شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

اترك/ ي بصمَتك!
مخاوف من سقوطها... هل تحتمل مباني الأردن الزلازل؟

مخاوف من سقوطها... هل تحتمل مباني الأردن الزلازل؟

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

حياة نحن والبيئة نحن والحقيقة

الخميس 21 سبتمبر 202310:25 ص

نفى المرصد الزلزالي الأردني خبر حدوث زلزال قبل أيام، في حين اكد العديد من المواطنين أنهم شعروا به.
في الأردن الهزات مستمرة، وكذلك الوساوس التي يعيشها الناس في الوقت الحالي، بعد توالي الزلازل على العديد من الدول وفقدان أرواح بشرية وإعلان مناطق منكوبة. هذه الأحداث وضعت إستراتيجيات الدول حول إدارة الأمن الوطني، على المحك للتفكير في مدى جاهزيتها لمواجهة الكوارث الطبيعية، مما دفع الشعوب إلى التفكير في مصيرها وانتشار الخوف والهلع.

بعد زلزال تركيا وسوريا بدأ جزء من الناس بوضع حقائبهم المجهزة لحدوث الزلازل قريباً من باب المنزل، لكن بعد زلزال المغرب بدأت التساؤلات الأبعد مدى والأعمق على المستوى العلمي: هل الأردن جاهز للتعامل مع الزلازل؟ ماذا عن الأبنية المتهالكة والبنية التحتية؟ وغيرهما الكثير من الأسئلة التي يبحث الأردنيون عن إجابات عنها.

عوامل جيولوجية

تحاورنا مع نقيب الجيولوجيين خالد الشوابكة، لمعرفة العوامل التي تساهم في حدوث الزلازل وما الأسباب الجيولوجية لحدوثها في الأردن؟ يقول إن الزلازل تحدث عادةً نتيجة حركات تكتونية إما تباعدية أو احتكاكية، بسبب حركة الصفائح بشكل عام، فما حدث في زلزال المغرب نتيجة تباعد الصفيحة الإفريقية عن الصفيحة الأوروبية، والفرق بينه وبين ما حصل في زلزال تركيا وشمال سوريا، أن الثاني نتيجة تصادم الصفيحة العربية مع الصفيحة التركية.

يصف الشوابكة الوضع في الأردن بأنه مختلف كلياً وذلك تبعاً لحركة الصفائح، فالصفيحة فيه جزء من الصفيحة العربية في حركة انزلاقية مع صفيحة فلسطين، والتي هي جزء من الصفيحة الإفريقية وتنزلق باتجاه الجنوب وهي حركة مستمرة منذ ملايين السنين.

أما في ما يخص النشاط الزلزالي في الدول، فبحسب الشوابكة ما حصل في تركيا لا يؤثر على الأردن، لكن في بعض الأحيان الهزات قد تنشّط بعض الصدوع في مناطق معينة، وهذا لا يعني أن يكون الزلزال في بلدان مجاورة مؤثراً، مثل أن يسبب الزلزال في تركيا زلزالاً في الأردن، لأن حركة الصفائح تختلف من منطقة إلى منطقة أولاً، والأردن يُعدّ منطقةً معتدلةً زلزالياً، ثانياً.

كما أن الشدة الزلزالية بشكل عام على الصفائح الانزلاقية الموجودة في الأردن تكون أقل تأثيراً وقوةً من الزلازل التي تحدث نتيجة التقاء صفائح أو تباعدها، وهنا يوضح الشوابكة أن الأردن في منأى عن الزلازل وهو ما لا يمكننا أن نقوله عن أي دولة في العالم، والهزات الأرضية في الأردن تحدث بشكل مستمر لكن قوتها لا تزيد عن 3 درجات ونصف درجة ولا يشعر بها المواطن.

 بدأت مشكلة المباني في الأردن تتصدر الأخطار المهددة لحياة الأردنيين بعد انهيار عمارة اللويبدة التي سلّطت الضوء على المباني القديمة والمتهالكة

التغيّر المناخي كمسبب للزلازل

هل للإنسان دور في حدوث الزلازل، كدوره في التغير المناخي وما يحدث اليوم من كوارث نتيجة العديد من الأعمال البشرية؟ في هذا الصدد يذكر الشوابكة أن الهزات تنقسم إلى قسمين: الأول الهزات الطبيعية والثاني الهزات نتيجة عمل الإنسان، كسحب كميات هائلة من باطن الأرض من النفط، وبناء السدود العملاقة مثل سد الصين وسد أتاتورك، وهي سدود ضخمة جداً وتشكل ثقلاً على الصفائح وعلى الأرض بسبب كميات المياه الكبيرة المخزنة داخلها ، السدود الضخمة جداً هذه أبطأت الحركة الأرضية بشكل عام، لكن كل الهزات الطبيعية الناتجة عن أعمال الإنسان والنشاط البشري هزات ضعيفة لا تتجاوز 5 درجات، وتبقى الهزات الطبيعية هي المسبب الأكثر قوةً وخطورةً.

