندما يأتي الحديث عن الفقر في الخليج؛ فلا بد من الأخذ في عين الاعتبار أن الفقر غير مرتبط بمؤشر ما أحادي الجانب، ولكن هناك عوامل أخرى تتعلق بمستوى الدخل وأسلوب الحياة والمعيشة والتعليم، لمن لديه سكن خاص أو يعاني من إيجارات مرهقة أو لديه إمكانية توفير مدّخرات أو شبكة من القروض والديون الكثيرة التي تثقل كاهله"، ويكمل بأنها عوامل تحدد من هو الفقير في الخليج.

ويضيف: "لكن برأيي العنصر الأهم، هو مدى تركز الثروة بيد "القلة" في الخليج، مثلاً مؤشر "معامل جيني" لقياس توزيع مستوى الدخل "قياس عدم المساواة الاقتصادية، وقياس عدالة توزيع الدخل القومي".

ويضرب مثالاً على ذلك أنه عندما يحصل شخص واحد فقط من السكان على الدخل جميعه، مع عدم حصول الآخرين على أي شيء مطلقاً (تتراوح قيمة المعامل بين 0-1 أو بين 0%-100%)؛ ففي العام 2018، ووفق معامل جيني؛ وصل توزيع الدخل في الكويت إلى نسبة 80.9%، وهو أمر مهم ويعني أن الثروة مرتكزة بيد العشر.

ويذكر أن غالبية الناس تعاني من أثر القروض الاستهلاكية والأقساط، وكثرة المتعثرين وفق بيانات الدولة تصل إلى 12 ألف مقترض في الكويت، بينما عدد الباحثين عن عمل وصل إلى 27 ألف كويتي، والأجور منذ العام 2012 إلى اليوم لم تتم زيادتها، مع أن القانون يفرض زيادة الرواتب مع متغيرات مستوى المعيشة".

ويضيف حول مظاهر الفقر وأسبابه: "هناك قائمة انتظار طويلة تصل إلى 95 ألف عائلة في الكويت، تنتظر دورها في الحصول على بيت من الدولة، ويقطن البعض مع عوائلهم، وهناك من يدفع إيجارات باهظةً"، ويختم بأنه "لا بد من وضع معايير ومقاييس لمن يعاني الفقر، وهذا حتى اليوم غير موجود في الكويت".

ويعزو تقرير اتجاهات الفقر في دول مجلس التعاون الخليجي المنشور في مركز الخليج لسياسات التنمية، مسببات الفقر في دول الخليج إلى عوامل عدة؛ كالبطالة، والثقافة الاستهلاكية وارتفاع مستوى المعيشة، أو بعض الإجراءات التقشفية بسبب صدمات أو خسائر اقتصادية، ويذكر أن الأخيرة ظاهرة مستحدثة، لا يمكن أن يكون لها دور كبير في إيجاد الفقر، إلا أنها في المستقبل القريب، ستزيد من عدد الفقراء. وطرح التقرير مجموعةً من الحلول لمكافحة الفقر، عن طريق نظام ضرائب عادل، وإصلاح سياسات الدعم، بالإضافة إلى توفير المزيد من فرص العمل.

قد يكون تقرير الإسكوا أو غيره من التقارير الأخرى، جرس إنذار لمزيد من المتغيرات الاجتماعية/ الاقتصادية في بلدان الخليج، وهو ما يشدد على ضرورة توفير الخيارات، التي لا تثقل من كاهل المواطن، بل تدفع لمزيد من الشفافية والرقابة والمساءلة، خاصةً أنه لم يعد من الممكن إخفاء أن هناك فقراً وفقراء في الخليج.

إنضمّ/ي إنضمّ/ي

رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

Website by WhiteBeard