تختار العديد من النساء العاملات التفرغ للأمومة بمجرد سماع بكاء الطفل الأول، وهو خيار يتبع للإرادة الحرة الكاملة للمرأة، فكما لا يحق لأي شخص أو سلطة إجبار المرأة على ترك العمل، لا يحق كذلك أن تجبر المرأة على العمل إذا اختارت أن تعتبر أمومتها هي مهنتها، ولو لفترة من الزمن.
إلا أن هذا القرار قد يطال أحلام النساء وطموحاتهن، وكثيراً ما حاولت أمهات العودة إلى العمل أو استئناف حياتهن المهنية بعد بلوغ أطفالهن سناً لا يحتاجون معه للرعاية الدائمة والمباشرة، وكثيراً ما فشلن لأن خبراتهن صارت قديمة، وبسبب تفضيل الشركات للخريجين الجدد، وأيضاً بسبب التمييز الذي تعانيه الأمهات في سوق العمل.
الأمومة خبرة اقتصادية أيضاً
في بلدان العالم الأول تصنف الأمومة من ضمن "الخدمات الرعائية" المهمة للاقتصاد، وبالتالي لا تعتبر المرأة المتفرغة لأمومتها عاطلة عن العمل بل عاملة في منزلها، وهو ما يفسر حصول زوجات في قضايا طلاق على نصف الثروة على اعتبارها شاركت في هذه الثروة من خلال أمومتها وتفريغها له للعمل.
في مقال سابق للناشطة في حقوق النساء سهر العالول نشر في رصيف22 أشارت إلى دراسة لمنظمة أوكسفام شملت الإجراءات الحكومية في 59 دولة، لمعالجة عمل النساء غير المدفوع مقابل الأعمال الرعائية والمنزلية، وقد أظهرت النتائج بأن أقل من 30٪ من سياسات تلك الدول أخذت المنظور الرعائي بعين الاعتبار وأقل من 12٪ منها كانت معنية باحتياجات النساء على الإطلاق.
هناك كثير من المؤسسات المحلية والدولية الداعمة للمشاريع النسائية المنزلية، والتي تقدم منحاً أو قروضاً ميسرة للنساء الراغبات بالعودة إلى سوق العمل، فابحثي في بلدك عن هذا النوع من الدعم
تالياً أربعة مشاريع ممكنة، وليست ذات تكلفة مرتفعة، يمكن للنساء الراغبات بالعمل تأسيسها من خلال خبرات الأمومة فقط، ومعظمها من المنزل إذا كانت الظروف لا تسمح بغير ذلك.
إذا اخترتِ واحداً منها، فغالباً لن تحتاجين إلا إلى بعض الدورات التأهيلية في الإدارة والمحاسبة والتسويق، والتي تتوفر بكثرة وبشكل مجاني على الإنترنت، وسوف نقترح لكِ بعضاً منها في نهاية المادة.
كذلك يجب عليكِ مراجعة القوانين الخاصة ببلدك لهذا النوع من الأعمال، لكن الخبر السار أن تراخيص الأعمال المنزلية والمشاريع النسائية سهلة في معظم الدول العربية على اعتبارها تشجيعاً لعمل المرأة، وأن هناك كثير من المؤسسات المحلية والدولية الداعمة لها والتي تقدم منحاً أو قروضاً ميسرة للنساء الراغبات بالعودة إلى سوق العمل، فابحثي في بلدك عن هذا النوع من الدعم.
المشروع الأول... مطبخ إنتاجي
الخبرة التي تحتاجينها لهذا المشروع هي الطبخ، لكنك بحاجة إلى اكتساب بعض المهارات الصغيرة السهلة مثل التغليف الاحترافي وشروطه الصحية، ككتابة تاريخ الإنتاج، وعدم استخدام البلاستيك للساخن، وأحياناً التنويه إلى المواد إذا كانت الوجبات لأطفال أو لمرضى، وبالطبع التسويق، وإتقان الطبخ بكميات كبيرة.
كذلك ستحتاجين إلى الاتفاق مع سائق أو يفضل احدى شركات توصيل الطعام المسجلة، لضمان راحة وأمان واطمئنان زبائنك.
ينصح بتحديد قائمة الطعام للحد من الهدر في المواد الأولية، فأنت لا تريدين شراء مواد لعشرين نوع من الطعام وأن تفسد في انتظار من يطلبها، لذا يستحسن أن تبدئي بنوعين أو ثلاثة من الطبخات، وأن يقتصر تخزينك على ما تحتاجه، وبالطبع بإمكانك التنويه إلى إمكانية الطبخ تحت الطلب لما ليس في القائمة.
