عندما تقرأ اسم "بوابة هوليود" Hollywoodgate على ملصق فيلم، فالتصور الأول أن تتهيأ لمشاهدة فيلم عن عالم هوليود المليء بالأسرار والحكايات المؤلمة خلف كل هذا اللمعان، كما قدم مخرجون كثيرون آخرهم داميان تشيزل في "بابل". لكن المخرج المصري الأصل إبراهيم نشأت يأخذك إلى بوابة أخرى تحمل اسم هوليود في آخر مكان يمكنك أن تتوقعه، في افغانستان، معقل طالبان.
بوابة هوليود "Hollywoodgate" هو اسم بوابة الدخول الرئيسية لقاعدة عسكرية في كابول تضم عدداً كبيراً من الطائرات الحربية التي استولت عليها حركة طالبان ضمن معدات وأسلحة عسكرية تقدر قيمتها بأكثر من 7 مليار دولار، خلفتها القوات الأمريكية وراءها إثر انسحابها السريع والفوضوي من أفغانستان في العام 2021، تلك التقديرات وفقاً لتقرير صادر عن وزارة الأمريكية "البنتاغون" في 2022.
قبل أيام، عرض الفيلم الوثائقي ضمن فعاليات الدورة 80 لمهرجان بينالي فينيسيا السينمائي الدولي. "بوابة هوليود" الذي تم تصويره في قلب أفغانستان، يتتبع أحد قادة حركة طالبان خلال العام الأول لسيطرة الحركة على حكم البلاد بعد انسحاب القوات الأمريكية في 2021.
يمثل "بوابة هوليود" الفيلم الوثائقي الطويل الأول للمصري المقيم في ألمانيا إبراهيم نشأت، وشارك الفيلم ضمن القسم الرسمي خارج المسابقة، بعد أن ظل مشروعاً سريا لفترة طويلة، يرفض القائمون عليه الإفصاح عن أية معلومات عنه أو عن مكان تصويره أو موضوعه، حتى أن المخرج والسيناريست طلال ديركى المنتج الرئيسي للفيلم والمشارك في كتابة السيناريو؛ أدلى بتصريح مبهم لمجلة فارايتى الأمريكية، أثناء عرضه لمشروع الفيلم في مهرجان CPH:DOX للأفلام الوثائقية في كوبنهاغن خلال شهر إبريل/ نيسان الماضي، رداً على التساؤلات المتكررة حول الفيلم وموضوعه.
حمل إبراهيم نشأت الكاميرا متتبعاً ملاوي منصور، قائد القوات الجوية الأفغانية التابعة لحركة طالبان وهو بين رجاله. ولكن عندما شكا أحدهم من تصويره لهم، رد منصور قائلاً:"إذا كانت نواياه سيئة؛ سيموت قريباً"
أكد طلال وقتها أنه فيلم مهم، لكنه رفض الإعلان حتى عن اسم مخرجه، مستخدماً اسماً مستعاراً بدلاً من اسم نشأت الحقيقي، مؤكداً أن الهدف هو حماية حياة المخرج من أي خطر، ولكن على الرغم من عرض الفيلم عالمياً والاحتفاء به في فينيسيا؛ ظلت حالة الخوف التي بدت واضحة حتى في بناء الفيلم نفسه مسيطرة على فريق العمل، وعلى المخرج بشكل خاص، الذي حرص على تضمين فيلمه جملة تهديد واضحة وجهها له أحد أعضاء حركة طالبان، الذين عاش بينهم فترات طويلة متقطعة على مدار عام كامل، لتصوير هذا الفيلم.
حمل نشأت الكاميرا متتبعاً ملاوي منصور قائد القوات الجوية الأفغانية التابعة لحركة طالبان، وهو بين رجاله ولكن عندما يشكو أحدهم من تصويره لهم يرد منصور قائلا "إذا كانت نواياه سيئة فهو سيموت قريباً".
ربما كان هذا سبباً رئيسياً في التزام نشأت طوال الفيلم بتصوير ما يُسمَح له به فقط، والاكتفاء برصد الواقع من دون أن يكون له كمخرج وجهة نظر واضحة في النسخة النهائية للفيلم، في حين أنه أكد خلال المؤتمر الصحفي الخاص بالفيلم في المهرجان، على أن هذه الطريقة في عرض الأحداث كانت مقصودة، حيث أراد أن يقدم للعالم صورة حقيقية من الواقع وعلى المشاهد أن يقرر بنفسه موقفه منها ومن حركة طالبان بناء على ما يراه.
استطاع إبراهيم أن يكتسب ثقة أعضاء حركة طالبان حتى يُسمح له بالتصوير، وكان صريحاً من البداية بأنه يريد أن يقدم صورتهم للعالم من خلال عينيه وعدسة الكاميرا، مع وعد بالالتزام بتصوير ما يريدونه فقط
وأكد نشأت أنه لا يرى أن الهدف من السينما توصيل الرسائل، ولكن من خلالها يمكن عرض الواقع، وعلى الناس تقرير ما يريدون فعله بالنتيجة. وقال "لسنا هنا لطلب تحرك أو إثارة قضية وإنما لعرض الواقع فقط، وعلى قادة العالم تحمل مسئولية التعامل مع هذا الواقع واتخاذ الخطوات المناسبة".
