بادرة عائلية من جدتها حركت شيئاً ما داخل الفنانة والباحثة الفلسطينية السورية نور شنتوت، لتبدأ رحلة بحثها المستمرة منذ سنوات بين زخارف التطريز الفلسطيني، تنقلت خلالها بين دول عدة، وعادت من أوروبا إلى سوريا ولبنان لتدرس ظروف العاملين/ات فيها عن قرب وطرق تعليمها، من أجل أن تساهم في أرشفة التطريز الفلسطيني من وجهة نظر العاملات فيه.
درست نور النحت في سوريا ولبنان وفرنسا والنمسا، وتحضر الآن للدكتوراه في الفلسفة في قسم نظريات الفن والدراسات النقدية في جامعة الفنون بفيينا. نمط عملها يراوح دوماً بين النظري والعملي، وذلك في مجال التطريز والقماش والعلاقة بين النص والعمل الفني، فضلاً عن تنفيذ أعمال تركيبية.
في لقائها مع رصيف22، عبر "الزوم" من إسطنبول، محطتها البحثية الحالية، تحدثت عن التطريز السوري ومشروعها "البحث عن الثوب الجديد".
متحف الأثواب المهربة
قطعتِ مشواراً بحثياً طويلاً في مجال التطريز، أين كانت البداية؟
كان التطريز يحيط بي دوماً لكون نصف عائلتي فلسطينية. ما يعني أن جدتي تلبس الثوب، وهناك خارطة لفلسطين معلقة على الحائط في بيت جدي. لكن اهتمامي بالتطريز فنياً بدأ عندما أرسلت لي جدتي ثوباً مطرزاً في العام 2015، وكانت فترة حساسة بالنسبة للسوريين، خلال ما يسمى 'أزمة اللجوء'. كان أفراد عائلتي موجودين في بلدان مختلفة، نحمل وثائق سفر مختلفة، ما يحول دون لقائنا. لذا تطلب وصول الثوب إلى فيينا تنقله من مكان لمكان ومن يد ليد. هنا بدأ اهتمامي بهذه البادرة التي قامت بها جدتي، وتذكرت كيف كانت تصلها الأثواب على هذا النحو من أفراد عائلتها الذين لم يكونوا قادرين على لقاء بعضهم بعضاً. فبت أفكر في معنى هذا الثوب ودلالته السياسية وتنقله وقطعه الحدود ليصل إلى شخص آخر وما معنى أن ألبسه في 2023، وهو التقليد الممارس منذ مئات السنين.
نظراً لاهتمامي ببليوغرافيا الأشياء وما تتضمنه، قررت أن أعمل على صناعة ثوب واحد عند لقاء جدتي، وتكونت لدي رغبة بتعلم التطريز منها. وهذا ما حدث عندما عدت إلى سوريا للقائها، فتعلمت وأعدت تطريز الثوب الذي أرسلته لي. أمر يتطلب ما بين شهر وثلاثة أشهر من العمل. وهنا فكرت بلقاء أخريات يمارسن التطريز وسمعت من جدي، وهو رجل كان منخرطاً بالعمل السياسي، بأن الهيئة الأهلية غير الربحية 'عائدون' وهو من مؤسسيها تعلم التطريز والخياطة في ريف دمشق بسبب حاجة النساء لعمل، نتيجة التّغيّر الديموغرافي بسبب خسارة الكثير من الرجال معيلي الأسر في الحرب أو المعتقلات، وبت أفكر بهذه الممارسة التي ترتبط بالجندر، حيث يمارسها النساء تقليدياً وكيف تتحول إلى عمل في فترة ما بعد الحرب.
عندما التقيت بالمطرِّزات كن كريمات للغاية معي، وسألتهن عن كيفية تعلمهن التطريز وما هي مراجعهن. وهكذا كبر هذا المشروع ودام عامين، وقررت إعادة تطريز كل أثواب جدتي. وبنيت متحفاً تخيلياً من الأثواب، وركزت على العلاقة بين النص والثوب، اسم المشروع "متحف الأثواب المهربة".
