كانت الملصقات الدعائية تتوالى على صالات العرض السينمائية في صيف 2005، مبشّرةً بموسم تجاري قوي يخوض فيه عادل إمام المنافسة بفيلمه الكوميدي السياسي "السفارة في العمارة"، متعاوناً مع الكاتب يوسف معاطي للمرة الرابعة، فيما يلجأ محمد هنيدي إلى تقمص شخصية "الخالة نوسة" على أمل تكرار نجاحاته الأولى مع المخرج سعيد حامد في "يا أنا يا خالتي"، كذلك يقدّم أحمد عز أولى بطولاته المطلقة في فيلم "ملاكي إسكندرية" المنتمي إلى نوعية الأفلام "النوار"، بينما يراهن محمد سعد على رحلة القروي "بوحة" في شوارع القاهرة التي منحته صدارة شباك التذاكر المصري في آخر المطاف.
وسط هذا الزخم السينمائي، عُرض "حريم كريم"، ليكون واحداً من بين أفلام المغنّين التي غزت الشاشة الفضية آنذاك مثل "سيد العاطفي" لتامر حسني، و"عيال حبيبة" لحمادة هلال. حقق الفيلم إيرادات مقبولةً، وإن لم يتفوق على أي من الأفلام سالفة الذكر، لكن شعبيته ازدادت عند العرض التلفزيوني، وساهم ذلك في رواج بعض جمله الحوارية على مواقع التواصل الاجتماعي لاحقاً.
كانت أمام صنّاع الفيلم فرصة استثمار الحكايات النسائية في تقديم معالجة متميزة، خصوصاً أن الافتتاحية تبشرنا بخطوط درامية متنوعة لسيدات في منتصف العمر تواجه كل واحدة منهن أزمةً مختلفةً
مثّل "حريم كريم" محطةً مهمةً في مسيرة مصطفى قمر السينمائية، إذ تجاوز نجاحه غالبية أفلامه السابقة واستطاع أن يعزز قاعدته الجماهيرية في الألفية الجديدة. كان التعاون الثاني مع المخرج على إدريس، بعد فيلم "أصحاب ولا بيزنس"، وبداية تشكيل ثنائية فنية بين إدريس وزوجته السيناريست زينب عزيز، وقد حاول الثلاثة تكرار النجاح لكن النتيجة لم تكن مُرضيةً.
تعثرت خطوات مصطفى قمر اللاحقة، وظل يحلم بتقديم فيلم يعيده إلى دائرة الضوء ثانيةً، وقد هداه تفكيره إلى صناعة جزء ثانٍ من "حريم كريم"، برغم معارضة باقي فريق العمل، بحسب تصريحاته. في النهاية، تراجعت الأصوات الرافضة أمام حماسته، وخرج العمل إلى النور بعد 18 عاماً، في أجواء تبدو مشابهةً في احتدامها لما حدث سابقاً، لكن ثمة تغيرات عدة طرأت على الواقع الحالي.
التوليفة المحببة إلى مصطفى قمر
كان مصطفى قمر من أبرز الوجوه على الساحة الغنائية خلال عقد التسعينيات، وقد سار على خطى من سبقوه متجهاً نحو السينما، خصوصاً بعد إقدام أبناء جيله على هذه الخطوة، وتحقيق بعضهم نجاحاً كبيراً مثلما حدث مع محمد فؤاد في فيلم "إسماعيلية رايح جاي" عام 1997. بدا قمر متأنياً في البدايات، يميل إلى المشاركة في بطولات جماعية تحقق له التواجد بشكل يرسخ نجوميته دون أن يتحمل وحده النتيجة النهائية. وبرغم تباين الحكايات والأساليب الفنية في أفلامه الثلاثة الأولى، حرص على تثبيت صورة الشاب الوسيم المرغوب من النساء. فحتى لو كانت الفتاة التي يحبها في "الحب الأول" غير منتبهة إلى مشاعره الصادقة، إلا أن قريبتها هامت به ما أن وقعت عيناها عليه، كذلك الحال في "أصحاب ولا بيزنس" حيث أحبّته زميلته في العمل برغم أنه مرتبط بأخرى.
تفاوتت نجاحات أفلامه التالية التي استأثر خلالها بالبطولة المطلقة، مستعيناً بفنانات يشكّل معهن ثنائيات متناغمةً، إلى أن وجد التوليفة المثالية في "حريم كريم"، حيث يظهر على الشاشة محاطاً بمجموعة من النساء يفقدن صوابهن بمجرد سماع اسمه. يحكي الفيلم عن رجل تصرّ زوجته (ياسمين عبد العزيز) على الطلاق بعد تورطه في واقعة خيانة، فيلجأ إلى صديقاته من مرحلة الجامعة لمساعدته في تصليح العلاقة. وبرغم أنهن لم يلتقين به منذ سنوات، تترك كل واحدة منهن حياتها وراءها، وتتفرغ للمنافسة مع رفيقاتها على الفوز بقلبه.
