"اليوم أنا في حالة صدمة!... هذا ضريح السيدة نفيسة بالقاهرة قبل وبعد. الدولة سمحت بالتعديل والتشويه الكامل بحجة الترميم لواحد من أعز وأقدس المواقع في مصر".
هكذا غرّدت المعمارية المتخصصة في الفن الإسلامي الدكتورة/ أمنية عبد البر، عبر تويتر "إكس"، متهمة مطورو المسجد بتدمير اللوح الرخامي الذي يحتوي على الرنك أو الشعار الخاص بالخديو عباس حلمي الثاني، الذي أمر بإعادة بناء المسجد والضريح بعد حريق نشب فيه عام 1892، وإزالة اسم الرئيس الراحل أنور السادات، ليحل محلهما اسم سلطان طائفة البهرة، مفضل سيف الدين، (الجهة المُنفقة على "التطوير") إلى جانب إخفاء الثريات القديمة من الباب الرئيسي.
ما طال مسجد السيدة نفيسة وضع مشروعات التطوير التي تقوم بها مؤسسة مساجد مصر في الواجهة، وإن ظلت الانتقادات قاصرة على دائرة المختصين والمهتمين بالتراث المعماري والتاريخي عبر صفحاتهم على شبكات التواصل الاجتماعي، إذ اعتبر مختصون ما شهده جامعي الحسين والسيدة نفيسة "طمساً للهوية والطراز المعماري"
“كل شيء جديد تماماً… لا شيء يبقى من الصورة القديمة، ناهيك عن الطراز المعماري الغريب الذي يزعج العيون، تم تجريد جميع المزايا المصرية” تضيف عبدالبر، مُحذرة من أن مسجد السيدة زينب سيلقى المصير نفسه.
تغريدات أمنية كانت واحدة ضمن سيل من التغريدات والتدوينات عبر مواقع التواصل الاجتماعي عقب افتتاح الرئيس عبد الفتاح السيسي صحبة سلطان طائفة البهرة ووزير الأوقاف محمد مختار جمعة ومفتي الديار الأسبق على جمعة لمسجد السيدة نفيسة بعد تغيير معماره الداخلي كاملاً ضمن مشروع تتولاه مؤسسة مساجد مصر والهيئة الهندسية التابعة للقوات المسلحة لـ"تطوير" مساجد آل البيت وعدد من المساجد التراثية على نفقة طائفة البهرة.
لم تكن الثورة الغاضبة تجاه ما تشهده مساجد آل البيت من تغييرات واسعة تقضي على عناصرها المعمارية المميزة حاضرة عقب تطوير مسجد الإمام الحسين الذي افتتحت به مشروعات التطوير الجارية، على الرغم مما طال المسجد من تغييرات واسعة في المعمار الداخلي والخارجي إلى جانب السور الذي أحاط بالمسجد ليحول بين الإمام ومريديه لأول مرة منذ إنشاء المسجد قبل 1200 عام تقريباً.
إلا أن ما طال مسجد السيدة نفيسة وضع مشروعات التطوير التي تقوم بها مؤسسة مساجد مصر التي يرأس مجلس أمنائها الشيخ علي جمعة في الواجهة، وإن ظلت الانتقادات قاصرة على دائرة المختصين والمهتمين بالتراث المعماري والتاريخي عبر صفحاتهم على شبكات التواصل الاجتماعي، إذ اعتبر مختصون ما شهده جامعي الحسين والسيدة نفيسة "طمساً للهوية والطراز المعماري" وانتهاك لـ"روحانية المكان".
امتدت الانتقادات الموجهة ضد ما طال مساجد آل البيت لتشمل السرقة الفنية للخطوط والكتابات، فهناك أكثر من 20 عمل تم سرقتهم، من بينهم: عمل أصلي بخط الخطاط العثماني محمد أمين يازجي، الذي توفي فى 1945م، وآخر بخط الخطاط العثماني حامد الآمدي الذي توفي في 1982م
التغييرات التي شهدها المسجدان داخلياً والمتوقع أن يشهده أيضاً مسجد ومقام السيدة زينب المهدد حالياً بالتطوير، شملت إزالة شبابيك وأبواب المقام والإضاءة الخضراء التاريخية وإزالة المقرنصات الداخلية والأعمدة الرخامية والجرانيتية المصرية وبعضها من الرخام الأحمر النادر (مصير تلك الأعمال الفنية المزالة غير معروف) إلى جانب إزالة الموزاييك ولوحات الخط العربي المحفورة - أيضاً مصيرها غير معروف- وتغليب طراز جديد يغلب عليه اللون الذهبي والرخام الصناعي الجديد، كما أزيل النجف التركي من أسقف الأضرحة، ومن السيدة نفيسة أزيل الباب الفضي الذي كان يفتح على قبة فيها كتابات وزخارف بسيطة، وأزيلت مقصورة نحاسية مكتوب عليها اسم السيدة نفيسة، وعمود من الرخام الأحمر داخل الضريح، ولوحة عليها مدح للنبي محمد.
