أعلن عشرات الصحافيين في السودان، عن تكوين كيان جديد تحت اسم "صحافيون من أجل الكرامة"، مهمته الأساسية وفق بيانهم التأسيسي، الوقوف في صف الجيش في معركته ضد قوات الدعم السريع.
ظهور ذلك الكيان الصحافي الداعم للجيش بشكل صريح، صاحبه ظهور سؤال منطقي حول "المهنية": فهل يحق للصحافي التخلي عن الحيادية، والتحول من ناقل للحقائق والأخبار إلى أن يكون الخبر ذاته؟ فضلاً عن سؤال أخلاقي آخر متصل بمدى مشروعية دعم طرف في حرب يصفها قادتها أنفسهم بأنها "عبثية"، أودت بحياة آلاف المدنيين، زيادةً على تشريد ما يزيد عن 5 ملايين شخص من منازلهم، وإحداث تدمير غير مسبوق في البنى التحتية؟
"صحافيون من أجل الكرامة"
يضم كيان "صحافيون من أجل الكرامة" نحو 60 صحافياً، يترأسهم عطاف التوم عبد الوهاب، وفي ثنايا القائمة نجد عدداً لا بأس به من رؤساء تحرير الصحف الورقية إبان حقبة الرئيس المعزول عمر البشير، من أمثال عادل الباز، النور أحمد النور، عبد الماجد عبد الحميد، مزمل أبو القاسم، ومحمد عبد القادر.
وجاء في البيان التأسيسي أن الكيان عبارة عن تحالف عريض للصحافيين الداعمين للقوات المسلحة التي تخوض معركة وجود.
السؤال: هل يمكن للصحافيين المزج بين المهنة والسياسة، أم أن ذلك من المحرّمات؟
الصحافة بين المهنية والسياسة
نزولاً عند مقولة إن الحياد في المعارك العظيمة هو نوع من الخيانة، جاء في بيان التأسيس الذي انتشر بكثافة على مواقع التواصل الاجتماعي، أن "الإعلام لا ينبغي له أن يقف على الحياد ولا التداعي مع معسكر المتآمرين من الأجانب والجنجويد الغزاة الجبارين".
اختيار كلمتي "الجنجويد" و"الغزاة" في البيان التأسيسي لم يكن عشوائياً. فقد ارتبطت كلمة "جنجويد" بالميليشيات التي ارتكبت فظائع في دارفور خلال 2003 وحتى 2008، ما أدى إلى إصدار المحكمة الجنائية الدولية في العام 2008، مذكرة توقيف ضد الرئيس وقتذاك عمر البشير، بتهمة ارتكاب جرائم ضد الإنسانية وجرائم حرب وإبادة جماعية في الإقليم الواقع في غرب السودان.
كذلك تحمل كلمة "الغزاة" الواردة في البيان، تأميناً على اتهامات قادة الجيش لقوات الدعم السريع بالاستعانة بمرتزقة أجانب، وهو ما ترفضه قوات الجنرال محمد حمدان (حميدتي)، وتعدّه استمراراً لسياسات الحكومات المركزية في شيطنة مطالب أهالي الهامش بالتنمية المتوازنة.
سؤال المشروعية
يضفي أهل الكيان المشروعية على موقفهم المساند للجيش، باعتباره الموقف الصحيح الذي تناصره غالبية السودانيين، مشيراً إلى أن جموع غالبية الشعب السوداني توحدت دعماً للجيش والقوات النظامية.
المشكلة الأكبر مهنياً هي مطالبة الكيان الصحافي الجديد بـ"توحيد" المنصات الإعلامية لتكون في خدمة الجيش، واستقاء المعلومات من مكتب المتحدث باسم الجيش، وبث الأخبار والتصدي للإعلام المضلل والشائعات.
وبذلك -وفقاً لذلك الطرح- ينزع عن الصحافي حقه الأساسي في البحث عن الحقيقة وتحرّي الدقة بعيداً عن البيانات الرسمية التي يطالب كيان "صحافيون من أجل الكرامة" باعتمادها مصدراً وحيداً.
الأخطر في الأمر، أن الكيان طبقاً لرئيسه عطاف عبد الوهاب، بادر بتحركات قانونية ضد قيادات "قوى الحرية والتغيير"، الائتلاف المدني الحاكم الذي أطاح به البرهان في 25 تشرين الأول/ أكتوبر 2021، بتهمة التحريض على الحرب قبيل اندلاعها.
محكمة الصحافة
بحسب متابعات رصيف22، بدء الكيان سلسلةً من اللقاءات مع المسؤولين الحكوميين، شملت والي الجزيرة، جنوب الخرطوم، إسماعيل العاقب، على أن يتبع ذلك حراك كبير، يتضمن زيارة الخطوط الأمامية للجيش، وإقامة ندوات وورش لدعم القوات المسلحة.