قررت إعادة تطريز كل أثواب جدتي. وبنيت متحفاً تخيلياً من الأثواب، وركزت على العلاقة بين النص والثوب، اسم المشروع "متحف الأثواب المهربة". الفنانة والباحثة الفلسطينية السورية نور شنتوت
أجد الأثواب كالتي ترتديها جدتي في المتاحف الإثنوغرافية في أوروبا محفوظة في علب وكأنها شيء من الماضي، لا يلبسها أحد، وعندما دخلت إلى مستودعات هذه المتاحف، لاحظت أن المعلومات المكتوبة عنها، تنسبها للاستعمار الصهيوني، المكان: 'إسرائيل'، لا يوجد ذكر لاسم المطرزة ولا اسم القرية. أما التاريخ فيعود لتاريخ وصولها للمتحف في كثير من الأحوال. هذه هي نظرة المستعمر، التي ترى إرثنا المقاوم كمستحاثات من الماضي يكتسب قيمته من خلال فصله عن الجسد وعرضه في "فيترين". فقررت أن تكون النصوص في هذا المتحف التخيلي عن أناس يعملون على التطريز الآن في ريف دمشق، وكيف استطاعت هذه الحرفة العيش بعد حصار اليرموك وبعد النكبة. لكنني لم أكتف بذلك، فقررت كتابة ورقة بحثية وتعمقت في الجانب النظري. ومنه بدأ اهتمامي بالتطريز المعاصر.
أجد الأثواب كالتي ترتديها جدتي في المتاحف في أوروبا محفوظة في علب، وعندما دخلت إلى مستودعات هذه المتاحف، لاحظت أن المعلومات المكتوبة عنها، تنسبها للاستعمار الصهيوني، المكان: 'إسرائيل'، لا يوجد ذكر لاسم المطرزة ولا اسم القرية. نور شنتوت
هناك الكثير من الدراسات عن التطريز الفلسطيني لكنها تهتم بمرحلة معينة من التاريخ، أقصد من القرن الثامن عشر حتى العام 1948. بسبب الاستعمار والرغبة بحفظ هذا التقليد من الاستيلاء الثقافي والاندثار.
الكثير من المطرزات يقمن بإعادة تطريز هذه الأثواب كما كنت أقوم بتطريز أثواب جدتي. التقيت في دمشق بنادي فتيات فلسطين، أخبرنني أنه ولكون الجميع يستخدم اللون الأحمر بات هذا اللون مفقوداً في الأسواق. فيتوقفن عن التطريز فترات بانتظار الحصول عليه، وسمتها أحدهن حينها، بأزمة اللون الأحمر. لكنهن بتن في تلك الأثناء قادرات على العمل بأي لون.
عملي يقوم على دراسة انعكاس التغيرات التاريخية مهما كانت صغيرة على الثوب وهو شيء يعاكس الجمود، بعكس النظرة الخاطئة التي تحيط بالتطريز.
متى بدأتِ العمل على مشروعك الثاني "البحث عن الثوب الجديد"؟
اكتشفت ما يسمى "ثوب المخيم/الثوب الجديد"، الذي نتج من لقاء نساء من قرى مختلفة من فلسطين بعد النكبة في مخيمات في الخارج، بتن يتأثرن بعمل بعضهن البعض، والتطريز بمواد أقل جودة من الثوب التقليدي نظراً لتأثر ظروفهن الاقتصادية. المؤرخون لم يهتموا بهذا الثوب، حتى أن المؤرخة وداد كامل قعوار، التي أطلقت عليه هذه التسمية كتبت بعض الصفحات عنه فحسب في كتابها 'خيوط الهوية' لأنها في البداية رأت فيه ضياع التقاليد وأهملته لسنوات قبل أن تدرك أهميته لأنه يعكس ظروف هذه النساء بحسبها. قررت أن يكون التطريز في لبنان، موضوع الدكتوراه خاصتي، وكيف تأثر التطريز الفلسطيني بلجوء النساء السوريات إلى مخيم شاتيلا. الآن أحاول أرشفة التطريز المعاصر.
نشاهد في مشروع "البحث عن الثوب الجديد" اهتماماً بالخرائط. فنرى مثلاً خارطة السيطرة في سوريا وتلك التي تظهر مواقع المخيمات الفلسطينية من ضمن أعمال أخرى. ما مرد هذا الاختيار؟
بدأت المشروع لأن جدتي أرتني خارطة فلسطين، وأخبرتني أنه آخر ما صنعت. لم تكن جدتي مطرزة محترفة. بل كانت قد تعلمت كأي فتاة فلسطينية التطريز في مدرسة الأونروا، وهي تطرز أحياناً إن أرادت تعليق قطعة في البيت مثلاً. وقالت لي أن كونها متقدمة في العمر، ترى أن تطريز قطعة صغيرة لن يأخذ وقتاً طويلاً. حينها فكرت أنه باعتباري مهتمة بتسليع التطريز، وفي غالبية البيوت الفلسطينية يجري هذا، تقوم المرأة، المسنة والمولودة في فلسطين بأغلب الأحوال، بتطريز الخارطة وتعليقها في البيت، ففكرت كيف تغير تطريز الخرائط بعد العام 1948، رغم كون الخارطة عائدة لاتفاق سايكس بيكو، أي أنها استعمارية. لكن الخارطة المطرزة تقاوم ذلك بسبب إصرار جدتي على تطريزها.