توافرت عوامل قوة عدة في الشريط السينمائي منحته جاذبيةً وقت عرضه، منها تقديم شخصيات كوميدية متنوعة من حيث النهج والأسلوب في انتزاع الضحكات، يجسدها طلعت زكريا وإدوارد وخالد سرحان. كذلك مفاجأة الجمهور باختيارات غير تقليدية على مستوى فريق العمل، فمثلاً ظهرت داليا البحيري وريهام عبد الغفور في دورين مختلفين عن أدائهما في تلك الفترة. كما أسهمت الأغاني، الموظفة بشكل ما داخل النسيج الدرامي والتي بُثّت على القنوات الفضائية طوال أشهر، في رفع أسهم الفيلم.
فرقت السبل فريق العمل، وإن تقاطعت من حين إلى آخر رغبةً في تحقيق نجاح جديد، لكن اتسعت الفروق بمرور الوقت، وخفتت شعبية مصطفى قمر تدريجياً، بينما انطلقت ياسمين عبد العزيز لتستحوذ على البطولة وحدها وتباع الأفلام باسمها، فيما تراجعت داليا البحيري سينمائياً وانصبّ تركيزها على الدراما التلفزيونية.
وبشكل عام، شهد المناخ السينمائي تحولات كثيرةً خلال العقد السابق بفعل التغيرات السياسية في البلاد، وصعود المنصات الرقمية وفضاءات التواصل الاجتماعي. وباتت هناك ثنائيات فنية ذات ثقل في شباك التذاكر المصري غير التي كانت قبل 18 عاماً، مثل المخرج مروان حامد والكاتب أحمد مراد، ومعهما الممثل كريم عبد العزيز الذي يُعدّ شريكاً أساسياً في النجاح التجاري.
في المقابل، تشترك غالبية فريق عمل الجزء الثاني من "حريم كريم"، كتابةً وإخراجاً وتمثيلاً، في أنهم مبتعدون عن السينما منذ سنوات عدة، بعد أفلام لم تحظَ بتقدير نقدي أو جماهيري. وبرغم ذلك، فقد حاولوا العودة بفكرة تواكب أعمار أبطال الجزء الأول دون التخلي عن التوليفة المحببة إلى مصطفى قمر، مع إيجاد حلول للتغيبات سواء بسبب الاعتذار مثل ياسمين عبد العزيز أو الوفاة كما في حالة طلعت زكريا.
المفترض أن التركيز هنا على العلاقة بين الجيل القديم الذي صار آباءً وأمهات وجيل الأبناء وأزماتهم العاطفية، مع مرور عابر على قضية استخدام الإنترنت في التعارف والزواج دون اهتمام حقيقي بطرحها ومناقشتها. لكن الحكاية تتخلص في أن الرجل المحبوب أصبح أرملَ يعيش مع ابنته الوحيدة المرتبطة بشاب لا يروق له، حيث يقرر التدخل في حياتها وتعريفها على آخر يراه مثالياً، وذلك بعدما التقى بسيدة أعجب بها وبطريقتها في البحث عن زوج لابنتها عبر الإنترنت. المفارقة أن جميع الشباب في الفيلم هم أبناء صديقاته القدامى، وخلال تطور العلاقات بين الجيل الجديد تُفرد مساحة كبيرة للصراعات بين السيدات على العزب الخمسيني!
مآخذ عابرة للزمن
برغم الهالة الكاذبة التي يسعى صنّاع "أولاد حريم كريم" إلى إضفائها على الجزء الأول، واجه العمل انتقادات كثيرةً تتعلق بحكايته التي تقدّم "شهريار" معاصر في قالب بصري أقرب إلى الأغاني المصورة ذات الأجواء الصاخبة والألوان الزاهية. إذ غاب المنطق الدرامي عن غالبية الأحداث، واعتمد النص على كثير من المصادفات لحشد الجميلات حول البطل الوسيم، مع تقديم نماذج ذكورية غيورة ومتهورة، وأخرى نسائية مهووسة ومضطربة مع أن لكل منهن ظروفاً حياتيةً مختلفةً. لكن كما ذكرنا، ساهمت إيجابيات الفيلم وقدرته على تسلية المتلقي في غض الطرف عن سلبياته.
