هل استيقظتُم في منتصف الليل على صداعٍ شديد أو ألمٍ في المعدة؟ وحين ألقيتم نظرة على تاريخ الصلاحية وجدتَم الدواء مُنتهياً؟
أسئلة كثيرة تتبادر إلى الذهن في مثل هذه الحالة: "هل نتحمل الألم حتى الصباح لتفتح الصيدليات أبوابها؟ أم هل نأخذ الدواء رغم الصلاحية المنتهية؟ هل ستكون فعاليته ضعيفة أم معدومة؟ والأهم من ذلك هل يمكن أن يتسبب بآثار جانبية أو ضرر؟
كل هذه الأسئلة وغيرها سنجيبكم عليها وفق أحدث الدراسات العلمية الموثوقة وتصريحات الأطباء المختصين.
في الحقيقة، لم تكن شركات الأدوية تضع تاريخ انتهاء الصلاحية على الدواء، إلى أن أُلزمت في عام 1979 من قبل هيئة الغذاء والدواء الأمريكية، ولنكون دقيقين أكثر لا يُمثل تاريخ انتهاء صلاحية الدواء التاريخ الذي تنتهي عنده فعالية الدواء، بل هو التاريخ الذي لا تضمن بعده الشركة المُصنعة للدواء احتفاظه بالخصائص الكيميائية والفعالية الكاملة، أي أنه يُمكن أن يكون فعالاً بعد ذلك التاريخ بنسب متفاوتة.
المستشفيات لا تتخلص من الأدوية فوراً
تقول مريم (55 عاماً) التي تعمل على صاجٍ بسيط في أحد الأحياء الشعبية في مدينة حمص لرصيف22: "أستلم بين الحين والآخر أدويةً مجانيةً توزعها المستشفيات، ولكن صلاحيتها تكون على وشك الانتهاء حسب ما هو مدونٌ على العلبة، لكنني آخذها على أية حال لأنني لا أستطيع تحمل تكاليف أدوية القلب والضغط والسكر والمميع".
لم تكن شركات الأدوية تضع تاريخ انتهاء الصلاحية حتى عام 1979 حين ألزمت من قبل هيئة الغذاء والدواء الأمريكية، وهو التاريخ الذي لا تضمن الشركة بعده احتفاظه بالخصائص الكيميائية والفعالية الكاملة
غير أنّ السيدة مريم لم تأخذ تلك الأدوية التي انتهت صلاحيتها إلا بعد أن استشارت جارتها الممرضة التي تعمل في مستشفى خاص إلى جانب عملها في المستشفى الحكومي، حيث أخبرتها أنّ أيّ دواء يبقى فعالاً ستة أشهر بعد التاريخ المطبوع، وأن المستشفيات التي عملت بها تتعامل وفق هذه القاعدة.
من أفضل الأدلة التي تُثبت أنّ فعالية بعض الأدوية قد تستمر بعد انتهاء تاريخ صلاحيتها هو برنامج "تمديد مدة الصلاحية" (SLEP) الذي تقوم به هيئة الغذاء والدواء (FDA) لصالح وزارة الدفاع الأمريكية. وقد كان الهدف الأساسي من برنامج "SLEP" هو تحديد العمر الافتراضي للأدوية الموجودة في مستودعات وزارة الدفاع من أجل استخدامها في المستقبل، وبالتالي توفير المال على الحكومة.
وبعد فحص الباحثين لأكثر من 3000 عينة تمثل 122 منتجاً دوائياً مختلفاً، تبيّن أنّ 88٪ لا تزال فعّالة بعد تاريخ انتهاء الصلاحية الأصلي بمتوسط 66 شهراً، وما يقارب 12٪ من العينات ظلت صالحة للاستخدام بعد أكثر من 4 سنوات من تاريخ انتهاء صلاحيتها.
فياجرا مُنتهية الصلاحية
يعمل يامن (32 عاماً) في أحد محلات الشاورما، وهو يستخدم الفياغرا بشكلٍ دائم قبل ممارسة الجنس بناءً على توصية الطبيب، بسبب مشاكل الانتصاب التي يعاني منها بعد تعرضه لرضوضٍ متعددة على قضيبه في طفولته ومراهقته إثر التعنيف الذي كان يتعرض له من قبل والده، يقول لرصيف22: "فتحتُ باب منزلي الصغير في الواحدة بعد منتصف الليل ممسكاً يد صديقتي بعد سهرة في أحد المقاهي، ولما دخلَت لتستحمّ لتزيل آثار التعرق الناجم عن الرطوبة الخانقة التي تتميز بها اللاذقية في الصيف، ذهبتُ إلى البرّاد لأتناول الحبة الزرقاء وكان لديّ الوقت الكافي لأنظر من باب الاطمئنان إلى تاريخ الصلاحية، وقد تفاجأتُ به منتهياً منذ أربعة أشهر".