ففكرت في التطريز كتعبير عن المقاومة ورسم خرائط مضادة. حينها كانت هناك الكثير من الخرائط العسكرية التي تظهر كل عدة أيام، وصرت أفكر فيها كأشكال مجردة، تكون عادة ملونة، علماً أن الكثير منها هي خرائط دعائية غير صحيحة، تدّعي مثلاً أن داعش سيطرت على ثلاثة أرباع سوريا. فكرت أن أضعها إلى جانب نصوص من لقاءاتي مع المطرزات، كيف ستصبح هناك علاقة بين النص والخريطة، رغم أنه لا علاقة مباشرة بينهما غالباً أو علاقة بعيدة جداً. لذا كان هذا بمثابة دعوة لنرى رواية القصص كمكان نجد فيه الحقيقة إن نبشنا به ويؤرشف ما يجري خلال الثورة السورية. إن اهتمامي بالتطريز عائد كلياً إلى اهتمامي بالأرشفة المضادة، كيف نحكي عن الثورة السورية والهجرة، أو النكبة، بطريقة أعمق من الأرشيفات الرسمية، لأكتشف أن التطريز يسجل ما لا تسجله الأرشيفات الرسمية المرتبطة بالسلطة. لذا هكذا بدأ كل شيء. بدأت بالخرائط وكان من المفترض أن يذهب المشروع باتجاه آخر تماماً.
اهتمامي بالتطريز عائد كلياً إلى اهتمامي بالأرشفة المضادة، كيف نحكي عن الثورة السورية، أو النكبة، بطريقة أعمق من الأرشيفات الرسمية، لأكتشف أن التطريز يسجل ما لا تسجله الأرشيفات الرسمية المرتبطة بالسلطة. نور شنتوت
كما هو معروف، نجري مقابلات خلال أي بحث ثم نحلل. لكنك لن تجد تحليلاً في "البحث عن الثوب الجديد". المشاهد/ة مدعو للقيام بذلك. قمت بجلب المواد الأولية المتعلقة بالأعمال والخرائط، وأحاول جعل المشاهد/ة يكون هذه المعرفة ما بين البصري والمكتوب. لم أعلم في البداية إن كنت سأضم جميع الأعمال للمعرض. هناك مثلاً صورة "بولورويد" صغيرة للغاية لباب مزرعتنا في خان الشيح. وجدت قماشاً وسجاداً على باب البيت الذي تم "تعفيشه"، ولم نعد مقيمين فيه، وسألت عن سبب وجودهم هناك، فعلمت أن أقاربنا وضعوها هناك ليُعتقد بأننا ما زلنا نقيم في المنزل. فصورتها، وباتت لاحقاً جزءاً من المعرض. وعنوانها 'كيف يحمي القماش منزلنا' وجدتها كبادرة لطيفة تحمي البيت، خارطة مضادة لأرضنا. كل العمل على المعرض مكرس للوصول إلى تصميم للثوب. هي رحلة متواصلة، لأنني ما زلت أبحث عنه حتى الآن.
عُرض "الثوب الجديد" في فيينا وفي وارسو، ويتواصل عملي عليه منذ ثلاث سنوات. ويعد الجانب العملي من الدكتوراه إلى حد ما. لكنني ما زلت أعمل على قطع جديدة ذات علاقة بهذا المشروع.
حبذا لو تحدثنا عن المعارف التي استطعتِ مراكمتها حتى الآن خلال رحلتك البحثية...
تركز عملي على طرق تعليم التطريز. لامست مدى الأذى الذي تتسبب به بعض المؤسسات غير الحكومية (NGOs)، علماً أنها تسمية فضفاضة، إذ أن هناك فرقاً بين المؤسسات المحلية التي تتكون من المجتمع المحلي في مخيم شاتيلا والتي تلعب دوراً إيجابياً، وتلك المدعومة من الأمم المتحدة مثلاً.