خرافات وحقائق غير علمية

أدى غياب الصحافة العلمية عن الكثير من الأخبار والفهم المعمق للطبيعة الجيولوجية لكل دولة، إلى عدم الفهم الكلي لكيفية حدوث الزلازل وأسبابها وتأثيرها. ويذكر الشوابكة في هذا الجانب أن الزلازل تحدث يومياً، لكن لا يمكن التنبؤ متى ولا أين وما القوة المتوقعة، كما تُذكر الكثير من الأخبار المغلوطة، بالإضافة إلى عدم صحة الكثير من المعلومات التي يُدّعى أنها علمية كالربط بين حدوث الزلازل بالكسوف وأن الزلازل تحدث كل مئة عام، وتأتي هنا أهمية استقاء المعلومات من مصادرها الرسمية.

صدوع البحر الميت بؤرة الزلزال

صدع البحر الميت هو صدع انزلاقي قارّي، يبلغ طوله 1،200 كيلومتر، وهو الحد التكتوني بين الصفيحة العربية وصفيحة سيناء الدقيقة في منطقة شرق البحر الأبيض المتوسط. أشارت الأعمال السابقة المستندة إلى البيانات الجيولوجية وإعادة تقييم السجلات التاريخية، إلى تجمعات زمنية زلزالية على طول بعض أقسام البحر الميت في الآونة الأخيرة، وأدى وقوع زلزال بقوة 7.3 ميغاوات في خليج العقبة عام 1995، وهو الحدث الكبير الوحيد على طول صدع البحر الميت بأكمله لأكثر من 200 عام، إلى إحياء مسألة البداية المحتملة لحدوث سلسلة زلازل جديدة خلال الفترة المقبلة.

ويجيب الشوابكة في هذا الجانب بأن فالق البحر الميت ذو طابع زلزالي معتدل من متوسط إلى خفيف، ولا يستدعي نشر الهلع بين الناس، لكن علينا في الوقت نفسه أخذ الحيطة والحذر، فهذا لا يعني عدم حدوث زلزال مستقبلاً.

 تكشف الأمطار في الأردن كل عام سوء البنية التحتية وضعفها، فلماذا يراهن الأردنيون على قدرتها على تحمل الزلازل؟

هل نواجه خطراً محتملاً؟

بالتزامن مع حدوث الزلازل، بدأ المركز الوطني لإدارة الأمن والأزمات بالإعلان عن تدريب أمان، وإقرار الإصدار الثاني للإستراتيجية الوطنية للحد من مخاطر الكوارث بين عامي 2022 و2030، والتي تضع الأردن على رأس الدول العربية التي أصدرت إستراتيجيةً وطنيةً شملتها مراجعة واحدة على الأقل عام 2019، وقامت بتعديل الخطة الوطنية لمواجهة خطر الزلازل. فهل هناك خطر محتمل؟

بحسب الدكتور أحمد النعيمات، مدير المركز الوطني لإدارة الأمن والأزمات، التعديل أتى عن نهاية عام 2023، وقرر المركز أن يقوم بعقد التمرين الوطني وإخلاء المدارس في أغلب محافظات المملكة والمنشآت الخاصة التي تحوي مواد خطرةً كالمصانع الكيماوية واختبار الخطة الوطنية للأوبئة والمياه والاتصالات بحكم أنها أزمات متفرعة عن الزلازل عادةً.

يلفت نعيمات إلى أهمية إضافية بإرسال فريق متخصص للتغذية الراجعة والدروس المستفادة مما حدث في سوريا وفي تركيا والمعضلات التي واجهت فرق الاستغاثة هناك، وهو ما نشأ عنه تعديل الخطة الوطنية لاستقبال المساعدات. فمن سيقوم باستقبالها من المؤسسات الوطنية؟ بالإضافة إلى عملية توزيعها وتصنيفها وربطها بقاعدة البيانات للأشخاص المصابين بالأمراض المزمنة على سبيل المثال. ويتمثل هذا الجهد الوطني في اختبار القدرات في مواجهة الكوارث الطبيعية.

وينوه بأن الإطار العام لخطة الزلازل يحتاج من كل مؤسسة معنية إنشاء خطة لواجباتها بشكل خاص، وأن أفضل اختبار للخطط هو التمرين الميداني، الذي سيركز على فعالية التعاون الأفقي والعمودي بين المؤسسات وسيرسخ ثقافة إدارة الأزمة، وشارك في التمرين ما يزيد عن 3 آلاف شخص ميدانياً وتضمن إطلاق صافرات إنذار وإغلاق بعض الطرق وقطع الاتصالات عن بعض المؤسسات دون تعطيل الحياة العامة، وسيستمر لأيام عدة ثم سيتم تقييم الجهود الوطنية بفريق تقييم محلي وطني وأجنبي من خبراء يمثلون منظمات دولية بالإضافة إلى خبراء المركز.