لم يجد يامن في ثلاجته غير علبة فياغرا منتهية الصلاحية، لكنها استخدمها على أية حال، وأدت المطلوب منها على أكمل وجه
هنا شعر يامن بالذعر، فهذه المرة الأولى التي سيمارس فيها الجنس مع حبيبته الجديدة، وهو لا يريد تخييب آمالها أو أن يظهر ناقص الرجولة أمامها، يكمل : "كانت الصيدليات مغلقةٌ في هذا الوقت، لذا وجدتُ نفسي مجبراً على تناول الفياغرا منتهية الصلاحية متمنياً أن يكون مفعولها سارياً وألا أتعرّض لموقفٍ محرجٍ أمام صديقتي، تذكّرتُ كلام أحد الأصدقاء أنّ الأدوية منتهية الصلاحية إذا لم تنفع لا تضر، وعلى هذا الأساس تناولتُ الدواء".
ويكمل: "كان مفعول الدواء ممتازاً كما هي العادة، ولم أواجه أيّ مشكلةٍ في الانتصاب في كل مراحل العلاقة الحميمة، لكنّ بعض الخوف من انتهاء مفعولها فجأةً نغّص عليّ قليلاً، لكنّ الأهم أنّ تلك الليلة قد انقضت على خير".
الدراسات تقول احتفظوا بها... لكن
أظهرت الاختبارات الواردة في "The Medical Letter" أن الكثير من الأدوية تبقى فعالة لعقود بعد مرور تاريخ انتهاء صلاحيتها الافتراضي. وقد بين الخبراء عدم وجود تقارير منشورة عن سمية بشرية بسبب الابتلاع أو الحقن أو التطبيق الموضعي لأي تركيبات دوائية بعد تاريخ انتهاء صلاحيتها (عدا دواء التتراسكلين).
رغم ذلك يصعب على أي مستهلك أو طبيب معرفة أي منتج في خزانة الأدوية يمكن أن يكون له مدة صلاحية أطول من الافتراضية. وتختلف قدرة الدواء على البقاء فعالاً حسب مكوناته الكيميائية، ونوعية المواد الحافظة وتقلبات درجات الحرارة وتعرضه للضوء والرطوبة وظروف التخزين الأخرى.
لا تتخلص المستشفيات من الأدوية فور انتهاء صلاحيتها، وبشكل عام، كلما كان شكل الدواء أكثر صلابة كان أقل قابلية للعطب، فالحبوب أكثر ثباتاً من التحاميل، والأخيرة أكثر من المراهم والكريمات، والمراهم أكثر من الشرابات
وحول الأدوية والقطرات العينية يقول الدكتور رافع شعبان، أخصائي في طب العيون وجراحتها من فرنسا لرصيف22: "تعتبر القطرات العينية سريعة العطب مقارنةً بغيرها، وتحتاج إلى تخزينها بعيداً عن الضوء. مثلاً بعد إجراء عملية الساد أو (المي الزرقة) أصف لمرضاي قطرة مضاد حيوي وأخرى كورتيزونية، وأوصيهم باستخدامها حتى انتهاء القطرة منعاً لاستخدامها بعد ذلك بشكل فردي".
من جهة أخرى، يقول الصيدلاني هادي فاضل لرصيف22: "لا يوجد قاعدة واضحة بخصوص تناول الأدوية مُنتهية الصلاحية، ولكن ما نعرفه نحن كصيادلة أن لدينا ستة أشهر بعد انتهاء صلاحية الدواء، وهذه قاعدة نظرية بحتة، أما من الناحية العملية فيوجد أكثر من ذلك، وهناك ما يعود إلى نوع الدواء وشكله الصيدلاني، بشكل عام، كلما كان شكل الدواء أكثر صلابة كان أكثر ثباتاً وأقل قابلية للعطب، فالحبوب أكثر ثباتاً من التحاميل، والأخيرة أكثر من المراهم والكريمات، والمراهم أكثر من الشرابات، وهكذا".