المطبخ الإنتاجي من المشاريع السهلة لكنها تحتاج إلى تنظيم وتنمية بعض المهارات الجديدة للأمهات غير العاملات، كالتسويق والتغليف الجيد للطعام
في أغلب الدول تحصل السيدات على هذه الرخصة من خلال عدد من الإجراءات السهلة كأن يكون لديها مساحة مخصصة للإنتاج مختلفة عن مطبخ المنزل بثلاجة وفرن وأدوات خاصة، وضمان النظافة لدى التفتيش، وشهادة خلو أمراض، وفي معظم الدول لا تخضع هذه المشاريع للضرائب وتعتبر معفية.
المشروع الثاني الحضانة المنزلية
الخبرة التي تحتاجينها لهذا المشروع هي الأمومة ذاتها، مع تعلم السيطرة على عدد أكبر من الأطفال، وجميع الأمهات يعرفن أنه ليس بالأمر السهل.
كثير من الدول تشجع هذا النوع من المشاريع لما له من تأثير كبير على تسهيل عمل المرأة، وليس المقصود صاحبة المشروع فقط بل الموظفات ممن يضعن أطفالهن في حضانتها المنزلية من الجارات أو القريبات.
قبل أي شيء يجب أن تكون هناك مساحة مخصصة في المنزل لرعاية الأطفال، فأنت لا ترغبين بتحويل منزلك كله إلى حضانة، ويجب تأهيلها بالمطلوب من أسرّة للنوم بحسب العدد والعمر، وكراسي وطاولات صغيرة الحجم، وربما تلفاز صغير، وألعاب غير مؤذية ومفيدة.
عليكِ أن تحددي العدد الذي بمقدورك الاعتناء به، وأحياناً الأعمار، وأن تضعي قوانينك الخاصة للأمهات، كعدم استقبال الطفل المريض، وإرسال الطعام مع الطفل تحاشياً لأية مسؤولية كفساد الطعام أو الحساسية، وأن تكوني صارمة في أوقات الاستقبال والمغادرة.
يجب أن تكون هناك مساحة مخصصة في المنزل للحضانة المنزلية، وأن يتم تأهيلها بالمطلوب من أسرّة للنوم بحسب عدد وأعمار الأطفال، وكراسي وطاولات صغيرة الحجم، وربما تلفاز صغير، وألعاب غير مؤذية ومفيدة
كذلك ستحتاجين لمساعدة واحدة على الأقل، ويستحسن أن تكون من نفس الحي أو المنطقة وذات خبرة في التعامل مع الأطفال، والأهم أن تضعي برنامجاً واضحاً لليوم يشمل أوقات الطعام واللعب والتعلم والنوم، فالأطفال يفهمون النظام ويحترمونه.
تختلف شروط الحصول على هذا الترخيص من دولة إلى أخرى، بعض الدول تشترط على من تدير الحضانة المنزلية أن تحصل على دورة تأهيلية حتى لو كانت أماً، وبعض الدول تشترط وجود مكان منفصل داخل البيت تتحدد مساحته بحسب مساحة العدد المحدد استقباله من الأطفال، وأن يكون بتهوية جيدة ووسائل تبريد وتدفئة، وبعض الدول تشترط وجود ولو مساحة صغيرة جداً خارجية للعب.
الخبر الجيد هو وجود كثير من الألعاب الذهنية والبدنية التي يمكن أن تقدمي من خلالها برنامجاً مفيداً ومسلياً للأطفال من خلال المواقع التعليمية المختصة لهذا العمر.
في كل الحالات، هو من المشاريع المجدية جداً مادياً، وينتهي باكراً مع عودة الموظفات من العمل.
المشروع الثالث... وكالة رعاية أطفال بالساعة
هو يشبه المشروع السابق لكنك لا تحتاجين لاستخدام منزلك، بل لتعيين عدد من الأمهات والنساء الأخريات الخبيرات برعاية الأطفال، والأهم أن يكنّ محل ثقة كاملة من ناحية القدرة على الاعتناء بالأطفال، والأمانة، والصحة الجيدة والنظافة الشخصية.
إبدئي بعدد قليل وموثوق، وتوسعي بحذر ودقة، عليكِ أن تدربي الراعيات على المطلوب، وما هي حدود عملهن في رعاية الأطفال وأين تتوقف مسؤولياتهن، وإذا أردت أن تكوني محترفة، يستحسن أن تأخذ كل واحدة منهن ولو دورة بسيطة في رعاية الأطفال، وتدريباً على الإسعافات الأولية.