كيف ستواجه المباني المتهالكة الزلازل؟

الزلازل لا تقتل الناس، بل المباني هي من تفعل ذلك. بدأت مشكلة المباني المتهالكة في الأردن تتصدر الأخطار المهددة لحياة الأردنيين بعد انهيار عمارة اللويبدة التي سلّطت الضوء على المباني القديمة والمتهالكة، وعلى ما سيحدث بسبعة جبال في عمان في حال وقوع زلزال. تفتقر المباني في الأردن إلى التنظيم ونقص الدعم الهيكلي وتُعدّ من العوامل القاتلة المحتملة في المناطق ذات المخاطر الزلزالية العالية، وتثير العوامل المذكورة تحديث قوانين البناء، والسؤال عن أفضل الإجراءات للحماية من الظواهر الكارثية.

في هذا الجانب يوضح نعيمات لرصيف22، أن طبيعة البناء الأردني المبني على الحجر الأبيض وقابليته لمنع الرطوبة يتحمل بعض الاهتزازات، وأن المباني القديمة تحملت العديد من العوامل الطبيعية والزلازل وتالياً هي مبانٍ مقاومة.

وتبيّن الدراسات الطبوغرافية والدراسات الصخرية للمملكة الأردنية عدم حدوث زلزال ذي شدة كبيرة، ففي آخر 700 عام حدثت بضع الزلازل ووصلت إلى سبع درجات وغالباً الزلازل الكبيرة احتمال حدوثها ضعيف، ولكن متوسط تأثيرها متوسط وفوق المتوسط.

في هذا السياق يؤكد نعيمات بواجب كل مواطن في حال كان مبناه قديماً أو آيلاً إلى السقوط، استشارة المكاتب الهندسية التي باتت تقدّم هذه الخدمة مجاناً لارتباطها بمسألة السلامة العامة، وأن مراقبة المباني وصيانتها من العوامل المساعدة على مواجهة الزلازل.

يضيء الدكتور أحمد نعيمات على نقطة مهمة حول مؤشرات قياس الزلازل، والتي لا تقتصر على مؤشر واحد يتم ذكره باستمرار وهو مقياس ريختر لقياس مقدار الطاقة المنبثقة من الزلزال، بل المقياس الأهم بحسب نعيمات في جزئية الشدة هو مقياس ميركالي، ويقيس مدى تأثير الزلازل على البنية التحتية والخراب الذي يحدثه ويشار إليه اختصاراً بـMMI، فقوة الزلزال ومركزه ومدة الاهتزاز فيه بالثواني وبُعده عن المناطق المأهولة وتوقيته، عوامل تؤثر في تهدم المباني أو عدم تهدمها.

وتبيّن الشواهد التاريخية أن الزلزال الكبير الذي ضرب خليج العقبة في منطقة نويرة، والذي وصلت قوته إلى 6.9 درجات، وهو زلزال مؤثر، قتل مواطناً أردنياً واحداً بسبب خوفه، بينما زلزال أغادير الذي ضرب المغرب العربي عام 1960، على مقياس ريختر، لم يكن أكثر من 6 درجات ونصف درجة، وكان من أكثر الزلازل دمويةً وأودى بحياة ما لا يقل عن 15 ألفاً، أي نحو ثلث سكان المدينة في ذلك الوقت، ويعود ذلك إلى شدته على مقياس ميركالي فالقيمة الريخترية العالية لا تؤثر دائماً على البنية التحتية.

الحاجة إلى صيانة البنية التحتية

سنوياً تكشف الأمطار في الأردن سوء البنية التحتية وضعفها، ويراهن الأردنيون على قدرتها على تحمل الزلازل. توجهنا بالسؤال إلى الدكتور أحمد النعيمات فأشار إلى أن البنية التحتية في الأردن ليست ممتازةً للتعامل مع الزلازل لكنها جيدة جداً بناءً على الشواهد التاريخية، إذ أثبتت كفاءتها في العواصف الزلزالية السابقة التي وصلت حدّتها إلى أقل من 5 درجات، ولم يكن هناك تهدّم.

تتعرض المملكة أسبوعياً لهزات خفيفة تتراوح بين درجتين و5 درجات، ولم تتأثر تراكمياً البنية التحتية فيها، إلا أن هذا لا يرمي في حال حدث زلزال إلى أن تكون هناك خسائر، لكن في إطار تحديد المخاطر ستكون خسائر متوسطةً ليس أكثر، وهذا يعتمد في النتيجة على قوة الزلزال وشدته والعوامل الأخرى.

إنضمّ/ي إنضمّ/ي

رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

فلنتشارك في إثراء مسيرة رصيف22

هل ترغب/ ين في:

  • الدخول إلى غرفة عمليّات محرّرينا ومحرراتنا، والاطلاع على ما يدور خلف الستارة؟
  • الاستمتاع بقراءاتٍ لا تشوبها الإعلانات؟
  • حضور ورشات وجلسات نقاش مقالات رصيف22؟
  • الانخراط في مجتمعٍ يشاركك ناسه قيمك ومبادئك؟

إذا أجبت بنعم، فماذا تنتظر/ ين؟

    Website by WhiteBeard