في المؤتمر ايضاً، اكد إبراهيم للحاضرين أنه استطاع أن يكتسب ثقة أعضاء حركة طالبان حتى يُسمح له بالتصوير على هذا الأساس، وكان صريحاً من البداية بأنه يريد أن يقدم صورتهم للعالم من خلال عينيه وعدسة الكاميرا، مع وعد بالالتزام بتصوير ما يريدونه فقط، لذا نرى ملاوي في أكثر من مشهد في الفيلم وهو يملى على رجاله تعليمات بمنع نشأت من تصوير بعض الأشياء مثل حاويات الأسلحة وطائرات محطمة كانت تسعى طالبان لإصلاحها واستغلالها.
عمل نشأت في الصحافة لأكثر من عشر سنوات قبل أن يتجه إلى السينما، ويقول إنه تعلم من خلالها طرق الوصول لقادة العالم، وكانت عودة طالبان للحكم بعد انسحاب القوات الأمريكية من أفغانستان الحافز بالنسبة له لمحاولة الوصول إلى قيادات الحركة في هذا التوقيت، ورصد مدى تأثير عودتهم والانسحاب الأمريكي على حياة الشعب الأفغاني، واستطاع بالفعل الوصول لشخص قريب من القيادة العليا لكنه حسبما يروي: "اختفى وانقطع التواصل معه تماماً بمجرد وصولي لأفغانستان"، لكن المترجم الأفغاني الذي صاحبه اقترح عليه زيارة هذه القاعدة العسكرية وتحولت تناقضاتها لموقع رئيسي لتصوير الفيلم، بعد إقناع ملاوي منصور بالموافقة.
طالبان لم ترث من قوات الناتو والقوات الأمريكية المنسحبة الأسلحة العسكرية والمعدات فقط، وإنما ورثت أيضاً سلاحاً أخر أقوى، وهو سلاح الإعلام والميديا وبدأت تضعه في أجندتها المستقبلية، ويحاول الفيلم لفت الانتباه لهذه النقطة الخطيرة
بدأ نشأت تصوير فيلمه في 31 أغسطس/ آب 2021، وهو اليوم التالي لمغادرة آخر جندي أمريكي لأفغانستان، وأشار المنتج الأمريكي شين بوريس المشارك أيضاً في كتابة سيناريو الفيلم إلى أن احد الأسباب الرئيسية التي سمحت لنشأت بتصوير فيلمه والتحرك بحرية بين أعضاء حركة طالبان، هو التوقيت نفسه، موضحاً أنه بعد انتهاء الحرب المستمرة منذ أكثر من 20 عاماً باستيلاء طالبان على الحكم أخيراً؛ سادت حالة من النشوة، سمحت بفتح نافذة محدودة للدخول، لأن حركة طالبان أرادت أن تظهر للعالم هذا الشعور بنشوة النصر وتزهو به.
وأكد بوريس أن طالبان لم ترث من قوات الناتو والقوات الامريكية المنسحبة الأسلحة العسكرية والمعدات فقط، وإنما ورثت أيضاً سلاحاً أخر أقوى، وهو سلاح الإعلام والميديا وبدأت تضعه في أجندتها المستقبلية، مشيراً إلى أن الفيلم يحاول لفت الانتباه أيضا لهذه النقطة الخطيرة.
تعانى أفغانستان من أزمات اقتصادية ومجاعات ولا يستطيع الشعب الأفغاني الاستمرار بدون مساعدات الأمم المتحدة وبرنامج الأغذية العالمي، بينما يفرض المجتمع الدولي عقوبات على أفغانستان تمنع وصول جزء كبير من هذه المساعدات على أمل تقييد الخناق على حركة طالبان واجبارها على التخلي عن بعض القرارات المناهضة للحريات، مثل منع عمل النساء في المؤسسات الحكومية، بينما يؤكد إبراهيم أن مثل هذه العقوبات لا تؤثر على طالبان بقدر ما يعاني منها الشعب الأفغاني المجبر على الحياة في مثل هذه الظروف القاسية تحت قيادة طالبان بعد أن تخلى عنه العالم.
وعلق المنتج والمخرج السوري طلال ديركى على هذا قائلاً "ما يحدث في أفغانستان هو أوضح مثال على عدم جدوى الحروب، فهى فكرة فاشلة يدفع ثمنها الشعوب التي صدقت الوعود تحت مسمى الديموقراطية".
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
مستخدم مجهول -
منذ يومكل التوفيق ومقال رائع
Ahmad Tanany -
منذ 5 أيامتلخيص هايل ودسم لجانب مهم جداً من مسيرة الفكر البشري
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعلا يوجد اله او شئ بعد الموت
Mohammed Liswi -
منذ أسبوعأبدعت
نايف السيف الصقيل -
منذ أسبوعلا اقر ولا انكر الواقع والواقعة فكل الخيوط رمادية ومعقولة فيما يخص هذه القضية... بعيدا عن الحادثة...
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ اسبوعينمقال بديع ومثير للاهتمام، جعلني أفكر في أبعاد تغير صوتنا كعرب في خضم هذه المحن. أين صوت النفس من...