من بين المؤسسات المحلية بيت أطفال الصمود، التي تمتلك مراجع من الصعب العثور عليها. هناك التقيت سيدة ذات معرفة هائلة بالتطريز اسمها 'حنان زعرورة'، وهي التي تقوم بتصميم القطع، تعلمت منها كثيراً. هناك نساء يعملن في البيوت أيضاً. ما تقدم يختلف عما ستجده في مؤسسات أخرى، هنا تقرر المؤسسة ما سُيطرز بقصد بيعه كسلعة فحسب، ويُدرس بطريقة دون القسم النظري. مثل "شاتيلا ستوديو"، التي كانت تابعة لمؤسسة وباتت مشروعاً تجارياً.
عندما التقيت مطرزات سوريات تعلمن التطريز الفلسطيني والسوري، علمت بأنهن يتعلمن التطريز عملياً فحسب، ولا يتلقين تعليماً نظرياً، بمعنى معرفة بأسماء وحدات التطريز، وهي معرفة مضادة للاستعمار. هذا ينتزع البعد السياسي من التطريز، لأنك تقوم بإعادة تطريز أشكال معينة لبيعها.
التقيت بالمطرزة، صبحية كريّم، التي تقطن مخيم عين الحلوة، وهي مناهضة لكل أشكال المنظمات غير الحكومية. نظراً لغلاء أسعار المواد تقوم بتصميم قطع صغيرة للغاية، وهذا يرتبط بالطبع بفكرة الثوب الجديد، وكيف يؤثر الوضع الاقتصادي على التطريز في المخيمات.
ستجد النقيض مثلاً في نادي فتيات فلسطين. هناك يتم إعادة تطريز أثواب تقليدية بخيوط قادمة من فرنسا، وهذا في بلد يعيش أزمة اقتصادية، وهو ما يتسبب بحدوث تغييرات أقل بكثير في التطريز، مقارنة بالمتوقع، لأن المطرزات لا تملكن خيار ما سيطرزن. اكتشفت أيضاً أن كثيرات من المطرزات لا يلبسن ما ينتجن لكون مواده باهظة الثمن. حتى إن توفرت "زوائد"، يفضلن بيعها والاستفادة من ثمنها. وهو أمر معاكس تماماً لما كان يحدث تاريخياً، إذ كان يمارس من قبل فلاحات، يطرزن لأجلهن، وكانت هناك علاقة ما بين جسم المطرزة والثوب وكان يتوارث عائلياً.
أتذكر كيف اُعتقلت نساء في فلسطين في عيد المرأة عام 2021 بسبب لبس الثوب. أتذكر أيضاً ثوب الانتفاضة، الذي كان يستخدم كلافتة خلال المظاهرات التي كان يمنع فيها رفع علم فلسطين. نور شنتوت
أركز على مصطلح 'السلعة غير المثالية' العائد إلى، براين سبونر، إذ طبقته، ريتشل ديدمان، على دراسات التطريز الفلسطيني، وهي قيمة معارض ومؤرخة وكاتبة تنظر أعمالها بشكل نقدي إلى التطريز الفلسطيني، عن كون التطريز سلعة لا تناسب الرأسمالية المتأخرة والليبرالية الجديدة والعصر الحالي، لأنه بطيء للغاية ومن المستحيل تسليعه لأنه تحول لرمز بعد فقدان الأرض، كما أن علاقته حميمة بجسد المطرزة، وهو لم يكن ينتج كسلعة تاريخياً، بل كانت تطرزه الفلاحة لأجلها وكان يتمحور حول تجهيز العروس. هذا وأسئلة أخرى هي موضع عملي لعامين ونصف قادمين أيضاً. عن منع مأسسة وتسليع التطريز إعادة إحياء أو انبثاق 'ثوب جديد'.
اعتبرت الحفاظ على التطريز الفلسطيني والثوب الجديد عملاً سياسياً مقاوماً، ما مدى حضور السياسة في عملك؟
أرى أعمالي سياسية، وهذا ينطبق أيضاً على كل الأعمال الفنية المعاصرة، حتى وإن ادعت أنها ليست كذلك. لا أستطيع عزل العمل الفني عن السياسة. وجوده ليس صدفة في عملي. هناك العديد من طرائق في العمل السياسي، عملي إحداها. هناك مثلاً الفن المنخرط اجتماعياً، وهم النشطاء الفنانون. يبدو عملهم سياسياً بشكل أوضح. وهناك العمل المنخرط سياسياً. فن سياسي بشكل مختلف، مهتم بتفكيك العلاقات السلطوية. اعتبر نفسي "أناركية نسوية"، وأتمنى أن أعكس ذلك في عملي.