يُذكر أن والي الجزيرة، وفي تدخل بائن في العمل التحريري، أطلق تهديدات للصحافيين، وحذّرهم من أن التواصل مع قادة الدعم السريع لاستقاء المعلومات، يُعدّ نوعاً من التخابر الذي لن تتسامح معه سلطات الولاية.
يؤكد عضو نقابة الصحافيين السودانيين (مستقلة)، محمد عبد الرازق، أن ما ينبغي أن يميّز العمل الصحافي على الدوام، الحيادية والاستقلالية، وإلا فإن الممارسة لن تعدو كونها ضرباً من أي شيء بخلاف الصحافة.
وعن موقف الكيان، قال عبد الرازق إنه ينمّ عن تحوّل مخيف في دور الصحافيين من ظهير للدولة المدنية، إلى كتيبة حربية، وبدلاً من عمل عضويته على كشف فظائع طرفي الحرب، إلى التبرير للانتهاكات بوصف المثبت من جرائم بأنه محض تضليل وشائعات.
وحذّر عبد الرازق من محاولات حثيثة جارية للتحريض ضد الصحافيين المهنيين، باعتبار موقفهم الحالي الرافض للحرب، يمثّل موالاةً لأحد الطرفين.
لماذا يسعى بعض الصحافيين السودانيين إلى التنازل طوعاً عن حريتهم في ممارسة مهنتهم؟
الحياد في مناهج الإعلام
هل تقبل مناهج الإعلام بأن يتخلى الصحافي عن حياده وإن في حالات نادرة؟
سؤال أحلناه إلى المحاضر في كليات الإعلام السودانية، نزار فيصل، فردّ بأن السؤال القديم المتجدد، لا يزال مثار كثير من الجدل، إذ إن العرف السائد عن الصحافة بأنها علم اجتماعي مختص بنقل الحقائق، مع ظهور ضروب جديدة في الصحافة، أو ما يُعرف بالصحافة الأخلاقية، وهي الانتقال من نقل الحقائق إلى الدفاع عما هو عادل.
بيد أن فيصلاً عاد وأشار إلى أن تخلّي الصحافي عن الحياد يظهر في مساندته لقيم عليا غير مختلف عليها، كإظهاره الدائم لمعارضة السلطة من خلال كشف أوجه القصور والخلل، والدفاع عن الحريات والنظم المدنية، والتحول إلى صوت الفئات المستضعفة العاجزة عن إيجاد لسان لها، مع رفض دائم لمحاولات السلطة لأجل التدخل في الشؤون التحريرية واستمالة الصحافيين.
وختم أستاذ الإعلام بالقول إنه بالرغم من كل الاختلافات يظل الخبر "مقدّساً"، بمعني ضرورة عدم المساس بأركانه، وعلى رأس ذلك يأتي التوازن والحياد، من خلال عدم إسناد أحد أطرافه، وإبراز رأي جميع المتداخلين، وإن رجع ونبّه إلى إمكانية أن تنطوي بقية التغطيات (خلفيات إخبارية، تقارير، مقابلات، قصص)، على إظهار الميل إلى وجهة نظر بعينها، وإن كان ذلك أمراً معيباً، وغير مستحبّ، على حد وصفه.
كلفة العسكرة
يرى "صحافيون من أجل الكرامة"، أن وقفتهم ضد جرائم الدعم السريع غير المنكَرة، هي ثورة لأجل الكرامة، ولكنهم يتغافلون عن حقيقة مهمة، وهي أن إسنادهم للجيش الذي لا تخلو صحيفته -في حال- من انتهاكات، يجعلهم في الخطوط الأولى للحرب، وربما سلاحاً أمضى بكثير من القذائف والرصاص، ما قد يحولهم مستقبلاً إلى مطلوبين للعدالة بتهم التحريض وتأجيج نار الحرب.
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
Mohammed Liswi -
منذ 3 أيامأبدعت بكل المقال والخاتمة أكثر من رائعة.
Eslam Abuelgasim (اسلام ابوالقاسم) -
منذ 4 أيامحمدالله على السلامة يا أستاذة
سلامة قلبك ❤️ و سلامة معدتك
و سلامك الداخلي ??
مستخدم مجهول -
منذ 6 أياممتى سوف تحصل النساء في إيران على حقوقهم ؟!
مستخدم مجهول -
منذ 6 أيامفاشيه دينيه التقدم عندهم هو التمسك بالتخلف
مستخدم مجهول -
منذ 6 أيامعظيم
Tester WhiteBeard -
منذ أسبوعtester.whitebeard@gmail.com