مشروع وكالة الرعاية المنزلية للأطفال لا يتوفر بكثرة في البلاد العربية وبالتالي فهو مطلوب بشدة لأنه تخصص غير مشبع
طريقة إدارة المشروع بسيطة، ستحصلين على الترخيص بحسب التعليمات والأنظمة الموجودة في بلدك، وستقررين عدد الراعيات اللواتي سينضممن إلى مشروعك، ثم ستعلنين عن المشروع سواء من خلال تطبيق أو من خلال شبكة علاقاتك الأسرية والاجتماعية.
في كل مرة تحصلين بها على ساعة رعاية طفل ستتقاضين نسبة من ثمن هذه الساعة بحسب الاتفاق أو العقد الذي تم بينك وبين الراعية للطفل، وستقع على عاتقك مسؤولية مواصلاتها أو استبدالها في حال اعتذرت في اللحظة الأخيرة، أو في حال رفضتها العائلة أو وجدتها غير مناسبة.
الخبر الجيد هو أن هذا النوع من المشاريع لا يتوافر بكثرة في البلاد العربية وبالتالي فهو مطلوب بشدة لأنه تخصص غير مشبع، والخبر الأفضل أن العائلة إذا اطمأنت وارتاحت للتعامل مع وكالتك فلن تسعى لتجريب غيرك، وستحصلين على ساعات أكثر مع الوقت وعلى ترشيحاتهم لبقية العائلات.
المشروع الرابع إعادة تأهيل الألعاب والملابس
هذا المشروع الجميل الممتع هو من المشاريع التي تكاد لا تتوافر في البلاد العربية، وهو سهل إذا كنتِ تمتلكين المهارات اليدوية الفنية البسيطة، وعلى الرغم من أنه قد يكون أقل جدوى من المشاريع السابقة إلا أنه أقل تحملاً للمسؤولية، والجميل أنه صديق للبيئة وهذا النوع من المنتجات يزداد الإقبال عليه يوماً بعد يوم.
طريقة إدارة المشروع بسيطة للغاية تقوم على استقبال ملابس وألعاب الأطفال القديمة أو التي ترغب العائلات بالتخلص منها، وإعادة تأهيلها ومن ثم تنظيفها وتقديمها بشكل جميل وبيعها.
كثير من العائلات تبيع هذه الملابس والألعاب بأسعار بسيطة جداً، وبعضها ترغب بالتخلص منها دون مقابل، لكن بالطبع يجب أن يكون البيع بأقل من سعر السوق.
تحتاجين لصالة عرض، سواء داخل المنزل أو خارجه لبيع منتجاتك، وبإمكانك الاستغناء عنها إذا أحسنتِ ترويج بضاعتك على الإنترنت من خلال تأسيس صفحة خاصة بكِ.
دورات مجانية على الإنترنت
Coursera.org: على هذا الموقع تشكيلة كبيرة جداً من الدورات المجانية، التي تقدمها جامعات ومؤسسات عالمية، وستجدين عليه دورات خاصة بتقديم الرعاية للطفل. كما يحتوي الموقع على مبادرة خاصة تستهدف النساء، والتي ستقدم لكِ مجموعة من الدورات المجانية في كثير من الحقول كالتسويق والإدارة والرعاية.
edx.org: أيضاً يعرض العديد من الدورات التعليمية المجانية وغير المجانية التي توفرها جامعات معتمدة من أنحاء العالم. كما يمكن للراغبات الحصول على شهادة مصدقة مقابل الدفع.
FutureLearn.com: هو موقع آخر يقدم دورات مجانية من جامعات ومؤسسات تعليمية معروفة.
YouTube: لا تنسي أو تستهيني بالدروس المجانية والفيديوهات التعليمية على هذه المنصة، إذ تجدين كل شيء عليها.
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
مستخدم مجهول -
منذ 5 أيامربما نشهد خلال السنوات القادمة بدء منافسة بين تلك المؤسسات التعليمية الاهلية للوصول الى المراتب...
مستخدم مجهول -
منذ 5 أيامحرفيا هذا المقال قال كل اللي في قلبي
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعبكيت كثيرا وانا اقرأ المقال وبالذات ان هذا تماما ماحصل معي واطفالي بعد الانفصال , بكيت كانه...
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ أسبوعرائع. الله يرجعك قريبا. شوقتيني ارجع روح على صور.
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعحبيت اللغة.
أحضان دافئة -
منذ اسبوعينمقال رائع فعلا وواقعي