سرقة أعمال فنية
امتدت الانتقادات الموجهة ضد ما طال مساجد آل البيت لتشمل السرقة الفنية للخطوط والكتابات؛ حيث اعتبر الفنان والباحث المصري المتخصص في فن الخط العربي، محمد شافعي، أن تجديدات مقام السيدة نفيسة "جريمة وفضيحة ولا تمت لأعمال الترميم بصلة ولا يجب السكوت عليها من المسؤولين، والتصميم ضعيف ولا يستند على طراز فني تقليدي والكتابات والزخارف غير متناسقة ولا مناسبة للمقام"، مُقسّماً الكتابات فى أعمال التجديد الأخيرة إلى "ركيكة أو مسروقة من أعمال أصلية، لم يتم إخبار أصحابها وأخذ الإذن منهم في استعمالها. كما حذفت تواقيع هؤلاء الفنانين من على الأعمال في سلب لحقوقهم الفنية والأدبية".
عملية تطوير مسجد السيدة نفيسة وصيانته تجرى على ثلاث مراحل، تمت اثنتان منها بتكلفة 30 مليون جنيه (971 ألف دولار)، والمرحلة الثالثة سيكون تكلفتها 22 مليون جنيه (712 ألف دولار)، وستكون التكلفة المبدئية 52 مليون جنيه (حوالي 1.7 مليون دولار)
ويؤكد شافعي أنه رصد أكثر من 20 عمل تم سرقتهم، من بينهم: عمل أصلي بخط الخطاط العثماني محمد أمين يازجي، الذي توفي فى 1945م، وآخر بخط الخطاط العثماني حامد الآمدي الذي توفي في 1982م، وعملاً أصلياً بخط الخطاط التركي محمد أوزجاي، وعمل أصلي بخط الخطاط العثماني حامد الآمدي والذي توفي في 1982م، وآخر بخط الخطاط السوري عدنان الشيخ عثمان.
بتكلفة 1.7 مليون دولار
وافتتح الرئيس المصري، عبدالفتاح السيسي، في التاسع من آب/ أغسطس المنقضي، أعمال تطوير وترميم مسجد السيدة نفيسة، بحضور سلطان البهرة بالهند، مفضل سيف الدين، وهي الطائفة التي ساهمت في تجديد مقامات آل البيت، ووفقاً لشركة المقاولون العرب المشرفة على صيانة وترميم مساجد آل البيت، فإن عملية تطوير مسجد السيدة نفيسة وصيانته تجرى على ثلاث مراحل، تمت اثنتان منها بتكلفة 30 مليون جنيه (971 ألف دولار)، والمرحلة الثالثة من المنتظر أن تتكلف 22 مليون جنيه (712 ألف دولار)، وستكون التكلفة المبدئية 52 مليون جنيه (حوالي 1.7 مليون دولار).
ورداً على الانتقادات الموجهة لها أعلنت المهندسة جاكلين سمير، المشرف على تطوير مساجد آل البيت، في تصريحات تليفزيونية، أن المسجد غير تابع لوزارة الآثار، نافية الانتقادات الموجهة لها ومؤكدة أنه عومل معاملة الأثر، ولم يغير أي شيء فيه.
تقول د. رضوى زكي، المعمارية والباحثة في الآثار الإسلامية وتاريخ العمارة المصرية، لـرصيف22 إن هناك إشكالية لدى مصر بشأن المباني التراثية الخاضعة لقانون التنسيق الحضاري أو المباني المتميزة، ورغم كون مساجد آل البيت قديمة وأعيد بناؤها بشكلها الحالي في العصر الحديث منذ أكثر مئة سنة، إلاّ أنه لم يتم تسجيلها كأثر، "ومع ذلك يجب معاملتها معاملة الآثار وعدم تغيير طرازها المعماري والفني أو مكوناته ومقتنياته بحجة التطوير، لأن ذلك يعد طمساً لهوية العمارة الإسلامية في مصر".