كان تأثير الأماكن التي مررت بها في السنوات العشر الماضية حاضراً في مشوارك الفني، ماذا عن فيينا التي تقيمين فيها منذ 2015؟
كل الأماكن والأشخاص الذين مررت بهم أثروا في مسيرتي. بالنسبة لفيينا، كانت مؤثراً للغاية لكونه مكاناً بطيئاً ومملاً (ضاحكة). كان تواجدي هناك مفيداً لي. هذا الهدوء يسمح لي بإظهار ما عايشته في سوريا ولبنان وفرنسا وفيينا بطريقة بطيئة ومركزة. لذا أرى في فيينا مكاناً للإنتاج والقراءة والكتابة. أقضي غالب وقتي في مشغلي. لكنني أشكك أحياناً إلى أي مدى ينبغي أن أظل فيها لأنه مكان صعب أيضاً... عنصري. هناك عنصرية معادية للفلسطينيين. هذا رغم تواجدي في مجتمع داعم لي.
ما مدى انتقال التطريز الفلسطيني إلى أوروبا، واهتمام الجهات الفلسطينية الفاعلة هناك به؟ ما الذي تعلمتيه خلال بحثك عن محاولات تسليع التطريز؟
يعود التطريز ما بعد العام 1948 إلى مصطلح "السلعة غير المثالية". سيبقى بياناً سياسياً حتى في حال تم تسليعه. نتذكر كيف اُعتقلت نساء في فلسطين في عيد المرأة عام 2021 بسبب لبس الثوب. نتذكر أيضاً ثوب الانتفاضة، الذي كان يستخدم كلافتة خلال المظاهرات التي كان يمنع فيها رفع علم فلسطين. لذا من المستحيل تسليع التطريز تماماً، مع محاولة المنظمات غير الحكومية إزالة البعد السياسي عن التطريز.
دعتني منظمة في فيينا لإقامة ورشة عمل عن التطريز، هنا تفاجأت للغاية بطلبهم ألا أكتب أنه تطريز فلسطيني، فسألتهم إن كانوا اطلعوا على عملي قبل أن يطلبوا مني ذلك. لذا مع وجود هكذا محاولات يبقى المجتمع الفلسطيني واعياً بهذه الممارسات.
بالنسبة لانتقال التطريز إلى الغرب. يختلف وجوده من بلد إلى آخر، خاصة فيما يتعلق بمدى كبر الجالية. عدد من يعمل به في أمريكا ويجري أبحاثاً عنه أكبر مقارنة بالنمسا مثلاً. خلال ما نظمته من معارض وورشات عمل، وجدت أن هناك إقبالاً كبيراً عليها، وبيعت أغلب القطع المعروضة في معرض ذات طابع سياسي، في المعرض الذي نظمته بالتعاون مع الأدهم للتراث الفلسطيني وبيت أطفال الصمود 'زهور وخرائط'. ليس للفلسطينيين/ات فحسب، بل الداعمين للقضية الفلسطينية، الذين يعرفون البعد السياسي للتطريز.
هل لقي التطريز في المنطقة وأرشفته الاهتمام المطلوب بحثياً خلال العقود الماضية على ما اطلعت خلال الأعوام الماضية؟
هناك جهود كبيرة لحفظ التطريز الفلسطيني. هناك كتب ومراجع مهمة عنه، كي يعرف الفلسطينيون/ات بأنه تقليد يثبت بأن فلسطين ليست أرضاً بدون شعب لشعب بدون أرض. لم يكن بوسعي القيام بعملي بدون وجود ذاك الإرث. هناك ما يشبه قواميس مفصلة بالتطريز كدليل فن التطريز الفلسطيني لنبيل عناني وسليمان منصور. هناك اهتمام إذاً، لكن أيضاً هناك نظرة مثالية عنه، أحاول ألا اتبعها. النساء ما زلن يحاولن إثبات كون التطريز عملاً. هو نشاط لا يتقاضون راتباً عنه، وليس بوسع المطرزة أن تعيش من العمل به. هذه الرؤية النقدية مكتوبة بنسبة أقل بكثير مقارنة بأرشفة التطريز.