وأضاف "القاعدة التي نستند عليها كصيادلة أنه طالما لم يحدث أي تغيير في الخواص الفيزيائية من شكل ولون وطعم ورائحة، يُعتبر الدواء فعالاً ويمكن استخدامه".
وعن سؤالنا فيما إذا كان الدواء مضراً في حال تناوله بعد انتهاء صلاحيته يجيب فاضل "على العكس من ذلك، في حال انتهت صلاحية الدواء ستكون المادة الفعالة قد قلّت ضمن الدواء، وبالتالي فإنّ الآثار الجانبية تصبح أقل، لذا لا يوجد أي ضرر في حال لم نستفد منه".
ونقل فاضل عن أحد أصدقائه وهو صاحب أحد معامل الأدوية في ألمانيا أنه يكفل أدويته لمئة عام بعد انتهاء صلاحيتها، وعن تجربته الشخصية "أستخدم أنا وأهلي العديد من الأدوية منتهية الصلاحية سواءً من خلال التطبيق الموضعي أو الجهازي منذ سنوات، مع تحقيق كامل الفعالية ودون أي آثار جانبية، حتى المرضى الذين يُراجعون صيدليتي ويعرفونني ويثقون بي، فإنهم يأخذون الأدوية مُنتهية الصلاحية مع دفع ثمنها بشكل كامل وإلى الآن لم تصلني أي شكوى".
بعض الأدوية يجب التخلص منها
غير أنّ الدكتور عدي جوني، أخصائي طب الأطفال وحديثي الولادة، وأستاذ كلية الطب في جامعة تشرين له رأيٌ آخر، يقول لرصيف22: "بدأنا نقرأ ونشاهد عبر وسائل التواصل الاجتماعي أخباراً عن سلامة وأمان الكثير من الأدوية المنتهية الصلاحية، أنا هنا أريد أن أنبه إلى ضرورة الحذر من تناول أدوية منتهية الصلاحية، لأن التأثيرات الناجمة عن انتهاء الصلاحية قد تكون على شكل تفاعلات تحسسية، تأثيرات سمية، إطالة فترة الأمراض الإنتانية، اضطراب عمل القلب، اضطرابات بصرية وغيرها".
لكن... لا ينصح بالاحتفاظ بخافضات السكر الفموية، وحقن الأنسولين، وأدوية الضغط وتنظيم ضربات القلب، والصادات الحيوية
وأضاف جوني: "حيث أنّ ظروف وشروط التخزين الدوائي ولفترة طويلة قد تلعب دوراً في تبدل الخصائص الكيميائية للدواء، وبالتالي فإنّ انتهاء فترة الصلاحية قد يؤدي إلى نقص فعاليته أو إلى آثار جانبية مختلفة قد تهدد حياة المريض".
هذا وينصح الخبراء بالتخلص من الأدوية الموحدة على شكل محلول، وخاصة الأدوية القابلة للحقن، إذا كان المنتج يحوي رواسب أو يبدو عكراً أو متغير اللون. كذلك الأدوية السائلة مثل قطرات العين والأذن والشرابات الفموية التي تحتوي على مواد حافظة، قد تكون غير آمنة بعد تاريخ انتهاء صلاحيتها، لأنّ المواد الحافظة القديمة تصبح وسطاً مناسباً لنمو البكتيريا في المحلول.
ومن الجدير بالذكر أنّ هنالك أدويةً لا يُنصح بتناولها بعد انتهاء صلاحيتها مثل خافضات السكر الفموية وحقن الأنسولين وأدوية الضغط وتنظيم ضربات القلب والصادات الحيوية، لأنّ لهذه الأدوية وظائف حساسة ودقيقة، وإن لم تُعطِ مفعولها بشكلٍ كامل فإنّ ذلك قد يؤدي إلى مشاكل خطيرة.
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
مستخدم مجهول -
منذ يومكل التوفيق ومقال رائع
Ahmad Tanany -
منذ 5 أيامتلخيص هايل ودسم لجانب مهم جداً من مسيرة الفكر البشري
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعلا يوجد اله او شئ بعد الموت
Mohammed Liswi -
منذ أسبوعأبدعت
نايف السيف الصقيل -
منذ أسبوعلا اقر ولا انكر الواقع والواقعة فكل الخيوط رمادية ومعقولة فيما يخص هذه القضية... بعيدا عن الحادثة...
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ اسبوعينمقال بديع ومثير للاهتمام، جعلني أفكر في أبعاد تغير صوتنا كعرب في خضم هذه المحن. أين صوت النفس من...