أضاف رفض المغرب، قبول المساعدات الجزائرية، عاصفةً جديدةً إلى بحر الأزمات التي لا تنقطع أمواجها بين البلدين.
تناثرت الاتهامات المقترنة بالتشكيك تارةً، والسباب تارةً أخرى، وضاع في المنتصف السؤال الأهم حول الاستحقاقات ومصلحة المنكوبين، الذين لا يعبؤون كثيراً لمسارات السياسة وصراعاتها.
دبلوماسية الكوارث
في الثامن من كانون الأول/ ديسمبر 1988، وعقب حدوث زلزال أرمينيا الشهير، الذي أودى بحياة أكثر من 30 ألف شخص، قام الزعيم السوفياتي "غورباتشوف"، بخطوة غير مسبوقة في تاريخ العلاقات السوفياتية-الغربية، حين "طلب" مساعدات إنسانيةً من الولايات المتحدة الأمريكية، لمواجهة تلك الكارثة الإنسانية.
لم يكن طلب المساعدة الصادر من موسكو لعجزها عن إنقاذ مواطنيها، وإنما أتى في الأساس كخطوة سياسية للتقارب مع الخصم، وهي الخطوة التي أسست لاحقاً لما عُرف باسم "دبلوماسية الكوارث".
وإذا كان التعاون الروسي الأمريكي في مواجهة زلزال أرمينيا، ضربة البداية في مضمار دبلوماسية الكوارث، إلا أنه لم يكن النهاية بطبيعة الحال.
ففي الثاني والعشرين من آذار/ مارس 2021، دعا وزير الدفاع اليوناني أكيس تسوتشاتزوبولوس، أنقرة إلى التعاون مع أثينا لمواجهة الزلازل التي دمرت كلا البلدين. وهي الخطوة التي قادت إلى تحسن تدريجي في العلاقة العدائية بين البلدين، توّجها تصريح وزير الخارجية اليوناني جورج باباندريو بأن أثينا لم تعد تنظر إلى تركيا على أنها التهديد الأكبر الذي كانت تواجهه في الماضي.
لكن دبلوماسية الكوارث، لم تنجح كل نماذجها في تحسين العلاقات الرسمية بين الخصوم إلى أمد طويل، ولعل العلاقات الهندية الباكستانية هي النموذج الأبرز عن تلك النقلات المتذبذبة.
ففي السادس والعشرين من كانون الثاني/ يناير 2001، تسبب زلزال ضرب الهند في مقتل نحو 25،000 شخص، فضلاً عن تدمير قرى بأكملها، وهنا عرضت باكستان المساعدة على نيودلهي. وهو ما قاد إلى أول محادثة بين زعيمي البلدين، والتي أعقبها لقاء تاريخي جمع بينهما في الرابع عشر من تموز/ يوليو من العام ذاته.
لكن شهر العسل بين البلدين لم يدُم طويلاً، لتطفو العدوات مجدداً فوق السطح، إثر تعرض البرلمان الهندي لهجوم من قبل مسلحين في الثالث عشر من كانون الأول/ ديسمبر، وجّهت فيه الهند أصابع الاتهام إلى باكستان، ليتصاعد التوتر مجدداً، ويصل إلى مشارف الحرب.
هل رفض المغرب المساعدات الجزائرية بدافع النعرة الوطنية أم لأسباب تنظيمية؟
المغرب بين الحقوق والسياسة
جرت العادة في الكوارث الطبيعية الكبيرة أن تهرع الدول الصديقة إلى تقديم المساعدات الإنسانية الأولية للدولة المنكوبة، والتي في العادة تتراوح بين المستلزمات الطبية والطعام، فضلاً عن "البطاطين". هذا ما جرت عليه العادة، حتى صارت من المعلومات السياسية بالضرورة. وبالرغم من الاعتياد على ذلك المسلك السائد، إلا أن هذا لا ينفي القاعدة الدبلوماسية الأهم في ذلك الإطار، وهي أن "طلب" المساعدات يظل حقاً أصلياً للدولة المنكوبة.
لكن ذلك القرار بالقبول أو الرفض -برغم مشروعيته- لا يمكن فصله عن محيطه السياسي وطبيعة العلاقة بين الدولتين، والتي تلقي بظلال استغلال سياسي من قبل الأنظمة، والمزايدة والتطاول من قبل الإعلام في كلا الجانبين، وبرغم ذلك تظل هناك أصوات عاقلة يجب الاستماع إليها، تصدح بالحق المجرد بعيداً عن الضوضاء والغوغائية.
من بين تلك الأصوات صوت رئيس مركز منظورات للدراسات الجيو-سياسية، عصام العروسي، الذي يقدّم قراءةً تنظيميةً للحدث ليس إلا مصرّحاً بأن القرار في الأساس لم يكن موجهاً ضد أي دولة بعينها، وإنما نحن نتحدث هنا عن قرار تنظيمي، فلا أحد يريد تكرار سيناريو تسونامي الذي ضرب إندونيسيا في 2004، حيث حدثت أزمة كبيرة في التنسيق بين المساعدات وفرق الإنقاذ الدولية. لذا فإن التنسيق مع فرق قليلة يبدو لوجستياً أفضل في هذه المرحلة.