وجدت سجاداً على باب بيتنا الذي تم "تعفيشه" في سوريا، ولم نعد مقيمين فيه، وسألت عن سبب وجودهم هناك، فعلمت أن أقاربنا وضعوها هناك ليُعتقد بأننا ما زلنا نقيم في المنزل. باتت لاحقاً جزءاً من المعرض. وعنوانها "كيف يحمي القماش منزلنا'. نور شنتوت
أنا مهتمة أيضاً بالتطريز السوري مؤخراً. وجدت أنه لقي اهتماماً أقل وكُتبت عنه أبحاث أقل بكثير. يعود ذلك ربما لأن سوريا استعمرت لفترة أقصر بكثير من فلسطين.
الكثير من المطرزات السوريات اللاتي التقيت بهن توقفن عن العمل به، رغم عمل جداتهن به. لم يكن هناك ذاك المحفز على المضي في العمل به خشية اندثار الحرفة.
هناك الكثير من الأبحاث والأرشيفات المعدة من وجهة نظر استعمارية عن التطريز الفلسطيني والسوري، لا من وجهة نظر المجتمعات نفسها. أتعامل بحذر مع الصور التي التقطها مستعمرون. كأن يأتي مصور ويطلب من النساء ارتداء الأثواب بطريقة محددة لأجل الصور فحسب. لا يمكنني العودة لها كمرجع.
هناك الكثير من الأبحاث والأرشيفات المعدة من وجهة نظر استعمارية عن التطريز الفلسطيني والسوري، لا من وجهة نظر المجتمعات نفسها.
أنتِ في إقامة فنية في إسطنبول حالياً، حدثينا عن جديدك.
أنا مقيمة في Gate 27، وأعمل الآن على دراسة تأثر التطريز السوري والفلسطيني بالتطريز التركي، ذو التاريخ الطويل.
أقيم هنا منذ 3 أسابيع، وهو وقت قصير نسبياً، أقضي وقتي بين زيارة المكتبات، ولقاء مطرِّزات. العمل البحثي في تركيا أصعب جداً مقارنة بلبنان وسوريا، أعنى من خلال التعامل مع العاملين في المجال، عدم تحدثي اللغة التركية. لذا هذه تجربة مختلفة تماماً وجديدة.
حصلت على تأشيرة لشهر واحد لكوني أحمل جواز سفر سورياً، ومن الصعب علي الوصول للأرشيفات. الوصول لبعضها يكاد يكون مستحيلاً، كالأرشيف العثماني. لكن مع ذلك، لا يعتمد عملي على الأرشيف الرسمي، بل على لقاء العاملين/ات في المجال. أبحث في المكتبات لفهم تاريخ التطريز التركي ومدى تأثيره على الأماكن التي أزورها.
ما اكتشفته هنا أن التطريز مرتبط بشكل أقل بالسلطة المهيمنة. هناك مثلاً مئات الكتب عن التطريز التركي والعثماني بمختلف اللغات الأجنبية. بينما يرتبط التطريز السوري والفلسطيني بالناس. أذكر هنا كيف كان لدى وداد كامل قعوار مثلاً متحف في بيتها قبل أن تؤسس 'طراز'.
هناك معاهد لتعليم التطريز والخياطة في تركيا أيضاً، اسمها مثير للاهتمام يترجم 'معهد النضج' وهذه المعاهد للنساء فقط. وددت الانضمام إلى أحدها، لكنني لم أستطع لأن أوراقي الثبوتية سورية. أزعجني هذا لكن في الوقت نفسه، أجابني ذلك إلى حد ما على سؤال عن مدى تأثر المطرَزات السورية والفلسطينية نظيرتهما التركية، عندما يكون من الصعب على سورية أو فلسطينية الدخول للمعهد دون أوراق. بالمقابل هناك مطرزون أتراك لديهم أعمال ذات طابع سياسي تندرج تحت الفن المعاصر.
سأعود في شهر مارس/ أذار المقبل، لأنظم عملاً تركيباً حصلت على تفويض لتنفيذه. عملي على مشروع "الثوب الجديد" سيتواصل في السنوات القادمة، مع سعيي لإنهاء الدكتوراه.
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
علامي وحدي -
منذ 3 ساعات??
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ 23 ساعةرائع. الله يرجعك قريبا. شوقتيني ارجع روح على صور.
مستخدم مجهول -
منذ يومحبيت اللغة.
أحضان دافئة -
منذ يومينمقال رائع فعلا وواقعي
مستخدم مجهول -
منذ 6 أياممقال جيد جدا
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعحب نفسك ولا تكره الاخر ولا تدخل في شؤونه الخاصة. سيمون