وتضيف زكي لرصيف22 أن مسجد السيدة زينب تم تجديده في عصر الخديو توفيق، أما مسجدي السيدة عائشة والسيدة نفيسة فيعود تجديد عمارتهما لنهايات القرن الـ19 وبدايات القرن الـ 20؛ حيث بُنيا على الطراز المملوكي الجديد أو الإسلامي المستحدث، في عهد الخديو عباس حلمي الثاني، ويستحدث هذا الطراز مفردات الفن المملوكي بشكل يوحي بأنه يعود للعصور الوسطى، كالبناء بالحجر وشكل المئذنة الشبيه بمئذنة قايتباي.
خبير الآثار الدكتور عبد الرحيم ريحان، عضو المجلس الأعلى للثقافة لجنة التاريخ والآثار، يوضح لـرصيف22 أن المادة 5 (د) من اتفاقية التراث العالمي لعام 1972، تلزم الدولة باتخاذ التدابير القانونية والعلمية والتقنية والإدارية والمالية المناسبة لتعيين هذا التراث وحمايته والمحافظة عليه وعرضه وإحيائه، ومضيفاً أن وزارة السياحة والآثار تُسأل وفقاً لهذه المادة عن سبب عدم تسجيلها لمساجد آل البيت، مبيناً أن المقتنيات داخل المساجد فى عِداد الآثار، وتشرف عليها وزارة الآثار حتى نهاية وقت العمل الرسمي بعد ذلك يكون مسئولاً عنها غفير من الأوقاف ليست لديه أى خبرة بقيمة هذه المقتنيات، وقد سرقت العديد من المقتنيات من المساجد نتيجة هذه الازدواجية، داعياً لتوحيد جهة الإشراف والحماية.
يؤكد أخصائي ترميم الآثار بوزارة السياحة والآثار المصرية، أنه رغم كون بعض مساجد آل البيت غير مسجلة كأثر إلاّ أنها مباني تاريخية وتراثية، وأن هناك مواثيق دولية تحكم عمليات ترميم الآثار والمباني التاريخية، معتبراً أن ما حدث خلال ترميم مساجد الحسين والسيدة نفيسة وجامع الأقمر والسيدة زينب وغيرها، لا يمت بصلة للمواثيق المعترف بها في هذا المجال
السيدة زينب على الدرب المخيف
وأعلن الرئيس عبد الفتاح السيسي خلال افتتاح “السيدة نفيسة” أن أعمال تطوير مسجد السيدة زينب قائمة، قائلا: "احنا متحركين أيضا في ترميم وتطوير مسجد السيدة زينب، ولكن نفس الإجراء اللى بيتعمل هنا بيتعمل هناك”.
أطلق هذا التصريح موجة من المخاوف العلنية هذه المرة لينضم إلى المختصين جمهور من المهتمين بالتراث ليدشنوا وسمي #انقذوا_مساجد_آل_البيت ، #أنقذوا_مسجد _السيدة_زينب ، مطالبين بوقف أعمال التطوير ومراجعتها من قبل لجنة فنية متخصصة في العمارة الإسلامية وترميم المساجد التاريخية، ونشرت المعمارية أمنية عبدالبر صوراً قالت إنها لألواح الرخام نفسها التي استخدمت في تطوير السيدة نفيسة، وهي موجودة بمسجد السيدة زينب استعداداً لاستخدامها في التطوير، قائلة: "أرجو من المسؤولين وقف الأعمال في السيدة زينب قبل فوات الأوان. احترموا مكانة السيدة زينب وأهميتها عند المصريين الغلابة قبل الأغنياء".
ولتجنب تكرار الأخطاء نفسها يرى الخبير الأثري د. عبدالرحيم ريحان، ضرورة استشارة خبراء الترميم ممن لهم باع طويل بالعمل مع وزارة السياحة والآثار، وإعادة النظر في تسجيل هذه المواقع في عداد الآثار حتى تحظى بإشراف إخصائي ترميم من خبرات وزارة السياحة والآثار؛ معتبراً أن الأوقاف لهم خبرة في ترميم المساجد الحديثة أما المساجد التاريخية سواءً مسجلة أو غير مسجلة يجب أن تخضع للترميم العلمى المتعارف عليه.