يتفق الباحث المصري عبده البرماوي، مع تلك النقطة مضيفاً أن المغرب قبل أبرز عروض التعاون المتفقة مع أولوياته في هذه اللحظة، لكن القصة تم تأويلها إعلامياً عبر إبراز الخلافات، ويعتقد البرماوي أن المغرب على الأرجح سوف يقبل تلك المساعدات قريباً، فحجم الكارثة كبير على حد تعبيره.
لكن الناشط المغربي المعطي منجب، يختلف تماماً مع تلك القراءة ويقول: "إن الرد المغربي رد غير صائب، فعندما تكون هناك حاجة ماسة إلى المساعدة، من الخطأ الإصرار على ما أسماه بالسيادة والكبرياء الوطني. هذه ليست لحظة الرفض لأن المساعدات ضرورية، حتى الدول المتقدمة تقبل المساعدة الخارجية في الكوارث.
وفي السياق نفسه، صرّح المدير الإقليمي للشرق الأوسط وشمال إفريقيا في الاتحاد الدولي لجمعيات الصليب الأحمر والهلال الأحمر، حسام الشرقاوي، متردداً في انتقاد السلطات المغربية: في مثل هذا الوقت العصيب، المساعدات الخارجية تكون مطلوبةً حتماً.
ما حقيقة ما قيل عن متاجرة الجزائر بمساعدتها للمغرب في مواجهة كارثة الزلزال؟
نظرة جزائرية مغايرة
أستاذ العلوم السياسية في جامعة الجزائر توفيق بوقعدة، تحدث إلى رضيف22، قائلاً: "بعيداً عن كل الحزازات أو المناكفات، نحن أمام لحظة إنسانية مأساوية، وفي تقديري تحرّك الجزائر لإرسال المساعدات أتى بعد التقاطها إشارات إيجابيةً من وزير العدل المغربي، فقام القنصل العام في الدار البيضاء بكل الإجراءات الدبلوماسية للموافقة على إدخالها، وكل هذا يفيد بأن الجزائر لم تكن على علم بالموقف النهائي للمغرب، فظلت تلحّ على المساهمة في جهود الإغاثة، لكن للأسف قوبل الطلب بالرفض، بمبرر عدم الحاجة".
لكن في الوقت نفسه لا ينفي بوقعدة شبه الاستغلال السياسي للموقف إذ يضيف: "لا يمكن استبعاد شبهة الاستغلال السياسي الداخلي لكلا الطرفين، وفي تصوري هناك تقاطعات بين واقع العلاقات المأزومة بينهما، والاستغلال السياسي الداخلي، حيث تتلاشى الحدود في كثير من المراحل بين مبدأ التعبير عن المصالح الوطنية والمتاجرة السياسية بالخلاف بين البلدين لتغطية الواقع السياسي والاقتصادي والحقوقي الذي يعيشه الشعبان".
يتفق الناشط السياسي عبد الكريم تيليش، مع الجزئية الأخيرة، مؤكداً على أن النظام الجزائري يخلق عدوّه الخارجي، ليستفيد من هذا الصراع داخلياً.
الحديث عن الاستغلال السياسي للمساعدات الجزائرية للمغرب، لم يكن النغمة السائدة بين الساسة في الجزائر حتى من قبل خصوم النظام، فكثير من المعارضين للسلطات، وقفوا خلف قرار الدولة نافين أي شبهات حوله، ومن أبرز تلك الأصوات المعارضة كان الناشط السياسي حمزة خروبي، الذي صرح لرصيف22، قائلاً: "إن الجزائر قامت بواجب إنساني من خلال عرض مساعدتها على المغرب، ولا أرى أي معنى لإضفاء شبه توظيف سياسي داخلي لذلك العرض الإنساني".
بين اتهامات ومزايدات تطفو على سطح الإعلام، وتنضح بها صفحات وسائل التواصل، يظل هناك عقلاء في كلا البلدين قادرون على تقديم قراءة مغايرة، وتظل التجربة المغربية-الجزائرية حتى الآن صفحةً مظلمةً للأسف في كتاب دبلوماسية الكوارث.
حفظ الله شعب المغرب، وتغمد الضحايا بالرحمة والغفران.
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
Ahmad Tanany -
منذ يومتلخيص هايل ودسم لجانب مهم جداً من مسيرة الفكر البشري
مستخدم مجهول -
منذ 3 أياملا يوجد اله او شئ بعد الموت
Mohammed Liswi -
منذ 6 أيامأبدعت
نايف السيف الصقيل -
منذ أسبوعلا اقر ولا انكر الواقع والواقعة فكل الخيوط رمادية ومعقولة فيما يخص هذه القضية... بعيدا عن الحادثة...
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ أسبوعمقال بديع ومثير للاهتمام، جعلني أفكر في أبعاد تغير صوتنا كعرب في خضم هذه المحن. أين صوت النفس من...
Nahidh Al-Rawi -
منذ أسبوعتقول الزهراء كان الامام علي متنمرا في ذات الله ابحث عن المعلومه