تتكرر كل هذه المآخذ في الفيلم الجديد، نظراً إلى أن صنّاعه قرروا إعادة استنساخه في شريط سينمائي أقل إمتاعاً. فالسيناريو يقوم على المصادفات بشكل أساسي، بدايةً من لقاء البطل بحبيبته الجديدة (بشرى)، مروراً بمشاهد لمّ الشمل التي تجمعه بصديقات الجامعة، وصولاً إلى تردد الشخصيات على الأماكن نفسها من منطلق إن "الدنيا صغيرة"! كذلك، نرى تتابعات مشهدية للرجل ومعجباته تحمل تفاصيل الجزء الأول نفسها دون زيادة أو نقصان، وكأن الزمان توقف عند لحظة معيّنة. أما الأغاني الأربعة التي قدّمها مصطفى قمر، على غرار الجزء الأول، فمنها ما يشبه أغنية "شنكلوه" في مفرداته وطريقة تنفيذه على الشاشة، ومنها ما يبدو مقحماً وضعيفاً في صورته النهائية مثل أغنية "بنتي".
كانت أمام صنّاع الفيلم فرصة استثمار الحكايات النسائية في تقديم معالجة متميزة، خصوصاً أن الافتتاحية تبشرنا بخطوط درامية متنوعة لسيدات في منتصف العمر تواجه كل واحدة منهن أزمةً مختلفةً، حيث تعيش دينا (بسمة) حالة تخبط بعد انهيار زواجها وإبعادها عن عملها الذي تحبه بسبب السنّ، وكأن الحياة التي بنتها تتسرب من بين يديها. فيما تبدو مها (داليا البحيري) منهكةً من مسؤوليات البيت والخلافات المستمرة مع زوجها، أما هالة (علا غانم) فتظهر وكأنها فقدت الكثير من صلابتها الأولى، وباتت تملأ وقتها بمشكلات ابنها والفيديوهات الساذجة التي تقدمها على منصات التواصل الاجتماعي. جميع هذه الخطوط كان يمكن تطويرها وتعميق معالجتها بدلاً من اختزالها فقط في اللهث وراء البطل، كما كان من المحتمل أن تظهر بشكل أفضل على الشاشة لو تخلّى الممثلون عن الأداءات المفتعلة والاستظراف المستمر.
لا يبدو "أولاد حريم كريم"، فيلماً منشغلاً بالتعمق في أي قضية يطرحها على مدار أحداثه، لأن الهدف الحقيقي هو استعادة أجواء زمن ولّى بعد فقدان القدرة على تحقيق إبداعات جديدة
لكن تبقى المشكلة الأساسية في حبكة "حريم كريم" بجزأيه هي الارتباك في توصيف العلاقة بين هذا الرجل والنساء المهووسات به: هل هي صداقة أم حب؟! على مدار الفيلمين، نشاهد نساءً تعلّقن برجل منذ أيام الجامعة ويستهدفن اقتناص أي فرصة للارتباط به، ثم فجأةً وقبل مشهد النهاية، يحاولن إقناعنا بأنهن صديقات مخلصات لا يحملن له سوى مشاعر الأخوة. صحيح أن العلاقات الإنسانية معقدة ومتشابكة، لكن توجد فروق واضحة بين مشاعر الصداقة والانجذاب العاطفي بين الجنسين. وعليه، من المفترض أن يراعي صنّاع العمل مثل هذه الفروق، لا سيما أنهم يناقشون حكايات أناس ناضجين.
على كل حال، لا يبدو "أولاد حريم كريم"، فيلماً منشغلاً بالتعمق في أي قضية يطرحها على مدار أحداثه، لأن الهدف الحقيقي هو استعادة أجواء زمن ولّى بعد فقدان القدرة على تحقيق إبداعات جديدة. ومع ذلك، فإن اللعب على أوتار النوستالجيا قد يؤتي ثماره في شباك التذاكر المصري، حيث لا تزال لمصطفى قمر مكانة في قلوب مواليد الثمانينيات والتسعينيات قد تقودهم للذهاب إلى صالات السينما كي يشاهدوا مغنّيهم المحبوب وهو يرفض أن ينفلت شبابه منه.
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
مستخدم مجهول -
منذ يومكل التوفيق ومقال رائع
Ahmad Tanany -
منذ 5 أيامتلخيص هايل ودسم لجانب مهم جداً من مسيرة الفكر البشري
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعلا يوجد اله او شئ بعد الموت
Mohammed Liswi -
منذ أسبوعأبدعت
نايف السيف الصقيل -
منذ أسبوعلا اقر ولا انكر الواقع والواقعة فكل الخيوط رمادية ومعقولة فيما يخص هذه القضية... بعيدا عن الحادثة...
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ اسبوعينمقال بديع ومثير للاهتمام، جعلني أفكر في أبعاد تغير صوتنا كعرب في خضم هذه المحن. أين صوت النفس من...