بدوره يؤكد سرحان ديب، أخصائي ترميم الآثار بوزارة السياحة والآثار المصرية، أنه رغم كون بعض مساجد آل البيت غير مسجلة كأثر إلاّ أنها مباني تاريخية وتراثية، وأن هناك مواثيق دولية تحكم عمليات ترميم الآثار والمباني التاريخية، معتبراً أن ما حدث خلال ترميم مساجد الحسين والسيدة نفيسة وجامع الأقمر والسيدة زينب وغيرها، لا يمت بصلة للمواثيق المعترف بها في هذا المجال، مستشهداً ببنود ميثاق فينيسيا لترميم المباني التاريخية لعام 1964، والتي تنص على الاستعانة بكل التخصصات العلمية، عدم تغيير طبيعة المبنى أو تغيير مخطط المبنى الأساسي أو العبث في الأعمال الفنية مثل الزخارف والحليات الفنية والسماح باستخدام المبنى في حدود ليست بعيدة عن دورة الوظيفي إن أمكن، الإبقاء على جميع العناصر التي في أماكنها وعدم تحوير أو تغيير شكلها أو طبيعتها، الآثار المنقولة بأي مبني مثل التماثيل واللوحات الزيتية يمكن نقلها من المبنى الأثري إلى مكان آمن مثل المتاحف أو مخازن مجهزة لذلك إذا كان بقاءها في مكانها يمثل خطورة عليها، عدم إحداث تغييرات في المبنى وحماية المادة الأصلية للبناء واحترامها، الابتعاد عن الاجتهاد الشخصي أو استخدام الحدس في عمليات الترميم، احترام عمليات الترميم السابقة.
شركات مقاولات همها السرعة
ويرفض محمود مرزوق، الكاتب والباحث في الآثار المصرية، مصطلح التطوير الذي يراه لا يتناسب مع المواقع ذات الطابع الأُثري والروحاني مثل مساجد آل البيت، ويعتبر أن عملية "تطويرها" جاءت "بعيدة كل البعد عن جميع أعمال الترميم السابقة التي حاولت الحفاظ على الطابع التاريخي؛ فعندما أعيد بناء مسجد السيدة نفيسة في عهد الخديو عباس حلمي الثاني، تم إبراز الهوية المعمارية والطبقات التاريخية التي توالت على المسجد واستعمال المحراب الحائطي المتكرر في العمارة الفاطمية، وكتابة اسم الخديو عباس حلمي في رنك كتابي في استدعاء واضح لروح الفن المملوكي واضافة منبر مستوحى من العصر المملوكي الجركسي، أما ما جرى مؤخراً أفقد المسجد طابعه التاريخي وفقد المسجد روح البساطة المميزة لمساجد آل البيت وحل محلها بهرجة زخرفية دخيلة على عمارة القاهرة التاريخية، داعياً لاحترام الطابع التاريخي والروحاني للمساجد وإسناد ترميمها لمختصين وليس لشركات مقاولات تهتم بسرعة إنجاز العمل على حساب كنوزه المعمارية والفنية".
الاستشاري المعماري المتخصص في العمارة الإسلامية، نادر على أحمد، يستغرب السُرعة الشديدة في إنجاز أعمال تطوير مساجد آل البيت، التي لا تتناسب مع ترميم المباني التاريخية والمواثيق الدولية المتعلقة بذلك، دون عمل خطة ودراسة لمواد البناء، مما أدى لوقوع الأخطاء وخروجها بشكل غير مرضي للمتخصصين والجمهور وفقدها للهوية البصرية والروحانيات، بجانب إزالة الرخام والمقصورة والتصاميم والزخارف الأصلية واستبدالها بأخرى تنتمي لعصر آخر، متساءلاً عن سبب ذلك في ظل تميز مدرسة الترميم المصرية وأعمال الترميم السابقة.
النداءات لا زالت تتوالى للسلطات المصرية لوقف ما بات يراه مصريون كثيرون جوراً على تراثهم وهويتهم وتغييراً حادة في عمارة العاصمة التي تغدو غريبة عن أعين أبنائها يوماً تلو الآخر جراء عمليات "التطوير"، حتى صار "التطوير" مصطلحاً سيء السمعة ينذر الأذهان بالتدمير الممنهج لكل ما شكل هوية القاهرة.
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
مستخدم مجهول -
منذ يوممتى سوف تحصل النساء في إيران على حقوقهم ؟!
مستخدم مجهول -
منذ يومفاشيه دينيه التقدم عندهم هو التمسك بالتخلف
مستخدم مجهول -
منذ يومعظيم
Tester WhiteBeard -
منذ يومينtester.whitebeard@gmail.com
مستخدم مجهول -
منذ يومينعبث عبث
مقال عبث من صحفي المفروض في جريدة او موقع المفروض محايد يعني مش مكان لعرض الآراء...
مستخدم مجهول -
منذ 6 أيامرائع